كيف ساعدَتني التكنولوجيا في إثبات براءتي؟

حين أراني زوجي فؤاد شقّتنا الجديدة إطمأنَّ قلبي على صحّة أولادنا الذين بدأوا يعانون مِن رطوبة وظلمة وصغر مسكننا القديم. ولم أشعر بأي تعب وأنا أوضّب أمتعتنا ولا في إخراجها ووضعها في مكانها الجديد. وأخذتُ أزّين وأبتاع الأشياء الجميلة لأطفي على كل زاوية لمسة خاصة بي. ولأنّني كنتُ سعيدة أصبَحت عائلتي سعيدة وسادَ جوّ مِن التفاهم بعدما كنّا قد بدأنا نتشاجر على كل صغيرة بسبب عدم تمكنّنا مِن العيش مكدّسين على بعضنا.

وتعرّفتُ إلى جيراني الذين إستقبلونا بالبسمة والكلمة الجميلة وسارَ كل شيء كما يجب. ونشأَت صداقة خاصة بيني وبين غادة الجارة التي تسكن فوقنا وأصبحَ أولادها يلعبون مع أولادنا. وتبادلنا الزيارات والدعوات إلى العشاء وقمنا برحلات سويّاً خلال فرَص نهاية الأسبوع. ولكنّ سامي زوج غادة كان إنساناً غليظاً يعتقد أنّه يعرف كل شيء ويعامل زوجته بإزدراء ولكنّني تحمّلتُه فقط إكراماً لِفؤاد الذي كان يجده طريفاً ومسليّاً. وما لم أكن أعرفه هو أنّ سامي قد أُعجبَ بي ويخطّط لإستمالي له بعد أن تصوّرَ له أنّه قادر على إقناعي بإقامة علاقة معه. وبالطبع كان مخطئاً لأنّني إمرأة رصينة وأحبّ زوجي إلى أقصى درجة ولا يمكنّني أبداً أن أخون أيّ كان خاصة الذي أحببتُه مِن أوّل نظرة وإخترتُه ليكون أب أولادي ناهيك عن إشمئزازي لسامي ولأمثاله مِن الرجال.

والمسكينة غادة لم تكن تدري أنّ زوجها يتقرّب منّا فقط لإغوائي وكانت هي الأخرى سعيدة أنّه يستمتع برفقتنا ولا يرفض كعادته الخروج ومعاشرة الناس. وفي إحدى المرّات عندما كنّا قد خرجنا سويّاً إلى مطعم لتناول الغداء ذهبتُ إلى الحمام لِغسل يديّ فلَحِقَ بي سامي وأوقفَني ليقول لي:

 

ـ هل يقول لكِ زوجكِ إنّكِ جميلة أم أنّه تعوّدَ عليكِ بعد كل هذه السنين؟

 

ـ أجل... دائماً... لِما هذا السؤال؟

 

ـ لأنّكِ حقّاً جميلة... وجذّابة... أجمل مِن زوجتي بكثير!

 

ـ هذا ليس صحيح... غادة إمرأة جميلة وعليكَ الإفتخار بها.

 

ـ لا... هي سمينة ولا تهتمّ بمظهرها.

 

ـ أرى أنّكَ أنتَ الذي تعوّدَ على زوجته!

 


وعدتُ إلى طاولتنا وحاولتُ إخفاء إنزعاجي عن الباقين ولم أفهم كيف يتجرّأ رجل بتقليل مِن شأن زوجته أمام صديقتها وكيف يعتقد أنّني سأُعجَب بهكذا أسلوب دنيئ. ولم يفهم سامي أنّني غير مهتمّة به ولكنّني لم أستطع ذلك اليوم صدّه كما يجب لأنّه لم يفعل شيئاً يستحقّ التوبيخ الفعليّ. وهكذا إعتقَد أنّني إستمتعتُ بإطرائه لي وقرّرَ التمادي فإتصلَ بي بعد بضعة أيّام على هاتف المنزل بينما كان فؤاد في العمل وبدأ يخبرني عن يومه ومِن ثمّ إنتقلَ إلى مدى إعجابه بي. عندها قلتُ له:

 

ـ إسمع يا سامي... أقدّركَ لأنّكَ زوج غادة وصديق زوجي ولأنّنا جيران وأولادنا يلعبون سويّاً... وهذا كل ما في الأمر... لستُ معجبة بكَ ولن أكون... هل هذا واضح كفاية؟

 

ـ لا داعي للغضب... عليكِ الإفتخار بأنّني مفتون بكِ... بالإضافة إلى أنّني لم أقترف أيّ خطأ.

 

ـ بلى... لأنّكَ تكلّمني بينما زوجي خارج المنزل وتقول لي أشياء خاصة بكَ... أرجوكَ أن تكفّ عن ذلك فلا أعتقد أنّ فؤاد وغادة سيكونان ممنونَين لو علِما بالموضوع.

 

ـ أتهدّدينَني؟

 

ـ أجل ولا... هذا يتوقّف عليكَ.

 

وأقفلتُ الخط بوجهه وبقيتُ منزعجة طوال النهار وإحترتُ إن كان عليّ إخبار زوجي بالموضوع فإرتأيتُ أن أصبر لأرى إن كان سامي فهمَ أنّني لا أريده. وعندما رأينا جيراننا مِن جديد تصرّفَ زوج غادة بطريقة طبيعيّة جدّاً ولم ينظر حتى إليّ طوال الوقت. فإستنتجتُ طبعاً أنّه شاوَرَ نفسه ووجدَ أنّ لا فائدة مِن الإصرار. وهكذا عادَت الإوضاع إلى طبيعتها وشكرتُ نفسي أنّني لم أقل شيء لأحد لأنّني كنتُ خلقتُ خلافاً قويّاً بين عائلتي وعائلة صديقتي.

ولكنّ سامي لم يتقبّل أن تهدّده إمرأة وبقيَ قلقاً مِن أن أقول لأحد ما حدث ليس خوفاً مِن زوجته التي كان يحتقرها بل مِن فؤاد ومِن تدمير سمعته في المبنى وخطّط للحفاظ على صورته.

 

وفي ذاك ليلة عندما كان فؤاد قد دعى سامي وغادة إلى العشاء عندنا في البيت دخلَ جارنا خلسة إلى غرفة نومنا تحت ذريعة أنّه يريد الذهاب إلى الحمّام وفتّشَ في الأدراج وسرقَ منها قطعة مِن ملابسي الداخليّة وخبّأها تحت سترته وعاد إلى الصالون ليستأذن منّا مدّعياً صداعاً مؤلماً. وهكذا أصبحَ في حوذته شيئاً ليبتزّني وإرغامي على الإخضاع لرغباته أو في أقصى الحالات تهديدي لإسكاتي. ولم أتخيّل أنّ بإمكان أحد أن يفعل شيئاً كهذا إلى حين تلقّيتُ إتصالاً على هاتفي الخاص. وبعد أن تعرّفتُ إلى صوته دار بيننا الحديث التالي:

 

ـ مِن أين حصلتَ على رقمي؟

 

ـ مِن قائمة هاتف غادة.

 

ـ ماذا تريد؟ ألم تفهم بعد أنّني لا أريدكَ؟

 

ـ سأبعث لكِ صورة... إفتحيها.

 

 

ووصلَت في اللحظة نفسها صورة على هاتفي وعندما رأيتُها صرختُ:

 

ـ هذه ملابسي الداخليّة!

 

ـ أجل

 

ـ مِن أين حصلتَ عليها؟

 

ـ مِن درجكِ وأنا مار مِن قرب غرفة النوم... ولكنّني سأقول لِمَن يودّ سماعي أنّكِ تركتيها معي عندما كنّا سويّاً في السرير.

 


ـ لن يصدّقكَ أحد... أنتَ فعلاً مريض... هل تعتقد أنّني سأخاف منكَ؟ السبب الوحيد الذي منعَني مِن أخبار زوجي زوجتكَ هو لأجنّبهم الحزن... أنا لستُ كغادة إنسانة ضعيفة وخاضعة... أتعرف لماذا؟

 

ـ قولي لي.

 

ـ لأنّني تربّيتُ على الثقة بالنفس وتزوّجتُ مِن رجل يحبّني ويحترمني... إفعل ما تشاء ولكن تذكّر أنّكَ ستؤذي نفسكَ وزوجتكَ فعندما تراكَ على حقيقتكَ ستفقد سيطرتكَ عليها... فكّر بذلك جيّداً... هل تريد أن تعيش مكسور الرجولة؟

 

ـ ها ها ها... سروالكِ معي وتهدّدينَني؟ هل أنتِ مجنونة؟

 

ـ لا بل شجاعة لأنّ الحق إلى جانبي!"

 

وأنهيتُ المكالمة. وإلى جانب ما قلتُه له ما كان يطمئنَني هو أنّني كنتُ قد أنزلتُ مِن بعض الوقت تطبيقاً على هاتفي يسجّل كل المكالمات بالكامل وهذا لكيّ أتذكّر تفاصيل قد ترِد بالمحادثات دون أن أضطر إلى تدوينها. وهكذا كان بحوزتي الدليل القاطع على براءتي وكانت غلطة سامي أنّه إتّصل بي على هاتفي فلو طلبَني في البيت كنتُ سأكون في مأزق كبير.

وإنتظرتُ فؤاد بفارغ الصبر وبعد أن جعلتُه يعدَني بألاّ يغضب كثيراً أو يأخذ قرارات طائشة أسمعتُه التسجيل. وبدأ زوجي بالصراخ وأرادَ الذهاب إلى سامي وضربه ولكنّني ذكرّتُه بوعده فهدأ قليلاً. وقلتُ له:

 

ـ لا يمكنه فعل شيئاً فالتسجيل معي... إهدأ يا حبيبي... قصدي مِن إسماعكَ الحديث كان حماية نفسي مِن أيّ تهمة وليس توريطكَ بجريمة...

 

ـ ما العمل الآن؟

 

ـ لا شيء... سننتظر لِنرى ما ينوي فعله.

 

ـ ولكنّني لا أستطيع رؤيته مجدّداً فلستُ مسؤول عن تصرّفاتي!

 

ـ لا تخَف... لن تراه.

 

وعملتُ جهدي لِتجنّب تواجدنا مع جيراننا وبقيتُ على علاقة مع غادة خلال النهار. ولم تبدِ جارتي إي إستياء نحوي أيّ أنّها لم تكن على علم بشيء. وفي هذه الأثناء كان سامي ينتظر ردّة فعل مِن جانبي وعندما رأى أنّني لم أتّخذ أيّ خطوة قرّرَ حينها التصرّف. أخبرَ غادة أنّني أسعى وراءه وأنّني أعطيتُه سروالي لأثيره ولكنّه رفَضَ الخضوع لضغوطاتي. وركضَت جارتي تخبّط على بابي لِدرجة أنّني خلتُ أنّها ستكسره. وعندما فتحتُ لها دخَلَت كالمجنونة وصرخَت بوجهي:

 

ـ أيتّها الفاسقة! خلتُكِ صديقتي وإذ بكِ تخّطتين لأخذ زوجي!

 

ـ مبروك عليكِ زوجكِ يا غادة! لا أريده ولن أريده يوماً وأسأل نفسي كيف وقعتِ بحبّه! إنّه إنسان ماكر ومنحط! أستطيع إثبات براءتي لكِ وحالاً!

 

وذهبتُ لآتي بهاتفي وإسمعتُها التسجيل. حينها هدأت قليلاً وجلَست على أريكتي تبكي بمرارة. عملتُ جهدي لمواساتها وشرحتُ لها كل ما حدث مِن البدء. عندها سألَتني صديقتي ما عليها فعله فأجَبتها:

 

- هذا شأنكِ فلا أستطيع فَرض وجهة نظري عليكِ... شاوري نفسكِ وخذي قراراً يناسبكِ... ولكن تذكَري أنّني سأقف دائماً إلى جانبكِ.

 

وأخبرَت غادة زوجها أنّها على علم بالذي فعلَه بِفضل التسجيل وبأنّ فؤاد يودّ تلقينه درساً لن ينساه وهدّدَته بأخذ الأولاد معها إلى منزل أهلها. عندها إنتابَه الخوف مِن فقدان كل شيء وفضّلَ الإعتذار والإنصياع إلى القوانين الجدد التي وضعَتها له زوجته. وهكذا لم يعد يقلّل مِن إحترامه لِغادة ومحاولة خيانتها بل أصبَح يدللها ويلبّي طلباتها كلّها. وهكذا كانت صديقتي هي الرابحة مِن كل الذي حصلَ.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button