تعاسَتي سببها جمالي

كان جمالي محطّ كلام الناس لِدرجة أنّ أهلي وجدوا في ذلك فرصة لِبيعي لِمَن يدفع الثمن الأكبر. فلم أبلغ السادسة عشر حتى أن وجدتُ نفسي مخطوبة لِرجل تجاوزَ الأربعين وقبيح لدرجة لا توصَف. وبالطبع لم يأخذ أحد برأيي، فكيف لهم أن يفوّتوا فرصة ذهبيّة كهذه خاصة أنّ رؤوف خطيبي تاجراً كبيراً يجني المال بشكل خيالي على الأقل بالنسبة لأناس مثلنا.

وهكذا تزوّجتُ مِن رجل كرهتُه منذ اللحظة الأولى وسكنتُ مع والدَيه وأخيه أسعد. ولأنّني كنتُ صغيرة وكانوا أكبر منّي سنّاً وأكثر منّي عدداً، فعلتُ كل ما طلبوه منّي أي الخضوع والصمت التام. وأصبحتُ كالتُحفة التي يشتريها تاجر أثريّات ليصمدها في صالونه ويعرضها بفخر على الناس. وأصابني الملل مِن المناسبات الإجتماعيّة المُبتذلة والزيارات التافهة والأحاديث عن المقتنيات والمشتريات لأنّني كنتُ أعلم أنّ كل ذلك دخان يتبدّد حين يعودون لوحدهم بعد أن يرحل الضيوف. فعائلة زوجي كانت حديثة الثراء بعد أن رفَعَهم رؤوف معه وكنتُ الوحيدة التي تعرف حقيقتهم البشعة. كانوا يشتمون بعضهم ويخطّطون الواحد ضدّ الآخَر ولم يرق لي ذلك. فبالرغم مِن الذي فعلوه بي ذويّي كانوا أناساً بسيطين يخافون الله ويحترمون كبارهم. ولأنّني أصبحتُ أعرف أسرار عائلتي الجديدة، قرّروا عزلي لكي لا يعلم الناس أنّهم ممثلّون بارعين.

 

وهكذا لم أعد أرى أحداً أو أذهب إلى أي مكان إلاّ برفقة أحدهم حتى لو كان ذلك لزيارة أهلي. فضاقَت بي الدنيا وبحثتُ عن منفذ وهو القراءة. وفتاة بعمري تحبّ طبعاً قصص الحب والغرام لِتحلم بغد أفضل خاصة أنّ حياتي الزوجيّة كانت شبه معدومة وذلك بعد أن قرّرتُ مَنع زوجي مِن لَمسي بعد الوحشيّة التي إستعملها معي ليلة زفافنا. فلم يأخذ بعين الإعتبار عدم خبرتي في الأمور الجنسيّة ولا عمري ولا خجلي وفرَضَ نفسه عليّ بعنف لا يوصف مِن كثرة شهوته على"لُعبته" كما كان يسميّني. حينها قلتُ له أنّني لا أريده أن يعاشرني أبداً وإن لم يُعجبه قراري يستطيع تطليقي. وبالطبع رفضَ خوفاً مِن كلام الناس والشماتة لِذا سكَتَ ولم يجرؤ حتى على إخبار أهله عن الموضوع. وهكذا مرَّت أوّل سنة ثم الثانية وسط الإستغراب عن عدم حملي. وكلمّا حاولَ أحد التكلّم بالموضوع أجابَ رؤوف فوراً:

 

ـ لا تزال فتيّة... قرّرنا الإنتظار قليلاً.

 


وإلتجأتُ إلى قرآتي المليئة بالمغامرات وحكايات الشهامة والبسالة وحلِمتُ بفارس يأتي ويخلصّني مِن كابوسي اليوميّ. وبعد أربعة سنوات على زواجي وبعد أن ضربَني اليأس وكدتُ أستسلم لواقعي، تعرّفتُ إلى ساهر الجار الذي عاد مِن الغربة بعد غياب طويل. وبالطبع جاء ليرى زوجي وأهله ويخبرهم عن أحواله. ولحظة ما وقَعت عيوني عليه شعرتُ بدقّات قلبي المتسارعة وكان شعور لذيذاً لم اختبره مِن قبل. وجلسَ معنا وبدأ يروي لنا قصصاً طريفة عن أماكن لم أسمع عنها مِن قبل. وسافَرتُ معه بالخيال وواكبتُه في زياراته إلى بلدان بعيدة ولم أرجع إلى واقعي إلاّ عندما وقفَ ليعود إلى منزله في الطابق الأعلى.

 

 

لم أنَم تلك الليلة وأنا أتخيّل نفسي معه على متن طائرة تارةً أو مركباً تارةً أخرى. وحلِمتُ أن يضمّني إلى صدره ويهمس في أذني أنّه عادَ مِن أجلي ليأخذني معه بعيداً مِن هذا البيت البغيض. وأظنّ أنّ نظراتي المليئة بالحبّ هي التي شدّته إليّ بعدما إلتقينا في مناسبات عديدة. فكان هو الآخر يبحث عن الحب بعدما حاولَ إيجاد المرأة المناسبة طوال سنين.

وفي ذات يوم صارحَني بشعوره تجاهي بينما كان الجميع في الصالون وأنا في المطبخ. دخلَ عليّ وهمَسَ:

 

ـ كم أنتِ جميلة...

 

ـ شكراً...

 

ـ لا أعني فقط مِن الخارج ولكن مِن الداخل أيضاً... لا أستطيع التوقّف عن التفكير بكِ... هل هذا أمر سيّء؟

 

ـ أبداً... أنا أيضاً... أعني... أنا متزوّجة... وهم... تعرف ما أعنيه...

 

ـ أجل... أعلم... أعرفهم منذ ما كنتُ صغيراً وأرى أنّهم لم يتغيرّوا رغم ثرائهم الجديد بل أصبحوا اسوأ مِن الأوّل... ولكنّني أشعر تجاهكِ بعاطفة قويّة...

 

وإنقطعَ حديثنا لأنّ أخ زوجي دخلَ المطبخ وأخذَ ساهر إلى الصالون وبقيتُ محتارة بأمري. ولكن بعد يومَين حين كنتُ لوحدي في المنزل، دقّ جارنا الباب وحين فتحتُ له إرتميتُ في أحضانه. عانقَني بقوّة وقالَ لي:

 

ـ علمتُ انّهم خرجوا جميعاً لذا جئتُ لأراكِ.

 

وجلسنا نتحدّث ثم رحلَ. وأصبحَ يأتي كلمّا سنحَت له الفرصة حتى أن أقمنا علاقة جسديّة. لا أستطيع وصف شعوري في تلك اللحظات ولكنّني علِمتُ معنى الحبّ واللذّة الحقيقيّة. وأُغرمتُ بساهر إلى أقصى درجة حتى أن فكرّتُ بالفرار معه بعيداً. ولكنّ ذلك لم يكن مكتوباً لي، ففي ذات يوم حين كان حبيبي في بيتنا وبسريري بالذات، دخلَ علينا ومِن دون أي إنذار أسعد شقيق زوجي وطَرَد ساهر بعنف. إنتظرتُ مِن عشيقي أن يقف بوجهه وأن يدافع عنّي وحتى أن يأخذَني معه ولكنّه لملَمَ ثيابه وركضَ خارج الغرفة والبيت. وبقيتُ أنا في السرير أرتعش مِن الخوف لا أدري ما سيحصل لي بالذات حين قال أسعد لي:

 


ـ أرى أنّكِ تحبّين الجنس... لقد غشّيتينا جميعاً... أخبرَني رؤوف أنّكِ لا تسمحين له بِلمسكِ وإعتقدتُ أنّكِ خجولة أو تعانين مِن عقدة ما... كان يجدر بأخي أن يكون أكثر حزماً معكِ... هكذا تُعامل النساء...

 

وخلعَ ثيابَه وأجبرَني على ممارسة الجنس معه. لم أقل شيئاً ولم أمانع حتى لأنّني كنتُ في موقف لا يسمح لي بذلك بعدما عثرَ عليّ أخون زوجي. وحين إنتهى قال:

 

ـ لا بأس بكِ... ولكنّني خِلتُ أنّكِ أفضل مِن ذلك... ربّما في المرّة القادمة تكونين أكثر تجاوباً...

 

وبكيتُ كثيراً ولكنّه سَخِرَ مِن دموعي التي أسماها "دموع التماسيح". وفي اليوم التالي علِمتُ أنّ ساهر سافَرَ وتركَني أواجه العواقب لوحدي. تركَني فارس أحلامي وأدركتُ حينها أنّ كل القصص التي قرأتُها كذبة كبيرة ولا يوجد لِرجال تواجه الصعوبات وتتحدّى العالم بأسره بإسم الحبّ. وكرهتُ نفسي لأنّني كنتُ جميلة ولهذا السبب فقط تزوّجَني رؤوف فلو كنتُ فتاة عاديّة المظهر لكنتُ الآن سعيدة أذهب إلى الجامعة وأعيش حياة طبيعيّة بإنتظار الذي سيحبّني فعلاً.

وأصبحَ أسعد يأتي إلى غرفتي كلّما خرجَ أهله ويهدّدني بإخبار زوجي عن عشيقي إن لم أطاوعه. وسكتُّ لأنّني لم أكن قادرة على مواجهة أهلي إن عدتُ إليهم لأنّهم باعوني وقبضوا ثمَني. ولم يلاحظ أحد شيئاً مِن الذي يجري لأنّهم كانوا مشغولين بأنفسهم وبإظهار جانبهم الإيجابي للناس. وأنا اليوم على شفير الإنهيار أنتظر مُعجزة تخلّصني مِن الذي أنا فيه. هل قصّتي ستساهم في تحسين حياة أحد ما؟ أرجو ذلك مِن كل قلبي.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button