صحيح أنّني لم أنجب ولم أعطِ زوجي الوريث الذي تمنّاه ولكنّني لم أستحقّ ما حصل لي. وصحيح أنّ مروان لم يكن الرجل المثالي ولكنّني لم أتصوّر أنّه يفعل ما فعلَه بي. وهذا يؤكدّ أنّنا لن نعرف الناس جيّداً أبداً حتى لو قضَينا معهم سنين طويلة. هل سبب ذلك يعود إلى النفس البشريّة المتقلبّة أم أنّ الظروف هي التي تكشف طابعاً كان مختبئاً في طيّات الأيّام؟ لن أعرف الجواب ولكنّني أعرف ما حصلَ لي وهذه قصّتي.
كنّا قد تزوّجنا منذ أكثر من عشر سنوات وكنّا قد إعتدنا على العيش سويّاً وبلا أولاد حتى أنّنا نسينا الأمر كليّاً حتى أن جاء مروان في ذاك نهار وقال لي:
ـ لديّ ولداً
ـ ماذا؟؟؟ الأمر ليس مُضحكاً!
ـ أنا لا أمازحكِ... لديّ إبناً وإسمه مَجد.
ـ ومِن أين أتى؟؟؟ هل خُنتَني يا مروان؟؟؟
ـ لا! أبداً! بل كان لي علاقة مع إمرأة عندما كنتُ في المهجر وذلك قبل أن أتزوّجكِ ولقد حمِلَت منّي دون أن أعلم بالأمر.
ـ وكم عمر الولد؟
ـ إثنتَي عشر سنة
ـ حسناً...
وبالطبع إعتقدتُ أن الأمر إنتهى في حينه ولكنّه لم يكن قد بدأ بعد. فكان مروان قد قرّرَ الإعتناء بإبنه والقيام بواجباته الأبويّة وليس فقط مادياً بل مِن جميع النواحي. وهكذا علِمتُ بعد أقل مِن شهر على حديثنا أن مَجد آتٍ للعيش معنا. عندها صرختُ لزوجي:
ـ ماذا؟؟ هكذا دون إستشارتي حتى؟ وماذا لو لم أكن أريده في بيتي؟
ـ هذا بيتي أنا يا عزيزتي ولا أظنّ أنّكِ تستطيعين رفض ما لم تكوني قادرة على فعله... أنتِ عاقر أي لم تعطِني ما يحقّ لي... وها قد ارسلَت لي السماء ولداً مِن لحمي ودمي فلَن أدَع أحداً وخاصّة أنتِ أن يفرّق بيني وبين وريثي.
ـ إجلبه إذاً... ولكنّني لن أهتمّ به.
ولو جاء زوجي وطلبَ رأيي في الموضوع وحاولَ إستمالتي وإقناعي لكنتُ قد قبِلتُ بالولد خاصة أنّني أطوق لتربية طفل أو فتى. ولكنّ الطريقة التي أستعمَلها معي مروان كانت إستفزازيّة وحقّرَ كثيراً بي عندما عيّرَني بالعاقر الشيء الذي لم يفعله مِن قبل. وهكذا آتى مَجد مع حقيبته إلى منزلنا ووجدتُه وسيماً ومهذّباً ولكنّني بقيتُ على وعدي ولم أهتمّ به سوى بالأمور البديهيّة كالأكل وغسل الثياب. ومِن جهّته لم يعِرني أهميّة خاصة لأنّه لم يكن يشعر بالإنتماء إلى عائلتنا فلم يتعرّف إلى أبيه سوى مِن مدّة لا تزيد عن الشهرَين. وأظنّ أنّني كنتُ سأتأقلَم مع هذا الوضع وأتعلمّ كيف أحبّ ضيفنا الجديد لو لم يقرّر زوجي أن يجلِب إلى عقر داري عشيقته القديمة أي أمّ مَجد. عندما رأيتُه داخلاً معها لم يخطر ببالي أنّها هي وقبل أن أسأله عن هويّة تلك المرأة قال لي مروان:
ـ جئتُ لكِ بمَن يهتمّ بِمجد... فرَحَ أمّه! فمَن سيسهر على راحته أكثر منها؟
ـ أجل ولكن... ما شأن كل هذه الحقائب؟
ـ ستعيش هنا معنا! يا للسؤال الغبي!
ـ ومَن قال لكَ أنّني سأقبل بذلك؟
ـ إن كان لديكِ أي إعتراض فيمكنكِ الرحيل... لقد عانَت فرَحَ الكثير بعدما إفترقنا... حَمِلَت منّي وتحَمّلَت العبء وحدها وحان الوقت لكي أُصلح الأمور... سيكون لِمجد أمّاً وأباً يعيشان سويّاً تحت سقف واحد.
نظرتُ إلى مروان لأرى إن كان جادّاً ورأيتُ أنّه يعني فعلاً ما قاله لي. كان سيستغني عنّي بكل سهولة فقط لأنّه أصبح أباً. نسيَ كل الأيّام الجميلة التي قضيناها سويّاً والحبّ الذي ربطَنا في الأوّل. حبستُ دموعي لكي لا تراني تلك المرأة وأنا أبكي وركضتُ ألتجىء في الغرفة. ولم ينَم مروان في سريرنا بل ذهب ينام معها قرب إبنهما. وفي الصباح أخذتُ أمتعتي وقصدتُ بيت أهلي حيث كان الجميع ينتظرني لِيواسيني. ولَزمَني وقت طويل لأفهم كيف ولماذا حصلَ ذلك معي بالذات وبحثتُ مطوّلاً عن خطأ كنتُ قد إرتكبتُه ولكنّني لم أجد شيئاً. كان مروان وبكل بساطة إنساناً فاسداً وأنانيّاً. وإنتظرتُ منه أن يعيلَني ولو في الفترة الأولى ريثما أجد عملاً ولكنّه لم يرسل لي أيّ شيء مفضّلاً صرف ماله الوفير على عشيقته وإبنه. فكان زوجي رجلاً غنيّاً يكسب مبالغ مِن مصانعه في الخارج وكان بإستطاعته الإعتناء بمصروف صغير كمصروفي.
وقرّرتُ أن أضع حياتي السابقة ورائي وأبدأ مِن جديد خاصة أنّه لم يكن لديّ أولاد يتأئرون بإنفصالي عن زوجي. لِذا طلبتُ الطلاق لكي أشعر أنّني لم أعد مرهونة لأحد وأتّكل على نفسي. وحصلتُ على حريتّي بسهولة لأنّ زوجي كان في عجلة مِن أمره ليصبح حرّاً في إحتضان عائلته الجديدة. وبعد فترة علِمتُ أنّه عقَدَ قرانه على فرح وسجّل الولد بإسمه الذي أصبح بذلك وريثه الوحيد. ولكنّني لم أكن آبه لما يفعله فلم أعد أحبّه لِذا لم أتأخرّ على إيجاد شخصاً يحبّني فعلاً ويحترمني ويقبلني كما أنا. وتعرّفتُ إلى محمود في مكان عملي الجديد وكان كما يجب أن تكون الرجال أي محبّ وكريم ويبحث عن سعادتي ويعمل عليها. وتزوّجنا وبعد الزفاف بأقل مِن شهر إكتشفتُ بذهول أنّني حامل. في البدء لم أصدّق الأمر طبعاً فكنتُ مُقتنعة ولسنين طويلة أنّني لا أستطيع الأنجاب. وعندها إنتبهتُ لأمر أساسي لم أكن قد فكرّتُ به مِن قبل وهو أنّني لم أذهب يوماً لإجراء فحوصات وكذلك مروان. ولا أدري كيف أقنَعَني زوجي الأوّل أنّني السبب والأفظع ما في الأمر أنّني صدّقتُه فقط لأنّه قال ذلك ولأنّه رجل ولا يجب أن يكون العيب منه. يا لغبائي! كنتُ أحسب نفسي إمرأة عصريّة ومتعلمّة ومثقفّة وها أنا أكتشف أنّني تصرّفتُ وكأنّني أميّة رجعيّة أعيش مِن قرون سابقة. ولكن فرحتي كانت كبيرة كفاية لِتُنسيني الذِل الذي مررتُ به وبعد أشهر ولِدَت إبنتي التي أسميتُها كَنز. وبما أنّه يوجد في الكون عدالة لا تُنسي أحد ولا تقبل الظلم إلتقيتُ بمروان في مجمّع تجاري. كانت كنز معي فعندما رآها صرَخَ:
ـ لِمَن تلك الطفلة؟
ـ لي... إنّها إبنتي... لقد تزوّجتُ مجدّداً
ـ أنا أيضاً... هل قُمتِ بتبنّيها؟
ـ لا! أنجبتُها بنفسي!
ـ كيف ذلك؟ فأنتِ عاقر!
ـ ومَن قال لكَ أنّني أنا العاقر وليس أنتَ؟ لم نرَ طبيباً ولم نجرِ أي فحص يثبت ذلك... ومِن الواضح أنّني لستُ التي لا تُنجب...
لم يُجِبني وفضّلَ الرحيل وإستنتجتُ مِن ملامح وجهه أنّه ذهبَ يسأل زوجته مِمَّن ذلك الولد الذي نسبَته له. وبعد اقل مِن شهر إتصل بي زوجي السابق ليقول لي:
ـ لقد طلّقتُ السافلة... لقد كذبَت عليّ... قالت أن مَجد منّي... كانت تريد مالي فقط...
ـ وكيف تأكّدتَ مِن ذلك؟
ـ لأنّني ذهبتُ إلى الطبيب الذي طلبَ منّي فحوصات مخبرّية... وعلِمتُ أنّني عاقر... إسمعي... لما لا تتركين زوجكِ ونعود إلى بعضننا؟
ـ ماذا؟ أترك إنساناً أحبّني وإحترمَني لأعود إليكَ بعدما رميتَني خارج منزلنا؟ إسمع... لو علِمنا أنّكَ أنتَ الذي لا ينجب تأكدّ أنّني كنتُ سأحبَّكَ أكثر لأعوّضَ عليكَ كل ما قد ينقصكَ مِن عدم الإنجاب... هكذا يعامل الناس بعضهم... لقد خسرتَني إلى الأبد وربحَني مَن إختار حبّي إلى الأبد... ومِن جرّاء ذلك أعطاني الله جوهرتي الصغيرة... وعليّ أن أشكركَ على قلّة أخلاقكَ وتصرّفكَ البشع معي فلولاكَ لما أعطيتُ الحياة الأجمل فتاة في الدنيا... أسامحكَ لأنّكَ لم تعد موجوداً بالنسبة لي ولأنّ حياتي بدأت ساعة ما تخليّت عنّي.
حاورتها بولا جهشان