هذه قصّة أخي الأكبر الذي وقَعَ ضحيّة إمرأة معدومة الأخلاق أكلَتها الغيرة وحبّ الإنتقام. كنتُ لا أزال صغيراً آنذاك ولكنّني أتذكّر كل التفاصيل وكأنّها حدَثَت البارحة. وكيف أنسى الظروف التي أدَّت إلى موت شادي؟
كل شيء بدأ عندما جاءَت مُنى مع زوجها وولدَيها للعيش في المبنى المجاور لنا وأتذكّر ما قالَه الجميع عنها وعن جمالها الغير إعتياديّ وعن شخصيّتها المميّزة خاصة مقارنة مع الرجل الذي تزوّجَته والذي كان شبه موجوداً، لا يتفوّه بكلمة ولا يأخذ أي مبادرة مِن دون إستشارة التي كانت تمسك بزمام الأمور. وكان شادي في ذلك الوقت شاباً لم يبلغ بعد العشرين مِن عمره فوقَعَ تحت تأثيرها منذ اللحظة الأولى. ولكنّه أبقىَ إعجابه بها سرّيّاً خوفاً مِن السخرية، خاصة بعدما بدأ الناس بتسمية جارتنا الجديدة "السيّد مُنى". وتبادَلت الزيارات مع أهلنا وكانت تشتري حاجات منزلها مِن دكانّنا في أسفل المبنى. وبهذه الطريقة أصبحَ بإمكان شادي أن يراها بصورة شبه يوميّة وحتى يحمل لها أكياسها إلى دارها.
ولَم يخطر على بال أحد أنّ إمرأة كهذه قد تختار شابّاً عاديّاً ليكون عشيقاً لها، فكان بإستطاعتها الحصول على أي رجل بمجرّد إشارة مِن أصبعها. وحتى أخي لم يكن يفكرّ أن يتحقّق حلمه يوماً، فعندما دعَته للجلوس قربها على الأريكة بعدما جَلبَ لها مشترياتها لم يتوقّع أنّها ستقترب منه وتقبّله بشغف. أرادَ المسكين أن تدعه وشأنه لأنّها كانت متزوّجة ولكنّها طمأنَته قائلة:"زوجي ليس ذكيّ كفاية ليلاحظ أيّ شيء... وحتى لو فعل فلن يجرؤ على محاسبتي."
وهكذا نشأت علاقة بينهما، ومِن الأكاذيب التي كانت مُنى تخترعها والحجج التي تبرّر بها غياباتها لزوجها عَلِمَ أخي أنّها كانت معتادة على معاشرة الرجال. ولكنّه كان مفتوناً بها كأيّ شاب في سنّه. ولكنّ مُنى كانت متطلّبة جدّاً عاطفيّاً وماديّاً وإلى جانب إصرارها على رؤية شادي كل يوم والمجازفة بأن يُفشى سرّها، كانت أيضاً تحبّ وتطلب منه الهدايا والثمينة منها. ولكنّ أخي لم يكن يجني الكثير ممّا يعطيه إيّاه أبي مِن الدكاّن لِذا بدأ يمدّ يده إلى الصندوق ويأخذ المال ليشتري لعشيقته ما تريده. وأتذكرّ أنّ والدنا إنتبَه إلى الهدر الذي كان يحصل وظنّ أنّ شادي يسرقه ليشتري المخدرات فلَم يكن أحداً سواي يعلم بالذي يجري حقيقة.ً
وفي إحدى الليالي طلبَ أبي منّا أن نجتمع في الصالون ليكلّمنا، فجلسَت أمّي وأخي ولحقتُ بهما وإنتظرنا لنرى ما الذي يجري. عندها قال لنا والدي:
ـ لقد عملتُ جهدي لأكون أباً صالحاً ولكنّني فشلتُ في ذلك... أليس كذلك يا شادي؟
نظرَ إليه أخي بإندهاش ثم إليّ لأنّه ظنّ أنّني أفشيتُ بسرّه. ولكنّه علِمَ أنّني لم أفعل عندما تابعَ أبي قائلاً:
ـ شادي... الصندوق ينقص دائماً... ألم يختر على بالكَ أنّني سأعلم بالأمر؟ ما لذي تفعله بالمال؟ لا تجيب! مِن الواضح وبمجرّد رؤيتكِ عندما تجلس ساعات سارحاً ومِن ثم القلق الحاد الذي ينتابكَ أنّكَ تتعاطى المخدّرات...
ـ أنا؟
ـ أجل... ولا أعلم ما الذي يدفعكَ إلى ذلك فحياتكَ هنيئة وسط عائلة متماسكة ومحبّة... لستُ طبيباً نفسيّاً لأفهم الدافع الذي حملَكَ على ذلك ولكنّني أملك العلاج... ستذهب إلى شقيقتي في القرية وتعيش هناك معها فهي بحاجة إلى مَن يساعدها هي وزوجها على الإهتمام بالأرض.
ـ لن أذهب إلى أيّ مكان!
ـ أصمُت! لا زلتُ أبوك وستفعل ما أقوله... ستأتي في عطلة نهاية الأسبوع لترانا ونراكَ... وعندما تصبح نظيفاً مِن المخدّرات سأسمح لكَ بالإقامة ببيتي مجدّداً.
ووقَعَ الخبر على شادي كالسيف فذلك كان يعني أنّه لن يرى حبيبته إلاّ مرّة في الأسبوع وعندما أخبرَها بقرار أبي صرَخَت به قائلة:
ـ لن أسمح بذلك! لن تذهب إلى أيّ مكان! كيف يجرّأَ أبوكَ؟!؟
ـ سأراكِ في العطلة الأسبوعيّة...
ـ وما الذي سأفعله بباقي الأيّام؟ قل لي! ربما يجدر بي أن أجد عشيقاً آخر يحبّني أكثر منكَ!
ـ لا... أرجوكِ لا تفعلي... دعينا نختبر هذا الوضع لأسبوع أو إثنين... قد يغيرّ أبي رأيه خاصة إذا أثّرَت عليه أمّي.
ـ أمّكَ إمرأة ضعيفة... لو كنتُ مكانها لما تركتُ زوجي يقرّر مِن دون أخذ إذني أوّلاً!
ورحَلَ شادي إلى القرية والدمع في عينيه وقلبه يحترق مِن فكرة الفراق. وهكذا أصبحَ يأتي ليرانا يوم أو إثنين ويزور مُنى ثم يعود إلى عمتّي. وبعد فترة قصيرة أخبرَني أنّه إلتقى هناك بفتاة جميلة ورقيقة وأعجبَته كثيراً. حينها سألتُه:
ـ ومُنى؟
ـ مُنى فاتنة وذات خبرة عميقة في أمور الجنس ولكنّها بلا قلب... وقصّتنا لن تدوم... أعلم أنّها ستسأم منّي وترميني لتجد غيري... أمّا مع تلك الفتاة فأستطيع التكلّم والخروج معها علناً... تفهمني لأنّها مِن سنّي وأظنّ أنّها تحبّني حقّاً... معها يمكنني بناء مستقبل جميل... معها سيكون لي أولاداً وعائلة كعائلتنا.
ـ وكيف ستكون ردّة فعل مُنى عندما تُخبرها أنّكَ وجدتَ حبّاً آخراً؟
ـ أظنّ أنّها لن تمانع لأنّها ليست ممنونة مِن رؤيتي مرّة واحدة في الأسبوع فقط... قلتُ لكَ أنّها بلا قلب.
وصحيح أنّ مُنى لم تكن لِترتبط عاطفيّاً مع أحد ولكنّ عنفوانها كان بلا حدود. وكانت معتادة أن تترك هي عشّاقها وليس العكس فلم تتقبّل أبداً أن يتخلّى عنها شاب صغير كأخي. فعندما قصدَها شادي ليوّدعها بدأت بالصراخ والتهديد فأجابَها أخي:
ـ تهدّديني بإخبار الجميع عن علاقتنا ولكنّكِ ستكونين المتضرّرة الأولى... لا تنسي أنّكِ متزوّجة ولديكِ أولاداً...
ـ لا أخاف مِن ذلك الفاشل الذي إسمه زوجي... يفعل ما أريده... أنا لا أخاف مِن أحد! ولن أقبل أن تتركَني! مَن تحسب نفسكَ؟!؟
ـ إفعلي ما تريدنه أنا أيضاً لا أخاف مِن أحد وخاصة منكِ!
وتركَها تغلي مِن الغضب وعادَ إلى المنزل ليخبرني بالذي جرى ومِن ثمّ قصَدَ القرية ليقابل حبيبته الجديدة. ولكنّ مُنى لم تكن مستعدّة لترك شادي يفلت منها بهذه السهولة ولم يتوقّع أحد أن تقرّر الإنتقام بشكل يفوق التصوّر. فبالأسبوع الذي تلى وداع شادي لِمُنى أتى كعادته إلى بيتنا ليراني ويقضي بعض الوقت معنا. وبينما كنّا جالسين على العشاء نستمع إليه وهو يُخبرنا عن مشروع زواجه ونهنّئه على ذلك سمعنا قرعاً على الباب. قامَ شادي ليفتح وبعد ثوان قليلة سمعنا طلق رصاص وأحداً يقع على الأرض. ركضنا جميعاً كالمجانين ووجدنا زوج مُنى واقفاً ومسدّساً في يده. نظرَ إلينا وقالَ لنا بكل هدوء:
ـ جئتُ أعاقب المغتصب... أخبرَتني زوجتي كيف كان يجبرها على فعل أشياء شنيعة معه... يمكنكم إستدعاء الشرطة لن أذهب إلى أي محل.
وجلَسَ على الأرض بعدما وضعَ المسدّس جانباً. وأُغميَ على أمّي وإنهارَ أبي ووقفتُ أنظر إلى جثة شادي الهامدة. وبعد دقائق إتّصلتُ بالشرطة التي جاءَت وقبضَت على الزوج. جرى كل ذلك في وقت قصير جداً لِدرجة أنّني خلتُ نفسي أحلم وإنتظرتُ أن أستفيق لأجدَ أخي حيّاً. ولكنّ ذلكَ لم يحصل فكان قد مات فعلاً بعدما قرّرَت تلك المرأة الشرّيرة أنّه لم يكون لأحد سواها.
إعترفَ القاتل أنّه وبعدما أخبرَته زوجته بأمر الأغتصابات المتكرّرة أن يغسل عاره بقتل شادي ولكن سرعان ما إكتشفَت الشرطة الكذبة بفضل شهادتي وأدلّة كثيرة غيرها ولكنّها لم تستطع إثبات أيّ شيء خاصة أنّ مُنى لم تحمل أحد على القتل وذنبها الوحيد كان أنّها كذِبَت. إمرأة ذكيّة ولكن مِن دون قلب كما كان يردّد المسكين شادي.
وبعد أن تخلّصَت مِن زوجها وعاقبَت عشيقها تركَت مُنى أولادها مع أهلها وسافرَت بعيداً ولم يعد يعرف أحد شيئاً عنها. ولكنّني أعلَم بقرارة نفسي أنّ يوماً سيأتي وأجدُها وسأجعلها تكفّر عن موت أخي.
حاورته بولا جهشان