يوم عدتُ مِن سفَر بصورة مُفاجئة، وجدتُ زوجتي في سيّارتها داخل المرآب، يُقبّلها رجُل لَم أرَه في حياتي. لَم أعرِف إن كنتُ غاضبًا أم حزينًا أم الإثنَين معًا، إلا أنّني أدَرتُ ظهري وخرجتُ مِن المرآب بسرعة كَي لا أقترِفَ جريمة بحقّ الخائنة أو العشيق. حمَدتُ ربّي أنّ الأولاد كانوا في المدرسة حين أخذَت زوجتي أمتعتها ورحلَت، فاضطرِرتُ أن أقولَ لهم إنّ جدّتهم مريضة ولهذا السبب لَم تكن أمّهم في البيت. طلّقتُ الفاسِقة مِن دون أن أراها، بل بواسطة المُحامي وتقاسَمنا حضانة الأولاد الذين كانوا بحاجة إلى حنانها، فهي كانت أمًّا جيّدة بالرغم مِن كلّ شيء.
لماذا خانَتني داليا، لستُ أدري، فهي بدَت لي سعيدة معي، إذ قلّما كّنا نتشاجر، على الأقل ليس أكثر مِن باقي الناس. أين وكيف هي تعرّفَت إلى عشيقها، في حين كانت ربّة منزل لا عمَل في الخارج لدَيها؟ أسئلة لَم أكن أملكُ جوابًا عليها فوقعتُ في حيرة كبيرة هزَّت ثقتي بنفسي. ربّما كنتُ السبب في ما فعلَته زوجتي، ربّما لستُ زوجًا جيّدًا لها أو لأيّ امرأة أخرى؟ كان بإمكاني الجلوس معها والاستفسار، لكنّ عنفواني منعَني مِن ذلك، فكيف لي أن أتحدّث عن الذي حصَلَ مع التي خانَتني في المبنى الذي نسكنُ فيه؟ فضّلتُ التوقّف عن التفكير بالموضوع، ومُتابعة حياتي والتركيز على أولادي الذين بدأوا يُعانون مِن طلاقنا، خاصّة عندما كانوا يسمعون أفراد عائلتي يتحدّثون عن أمّهم بالسوء وبألفاظ نابية. حاولتُ منع ذويّ مِن تشويه صورة داليا أمام الأولاد، لكن مِن دون نتيجة، لِذا قرّرتُ الانتقال للعَيش بعيدًا عنهم، لكن قريبًا كفاية مِن زوجتي السابقة لتستطيع رؤيتهم كما اتّفقنا.
توقّعتُ أن تتزوّج داليا مِن عشيقها، وإلا لِما خاطرَت بمُصاحبته وجَلبه إلى أسفَل بيتنا؟ لكن اتّضَحَ أنّه مُتزوّج ولدَيه أطفال، وما كان بينهم هو مُجرّد نزوة مِن الطرفَين. للحقيقة، إرتاحَ قلبي لدى معرفتي ذلك، فالنزوة أفضل مِن العلاقة، أيّ أنّ داليا لَم تكذِب عليّ لفترة طويلة ومُنتظِمة، وهي قد لا تكنّ له مشاعر قويّة كالحبّ. وهذه النقطة بالذات تكلّمَ عنها إبني البكر حين قالَ لي ذات يوم: "الماما لا تزال تُحبُّكَ، لقد سمعتُها تقول ذلك لصديقتها عبر الهاتف". فهِمتُ أنّه أمِلَ أن أُعيدُها إلى البيت وإلى حياتي، لكن ذلك لَم يكن واردًا على الاطلاق. كان مِن حقيّ أن أجِد لنفسي زوجة عاقِلة ووفيّة، أيّ إنسانة مثلي وليس مثل داليا! ولهذا السبب بدأتُ أُفتّشُ عن عروس، وكان يجدرُ بي الانتظار قليلًا وليس التسرّع، فقط لأثبتَ لداليا وللناس أنّني لستُ مجروحًا وبإمكاني الحصول على أفضَل امرأة.
حاولَت داليا كثيرًا العودة، خاصّة بعدما خافَت أن آتيَ بزوجة أب لأولادنا، واعتذرَت مئة مرّة عن "هفوَتها" كما أسمَتها، وأنّ ما رأيتُه في ذلك اليوم كان قُبلة وحسب، وشرَحَت لي أنّ عدَم اهتمامي بها كان له دور بالذي حدَث. لَم أصدّق أيّ كلمة خرجَت مِن فمها ولَم أُسامِحها. لتذهَب إلى الجحيم!
غرِقَ الأولاد في ما يُشبه الكآبة وتأثّرَت علاماتهم في المدرسة إلّا أنّ ذلك لَم يُغيّر قراري، فهل أكسِر كرامتي مِن أجلهم؟ أمّهم جلبَت رجُلًا إلى مقرّ عَيشنا!
مرَّت الأسابيع والأشهر ولَم أجِد زوجة مُناسبة، لأنّني وضعتُ شروطًا قاسية بالنسبة للتي ستُشاركني حياتي. أمّا بالنسبة لداليا، فعلِمتُ مِن أولادنا أنّها تواعِد شخصًا اسمه طارق، مِن عائلة كبيرة ويملكُ مالًا وفيرًا ومنصبًا مُهمًّا. ماذا؟!؟ الخائنة أوقعَت في شباكها سمكة كبيرة على ما يبدو! فمِن المؤكّد أنّ المسكين لا يعلمُ لأيّ سبب طلّقتُها، وهي أخبرتُه حتمًا قصّة حزينة كانت بطلَتها وحرّكَت مشاعره تجاهها. لا، يا عزيزتي، لن أدَعكِ تستغلّين لمصلحتكِ ما يجب أن يكون وسمة عار لكِ! طلَبتُ مِن ابني البكر أن يأتي لي برقم هاتفه، فاتّصلتُ به قائلًا بعد أن عرّفتُ عن نفسي:
ـ أتعلَم أنّ داليا خانَتني في مرآب بيتي؟ أتعلَم ذلك؟ أم أنّها كذبَت عليكَ أنتَ الآخَر؟
ـ أوّلًا، لَم أعطِكَ رقم هاتفي لآذنَ لكَ بالتكلّم معي... ثانيًا، لقد أخبرَتني داليا ما فعلَت، وشرحَت لي عن الأسباب والآن تأكّدتُ مِن أنّها وصفتَكَ لي جيّدًا. فأنتَ تُحاول الوقوف في درب سعادتها بتشويه سمعتها، مع أنّكَ عاقبتَها بتطليقها وحرمانها مِن أولادها نصف الوقت.
ـ أنا لَم أُشوِّه سمعتها بل هي فعلَت! إضافة إلى ذلك، عليّ الاطمئنان على أولادي، فهم سيكونون بصحبتكَ إن تمّ النصيب.
ـ عذرٌ ضعيف للغاية، فلو كانت لكَ مخاوف بالنسبة لسيرتي، لفهمتُ قصدكَ. لكنّكَ تُريدُ إحباط زواجي مِن داليا إنتقامًا منها. وما شأنكَ أنتَ؟ إذهب وجِد زوجة مُناسبة لكَ!
ـ أريدُ حمايتكَ يا أخي، فنحن رجال وعلينا التماسك مع بعضنا.
ـ عذرٌ آخَر لا يُصدّقه أحَد. إسمَع، أنا أُحِبّ داليا ورأيتُ فيها خصالًا عديدة. صحيح أنّها اقترفَت خطأ جسيماً بحقّكَ، إلّا أنّها تصرّفَت ليس مِن منطلَق خصال موجودة فيها، بل مِن ظروف مُعيّنة. هي وقعَت فريسة مُحتال استضعفَها واستغلَّ وحدتها. أنتَ لَم تُحاوِل حتّى فهم دوافعها أو مُسامحتها، على الأقلّ مِن أجل أولادكم.
ـ رجولتي لا تسمَح لي بإعادة خائنة إلى بيتي وفراشي!
ـ كَم مِن امرأة سامَحت زوجها على خيانته لها للحفاظ على بيتها؟
ـ الأمر ليس سيّان!
ـ الخيانة مؤلِمة للجميع يا عزيزي. على كلّ الأحوال، أشكركَ على موقفكَ منها وتطليقها، وإلّا لمَا تعرّفتُ على داليا وأحبَبتُها. الوداع. ولا تّتصل بي مُجدّدًا، أرجوكَ.
يا للرجُل الوقِح! كيف يُكلّمني هكذا وكيف له أن يتجاهل نصائحي؟ فليذهب إلى الجحيم، فسأجِدُ أفضل امرأة في العالم!
ثمّ سمِعتُ بخبَر خطوبة داليا لذلك المُتشاوِف وضحكتُ لِما ينتظرُه. لكنّ أولادي بدوا مُرتاحين للوضع... أكثر مِن اللازم، فهم كانوا ينتظرون موعد ذهابهم إلى أمّهم للالتقاء به والجلوس معه. فحسَب قولهم، كان الخطيب إنسانًا مُثقّفًا ومُثيرًا للاهتمام. إضافة إلى ذلك، كانت أمّهم سعيدة معه وتضحك مِن جديد. وما أدرى الأولاد بحقيقة نفوس الكبار؟ كان ذلك الرجُل يجلبُ لهم حتمًا الهدايا ويشتري بالمادة حبّهم له. عندها أدركتُ أنّ وقتًا طويلًا مرَّ منذ ما اشترَيتُ لأولادي هدايا... طويل للغاية. على كلّ الأحوال، لَم أكن ثريًّا مثل طارق بل موظّفًا عاديًّا ولدَيّ عائلة عليّ الاهتمام بها وبمُتطلبّاتها اليوميّة، فلا مجال للمُقارنة. بعد ذلك، بدأ أهل داليا يتكلّمون عنّي، أيّ كيف أنّ ابنتهم وجدَت أفضَل منّي وبسرعة فائقة، وسخِروا قدر ما شاءوا قائلين إنّها ربحَت ورقة لوتو. لَم أجِب على هذه التعليقات السخيفة، فبعد حين سنرى مَن هو الرابح. سيروَن أنّني سأتزوّج من امرأة خارِقة، خارِقة!
مرَّت الأسابيع وبدأَت داليا بالتحضيرات لزواجها، بينما صارَ شغلي الشاغِل كيفيّة عرقلة سعادتها، فهي سبّبَت لي الأذى حين خانَتني، ولاحقًا حين وجدَت عريسًا ألف امرأة تتمنّاه. وبعد تفكير عميق وجدتُ الحلّ!
رحتُ أفتّش عن العشيق الذي ضبطتُه مع زوجتي وقصدتُه في مقرّ عمله. خافَ منّي الرجُل حين رآني، لكنّني طمأنتُه بأنّني لا أنوي أذيّته على الاطلاق. أخبرتُه عن حالة داليا الجديدة وكيف أنّها ستتزوّج قريبًا، وهو قال:
ـ وما شأني أنا؟ أنا سعيد مِن أجلها.
ـ سعيد؟!؟ بسببها كِدتَ أن تُقتَل على يدَيّ! إضافة إلى ذلك، سمِعتُ أنّ زوجتكَ علِمَت بالذي جرى، وهي حتمًا إتّخذَت موقفًا صارمًا منكَ.
ـ أوّلًا، لَم أخَف منكَ، فأنتَ لستَ شجاعًا كفاية لقتلي.
ـ لا أسمَح لكَ...!
ـ وثانيًا، داليا إمرأة رائعة... نحن لَم نقترِف الخطأ الجسيم الذي تتصوّره، بل أنّني قبّلتُها وليس أكثر، لأنّها لطالما رفضَت أن تخونكَ معي أو مع أيّ كان. لكنّ إهمالكَ لها فتَحَ لي الباب لأُحاوِل معها، فهي كانت بحاجة إلى حنان وانتباه. وما حصَلَ بيننا كان هفوة مِن جانبها، وحتّى لو لَم تضبطنا في ذلك اليوم، أنا مُتأكّد مِن أنّها لَم تكن لتُعيد الكرّة. ثالثًا، لقد تكلّمتُ مع زوجتي مُطوّلًا وتصالَحنا. أيّ أنّكَ يا عزيزي، الوحيد الخاسِر. قُل لي، ماذا جئتَ تقولُ لي؟
ـ كنتُ... كنتُ أريدُكَ أن... أن تُحاول مِن جديد مع داليا ليتركها خطيبها.
ـ أنتَ إنسان مريض! لا تستطيع إسعاد داليا ولا تُريدُها أن تسعَد مع غيركَ؟!؟ إرحَل مِن هنا وإلّا أبرحتُكَ ضربًا!
شعرتُ بالخجَل الشديد، فرأيتُ بلحظة بشاعة ما كنتُ أنوي فعله وما فعلتُه: عدَم اكتراثي لعائلتي وتشويه سُمعة داليا بين الناس وأمام خطيبها، وما هو أفظَع، مُحاولتي الإيقاع بها. يا إلهي... هل هذا مَن أنا عليه بالفعل؟ رجُل أنانيّ وبشِع؟ هل أنّني أنتقِم مِن داليا لأنّني السبب في "خيانتها" لي ولا أُريدُ مواجهة الحقيقة؟ كُرهي لها أخَذَ كلّ وقتي، فلَم أجِد "المرأة الرائعة" التي وعَدتُ نفسي بها، ولَم أُعطِ أولادي الوقت الكافي لهم، فالتجأوا لذلك الرجُل الغريب كما التجأَت داليا لرجُل أحاطَها بالاهتمام وأسمعَها الكلام الجميل وأعطاها ثقة بنفسها كأنثى.
أخذتُ إجازة مِن عمَلي كَي أختلي بنفسي وأتفحَّص حياتي الشخصيّة والزوجيّة السابقة ووضعي الحالي، وما هو أهمّ، علاقتي بأولادي. وكانت النتيجة مُخيفة بالفعل، فلَم أكن أبدًا زوجًا أو أبًا صالحًا، بل أُقدِّم لهم فقط ما هو ضروريّ وليس أكثر. ثمّ فكّرتُ بداليا وتبيَّنَ لي أنّني لا أزال أحبُّها، وربّما أكثر مِن قَبل. يا إلهي، ما عليّ فعله؟ ساعِدني!
يتبع...