خانَتني النساء

تركَتني زوجتي مِن أجل شريكي في العمَل، بعد أن أقاما علاقة دامَت سنة بكاملها. هو طلَّقَ زوجته وهي طلّقَتني، ورحَلا سويًّا إلى مكان آخَر ليعيشا حبّهما بسلام. غضِبتُ وبكيتُ ولعَنتُ، ومِن ثمّ هدأتُ بعدما أدرَكتُ أنّ ما مِن أحَد يستطيع مَنع الآخَر مِن الرحيل أو الخيانة. فمهما حاوَلنا، سيفعلُ الناس ما في بالهم. شكَرتُ ربّي أنّني وزوجتي لَم نُرزَق أولادًا، وإلا لَعانوا مِن غيابها كثيرًا. أحاطَني الجميع لكنّني كنتُ أشعرُ أنّ نظراتهم مليئة بالسخرية والشفقة، فقرّرتُ الرحيل بعيدًا عن كلّ الذين يعرفون قصّتي. فبالنسبة للكلّ، حتّى لو لَم يُفصحوا عن ذلك، كنتُ زوجًا فاشِلاً مِن ناحية أو بأخرى، وإلا لماذا فضّلَت زوجتي رجُلاً غيري؟

وهكذا سافَرتُ بعدما بعتُ شركتي وبيتي وسيّارتي لأبدأ حياة جديدة. للحقيقة، كنتُ مُتشوّقًا لمعرفة ما ينتظرُني، فكنتُ قد بدأتُ صفحة بيضاء ولا أدري ما سيُكتَب عليها. هناك، أسّستُ شركة صغيرة لوحدي، وبدأتُ أبحث عن زبائن وأتعرّف على البلَد والناس. أحبَبتُ ذلك البلَد الغريب تمامًا عنّي، مِن حيث اللغة والطعام والمناظِر الطبيعيّة والحضارة. وكنتُ محظوظًا لأنّ المدينة التي أختَرتُها للعَيش فيها كانت جميلة وجوّها نقيًّا للغاية، الأمر الذي ساعدَني على استعادة عافيَتي بعد الفترة الصعبة التي مرَرتُ بها والتي أثّرَت على صحّتي.

كانت البداية صعبة، وخِلتُ أنّني لن أنجَح وأنّني سأعودُ إلى البلَد مكسورًا مِن جميع النواحي، إلا أنّني تعرّفتُ على رجُل أعمال ناجِح أحبَّ أفكاري وصمَّمَ على وضع يدَه بِيَدي. وسويًّا أقَمنا خططًا وعمِلنا على تحقيقها. هو عرّفَني على شركائه وشخصيّات معروفة هناك، وسرعان ما صِرتُ فردًا مِن مُجتمع بإمكانه مُساعدتي في مجال عمَلي. وبعد سنة تقريبًا، بدأتُ فعليًّا بالعمَل الجاد.

سافَرتُ إلى بلَدي لأرى أهلي الذين اشتاقوا إليّ، ففرِحوا لنجاحي واسترجاعي صحّتي ومعنويّاتي. لَم أمكُث طويلاً لأنّ الجميع بدأ يروي لي عن زوجتي السابقة، إمّا في ما يخصّ الماضي أو عمّا تفعله مع زوجها الجديد حيث هما. لَم أكن أُريدُ معرفة شيء عنهما بعد الذي فعلاه بي! ثمّ طلبَت منّي أمّي أن أجِد لنفسي زوجة جديدة، فكذِبتُ عليها قائلاً إنّني أٌفكِّر جدّيًّا بالموضوع. أنا أتزوّج مُجدّدًا؟!؟ دعوني أضحَك!

عدتُ مِن البلَد لأستأنف عمَلي الذي كنتُ أحبُّه كثيرًا، ولولا ذويّ لَما رجِعتُ إلى مسقط رأسي أبدًا!

تعرّفتُ إلى بضع أبناء جاليَتي الذين استقرّوا معظمهم في المهجر منذ زمَن، ولَم يعودوا يكنّون لموطنهم سوى حنين بعيد مِن حين لآخَر. فهم كانوا قد حصلوا على جنسيّتهم الجديدة، وتزوّجوا مِن بنات محليّات وأنجَبوا جيلاً جديدًا مُختلطًا. وهم نصحوني بالزواج أيضًا مِن صبيّة محلّيّة، إلا أنّني رفضتُ بتهذيب مِن دون أن أُعطيهم السبب الحقيقيّ. لكن في إحدى جلساتنا، وبينما كنّا قد انتهَينا مِن تناول الطعام وكان كلّ منّا يروي قصصًا طريفة ومُضحِكة، قال أحَد المُغتربين لنا: "أعرِف شخصًا سرَقَ شرَف زوجة شريكه بعد أن عاشرَها في بيتها الزوجيّ لِمدّة سنة! يا للزوج المُغفَّل! هاهاها! كيف له ألا يشعُر بما يجري؟!؟ أراهِن أنّ قرونه كبيرة لِدرجة أنّها منعَته مِن التحليل والانتباه! على كلّ الأحوال يُقال عن الزوج إنّه ليس رجُلاً بكلّ ما للكلمة مِن معنى... هنيئًا لزوجته بعشيقها!".

بدأ العرَق البارِد يتصبَّب مِن جسمي وقلبي يدّق بسرعة فائقة، ولَم أعرِف إن كان غضَبي أكبر مِن خجَلي أو العكس. فعلتُ جهدي لأضحكَ مع الباقيَن كَي لا ينتبِه أحَد لشيء، لكن كلّ ما أردتُه هو لَكم ذلك الرجُل على فمِه لإسكاته! علَّقَ الباقون على القصّة بطريقة بذيئة للغاية ثمّ انتقلوا لموضوع آخَر. بعد حوالي النصف الساعة، أعرَبَ أحَد الموجودين عن رغبته بالرحيل، فاغتنَمتُ الفرصة لأرحَل أيضًا. مشيتُ في شوارع المدينة لأكثر مِن ساعة لأهدأ، ثمّ عدتُ إلى شقّتي بائسًا. يا إلهي... هل ستُلاحقُني هذه القصّة أينما ذهبتُ؟ ماذا عليّ فعله لأتخلّص مِن عارٍ لَم أرتكِبه؟ فأنا كنتُ رجُلاً حقيقيًّا لكنّ زوجتي وشريكي كانا فاسدَين وماكرَين. كيف لي أن أتكهّن أنّ التي أحبَبتُها وأحبَّتني لخمس سنوات قَبل الزواج ستخونني بهذه السرعة ومع أقرَب الناس إليّ؟ بالطبع لَم أنتبِه لشيء، لأنّ قلبي وعقلي نظيفان ولَم تخطُر ببالي هكذا خيانة!

وهكذا صمَّمتُ على الزواج وبسرعة، فتلك كانت الطريقة الوحيدة لإثبات رجوليّتي! رحتُ إلى البلَد حالمَا وجدَت لي أمّي عروسًا، بعد أن أوكلتُها بذلك. وبعد أن تعرّفتُ إلى الصبيّة، عقدتُ قِراني عليها في غضون أيّام معدودة. لحسن حظّي أنّها كانت جميلة بعض الشيء لأستطيع تقبّلها مدى حياتي، إلا أنّ شرطي الوحيد كان أن تكون هادئة وعاقِلة وطاهِرة مِن الداخِل والخارج. عمِلتُ على تحضير أوراق سهام، هكذا كان اسمها، وجلَبتُها حيث أنا. للحقيقة كانت تلك الصبيّة هادئة للغاية ولَم تطأ قدماها خارج بلدتها، فانبهَرَت بالذي شاهدَته هناك، ورأيتُ السعادة في عَينَيها. سألتُها كيف لها أن تقبَل بالزواج مِن رجُل غريب وبسرعة فائقة، وهي اعترفَت لي أنّها ليست على وفاق مع أهلها، فقبِلَت بأوّل عريس تقدَّمَ لها. شعرتُ بحزنها، الأمر الذي قرّبَني منها، وأمِلتُ أن أتعلّم أن حبّها وهي كذلك. فعلتُ جهدي لإسعاد سهام، فجلَبتُ لها كلّ ما تمنَّته وأكثر، وأخذتُها إلى أماكن فائقة الجمال. وبعد فترة ليست طويلة، علِمت أنّها حامِل وكانت فرحَتي كبيرة! فكان ذلك إثبات أضافيّ على رجوليّتي! سنُنجِب إذًا دزّينة أولاد إن أقتضى الأمر!

وُلِدَ ابننا في بلَدنا بعدما سافَرنا سويًّا لتكون زوجتي مُحاطة بأناس تعرفُهم، وعُدنا بالولَد لنبدأ حياتنا العائليّة. قلتُ لسهام إنّني أُريدُ أبناءً وبناتًا كثُر وإنّ عليها أن تتحضّر لذلك وهي نظرَت إليّ بحب وحنان. كنّا سعيدَين آنذاك... أو هكذا تصوَّرَ لي.

فما لَم أكن أعرفه عن زوجتي، لأنّني بكلّ بساطة تسرّعتُ بالزواج منها، أنّها كانت على خلاف مع أهلها بسبب أخلاقها. فهي لَم تكن إنسانة عاقِلة بل أنّها بحاجة دائمة لجذب انتباه جميع الرجال. فسرعان ما بدأتُ أُلاحظِ أنّها تُحدِّق بأصدقائي وهم يُبادلونها نظراتها. في البدء فرِحتُ أنّ لدَيّ زوجة جذّابة وأنّ الكلّ يحسدُني عليها، إلا أنّها كانت مَن يُبادِر وليس هم. بعد ذلك، بدأَت زوجتي باستعمال هاتفها على الدوام بدلاً مِن الاهتمام بابننا، فوجّهتُ لها المُلاحظة وهي أجابَت أنّها مُشتاقة لأهلها وأصدقائها في البلَد وتشعُر بالحاجة للتواصل معهم على الدوام. صدّقتُها لبرهة، إلى حين توضّحَت لي الصورة تمامًا، بسبب تعلّقها الفائق بهاتفها وإصرارها على حمله معها... حتّى إلى الحمّام! إنتظرتُ الفرصة المُناسبة لأسرقَ منها هاتفها، لكنّني لَم أستطِع تجاوز رمز الدخول. لذلك اكتفَيتُ بالاحتفاظ به. بدأَت سهام تتوسّل إليّ لأعيدَه لها، خاصّة بعدما وعدتُها بأنّني سآخذه إلى أخصّائيّ هواتف وسأتمكّن مِن فتحه وقراءة ما يدورُ بينها وبين ما أسمَيتُهم "عشّاقها". إعترفَت لي زوجتي أخيرًا أنّها تتبادَل الأحاديث مع أحَد جيراننا... وكذلك الصوَر الحميمة! ماذا؟!؟ كيف لإنسانة آتية مِن بيئة مُحافِظة أن تفعل ذلك بعدما صارَت زوجة وأمًّا؟ لماذا أقَع دائمًّا على نساء سيّئات؟ أم أنّ الخطَب منّي أنا؟ هل بالفعل لا أستطيع إبقاء امرأة معي؟ هل أنّني لستُ رجُلاً كفاية؟

إتّفقتُ مع سهام أن تكفّ عن مُمارساتها، ففي آخِر المطاف هي اكتفَت بالأحاديث عبر الهاتف، ووعدَتني بألا تُعيد الكرّة. لَم أُسامِحها لأنّني أُريدُها مهما كلّفَ الأمر، بل لتفادي الفضيحة في حال علِمَ الناس أنّها تنوي هي الأخرى خيانتي. فلَم أكن مُستعدًّا لتغيير البلَد الذي أسكنُ فيه مرّة أخرى! عشتُ مع سهام أيّامًا جميلة بعد ذلك، وكنتُ على وشَك نسيان ما فعلَته، لكنّ أحَدًا رآها تخرجُ مِن شقّة جارنا وأخبرَني بالأمر. واجهَتُ سهام وهي اعترفَت لي بالحقيقة، بعدما أنكَرت الأمر لساعات طويلة. أضافَت زوجتي أنّها ليست سعيدة معي لأنّها لا تُحبُّني، وهي تزوّجَتني فقط للسفَر بعيدًا عن أهلها. طلبتُ منها أن تترك لي حضانة ابننا وإلا فضحتُها في المحكمة. وهكذا طلّقتُ سهام وأخذتُ ابني إلى أهلي في البلَد لتربّيه أمّي. لَم يسألني أحَد عن الذي جرى بيني وبين سهام، فهم كانوا على عِلم بالأمر بعدما عادَت زوجتي السابقة إلى أهلها، وبدأَت تختلق القصص بشأني لتُغطّي خيانتها وتُعطي لنفسها أعذارًا.

أسرَعتُ بالعودة إلى الغربة... حيث حاولتُ إنهاء حياتي. فتلك كانت الطريقة الوحيدة للهروب نهائيًّا مِن العار الذي يُلاحقُني ومِن فشَلي بإبقاء النساء معي. لكنّ المُحاولة لَم تنجَح وانتهى بي المطاف في المشفى.

وعندما فتحتُ عَينَيّ، خلتُ نفسي في الجنّة، إذ كان كلّ شيء أبيض اللون وكانت تنظرُ إليّ صبيّة حسناء. لكنّني أدركتُ بسرعة أين أنا، فأسِفتُ أنّني لا أزال حيًّا. جاءَت طبيبة في اليوم التالي لتتحدّث معي، وهي كانت أخصّائيّة نفسيّة، فبدأنا بالكلام عن سبب مُحاولتي الانتحار:

 

ـ لماذا فعلتَ ذلك؟ علِمتُ أنّ لدَيكَ ابنًا، لا بل طفلاً صغيرًا.

 

أخبرتُها قصّتي بالكامل وهي تابعَت:

ـ الخيانات تحصل بصورة دائمة ومنذ بداية البشريّة. هناك أناس معدومو الوفاء والأخلاق.

 

ـ مرّتان على التوالي؟!؟

 

ـ الحقّ يقَع عليكَ في المرّة الثانية، فأنتَ تزوّجتَ فقط لإبعاد الشبهات عنكَ ولإثبات رجوليّتكَ لنفسكَ والعالم. إضافة إلى ذلك، أنتَ لَم تتكبّد عناء معرفة سهام جيّدًا أو السؤال عنها. ماذا تتوقّع أن يحصل في تلك الحالة؟ هل ظننتَ نفسكَ في قصّة خياليّة؟ إنّه الواقع، يا سيّدي. فأنتَ جلَبتَ معكَ إنسانة فاسِدة قَبل أن تتعرّف إليها، ووضعتَها في مُحيط أتاحَ لها التصرّف على سجيّتها. وإنجاب طفل لا يمنَع أحدًا مِن الخيانة، أكان رجُلاً أم امرأة. فالحيوانات تُنجِب أيضًا، وهناك فرق بين عمليّة جسديّة أدَّت إلى خلق ولَد، والأبوّة أو الأمومة. أنتَ ضحيّة نفسكَ يا سيّدي، وضحيّة اهتمامكَ الفائق برأي الناس بكَ، لأنّ رأيكَ بنفسكَ سلبيّ. الكثير مِن الرجال تمّت خيانتهم، لكنّهم بمعظمهم آمنوا بنفسهم وتابَعوا حياتهم بثقة واعتزاز، ووجَدوا الشريكة المُناسبة لاحقًا. فهم تعلّموا كيف يختارون ونجَحوا بإيجاد السعادة. وماذا عن ابنكَ البريء؟ ألا يكفيه أنّه سيكبر مِن دون أمّ؟ أرَدتَ حرمانه أيضًا مِن أبيه؟ مشكلتكَ هي ثقتكَ بنفسكَ، وسنعمَل على معرفة السبب الحقيقيّ وحلّ المُشكلة. هل أنتَ موافق؟

 

بدأتُ جلسات المُعالجة النفسيّة بعد خروجي مِن المشفى، مع أنّني لَم أكن مُقتنِعًا تمامًا بضرورتها أو منفعتها. لكنّني اكتشفتُ أمورًا عن نفسي لَم أخَلها موجودة. إضافة إلى ذلك، صرتُ واعيًا لواجباتي تجاه إبني الذي كان أهمّ منّي ومِن مشاكلي. ونمَت في قلبي أحاسيس تجاهه أعجبَتني. فالحقيقة أنّني لَم أحبّه حتّى ذلك الحين بالفعل، بل حسبتُه فقط إثباتًا لذكوريّتي. كَم كنتُ أنانيًّا! إستمرَّت الجلسات لسنة كاملة وبشكل مُنتظِم، تخلّلَتها زيارات قمتُ بها للبلَد ولولَدي الذي صرتُ أشتاق إليه. وباتَ هدَفي الوحيد إسعاده والاهتمام به بنفسي ليكبر ويُصبح رجُلاً أفضل منّي. عزمتُ على تقويه ثقته بنفسه ليؤمِنَ بذاته مهما حصَل له، وليُواجِه الناس مِن دون خوف ولا يدَعهم يملون عليه ما يجب فعله، بل أن يكون قراره صادرًا عن ثقة ومعرفة. يا لَيتَ أهلي عامَلوني كذلك!

جاء اليوم الذي كنتُ جاهزًا فيه وأخذتُ إبني معي إلى المهجر. وضعتُه خلال النهار في الحضانة وأعطَيتُه في باقي الوقت كلّ حبّي وحناني.

تعرّفتُ مؤخّرًا على سيّدة وندرسُ بعضنا على مهل، مِن دون تسرّع، فالزواج مشروع دقيق يستحقّ وقتنا. أنا واثق اليوم بأنّني سأكون سعيدًا مهما حصَلَ لي، لأنّ السعادة الحقيقيّة هي في قلب الانسان ولا تُفارِقنا، شرط ألا نتعلّق بالسعادة الخارجيّة التي بإمكاننا أن نفقدها في أيّة لحظة.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button