مدرّسة مُنحرفة (الجزء الأول)

يظنُّ الناس أنّ التحرّش الجنسيّ مِن قِبَل امرأة بشاب أمر غير خطير، بل أنّ ذلك قد يُساهم في تكريس ذكوريّته. لكنّ التحرّش هو اعتداء فعليّ يُمارسُه إنسان على آخرٍ وبدون الحصول على موافقته. فحين تكون الضحيّة في موقف أو سنّ لا يسمحان له بالرفض أو حتى فَهم ما يجري، يُعتبَر الأمر جريمة بحدّ ذاتها. وهذا ما حصلَ لي حين كنتُ تلميذًا، ولقد عانَيتُ مُطوّلاً مِن تداعيات ما فعلَته لي تلك المرأة.

كنتُ في سنّ الرابعة عشرة وكنتُ طويل القامة وبُنيَتي قويّة، ممّا أعطاني شكلاً أكثر نضوجًا، ناهيكَ عن الشعر الذي بدأ يكسو وجهي وازدياد البحّة في صوتي. للحقيقة، ضايقَني الأمر قليلاً، فأحيانًا كان رفاقي يسخرون منّي ويُنادوني "الرّجُل الصغير"، لكنّ أبوَيّ طمأناني في ما يخصّ بلوغي السريع، قائلَين إنّني سأعتادُ على الأمر لأنّ هذه المرحلة هرمونيّة وحسب. لَم أفَهم حقًّا معنى كلمة "هرمونيّة"، فلَم يُجرِ أحد معي ذلك الحديث الذي يتجنّبُه الأهل غالبًا. إضافة إلى ذلك، لَم تُقِم لنا المدرسة جلسات تربية جنسيّة كما يحصلُ في بعض المؤسّسات التربويّة. لذا إكتفَيتُ وباقي شبّان الصفّ بالتحديق برسمة امرأة عارية في كتاب العلوم الطبيعيّة ووجهنا محمرٌّ مِن الخجَل. كنتُ طبعًا قد لاحظتُ التغيّرات التي حصلَت لي جسديًّا، لكنّ فكرة الجنس بحدّ ذاته لَم تلمُس ذهني على الإطلاق. وهكذا، لَم أنتبِه في البدء، إلى الإشارات الصادرة مِن المُفترِسة، أيّ مُدرّستي. لا تُسيؤوا فهمي، فلستُ أروي قصّتي للتلميح بأنّ كلّ المُدرّسات مُفترِسات جنسيًّا، بل أنّ هناك صنفًا نادرًا جدًّا منهنّ موجود ولا يُلاحظُه أحد. فإن قامَ مُدرّس ذكر بأيّ حركة تجاه تلميذة، ينتبِه إليه الكلّ ويصفونه بالمُنحرف، ويُطرَد مِن المؤسّسة على الفور، لأنّ الذكور في ذهننا وبسبب الإحصاءات، أكثر مِن الإناث انحرافًا.

 

في البدء، كانت مُدرِّستي تكتفي بالنظَر إليّ بإمعان خلال الحصّة، وتبتسمُ لي كلّما أجبتُ على سؤال، الأمر الذي شجّعَني على المُشاركة أكثر في الصفّ. ثمّ صارَت علاماتي أفضل مِن قَبل، ليس بالضرورة لأنّني أجبتُ جيّدًا على أسئلة الامتحان، بل لأنّ التصليح كان أكثر "مرونة". لَم أقُل شيئًا آنذاك، فمَن يرفضُ بعض العلامات الإضافيّة؟

بعد ذلك، بدأَت المُدرِّسة بالتقرّب منّي جسديًّا، أي بِوضع يدها على كتفي حين تمرُّ بين المقاعد، وتُقرّبُ وجهها مِن وجهي لتلفتَ نظري إلى "خطأ كتابيّ" ارتكبتُه. أعلَمُ أنّ العديد مِن المُدرِّسات تفعلنَ ذلك مِن دون أيّ سوء نيّة، لكن تلك المرأة كانت بالفعل مُركِّزة عليّ وحدي. إنتبَهَ رفاقي إلى الأمر، وصاروا يُمازحوني مُقلّدين المُدرِّسة وهي تتفاعل معي ومُتمنّين لو كانوا مكاني. حتى ذلك الحين، لَم أكن قد انتبَهتُ لشيء. فصِرتُ ألتفِتُ مِن حولي أثناء تواجدي في حصّة تلك المُدرِّسة، لأرى إن كانت تتصرّف مع الآخرين بالطريقة نفسها، والجواب كان لا. عندها شعرتُ بمزيج مِن الإحراج والفخر: الإحراج بالنسبة لرفاقي والفخر لأنّني مُميّز عنهم، ربّما لشطارة لَم أكن أدري بها. وبدأتُ أنتظرُ حصّة المُدرِّسة لأستمدّ منها معنويّات إيجابيّة وهي لَم تبخل عليّ، بل العكس. وسرعان ما وُلِدَ بيننا رابط خفيّ أعجبَني ودفعَني إلى العمَل لتحسين علاماتي واستحقاق هكذا مُعاملة.

ووسط ذلك المناخ، عرضَت المُدرِّسة عليّ البقاء بعد الدوام للحصول مِن قِبَلها على دروس إضافيّة، إذ كانت الإدارة قد أمَّنَت للذين يودّون ذلك وضع أولادهم في هكذا صفوف، وكان التلامذة قليلو العدَد. وبِدوري عرضتُ على أهلي فكرة الالتحاق في ذلك البرنامج، وأمام إصراري وحججي العديدة قبلوا معي. كان هدفي الانصياع لطلَب مُدرِّستي التي لَم تنفكّ عن تشجيعي، والإثناء على جهودي وإعطائي معنويّات قويّة أمام رفاقي.

بدأتُ تلك الدروس الشبه خصوصيّة في جوّ مِن الحماس، وصرتُ متفوّقًا على زملائي، أو على الأقلّ حسبتُ ذلك. ولكن اتّضَحَ لي أنّ علاماتي كانت مُبالغًا بها، الأمر الذي سبّبَ لي بعض الإحباط. ثمّ عدتُ وقلتُ لنفسي "وإن يكُن!".

وجدَت المُدرِّسة أنّ حضور تلامذة آخرين صفوف التقوية معي يمنعُني مِن التقدّم فعلاً، فاقترحَت عليّ أن أُتابع الدروس نفسها في بيتها. إلا أنّها أضافَت أنّ ذلك مُنافٍ لقانون المدرسة، فالقيّمون يخافون مِن أن يجني المُدرّسين مالاً إضافيًّا، وجعلَتني أقسمُ لها بأن يبقى ذلك سرًّا بيننا. نتقاسمُ سرًّا؟!؟ يا للحماس! أكّدتُ لها أنّني سأظلُّ أدّعي أنّني أتبعُ دروس التقوية في المدرسة، وهي استطاعَت إيجاد بديلة لها للقيام بمهامها.

 

وهكذا صرتُ أنتظرُ المُدرِّسة في حَيّ موازٍ للمدرسة، وهي تمرُّ بي لأخذي إلى بيتها. كنتُ أختبئ في الجزء الأسفل مِن مقعد المركبة ولا أُطلُّ رأسي إلا حين نصل. مسكن تلك المرأة كان صغيرًا ولكن جميلاً، وتعيشُ فيه لوحدها بعد أن ماتَ أبواها وتزوّجَ إخوَتها. في المرّة الأولى، لَم يحصل شيء يُذكَر سوى أنّنا بالفعل درسنا. أحبَبتُ أن تهتمّ تلك المرأة بي لوحدي وتقدّمُ لي الشاي والبسكويت. كنتُ مُميّزًا لدَيها ونتقاسمُ سرًّا سويًّا. لكن في المرّة التي تلَت، هي دخلَت غرفتها بعدما وصلنا الشقّة، وخرجَت منها مُرتدية روبًا للنوم جميلاً وشفّافًا. إحمرَّ وجهي وأدرتُ نظري لكنّها إبتسمَت وقالَت:

 

ـ هذه الملابس مُريحة أكثر... أليس روبي أجمَل مِن الملابس التي خلعتُها للتوّ؟

 

ـ بلى... بلى.

 

ـ لَم نعُد غرباء، فلقد صرنا مُقرّبَين مِن بعضنا. ألا تشعُر بالشيء نفسه؟

 

ـ بلى.

 

ـ لا تكن خجولاً... فأنتَ لَم تعُد صبيًّا صغيرًا. ألَم ترَ مثل روبي في المجلات أو على الإنترنت؟ أنا مُتأكّدة مِن ذلك.

 

ـ لكن...

 

ـ إسمَع... حسبتُكَ ناضجًا كفاية لكن إن كنتَ ستُثرثِر و...

 

ـ لن أفعَل، بل لدَينا سرّ!

 

ـ حسنًا. لِنبدأ الدروس.

 

لَم أستطِع التركيز على الدرس أبدًا، فبالي كان مأخوذًا برائحة مُدرّستي الزكيّة وبما بانَ لي مِن خلال روبها. شعرتُ بالإثارة وحاولتُ جهدي إخفاء مشاعري. وفي تلك الليلة، حين نمتُ في سريري، رأيتُ لأوّل مرّة أحلامًا لا يراها سوى الكبار... كنتُ قد وقعتُ في الفخّ.

 

في المرّة الثالثة، كانت المُدرِّسة قد حضّرَت منذ الصباح مُقبّلات وضعَتها على طاولة الصالون. وبعد أن جلسنا، جلبَت زجاجة كحول سكبَت لنفسها كأسًا منه قائلة:

 

ـ لن أُجبركَ على الشرب، فهذا مُخصّص للكبار وأنتَ لا تزال صغيرًا.

 

ـ لستُ صغيرًا!

 

ـ سأشربُ لوحدي لأُريحَ جسدي وعقلي مِن تعَب النهار.

 

ـ أهذا ما يفعله الكحول؟

 

ـ بالضبط.

 

ـ ولماذا هو مُحرّم إذًا؟

 

ـ كلّ شيء مُحرّم طعمه ألذّ! خُذ رشفة واحدة مِن كأسي، وليس أكثر!

 

ونظرَت المُدرّسة إليّ مُبتسمة وأرجعَت شعرها إلى الخلف كاشفة عنقها الجميل، فأخذتُ كأسها وشربتُ منه رشفة واحدة لكن كبيرة. كيف ومتى صار لي كأس لي فقط شربتُه بأكمله؟ لستُ أدري. وكيف وجدتُ نفسي أُقبّلُ المُدرِّسة؟ هذا أيضًا بقي لغزًا بالنسبة لي. لكن في ذلك اليوم، دخلتُ دوّامة كدتُ أفقدُ نفسي فيها.

عدتُ إلى بيتي سعيدًا ولكن مهمومًا، ربمّا لأنّني عرفتُ أنّنا لن نكتفي بقبلة في المرّة المُقبلة، وأنّ ما سنفعله أعظَم وأخطَر بكثير... ولَم أكن مُخطئًا.

 

يتبع...

المزيد
back to top button