إعترافات خائن

لَم يخطر ببالي قط أنّ يومًا سيأتي وأخون زوجتي الحبيبة. أقول "حبيبة" لأنّني حقًّا أحبَبتُها مذ وقَعت عَينايَ عليها. خطَبنا وتزوَّجنا وأنجَبنا، وعشنا حياة أصفُها بالهنيئة والسعيدة. لماذا إذًا إقترَفتُ هذا الإثم البغيض بحقّ التي لَم تنظر يومًا إلى رجل آخر؟ لستُ أدري ولكنّ ذلك حصل، ليس لمرّة واحدة بل استمرّ لسنوات عديدة.

كنتُ قد عزمتُ على عدم توظيف الإناث في شركتي، لأنّني كنتُ أسمَع عن العلاقات التي تُقام بين الموظّفات وزملائهنّ وخاصّة مديرهنّ، وكان بالي مُرتاحًا مِن تلك الجهة. فقد كان مِن المهمّ جدًّا أن أكون الزوج المثاليّ، تمامًا كما كان أبي مع أمّي ولا أخيّب ظنّ أحد، خاصّة أولادي الذين كانوا ينظرون إليّ كمثَلهم الأعلى.

إلا أنّ المصيبة دخلَت شركتي... وكان إسمها هيام. قبلتُ تشغيلها لدَيّ على مضض، لأنّ أخاها طلَبَ منّي ذلك كَونه أعزّ أصدقائي. حاولتُ أن أتفادى إدخال إمرأة إلى مقرّ عملي لكنّ القدر شاء عكس ذلك. لقد وصفتُها بالمصيبة، لأنّ تلك الصبيّة كانت فائقة الجمال وتتمتّع بجاذبيّة لا تُقاوَم. في البدء، أبعدتُها عنّي قدر المستطاع، ووضعتُها في الطابق السفليّ حيث المستودع لتقوم بأعمال الجردة مع العّمال. إلا أنّ أخاها إستاء لهذا التدبير، فنقلتُها إلى أحد المكاتب البعيدة عن مكتبي. لماذا بقيَت هيام تدقُّ بابي بين الحين والآخر لتسألني العديد مِن الأسئلة؟ لأنّ القدر أيضًا شاء ذلك.

مع الوقت، بدأَت هيام تشغلُ بالي خلال النهار وقسم مِن الليل. وحصَلَ أن رأيتُها في أحلامي في مواقف حميميّة. وعندما كنتُ أستفيقُ، كنتُ أُسرعُ بتقبيل زوجتي لأريح ضميري وأبقى على تواصل مع واقعي.

 


واقعي... رجل في الخمسين مِن عمره ومتزوّج ومنذ أكثر مِن عشرين سنة... رأى نفسه وكأنّه ملك جمال العالم عندما نظرَت صبيّة دلّوعة إليه بإعجاب. نعم، هكذا شعرتُ وكنتُ قد افتقدتُ هذا الشعور الجميل. فبالرغم مِن حبّ زوجتي لي، إلا أنّها لَم تعد تراني وسيمًا أو جذّابًا، بل فقط رفيقها وأب أولادها. وها أنا أستعيدُ شبابي مِن خلال عَيني هيام... آه هيام... ما أجمل عَينيَها!

لا أدري كيف تجرّاتُ وطلبتُ مِن موظّفتي مُرافقتي إلى العشاء، وهي قبلَت بسرور وبسرعة، وسألتَني ما هو لوني المفضّل لتختار ثيابًا تتناسبُ مع ذوقي. وجدتُ الأمر ظريفًا فأجبتُها: الأزرق. وعندما رأيتُ هيام لابسة فستانها الأزرق وتنتظرُني أمام بيتها، شعرتُ وكأنّني أسعد الرجال. رحنا إلى مطعم فخم وأكلنا أجوَد المأكولات، وتحدّثنا وضحكنا ونسيتُ الدنيا معها... كنتُ قد قلتُ لزوجتي إنّ لدَيَّ اجتماعًا مهمًّا. وعندما أقلَّيتُ هيام إلى بيتها، وضعَت قبلة خاطفة على شفَتيَّ.

لَم أشعر بالذنب حين عدتُ إلى زوجتي ونمتُ بالقرب منها، فغروري كان بأوجّه. أنا، إبن الخمسين سنة نلت قبلة مِن فتاة بنصف عمري! ومَن يأبه بزوجة مرّ على وجودها عشرون سنة؟

ومنذ ذلك العشاء، صارَت هيام شغلي الشاغل. فكنتُ أطلبُها إلى مكتبي في كلّ دقيقة، وأعطيها الهدايا وأحكي لها عن تفكيري بها وهي تبتسمُ لي ببراءة.

وحين حصَلَ بيني وبين هيام ما لا يجب حصوله، كنتُ الذكر المُنتصر الذي لا تسَعَه الدنيا! لكن في تلك الليلة، أحسستُ أنّني اقترفتُ شيئًا بشعًا ولَم أستطع النظر في عَينيَّ زوجتي لأيّام.

لكنّ ذلك لَم يمنَعني مِن متابعة علاقتي مع هيام، بل صرتُ فنّانًا بالكذب واختلاق الحجج، خاصّة عندما أخذتُ عشيقتي معي إلى أوروبا بدلاً مِن زوجتي. نعم، تركتُ التي وعدتُها بالرحلة واصطحَبتُ أخرى بدلاً عنها. كنتُ إنسانًا شريفًا وصرتُ حقيرًا. لا تستغربوا أنّ أتكلّم هكذا عن نفسي، فلطالما كنتُ إنسانًا عادلاً وأوّلاً مع ذاتي.

بعد حوالي السنة، كنتُ قد توصّلتُ إلى نوع مِن توازن كنتُ فخورًا به، وهو تقاسم نفسي بين امرأتَين. لكنّني لن أخفي عنكم أنّ مُمارسة واجباتي الزوجيّة لَم تكن عمليّة سهلة عليّ، بعد أن أكون قد لمستُ جسد هيام اليافع. فالعودة إلى جسد قد تركَ السنّ عليه آثاره لَم يكن شيئًا أشتهيه. نسيتُ آنذاك أنّني الآخر كنتُ مترهّلاً جسديًّا ولي بطن كبير والقليل مِن الشعر على رأسي. نسيتُ ذلك لأنّني ظننتُ نفسي عدتُ شابًّا، ولَم أرَ سوى سنّ زوجتي الحقيقيّ.

صفة أخرى للخائن إضافةً إلى الكذب، هي عدم تصديق أنّ الزوجة حتمًا على علم بما يجري. إسألوا أيّ رجل يخونُ زوجته إن كانت هي تشكّ بشيء، فسيبتسمُ وينفخُ صدره ويجزمُ عاليًا: "زوجتي؟ هي تعتقد أنّني أفضل رجل في العالم ولا تشكّ بشيء!". أمّا في الحقيقة، فهي تكون قد لاحظَت أدنى تغيير بزوجها، وشمَّت روائح عطور غيرها عليه وأنّ لمسته لها تغيّرَت. فالمرأة أذكى مِن الرجل وأدقّ مُلاحظة منه، ناهيكَ عن حاسّتها السادسة الشهيرة. فزوجتي كانت على علم بعلاقتي بأخرى، لكنّها صبَرت مِن أجل الأولاد وليس مِن أجلي. فأيّ امرأة تستمرّ بحب رجلها عندما يفضّل أخرى عليها؟

 


مرَّت أربع سنوات على هذا النحو، وكنتُ قد بدأتُ أملّ مِن هيام ومِن طلباتها. إلى جانب ذلك، إفتقدتُ معها الإلفة التي أحببتُها مع زوجتي وكنتُ أمتعضُ مِن خروج عشيقتي الدائم مع رفاق مِن سنّها. فلا شيء كان يربطُ بيننا سوى الجنس مِن جانبي والمنفعة الماديّة مِن جانبها. وعندما قالَت لي هيام إنّها لَم تعُد تُريدُني لأنّها لا تشعرُ بالاستقرار معي، أسرعتُ بالقبول وتمنَّيتُ لها السعادة. وقبل أن ننفصل، إعترفَت لي أنّها منذ فترة على علاقة بشاب وتريدُ الإرتباط به. ضحكتُ لأنّ الخائن قد تمَّت خيانته، وهذا أمرٌ عادلٌ بنظري. لَم أزعل لأنّني لَم أكن أحبّ تلك الصبيّة، ولكنّ عزّة نفسي تلقَّت ضربة، وأدركتُ أنّني بالنسبة لهيام لستُ سوى عجوز يصرفُ عليها ما سيُمكّنها مِن أن تكون سعيدة مع غيره.

وهكذا عُدتُ إلى زوجتي على أمل أن أستأنف حياتي حيث تركتُها، لكنّني لَم أتوقّع ردّة فعلها عندما لاحظَت مكوثي في البيت ليلاً وحبّي المفاجئ لها. فقالت لي:

 

ـ ما الأمر؟ تركَتكَ عشيقتكَ؟

 

ـ لا أعلم عمّا تتكلّمين.

 

ـ ألهذه الدرجة تخالُني غبيّة؟ ألَم تُشِد بذكائي طوال سنوات؟ هل صرتُ بلهاء فجأةً حين تعلّقَ الأمر بخيانتكَ لي؟ أنتَ، على ما يبدو، هو الغبيّ يا عزيزي! إسمَع، لقد صبرتُ مِن أجل الأولاد لأنّهم كانوا لا يزالون تحت السنّ، لكنّهم كبروا الآن ويُمكنُني ترككَ أخيرًا.

 

ـ تركي؟ هل أنتِ جادّة؟ أنا لَم أترككِ!

 

ـ صحيح ذلك، لأنّ كان لكَ "بلهاء" تنتظرُكَ في البيت بعد أن حضّرَت لكَ المأكل وغسلَت ثيابكَ ونظّفَت بيتكَ. هل فكّرتَ ولو مرّة خلال تلك السنوات بشعوري؟ لقد دمَّرت أنوثتي وحبّي لكَ وها أنتَ تعودُ بعد أن أخذتَ منّي كلّ شيء. أين الرجل الصالح والنزيه الذي تزوّجتُه؟ لَم أعد أعرفُكَ ولَم يعد هناك مِن حاجة لي لأبقى.

 

رحلَت زوجتي وغضِبَ منّي أولادي، بعد أن دمّرتُ صورتي الفاضلة التي رسمتُها لهم منذ ولادتهم. في الحقيقة، كنتُ قد دمرّتُ كلّ شيء بما فيه نفسي. ومِن أجل ماذا ومَن؟ صبيّة تافهة استغلَّت حاجتي إلى الشعور بالجاذبيّة؟

توسّلتُ زوجتي كي تعود إلا أنّها طلبَت الطلاق وحصَلت عليه ومِن ثمّ سافرَت. لحقَ بها أولادي الواحد تلو الآخر، ووجدتُ نفسي وحيدًا أبكي على مصيري. وأبشَع ما في الأمر، أنّني لا أستطيع لَوم أحد سوى نفسي.

مضى على رحيل زوجتي خمس سنوات، ولَم أفقد الأمل بعد أن صارَت تردُّ على رسائلي الهاتفيّة. لَم أواعد أحدًا بل ركّزتُ على عملي لأبني نفسي مِن جديد. علِمتُ مِن أولادي أنّهم سيقومون أخيرًا بالوساطة مع أمّهم ولكنّهم لَم يعدوني بشيء.

هذا هو مصير الغشّاش والخائن، تعلّموا مِن الذي حصَلَ لي، أرجوكم!

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button