وقعتُ في حب سوبرمان!

مَن منّا لا يعرف ذلك البطل الخرافيّ الذي ملأ طفولتنا بمغامراته الشيّقة، وأنقذ المئات مِن النساء والأطفال وكلّ مَن هم بحاجة إلى شهامته الأسطوريّة؟ أنا أيضاً كنتُ أقرأ بشغف قصصه المصوّرة، وأشاهدُ أفلامه المليئة بالتشويق حتى صارَ سوبرمان يُمثّل بالنسبة إليّ صورة الرجل المثاليّ. فـ "كلارك كِنت" لَم يكن بطلاً فحسب، بل وسيمًا للغاية يُحبّ "لويس" الصحافيّة حبًّا عذريًّا ويكتفي بتقبيلها بين الحين والآخر.

بقيَ ذكرُ هذا البطل في زاوية مِن ذهني طوال مُراهقتي، وحتى عندما كبرتُ وتخرّجتُ مِن الجامعة ولاحقًا صِرتُ أعملُ. وخلال ذلك الوقت، لَم أجد الحبّ، وكيف أفعل، وكل الشبّان والرجال الذين التقَيتُهم كانوا بغاية السخافة أمام مواصفات الذي أرَدتُه في حياتي. لكنّني لَم أكن أبالي، فقد كنتُ مُتأكّدة مِن أنّني سألتقي يومًا بالذي سيجعلُ قلبي يدقّ بسرعة.

وحصَلَ أن التقَيتُ بسوبرمان. ليس هو نفسه طبعًا، بل شبيهه، أو بالأحرى أخوه التوأم. كان عادل نسخة طبق الأصل عن بطلي مِن حيث الملامح وتقاطيع الجسم. وقفتُ أمامه مذهولة غير قادرة على التفوّه بكلمة واحدة إلى حين قالَت لي صديقتي التي التقَيتُها صدفة في الطريق بعد غياب طويل:

 

ـ ما الأمر؟ ألن تلقَي السلام على خطيبي عادل؟

 

أجل، كان الرجل المثاليّ هو خطيب سلمى، صبيّة كبرتُ معها في الحيّ نفسه. هي سافرَت ومِن ثمّ عادَت إلى البلد، لكنّني لَم أرَها منذ افترَقنا.

 

ـ بلى... سأُلقي التحيّة عليه طبعًا... أهلاً يا عادل... مبروك عليكما الخطوبة.

 

كنتُ قد قلتُ ذلك وصوتي يرتجفُ وقلبي يبكي مِن الخَيبة. صحيح أنّني كنتُ أحبُّ سلمى، إلا أنّني غضبتُ وغرتُ منها على هكذا حظّ. لماذا هي وليس أنا؟ لا أذكرُ أنّها تحبُّ سوبرمان أو يعني لها أيّ شيء فلماذا لَم تجِد لنفسها رجلاً عاديًّا كالموجودين بالآلاف؟ ولولا الذي قالَته لي بعد ذلك، لكان انتهى الموضوع بالحال. لكنّها أضافَت:

 


ـ صحيح أنّنا خطبنا بعضنا، إلا أنّنا لَم نحتفلُ بعد فعليًّا. لِذا عليكِ المجيء ومشاركتنا فرحتنا. تذكرين أين أسكن، أليس كذلك؟

 

لَم أجد حجّة مُقنعة لعدم حضور حفل الخطوبة، فرحتُ في الموعد المذكور إلى بيت أهل سلمى. هناك إستقبلَني الجميع بفرَح بعد أن اشتاقوا لوجودي بينهم. وطوال الحفل، كنتُ أراقبُ الخطيبَين لأرى إن كان عادل يُحبُّها فعلاً أم أنّه قابل لتغيير رأيه قبل فوات الأوان. فكلّ الذي أرَدتُه كان فرصة لأدخل حياته وأريه كَم أنّني قادرة على إسعاده. عدتُ إلى البيت وقلبي حزين وبكيتُ طوال الليل.

مرّة أخرى كانت سلمى هي التي أثّرَت على مجرى الأحداث حين اتّصلَت بي بعد يومَين لتدعوني إلى المطعم مع خطيبها. كانت تُريدُ معرفة كلّ الذي فاتَها خلال غيابها عنّي والإطمئنان عليّ. لَم أمانع، بل قبلتُ بسرعة، فكنتُ أتوق لرؤية بطلي مِن جديد.

قضَينا وقتًا مُمتعًا نحن الثلاثة، ولَم أنسَ إلقاء نظرات مُغرية لعادل والتصريح بأنّني أحبُّ المغامرة والرجال الأقوياء الذين لا يتأخّرون عن مُساعدة مَن هم في مأزق. بدا حديثي غريبًا، لكنّني كنتُ واثقة مِن أنّ عادل سيفهمُ قصدي، ويعلمُ أنّني قادرة على تقدير مزاياه أكثر مِن خطيبته.

وصِرتُ مهووسة بعادل، لا أفكّر بسواه وبالطريقة التي سآخذه مِن سلمى. لَم يهمّني أنّها صديقتي أو أنّ ما أخطّطُ له غير أخلاقيّ، بل كنتُ أريدُ ذلك الرجل... مهما كلّفَ الأمر.

لِذا أصبحتُ ألاحقُ الثنائيّ أينما ذهبا، أُراقبُهما عن بعد، وعن قرب عندما كانت سلمى تدعوني لموافاتهما حيث هما. وبتُّ أعرفُ كلّ شيء عنهما، أسرارهما وحين يتشاجران وحول ماذا. جمعتُ معلومات لا تُحصى خوّلَتني عَيش حياتهما وكأنّها حياتي.

وهذا الإهتمام أدّى إلى إهمالي لعملي، فتمّ صرفي. لَم يهمّني الأمر بتاتًا، فما حاجتي للعمل عندما أُصبحُ حبيبة عادل، أو مِن يدري، زوجته؟ الحقيقة أنّني لَم أكترث لأمر الزواج منه، فوجوده معي كان كافيًا حتى لو كان ذلك بالحرام. أجل، كنتُ قد تخلَّيتُ عن كلّ القيَم باسم حبّي المجنون لشبيه سوبرمان. لستُ فخورة بنفسي، لكنّ حالتي العقليّة آنذاك كانت قد سيطَرت على كلّ شيء.

وذات ليلة إنتظرتُ عادل أمام مدخل مبناه. كان برفقة سلمى وأوصلَها إلى بيتها. علِمتُ كلّ ذلك مِن مراقبتي الدؤوبة للثنائيّ. وعندما رآني عادل واقفة أمامه، سألَني إن كنتُ بخير فتحجّجتُ بأنّني في مأزق وأريدُ رأيه الشخصيّ كَونه رجلاً حكيمًا ومُتّزنًا، شرط ألا يُخبرَ خطيبته بالأمر.

صعدنا إلى شقّته التي تصوّرتُها شقّتي المُستقبليّة، وهناك جلَسنا لأحكي له عمّا يُقلقُني. لكنّني لَم أقل شيئًا، بل اكتفَيتُ بالجلوس بالقرب منه والنظر إليه بشغف. وبعد دقائق، قبّلتُه بقوّة. مِن ثمّ، بادَلَني هو القبلة وانتهى بنا الأمر في السرير. كان الموضوع أسهَل ممّا تصوّرتُ، فانتظرتُ منه أن يُقاومَني ولو بعض الشيء، لكنّ الكثير مِن الرجال لا يُفوّتون هكذا فرصة. وبعد حوالي الساعتَين، عدتُ إلى البيت فخورة بنفسي، خاصّة أنّنا اتّفقنا على اللقاء في مساء اليوم التالي.

وبدأَت علاقتنا السرّيّة التي دامَت حوالي السنة. لَم يبدُ على سلمى أنّها على علم بشيء، فهي بقيَت صديقتي.

وجاء يوم زفاف عادل وسلمى. كنتُ قد تمنَّيتُ طبعًا ألا يتزوّج حبيبي مِن أخرى أو بتاتًا، إلا أنّه شرَحَ لي أنّ لا شيء سيتغيّر بيننا بل سيبقى وفيًّا لي... في ذهنه.

 


ولكن بعد الزفاف، الذي حضرتُه باكيةً، إنقطعَت إتّصالات عادل لي ودعوات سلمى لزيارتهما. لَم أفهَم السبب لهذا التغيير، وردَدتُ الأمر إلى ما يُسمّونه شهر العسل حيث على عادل أن يلعَب دور الزوج المُتيَّم. إلا أنّ انتظاري طالَ، وفهمتُ بعد ذلك أنّ حبيبي غيَّرَ رقم هاتفه وكذلك سلمى. هل اكتشفَت صديقتي علاقتي بعادل وهدّدَته؟ كان لا بدّ لي أن أعرفَ الجواب، فقد كدتُ أجنَّ مِن دون السوبرمان الخاصّ بي!

لِذا رحتُ أدقّ باب الزوجَين لأعرف ما الذي سيحلُّ بي.

فتحَت لي سلمى وتفاجأت بوجودي أمامها، إلا أنّها دعَتني للدخول. نظرتُ مِن حولي لأرى إن كان عادل موجودًا فقالَت لي صديقتي:

 

ـ إنّه يستحمّ.

 

إحمرّ وجهي فكيف لها أن تعلم أنّني أريدُ رؤية زوجها؟ إبتسمَت سلمى وحضّرَت لنا القهوة. جلسنا في الصالون وسط سكوت مُرعج. مِن ثمّ قلتُ لها:

 

ـ لقد اشتقتُ لكِ يا سلمى... مرّ زمنٌ طويل على آخر لقاء لنا... أي يوم زفافكِ.

 

ـ صحيح ذلك، فلَم يعد هناك مِن سبب لأراكِ.

 

ـ وهل تحتاج الصداقة إلى أسباب؟!؟

 

ـ أنتِ قُلتِها: الصداقة. لكنّكِ لستِ صديقتي، فلقد خنتِها يوم قدّمتِ نفسكِ لعادل.

 

ـ ماذا؟!؟ أنا لم...

 

ـ لن ينفع الإنكار... لكن دعيني أعترفُ لكِ بشيء: أنا الأخرى لَم أكن صديقة حقيقيّة لكِ.

 

ـ لَم أفهم.

 

ـ تعلمين كيف هم الرجال... آه صحيح، تعلمين ذلك جيّدًا. أقصدُ هم بحاجة إلى علاقات جنسيّة طوال الوقت وأردتُ الحفاظ على شرَفي قبل الزواج، على خلافكِ. دعيني أكمل! لِذا رأيتُ أنّكِ مُناسبة لعادل، أي أنّ ليس لدَيكِ ذرّة أخلاق، وهو بإمكانه أن يتسلّى معك حتى يأتي وقت زواجنا.

 

ـ لقد استغلّيتِني؟!؟

 

ـ أجل ولا. كان بإمكانكِ عدم تسليم نفسكِ له، فهو لَم يُجبركِ على شيء، بل كنتِ أنت التي ذهبتِ إليه. للانسان دائمًا حرّيّة القرار.

 

ـ يا إلهي!

 

ـ هاهاها! لو ترَين وجهكِ الآن! لقد لحقتِ بنا أينما ذهبنا... أجل كنتُ أعرفُ ذلك أيضًا... وخطّطتِ ونفّذتِ ومِن ثمّ تندهشين لخطّطي البسيطة؟ إرحلي الآن مِن بيتي!

 

ـ أريدُ أن أسمَع مِن عادل أنّه لا يُريدُني.

 

وظهَرَ عادل مِن خلف الحائط وقال لي بأسف:

 

ـ يجدرُ بكِ الرحيل الآن.

 

ركضتُ خارجًا وبكيتُ طوال الطريق. كم كنتُ بلهاء... ومريضة! فلقد استوعبتُ مدى هوَسي بسوبرمان حتى وصَلَ الأمر بي إلى الإنحلال الخلقيّ.

رحتُ بعد فترة إلى طبيب نفسيّ واكتشفتُ أنّ سبب حالتي هو والدي. فأبي كان ولا يزال إنسانًا ضعيفًا لا رأي ولا قرار له، وافتقدتُ صورة الأب القويّ. وحين وجدتُ أخيرًا الرجل الذي أنا بحاجة نفسيّة له، أي شبيه سوبرمان، خفتُ أن أخسره وأقضي باقي حياتي أبحثُ عنه مِن جديد، ففعلتُ ما لَم أكن لأفعله في أيّ ظرف آخر.

لقد شفيتُ الآن ولَم أعد أريدُ سوى رجل عاديّ. لكنّ ما فعلتُه بنفسي وموقفي مِن عادل وسلمى لا يزال يُعذّبُني. آملُ أنّني سأرتاحُ قليلاً بسرد قصّتي ويتّعِظ البعض مِن الذي فعلتُه وجرى لي. وآملُ أيضًا أن أُسامحَ نفسي قريبًا لأتمكّن مِن مُتابعة حياتي بسلام.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button