لم تتقبّل صديقتي أمر زواجي

لم أستوعب آنذاك خوف أمّي مِن علاقتي مع صديقتي ولم أسمع منها عندما حذّرَتني مِن قربنا لِبعضنا:

 

- يا ابنتي... صحيح أنّ حنان صديقتكِ منذ سنين ولكن عليكِ ترك مسافة ولو صغيرة بينكما... على المرء أن يحتفظ لِنفسه ببعض الخصوصيّة.

 

ـ إنّها صديقتي الوحيدة وأنتِ تعلمين ذلك... أم تريدينني أن أبقى مِن دون صديقات؟

 

ـ لا... ولكنّني أكبر منكِ سنّاً وأفهم الحياة أكثر منكِ... حنان ليست أختكِ بل هي إنسانة وُلِدَت وترعرَعت في بيئة خاصة لها ووسط عائلة مختلفة... عامليها كصَديقة وليس كجزء منكِ.

 

وبالطبع لم أكترث لحديث والدتي، فحنان كانت أعزّ مِن الأخت التي لم أحظَ بها. ولو طَلَبت منّي حياتي لأعطَيتُها إيّاها دون حتى التفكير في الأمر. لماذا هذا التعلّق؟ لأنّني كنتُ أشعر بالوحدة مِن دون أخ أو أخت، أو ربما بسبب تقارب أفكارنا وميولنا.

مع حنان لم أكن مجبرة على تفسير أو تبرير أي شيء لأنّها كانت تعرف ما أقصد أو ما أريد مِن دون حتى أن أتكلّم. لِذا لم أشأ العمل بِنصيحة أمّي حيالها. وعندما أصبحنا مراهقات بدأنا نتنافس على الشبّان وكنتُ أربحها دائماً لأنّني كنتُ أجمل منها وأقرب إلى قلبهم منها. ولكنّ الأمر لم يؤثّر على صداقتنا.

وبعد سنوات وجدتُ مروان، الذي خطَفَ قلبي أكثر مِن أيّ شاب آخر، وأُغرِمتُ به وقبِلتُ أن أرتبط به مدى الحياة. وحاولَت صديقتي أن تمنعَني مِن الزواج منه تحت ذريعة أنّني لا أعرفه جيّداً وأنّه لا يليق بي وأنّني أستطيع إيجاد أفضل منه بكثير. ولكنّني ولأوّل مرّة لم أسمع منها ومضَيتُ في مشروعي مع مروان.

 


ولكن بعد الزفاف بقليل أختفَت صديقتي وكأنّها أرادَت مِن ذلك أعطائي فرصة التركيز على حياتي الزوجيّة. ولكنّ الحقيقة كانت أنّها لم تتحمّل فكرة أنشغالي عنها. وبعد أن وعدتُها أنّ الزواج لن يلهيني عنها وأنّني سأفعل المستحيل لإعطائها الوقت اللازم اقتنعَت حنان بالعودة إليّ. ورجعَت أيّام الماضي وفرحتُ أن يكون لدَيّ كل ما يطلبه أي إنسان أي الحب والصداقة. وقَبِلَ مروان بِحنان وأرتاح قلبي لأنّني لم أكن مستعدّة للأستغناء عن أيّ منهما. وولِدَ بيننا جوّاً سلساً وشكلّنا شبه عائلة صغيرة.

ولكن بعد بضعة أشهر شعرتُ بِتغيّر في مزاج زوجي واستغربتُ الأمر، فلَم يمضِ وقت طويل على زواجنا خاصة أنّنا لم نتشاجر ولو مرّة واحدة. هل فتور زوجي حيالي كان سببه الملل؟ قرّرتُ طبعاً أن أستفهم منه فقال لي:


ـ أحبّكِ كالسابق ولبَل أكثر. ولكنّ هذا الأيّام عملي في الشركة يخلق لي توتّراً كبيراً بِسبب الملف الساخن الذي أعمل عليه... تحمّليني بعض الشيء ياحبيبتي.

 

وارتاح قلبي لأنّني خفتُ أن يكون حبّه لي مجرّد وهم وأن أكون قد ارتبطُّ بالرجل الغير مناسب كما قالت حنان.

 

وحين بدأ زوجي في التغيّيب بسبب اجتماعات في المكتب وجدتُ نفسي وحيدة خاصة أنّ صديقتي كانت أيضاً منشغلة. عندها لاحظتُ أنّ انشغال مروان وحنان عنّي كان متزامناً. وبالرغم أنّني حاولتُ طرد هذه الفكرة مِن رأسي كان الأمر أكثر مِن واضحاً خاصة بِوجود دلائل أخرى لا يمكن تجاهلها. فكان زوجي عند عودته في المساء يضع ثيابه في سلّة في الحمّام كي أغسلها لاحقاً واكتشفتُ في أحد الأيّام آثار أحمر شفاه ورائحة عطر نسائيّ على قميصه.

وتأكّدتُ حينها أنّه على علاقة مع إمرأة أخرى. وكانت هناك أيضاً تلك الاتصالات التي أكتشفتُها على هاتف مروان عندما قرّرتُ التأكّد مِن خيانته لي. وجدتُ أتصالات عديدة مِن حنان إلى زوجي وفي أوقات مختلفة مِن النهار والليل. عندها شعرتُ بيأس كبير لِدرجة أنّني جلستُ على الأريكة خوفاً مِن أن أقعَ أرضاً. هل يُعقل أنّ زوجي الذي كان يحبّني أكثر مِن أي شيء متورّطاً في علاقة غراميّة مع التي تقاسمتُ معها كل ثانية مِن حياتي؟ هل كان يحصل لي ذلك فعلاً أم كنت وسط كابوساً مزعجاً؟

قرّرتُ إلاّ أفاتح حنان بالأمر خوفاً مِن أن أكون مخطئة وأخسرها مرّة أخرى وألا أتّهم مروان الذي كنتُ لا أزال أحبّه وفضّلتُ أن أراقبهما وانتظر حصولي على دلائل قاطعة لتصفية حساباتي مع كلَيهما.

فعندما كانت صديقتي عندنا في البيت لا حظتُ أنّ مروان لم يكن يوجّه لها الحديث أو حتى ينظر إليها في حين كان فيما مضى يحدّثها دائماً ويتبادل معها القصص الطريفة ويضحكان سويّاً. كانت علاقتهما على الأقل أمامي قد أصبحَت رسميّة كما يجري بين الغرباء. ولكن عندما كان يغيب الأوّل كان يغيب الثاني.

 


وفي تلك المرحلة شعرتُ إلى جانب أشمئزازي لما يحصل بِخوف أن أخسَرَ كل مَن لدَيّ: حبيبي وصديقتي، وكدتُ أن أقرّر عدم متابعة تحرّياتي كي لا أبقى لِوحدي. وحين كنتُ على وشك الأستسلام لهذا الوضع الشاذ حصل ما غيّرَ مجرى الأحداث.

وهنا أودّ الإشارة إلى أنّني لم أتصوّر أبداً أن يحصل ذلك لأنّه يخرج عن نطاق كل ما عرفتُه وأعتقدتُه وآمنتُ به حتى الآن. ولو جاء أحد وقال لي بأنّني سأكتشف ذلك السرّ البشع لمَا صدّقتُه وكنت تهمتُه بالكذب أو بالخيال الخصب.

ففي ذات يوم جاءَت حنان كعادتها لِزيارتي وبينما كنتُ في المطبخ أحضّر لها القهوة طلَبت أن تدخل الحمّام. وأنتهيتُ مِن تحضير القهوة وانتظَرتُها دقائق طويلة فقصدتُها لأرى إن كانت بِخير. ودفشتُ باب الحمّام الذي بقيَ منغلقاً ووجدتُ صديقة العمر منحنية على سلّة الغسيل الوسخ وبِيدها أحمر شفاه وقنيّنة عطر. وصرختُ لها:

 

ـ ماذا تفعلين أيّتها الأفعى؟ لماذا تؤذيني أنا بالذات؟ لماذا تقحمين زوجي بِقصّة لا دخل له فيها؟ تضعين على ثيابه دلائل عن خيانة لم يقم بها... ألاّ تعلمين أنّني تعيسة بِسببكِ؟

 

عندها نظَرَت إلي بِغضب شديد وأجابَتني:

 

ـ لأنّكِ تخلّيتِ عنّي عندما تزوّجتِ هذا... هذا الرجل... كنتِ كل ما لدَيّ وخسرتكِ... كان بأستطاعتي الزواج أنا أيضاً ولكنّني فضّلتُ صداقتنا على أيّ شيء آخر.

 

ـ لم أتخلّى عنكِ بل أستقبلتُكِ بيبتي الجديد وهكذا فعل زوجي... هل كلامكِ يعني أنّه لم يخنني معكِ؟

 

ـ حاولتُ أستدراجه كي أثبت لكِ أنّه لا يستحقكِ ولكنّه بقيَ يرفض... حاولتُ بِشتّى الطرق ولكن مِن دون جدوى ولم يبقَ سوى أن أوهمكِ بأنّني على علاقة معه... هكذا تتركينَه ونعود كالسابق.

 

ـ ولكنّني كنت سأقطع علاقتي معكِ أيضاً.

 

ـ ربما في البدء ولكنّني كنتُ سأقنعكِ بأنّني مجرّد ضحيّة... لا تنسي أنّني أعرفكِ أكثر مِن أي شخص آخر... أعرف كل صغيرة وكبيرة عنكِ... أعرف حتى ما تحلمين به في الليل... لطالما أخبَرتِني كل الذي يدور بِحياتكِ.

 

وتذكّرتُ تحذيرات والدتي وأدركتُ أنّني فعلاً أدخلتُ إنسانة غريبة إلى فكري وقلبي وبيتي.

وطردتُ حنان مِن منزلي ومِن حياتي. لم أعد أريدها بعد أن رأيتُ بشاعة روحها. وانتظرتُ عودة مروان لأحكي له كل شيء. لم يتفاجأ كثيراً لأنّه أعترفَ لي كم عانى مِن أتصالات حنان المتتالية ومحاولاتها لِكسب ودّه وأكثر. وقرّرَ حينها تجاهلها والابتعاد عنها قدر المستطاع وهذا كان سبب تأخرّه في المكتب. ولم يفاتحني بشيء عالماً مدى تعلّقي بِحنان وآملاً أن تكفّ هذه الأخيرة عن مضايقته. ولكنّه لم يتصوّر أن تصل الأمور إلى أن تدخل خلسة إلى الحمّام وتعبث بأمتعته لإيقاعه. وتأمّلنا بِفظاعة الأمر وكيف كنّا قد خسرنا حبّنا ودمرّنا زواجنا لولا اكتشافي.

أمّا بالنسبة لِحنان فلم تظهر بعد ذلك اليوم. كانت وكأنّها تبخّرَت مِن الوجود.

علِمتُ لاحقاً أنّها سافرَت إلى الولايات المتحّدة عند احدى قريباتها وأنّها باقية هناك. وفرحتُ لهذا الخبر فكنتُ أخشى أن أصادفها يوماً ويعود إليّ ألم خيانتها ومكرها.

ومنذ ذلك الوقت أنتبِه جيّداً على علاقتي مع الآخرين وأزين بِحرص ما أتقاسمه معهم وما أطلعهم عليه لأحافظ على حياتي الشخصيّة والزوجيّة.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button