عريس أمي الشاب

كلّ ما بتُّ أُفكّر فيه بعد سماعي الخبَر، هو الوقوف بوجه ذلك الزواج وبشتّى الطرق. لِذا اتّصلتُ بأخي الذي يعيشُ في الغربة لأحصلَ منه عن دعم ولو معنويّ. مِن جانبها، كانت "العروس" فرِحة وكأنّها مُراهقة على وشك الارتباط بحبّها الأوّل، وكان المشهد مُبكيًّا. فالعروس كانت أمّي البالغة مِن العمر سبعين سنة، والعريس رجُل لَم يبلُغ حتّى الخمسين! أظنّ أنّكم فهمتم الآن سبب مُمانعتي لتلك الزيجة، فكان مِن الواضح أنّ الذي اسمه وليد يستغلُّ عواطف وسنّ والدتي ليَضَع يده على البيت والمال الذي ورثَته عن أبي رحمه الله وعلى معاشها كأرملة. أيّ أنّه سيعيشُ بالفعل كالملَك، في حين أنّه إنسان لا عمَل ثابت ولا ثروة له. فهو لا يملكُ شيئًا على الإطلاق... سوى وسامته وبسمته الناصعة البياض التي استعملَها للاستيلاء على قلب المسكينة أمّي.

لقد تعرّفَت أمّي على وليد يوم رافقَت سيّدات الجمعيّة التي تنتمي إليها في رحلة عبر الحدود لزيارة معالم أثريّة. ومُرافقهنّ لَم يكن سوى ذلك المُحتال الذي وجَدَ في تلك الوظيفة المؤقّتة طريقة للتعارف إلى سيّدات كبيرات في السنّ ووحيدات. في البدء، ألقى وليد بشباكه على أرملة أخرى أكثر "شبابًا" مِن أمّي، إلا أنّها رفضَته، لِذا أدارَ نظره نحو التي كانت تبتسمُ له طوال الوقت. وهكذا، قضَت والدتي يومَين برفقة رجُل أعارَ لها أخيرًا اهتمامًا وجعلَها تشعر وكأنّها لا تزال جذّابة. أنا أفهمُها، فكلّ امرأة تخاف أن تشيخ وأن تصبَح غير مرئيّة بالنسبة لمَن يُحيطُ بها، وخاصّة الرجال، إلا أنّها أرادَت أن تختبر الحبّ مُجدّدًا بدلاً مِن الاكتفاء برفقة مؤقتة.

الجدير بالذكر أنّ والدتي كانت لا تزال إنسانة نشيطة بالرغم مِن سنّها وتتمتّع بصحّة جيّدة، وربّما ذلك هو السبب في عدَم إدراكها لِفارق السنّ بينها وبين الذي أكّدَ لها أنّه مُتيَّم بها. أخفَت عنّا أمّنا موضوع علاقتها الجديدة، فهي كانت تعلَم أنّ الأمر سيثيرُ استفزازنا. لكن لو نوَت الزواج مُجدّدًا مِن رجُل في سنّها، لبارَكنا لها وفرِحنا مِن أجلها. فهي كانت تعيشُ لوحدها بعد موت أبينا، وكنتُ وأخي قد تزوّجنا وأنجَبنا منذ زمَن بعيد.

يوم عرّفَتني أمّي على وليد، خلتُ أنّه مُدربّها الجديد، فلَم أتصوّرها أبدًا تقول لي: "هذا هو رجُل حياتي... سنتزوّجُ قريبًا." نظرتُ إلى وليد باندهاش، وهو نظَرَ بدوره إلى "عروسه" بحبّ وحنان وخلتُ حقًّا أنّها دعابة. إلا أنّني أدركتُ بسرعة أنّ الموضوع جدّيّ للغاية، فتمالكتُ نفسي لكنّني كنتُ بالفعل أودّ طرد ذلك المُحتال خارجًا. أسفتُ أن أضطرّ لِمحو تلك البسمة عن وجه والدتي، إلا أنّني أعربتُ لها عن عدَم موافقتي بعد أن رحَلَ وليد.

 


لكنّها قالَت لي بِحَزم: "لستُ أطلبُ موافقة أحد يا عزيزتي، فأنا أمّكِ وليس العكس... لا تنسي ذلك." كانت الرسالة واضحة، ففضّلتُ السكوت بعد أن شرحتُ لها أنّ وليد لا يُريدُ سوى مالها وبيتها وأرزاقها. ورأيتُ دموعًا في عَينَيها حين أجابَت: "أتعنين أنّ لا أحد باستطاعته أن يُحبّني لِشخصي؟"

حين حُدِّدَ موعد الزفاف، أجرَيتُ مع والدتي حديثًا جدّيًّا على أمل أن أستطيع تغيير رأيها:

 

ـ أتوسَّل إليكِ يا ماما... لطالما كنتِ إنسانة عاقلة، لا تتزوّجي مِن وليد فهو يُريدُ ما هو لكِ.

 

ـ آه... أنتِ خائفة مِن أن يأخذ أحدٌ منكِ ومِن أخيكِ الميراث؟ عيبٌ عليكِ!

 

ـ أنا؟!؟ لِمعلوماتكِ يا ماما، إنّ عمَلي وعمَل زوجي يدرُّ علينا مالاً يكفي لعائلة مؤلّفة مِن عشرة أشخاص! ما هذا الكلام؟ أمّا "عريسكِ" فهو عاطل عن العمَل ولا يملكُ شيئًا!

 

ـ يملكُ وليد شبابه وهذا ما أنا بحاجة إليه.

 

ـ إنّه يصغركِ بعشرين سنة!

 

ـ لو كنتُ رجُلاً، هل كنتِ ستجدين هذا الفارق مُستفزًّا؟ بالطبع لا.

 

ـ أنتِ على حق... لكنّ وليد لا يُفكّر بُمساواة الرجل والمرأة.

 

ـ وما أدراكِ بما هو يُفكّرُ به؟ هل دخلتِ رأسه؟

 

ـ لِما لا تأخذين وقتكِ؟ إختبريه أوّلاً ومِن ثمّ تزوّجيه.

 

ـ ليس لدَيّ وقت أُضيعُه بالاختبار. أُريدُ أن أسعَد الآن!

 

ـ ستسعدين لفترة قصيرة ومِن ثمّ ستتدمَّر حياتكِ.

 

ـ أنتِ تغارين منّي!

 

بالطبع لَم أجِبها فذلك الاتّهام كان سخيفًا للغاية!

حصَلَ الزفاف وانتقَلَ وليد للعَيش في بيت أمّي، وانتظرتُ بعض الوقت قبل أن أزورهما. للحقيقة بدَت لي والدتي سعيدة وعريسها مُهتمًّا براحتها. كنتُ أعلَم أنّ الوضع مؤقّت وأنّ النوايا ستظهرُ قريبًا. لكنّني كنتُ بعيدة كلّ البُعد عن تصوّر الذي حصَلَ بعد ذلك.

ففي أحد الأيّام، عرَّجتُ على منزل أمّي لأُلقي عليها التحيّة، فوجدتُ عندها امرأة غريبة وولدَين مُراهقَين. سألتُ والدتي مَن يكون هؤلاء، فأجابَتني أنّ وليد استضافَ أخته وولدَيها لِبضعة أيّام. في ظروف عاديّة، لَما كنت وجدتُ الأمر مُريبًا، لكنّني كنتُ أتوقَّعَ الأسوأ مِن زوج أمّي. وجدتُ اخت وليد لطيفة، وهي طمأنَتني بطريقة غير مُباشرة أنّ مكوثها لن يطول. إرتاحَ قلبي قليلاً إلا أنّني بقيتُ أُراقبُ الأمور عن بُعد.

 


لكن بعد رحيل تلك السيّدة وولدَيها بحوالي الشهر، حلَّت مكانهم سيّدة أخرى لا تمتُّ لوليد بأيّة صلة عائليّة. إستفسرتُ أمّي عن الموضوع وهذا ما قالَته لي:

 

ـ لن تستوعبي الأمر... أعرفُكِ جيّدًا.

 

ـ حاولي الشرح، فقد أُفاجئكِ.

 

ـ حسنًا... كما تعلمين، وليد لا يزال بكامل قواه الجسديّة، أتفهمين ما أقصدُ؟

 

ـ تابعي يا ماما.

 

ـ وأنا لستُ صبيّة.

 

ـ و...؟

 

ـ ... طلَبَ منّي وليد الإذن بإقامة علاقات حميمة جانبيّة.

 

ـ يا إلهي! يا لوقاحته!

 

ـ وقاحة؟ بل واقع. عندها، وبعد تفكير عميق، أذنتُ له بذلك شرط أن تأتي عشيقته للعَيش معنا.

 

ـ ماذا؟!؟ هل فقدتِ عقلكِ؟!؟ أنا لا أُصدّق ما أسمعه! أنا حتمًا أحلم!

 

ـ إسمعي، أغلَب الرجال يخونون زوجاتهم سرًّا... أما زوجي فكان بِمُنتهى الصراحة معي. وبِجَلبي عشيقته إلى هنا، أُبقي زمام الأمور بِيَدي.

 

ـ ولماذا لا يتزوّجها؟

 

ـ لأنّها مُجرّد نزوة وهو لا يُحبّ سوايَ!

 

ـ وستدفعين طبعًا تكاليف إقامة تلك المرأة بالكامل.

 

ـ هذا لا شيء أمام الفرَح الذي يجلبُه لي زوجي.

 

كان مِن الواضح أنّ أمّي فقدَت عقلها، فأسرعتُ بطلَب أخي ليكون إلى جانبي إذ كان الوضع يسوء يومًا بعد يوم. وفور وصوله، إختلى بوليد وقال له بِنبرة لا تتحمّل النقاش:

 

ـ إسمَع... لو علِمتُ أنّكَ جرحتَ شعور والدتي بأيّة طريقة، أو أنّكَ نصبتَ عليها في ما يتعلّق بالماديّات، فسأشتكي عليكَ وأسجنكَ... وإن استحالَ ذلك، فسأُطارِدكَ أينما كنتَ!

 

هل أثَّرَ تهديد أخي على تصرّفات وليد، أم أنّه لَم ينوِ مِن البداية أذيّة أمّي بالشكل الذي توقّعناه، إلا أنّ والدتي بدَت في غاية السعادة. صحيح أنّ العشيقات تتالَت في بيتها، لكنّ زوجها بقيَ يُعاملها بِرفق واضح. أظنُّ أنّه رأى فيها صورة الأم أكثر مِن حساب مصرفيّ يستفيدُ منه، فهي كانت تُعطيه مصروفًا أسبوعيًّا لا يتعدّى راتب مُمرّض أو مُرافق.

كان الاتّفاق الذي أٌبرِمَ بينهما يُرضي الطرفَين، فحصلَت أمّي على مَن يُحبّها ويعطفُ عليها ويُخفّفُ عنها وحدتها، أمّا وليد فهو حظيَ بمكان جميل يعيشُ فيه ويجلبُ إليه عشيقاته، وبطريقة لِجني بعض المال لشراء الملابس وما تشتهيه نفسه. علِمتُ أنّ أمّي كانت تدّعي أمام عشيقات زوجها بأنّها أمّه كي لا تُحرِجهنّ، يا للّطافة!

لَم أفهَم أبدًا ذلك التوازن، لكنّني رأيتُ نتائجه خلال العشر سنوات التي عاشَتها أمّي مع وليد قبل أن تتوّفى. وأستطيعُ القول بأنّها بالفعل كانت سعيدة. وحين هو ورِثَ حصّته بعد مماتها، لَم أرَ أو أخي أيّ مانع في ذلك، فزوج أمّي بالفعل استحقَّ ذلك المال بعد أن فعَلَ جهده لإسعاد أمّي.

لو حكى لي أحدٌ أحداثًا مُشابهة، لمَا صدّقتُه أو على الأقلّ كنتُ اعتبرتُ ذلك الوضع شاذًّا وغير مقبول على الإطلاق. إلا أنّ الحياة غريبة عجيبة وتحصلُ خلالها أمور خارجة عن المألوف ونراها غير منطقيّة. لكن في آخر المطاف، نُغيّرُ رأينا لأنّ النتيجة لم تكن سيّئة بالمُطلق!

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button