كان عذره أنّني أكبره بِعشر سنوات

عندما علمتُ سنّ نزيه الحقيقيّ وأدرَكتُ أنّه يصغرني بحوالي عشر سنوات حاولتُ العدول عن مواعدته لأنّني كنتُ أعلم ما قد ينتج عن هكذا علاقة خاصة إن كانت ستتحوّل إلى زواج. ولكنّه لم يرَ الأمور مِن زاويَتي بل بقيَ مصرّاً أنّ لا دخل للعمر في الأمور العاطفيّة وأكّدَ لي أنّه لن يكفّ عن حبّي يوماً. وأظنّ أنّ ما شدّه لي هو أنّه خَسِرَ أمّه عندما كان صغيراً وإفتقَدَ طوال حياته للحنان الذي رأى أنّ بإستطاعتي تأمينَه له. وكان محقّاً بذلك لأنّني كنتُ فعلاً إنسانة حنونة وكنتُ مستعدّة لِمَلء الفراغ الذي خلّفَه غياب والدته.

ولكن الزيجات لا تُبنى على ذلك فقط ولكن على أشياء أخرى كالشغَف والتفاهم والإنسجام والتضحية. ولم يكن نزيه ليعطيني أيّ مِن تلك الأشياء فكان مِن الذين يأخذون ولا يعطون. وبعد جدل مع أهلي حول الموضوع قرَّرتُ أنّني كبيرة كفاية لأخذ قرارات مِن دون موافقة أحداً لِذا ذهبتُ لِوحدي لأتزوّج. ولا أخفي أنّني كنتُ حزينة لِعدم وجود مَن أحبّهم حولي في هكذا نهار ولكن فرحَتي بِعريسي كانت أكبر ونسيتُ أمر العائلة والأقارب.

وفي المدّة الأولى كانت حياتي هنيئة وسعيدة مع نزيه وتأمّلتُ أن يدوم ذلك إلى الأبد مع أنّني كنتُ أترقَّب لحظة ظهور بوادر الملل أو الندم عند زوجي. ولكي لا يحصل ذلك عمِلتُ جهدي لإشباع رغباته الجنسيّة خوفاً مِن أن يبحث عن أصغر منّي لأنّني سمعتُ قصصاً عديدة عن حصول في هكذا حالات. وبقيَ زوجي يطَمئنَني حتى أن سكتَ فجأة وتغيّرَت طباعه معي.

كان قد مضى على زواجنا أقل مِن سنتَين عندما بدأتُ أشكّ أنّ إمرأة أخرى دخلَت حياته. وبالرغم أنّني توقّعتُ حدوث ذلك يوماً لم أتصوّر أن يكون الأمر بهذه السرعة. وقرّرتُ ألاّ أواجهه بِشكوكي آملة أن أكون على خطأ أو أن يملّ مِن تلك الأخرى. ولكن بعد ستة أشهر لم أجد أمامي حلاً سوى التكلّم معه بالموضوع خاصة أنّه أصبحَ يهملني بشكل ملحوظ ويقضي وقته خارج المنزل. في البدء نَكَرَ الأمر ولكن بعد إصراري قال لي:

 

ـ أنتِ على حق... هناكَ إمرأة أخرى.

 

ـ أهي شابة؟

 

ـ أجل... تصغرني بسنتَين... أهذا كل ما يهمّكِ؟

 

ـ لا... بل ذلك مهمّ أيضاً... وهل تحبّها؟

 

ـ لستُ أدري بعد.

 

ـ وما الذي دفَعَكَ إلى إقامة علاقة معها؟

 

ـ ما هذا السؤال؟ لستُ أدري! حصَلَ ذلك صدفة!

 

ـ وهل ستسمرّ بهذه العلاقة؟

 

ـ لستُ أدري.

 

وغادرَ المنزل بعدما صرَخَ:" هل إنتهى الإستجواب؟" وبكيتُ كثيراً. ولأنّني لم أكن أعلم إن كان إعجاب نزيه بهذه الفتاة أمراً عابراً أم لا فلم أستطع إتّخاذ قراراً بهذا الشأن. وشعرتُ باليأس العميق خاصة أنّني لم أكن أملك مَن ألجأ إليه على الأقل لأفرغ له ما في قلبي. وفي أحد الأيّام ومِن منطلق محاولة تسوية الأمور مع نزيه طلبتُ منه أن نخرج سويّاً للعشاء كما كنّا نفعل في السابق ولكنّه رفضَ قائلاً:

 

ـ لا... لا أحبّ الخروج معكِ.

 

ـ لماذا؟

 

ـ كيف أقول لكِ هذا... الناس تنظر إلينا بطريقة مزعجة.

 


ـ أتخجَل منّي يا نزيه؟ لم أجبركَ على الزواج منّي بل كنتُ ممانعة وبقيتَ تصرّ عليّ حتى أن أقنعتَني بذلك بعد أن وعدتَني بأن تصون كرامتي. وها أنتَ تهينني كل يوم... ما الذي جرى لنا؟

 

ـ أدركتُ أنّني لا أحبّكِ... أكنّ لكِ مودّة خاصة خلتُها حبّ ولكن بعدما تعرّفتُ إلى... إلى صديقتي رأيتُ الفرق... أنا آسف.

 

ـ إذاً علينا أن نفترق.

 

ـ إفعلي ما يريحكِ ولكن لا أريد أن يحدِث الأمر بلبلة بين الأهل والأصدقاء.

 

ـ تخاف أن يحكم عليكَ الناس؟ لبل هذا ما يجب أن يحصل! ولكنّني لن أقول لأحد أنّ لديكَ عشيقة وأنّكَ لم تعد تحبّني.

 

ـ يمكنكِ البقاء... قلتُ لكِ أنّني أشعر تجاهكِ بالمودّة... وأين ستذهبين؟ وكيف ستعيشين؟ إبقي وتابعي حياتكِ بشكل طبيعيّ وسأفعل الشيء نفسه.

 

ـ بشكل طبيعيّ؟ وهل هذا الوضع حقّاً طبيعيّ؟

 

وأقفلنا الموضوع وأخذتُ أفكرّ بما كنتُ سأفعله بعدما قال لي زوجي أنّه لم يعد يريدني كإمرأة بل كرفيقة تساكنه. ووجدتُ أنّه على حق على الأقل بشأن مستقبلي الذي لن يكون واعداً بسبب خلافي مع أهلي وسنّي الذي إلى جانب عدم خبرَتي في مجال العمل لن يمكنّني بإيجاد مصدر قوط محترم. لِذا بقيتُ حيث أنا وأقنعتُ نفسي بألاّ أتأثّر بِنمط حياة زوجي.

ومع الوقت بدأتُ أجد الأمر شبه طبيعيّاً خاصة بعدما تصادقتُ مع إحدى الجارات التي كانت ومنذ قدومي إلى المبنى تريد الإختلاط بي. وتأقلمي هذا أعجبَ نزيه الذي شعَرَ بإرتياح كبير لأنّه أصبح يعيش حياته بين المنزل حيث يجد الأكل جاهزاً والثياب نظيفة وعشيقته التي كانت تشبعُه جنسيّاً. ومرَّت الأشهر ثمّ السنة حين جاء زوجي وقال لي:

 

ـ لدَيّ طلب... غريب بعض الشيء...

 

ـ ما هو؟

 

ـ دارين... صديقتي... تودّ المجيء إلى البيت... لرؤية أين أعيش...

 

ـ هذا منزلكَ وتستطيع جلب مَن تريد... قل لي متى وسأخرج لأترككما سويّاً.

 

ـ لا... تريد التعرّف إليكِ أيضاً.

 

ـ لماذا؟

 

ـ لأنّها لا تصدّق أنّكِ على علم بعلاقتنا وتوّد التأكّد مِن ذلك.

 

ـ حسناً... كما تريد أنتَ... ودارين.

 

وفي الموعد الذي حُدِّدَ حضّرتُ عشاءً لذيذاً ولبستُ فستاناً جميلاً وإستقبلتُ غريمَتي بالبسمة. وكانت المسكينة غير مرتاحة للوضع وبالكاد خرجَت مِن فمها بضعة كلمات. أمّا نزيه فكان ممنوناً منّي لِدرجة أنّه بقيَ يبتسم لي طوال الوقت. وبعد ذهاب الفتاة سألَني عن رأيي بها فقلتُ له أنّها لطيفة. ولكن هذا اللقاء لم يكن مِن دون إنعكاسات على الجميع. أوّلاً عليّ لأنّني أدركتُ أنّني لم أعد أحب زوجي بعد كل ما فعلَه بي لأنّني لم أتأثّر بمجيء عشيقته إلى عقر داري. وعلى دارين لأنّها وجدَت ما حدث غير مقبولاً لِذا خافَت منّا وفضّلَت الإبتعاد عن عشيقها. وأخيراً على نزيه الذي عندما رآني جنباً إلى جنب مع دارين وجَدَ أنّني أفوقها جمالاً وذكاءً وحضوراً وعادَت إليه مشاعره السابقة فلم يتأثّر بِخروج عشيقته مِن حياته.

وباتَ كل ما يهمّه هو إسترجاعي ولم يعد يرى سوايَ. ولكنّ الأوان كان قد فات بعد الإذلال الذي مرَرتُ به وخيبَة الأمل القويّة التي رافقَتني ولم أعد أكنّ لزوجي أي شعور أو حتى إحترام. فأيّ رجل يفعل ذلك بزوجته؟ وعندما إعترَفَ لي نزيه بمشاعره نظرتُ إليه بِحزن وقلتُ له:

 

ـ كنتُ لكَ ومعكَ... أحببتُكَ كثيراً... فعلتُ كل ما بوسعي لأنسيكَ فرق العمر بيننا ولكنّني لا أظنّ أنّ خيانتكَ لي كانت متعلّقة بالسنّ... أنتَ هكذا... وحتى لو كنتُ أصغر منكَ لَفعلتَ الشيء نفسه... لأ أظنّ أنّ الكثير مِن الرجال يملّون مِن زوجاتهم بهذه السرعة أو يعترفون لهنّ بخيانتهم بهذه السهولة أو حتى يجلبون عشيقتهم إلى المنزل... لا... أنتَ وحدكَ فعلتَ ذلك دون أيّ تأنيب ضمير... وكأنّه شيء طبيعيّ... وأقنعتَني أن أبقى في بيتكَ لأؤمِّن لكَ كل وسائل الراحة وكأنّني خادمة لدَيكَ... أسمع... مِن بضعة أشهر أقنَعتَني بالبقاء أمّا الآن فأنا راحلة.

 

ـ إلى أين؟

 

ـ إلى أهلي... سأصالحهم وأنا متأكّدة أنّهم سيرضون عنّي لأنّهم يحبّونَني... لا أبالي إن كانوا سيشمتون بي لأنّهم سيكونون على حقّ... وبعد ذلك سأجد عملاً لأنّني ذكيّة ونشيطة وبالرغم أنّ ذلك سيتطلّب بعض الوقت لن أستسلم كما فعلتُ معكَ... الوداع... يا زوجي العزيز!

 

ورحلتُ عن المكان الذي شهدَ حزني ومرارتي وقصدتُ أهلي وتعانقنا وتصافَينا. ولم يمضِ الشهر حتى أن وجدتُ عملاً في صالة عرض للمفروشات. هل أجرؤ على الحبّ مجدّداً؟ لستُ أدري ولكنّ عليّ المحاولة لِمعرفة الجواب.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button