كانت الساعة قد بلغَت الثامنة مساءً وكنتُ لا أزال أنتظر عبدو زوجي ولم أجد مبرّرًا لذلك التأخير لأنّه كان يعلم أنّ تلك الليلة تصادف موعد عيد زواجنا. وللمناسبة كنتُ قد حضّرتُ عشاءً لذيذًا وشموعًا وارتدَيتُ فستانًا مثيرًا. وكنتُ قد بدأتُ امّل مِن الانتظار حين سمعتُ صوت جرس الباب. استغرَبتُ للأمر لأنّ عبدو كان يملك مفتاحه الخاص وذهبتُ لأرى مَن يطرق بابنا في ساعة كهذه.
ورأيتُ رجلاً في الثلاثين مِن عمره واقفاً أمامي. كان يرتدي بذّة أنيقة وينظر إليّ بإرباك واضح. قال لي أنّ زوجي دعاه ولكنّني لم أصدّقه فأبقَيتُه مكانه وركضتُ أتصل بِعبدو لأتأكّد مِن الأمر. وأكَّدَ لي زوجي صحّة أقوال الزائر وطلَبَ منّي ادخاله ريثما يصل بعدما ينهي ملفاً هاماً أخّرَه في المكتب.
وأدخلتُ الرجل بعدما اعتذرتُ منه ودعوتُه للجلوس في الصالون. عندها قال لي:
ـ ألَم يخبركِ زوجكِ بِقدومي؟
ـ لا... للحقيقة كنتُ أنتظره بدلاً منكَ فالليلة عيد زواجنا.
ـ إذاً مِن الأفضل أن أتركما لوحدكما.
ـ لا! ابقى... عبدو يريدكَ أن تبقى... سيصل بعد قليل... وإن أحبَبتَ ذلك سنتناول العشاء سوياً.
كنتُ قد قلتُ ذلك مِن باب اللياقة ولكنّني لم أكن أبداً مستعدّة لِتقاسم عشاء عيد زواجي مع غريب، وأظنّ أنّه لاحظ َذلك لأنّه سكَت وبدَت عليه علامات الإحراج.
وبدأتُ أنظر الى الساعة راجية أن يصل عبدو لأنّني لم أجد شيئًا أقوله للرجل سوى بعض الأسئلة التقليديّة. وقِمتُ أحضّر له فنجان قهوة وأخذَ يخبرني عن نفسه. علِمتُ أن اسمه يوسف وأنّه في الثامنة والثلاثين مِن عمره وأنّه عازب ويعمل في مجال التجارة.
كان قد مرَّت حوالي الساعة على قدومه حتى أن عاودتُ الاتصال بِزوجي مِن المطبخ:
ـ عبدو أين أنت؟؟؟ الرجل لا يزال ينتظر وعليّ اعادة تسخين كل ما حضرّته للعشاء!
ـ آسف حبيبتي... لقد أعطاني مديري ملفاً مهماً وعليّ معالجته الليلة... سأنتهي بعد قليل... إن لم أعد بعد نصف ساعة ابدآ مِن دوني.
ـ ماذا تعني؟ هذا عيد زواجنا نحن وليس عيد زواجي مع ذلك الغريب! سأطلب منه أن يرحل.
ـ لا! يجب أن يبقى... الأمر بغاية الأهميّة... أفهمتِ ما أقوله؟
كنتُ غاضبة جداً بعدما فعلتُ جهدي لِتكون تلك الليلة ناجحة ولكن لم يكن سبب غضبي الرجل بِحد ذاته بل وجوده عندنا في الوقت الغير مناسب. وعندما عدتُ الى الصالون قال لي:
ـ سأرحل.
ـ لا... عبدو مصرّ على بقائكَ.
ـ وأنتِ؟
ـ لم أفهم سؤالكَ.
ـ لا شيء.
وسكتنا مجدّداً. وبعد نصف ساعة فعلتُ ما طلبَه زوجي منّي أي دعوَت يوسف الى المائدة. وبعدما جلسنا وبدأنا بالأكل تغيَّرت الأجواء وأصبَحنا نتكلّم بارتياح أكبر. وأخبرَني يوسف عن رحلاته الى انحاء العالم ومغامراته هناك واكتشفتُ أنّه رجل مرح وقريب مِن القلب. توقّفتُ عن النظر الى الساعة ورفعَ كأسه مهنّئًا على الطعام الشهيّ وقال:
ـ زوجكِ لا يقدّر قيمة ما لدَيه.
ـ بلى... فهو يحبّني كثيراً!
ـ ولكنّني لا أراه حول هذه المائدة... والليلة موعد مميّز.
ـ لأنّه يعمل... وكثيراً... يعود كل ليلة في ساعة متأخّرة ولكنّه يفعل ذلك مِن أجلي... يريد أن يشتري لي منزلاً جميلاً.
وعندما تركنا المائدة كانت الساعة قد اقترَبَت مِن الحادية عشر. وذَهَبَ يوسف الى الصالون واختارَ قرصًا مدموجًا وأخذَ يدي ودعاني للرقص.
شعرتُ بالإحراج ولم أكن أدري إن كان مِن اللائق أن أرقص معه فقال:
ـ اقبلي دعوتي للرقص... لماذا تفعَلين؟ لأنّ زوجكِ غبيّ.
ـ لا أسمح لكَ أن تهينَه! سيأتي بعد قليل وسأنقل له ما قلتَه عنه!
ـ لن يأتي... سترَين... اطلبيه ولكن في مكتبه وليس على جوّاله.
نظَرتُ اليه باستغراب لأنّه بدا لي جديًّا وواثقًا مِن كلامه.
وطلبتُ عبدو في عمله ولكنّني لم أحصل على جواب. عندها قال يوسف:
ـ أطلبيه الآن على جوّاله... سيقول لكِ أنّه في المكتب.
وفعلتُ ما طلبَه منّي يوسف وحين أجابَ عبدو قال لي:
ـ أجل حبيبتي... لا أزال أعمل على هذا الملف اللعين... اصبري بعض الشيء.
وعندما أقفلتُ الخط نظرتُ الى يوسف باندهاش:
ـ كيف لكَ أن تعلم؟
ـ كم أنتِ بريئة... حين فتحتِ لي الباب ورأيتكِ أدركتُ أنّكِ امرأة صالحة وزوجة محبّة... اسمعي...أكنّ لكِ احترامًا كبيرًا... لِذا سأرحل دون أن آخذ حقّي.
ـ حقَّكَ؟
ـ أجل... لقد ربِحتُكِ في البوكر.
وضحِكتُ عاليًا ولكنّ شيئًا في داخلي كان يقول لي أنّها الحقيقة. وأكملَ يوسف:
ـ زوجكِ مدمِن على لعب المَيسر... والبارحَة خَسِرَ مبلغاً كبيراً جداً وعرضَكِ عليّ كتعويض لي... أراني صورتكِ وقبِلتُ معه أن أقضي الليلة معكِ بدل المبلغ... ولكنّني حسبتُكِ على علم بالأمر وإلاّ لما جئتُ... لستُ انساناً كاملاً ولكنّني لن أرضى أن أحملكِ على القيام بشيء كهذا... لقد استعمَلكِ عبدو وكأنّكِ شيئًا يملكه ويستطيع التصرّف به كما يشاء... ولن أقبَل بذلك.
عند سماع ما قاله بدأتُ بالبكاء وبِضربه بِقوّة وأنا أصرخ:
ـ أخرج مِن منزلي أيّها الكاذب! عبدو لن يفعل شيئًا كهذا بي! أخرج الآن!
وأخَرَج الرجل مِن جيبه ورقة:
ـ هذا ثمنكِ: 10,000 دولاراً... سأهديكِ هذا الوَصل... بِمناسبة عيد زواجكما... افعلي به ما تشائين... لن يعود عبدو قبل الرابعة صباحاً... هذا هو اتّفاقنا... لدَيكِ الوقت الكافي لاتخاذ قرارًا... اسمعي... أنتِ امرأة رائعة ولم أكن لأقبَل هذه الصفقة لو عرفتُ حقيقتكِ.
أخذتُ منه الوصل وكأنّني في حلم بشع ورأيتُه يرتدي معطفه ويستعدّ للرحيل حين أوقَفتُه:
ـ مهلاً... ماذا سيحدث إن أعدتُ لكَ هذا الوصل؟
ابتسمَ وأجابَ:
ـ بما أنّ عليّ استعادة مالي أستطيع اعطاء الوصل لأناس سيعرفون اقناع عبدو بالدفع على طريقتهم... لا تخافي فلَن يقتلوه... لا مصلحة لهم بذلك... سيخيفونه بالقدر اللّازم لِحمله على ايجاد المبلغ... وسيكون ذلك بِمثابة درس قيّم له... الى ذلك الحين أنصحكِ بإيجاد مكان آخر... هل لدَيكِ مَن تلجئين اليه؟
ـ لدَيّ صديقة في شمال البلاد.
ـ حسنًا... أرى أنّكِ لستِ ساذجة.
وعندما وصَلَ الى الباب أضافَ:
ـ لن أزعجكِ بعد الآن... لن أتصل بكِ ولن ترَين وجهي... عندما ستقفلين الباب ورائي سأختفي كليًّا مِن حياتكِ.
-شكراً.
ـ دعيني أقول لكِ شيئًا أخيراً... ستحزمين حقائبكِ وسترحَلين... ستبكين كثيرًا وستكرهين زوجكِ وتلعنيه... ولكن لا تنسي أنّ كل الرجال ليسوا سواء.
ـ أعلم ذلك يا يوسف.
ووضعتُ قبلة على خدّه ورحلَ. ورحلتُ مِن بعده بِساعة. وعندما عادَ عبدو ولم يجِدني لم يحاول البحث عنّي معتقّدًا أنّ يوسف أخَذَني الى مكان آخر لِقضاء باقي الوقت معي. ولكن أصدقاء يوسف دقوّا بابه وأبرحوه ضربًا مضيفين أنّ عليه والى جانب تسديد ديونه عدم الايقاف بوجهي عندما أطلب الطلاق. كانت ذلك هديّة يوسف لي الأخيرة.وتطلّقنا!
وكلّما تمّر عليّ فترة يأس وأرى الدنيا سوداء أفكّر بذلك الرجل الشهم فهناك فعلاً أناساً طيّبين.
حاورتها بولا جهشان