كم كنتُ فخورة بنفسي كوني تزوّجتُ رجلاً ناجحاً كَحليم فأنا إبنة عائلة متواضعة وقصّتي كانت بالنسبة لأهل محيطي بمثابة رمز للنجاح الإجتماعي. وبالطبع أصّريتُ أن تكون حفلة زفافي مذهلة ﻷُرسِّخ بأذهان الناس تلك الليلة إلى الأبد.
وإنتقلتُ إلى الشّقة الفخمة وركبتُ السيّارة السريعة وأنجبتُ طفلة جميلة. كانت حياتي مثاليّة أحمدُ ربّي عليها ليلاً نهاراً. حبّ زوجي لي كان كبيراً ورغم ذلك كنتُ دائماً أخاف أن يحبّ أو يعاشر غيري لأنّني كنتُ أحبّه كثيراً ولا أريد خسارة ما حصلتُ عليه. لذا كنتُ أراقبه "من طرف عيني". فحين بدأ يغيب عن البيت كل يوم ثلاثاء بدأت الشكوك تنتابني. عذره أنّه يجتمع مع موظفيه حتى وقت متاخّر من الليل لكي يقيّموا الأداء الإجمالي ويأخذوا قرارات بشأن الأسبوع الذي ينتظرهم. لم أقتنع تماماً فهذا لم يكن يحصل من قبل وحليم كان رئيس مجلس الإدارة منذ زمن طويل فلما هذا التغيير؟ ولكنني لم أجرؤ على مساءلته كوني إنسانة غير متعلّمة ولا أفهم بشؤون الشركات. ففضّلتُ التركيز على إبنتنا وعلى حياتي الإجتماعيّة مع النساء الثريّات التي تبنَتني بصدر رحب وغضّت النظر عن جذوري المتواضعة. وبقيَت الأمور على هذا الحال حتى يوم جاء حليم باكراً إلى المنزل ومعه ملفّ كبير وقال لي أنّه سيعمل عليه في البيت بدلاً من المكتب. وعندما سألته عن السبب أجابني أنّه ملفّ شائك يستلزم إنتباهاً خاصاً وسريّة تامة. فرحتُ لكونه ماكث بقربي فإنشغاله الدائم كان يزعجني. ولكن في اليوم التالي عندما إستقيظتُ وذهبتُ ﻷحضّر القهوة وجدتُ زوجي ما يزال نائماً على غير عادته. كان قد عمل في غرفة الجلوس حتى آخر ساعات الليل. فقررتُ ترتيب أوراقه التي تركها على الطاولة. وإذ بي أجد الملف الشهير وفيه أوراقاً فارغة. كانت هناك عشرات الصفحات البيضاء ولا يوجد عليها أي حرف. لم أفهم كيف إستطاع زوجي أن يعمل كل تلك الساعات على لا شيء ولماذا قال لي أنّه ملفّ مهمّ جداً. تركتُ كل الأوراق مكانها وأيقظته لكي يشرب القهوة معي:
- أراك متعباً حبيبي...
- أجل... ملفّ صعب جداً ولكن تعرفين زوجكِ... لا يصعب عليه شيء!
- أعرف... ألن تذهب إلى العمل اليوم؟
- لا... فأنا تعب جداً... سأبقى هنا حتى أنتهي...المناخ هنا مُآتٍ للعمل.
وإبتسم لي وقبّلني بحبّ وحنان. أمّا أنا فنظرتُ إليه بدهشة ولكنني لم أقل له شيئاً. فضّلتُ الإنتظار ﻷرى كيف سيخلّص نفسه من تلك الكذبة الكبيرة.
وبقيَ حليم في البيت يوماً آخر ثم آخر حتى أتت فرصة نهاية الأسبوع. ومن بعدها عاود الذهاب إلى الشركة ولكنّه عاد مع ملفّ آخر ليعمل عليه في البيت باقي الأسبوع. ولكنّه لم يتوقّف عن الخروج ليل الثلاثاء كما في عادته.
عندها قررتُ أن أرى أين يذهب مرّة في الأسبوع فعندما خرج من البيت ركبتُ سيّارتي ولحقتُ به وقدتُ وراءه دون أن يراني. توقّف قرب كازينو ودخله. غضبتُ كثيراً ورغم قراري بعدم الدخول خلفه ترجّلتُ ودفشتُ بقوة باب الكازينو ورأيته جالساً على طاولة الروليت يلعب. عندما رآني تغيّر لونه ولم يعد قادراً على الكلام. صرختُ به:
- أهنا تقيم إجتماعاتك مع موظفيك؟ أهنئكَ على عملَك الدؤوب! هيّا أخرج حالاً من هنا!
فعلَ بصمت ما أمرته به وقدنا كلّ منّا في سيّارته حتى وصلنا شقتنا. عندها سألته عن لعبه الميسر فتفاجأتُ كثيراً عندما بدأ بالبكاء فلم أتصوّر يوماً أن رجلاً مثله يمكنه البكاء بهذه السهولة. كل ما قاله كان: "فعلتُ هذا من أجلكِ و من أجل إبنتنا." لم أفهم قصده ولكنني فضلتُ الإكتفاء بهذا لأن وضعه لم يكن يسمح بأن أتحدث معه بالموضوع. قررتُ أن أستفهم منه أكثر في اليوم التالي.
ولكن عندما إستيقظتُ لم أجد حليم لا قربي ولا في البيت وكان قد ترك لي رسالة على طاولة المطبخ. فتحتُها ويداي ترجفان من الخوف. وقرأتُ:
"عزيزتي ... رحلتُ... ليس لأنني لا أحبّكِ بل خجلاً منكِ... لا أريد أن أرى الخيبة في عينيكِ لأن لعبي للميسر ليس خصلة عندي بل نتيجة ما حصل لي. لقد فصلوني من العمل منذ بضعة أشهر ولم أشأ إخباركِ وكنتُ أدّعي العمل على الملفات في البيت بحجّة أنّها دقيقة والحقيقة أنّه لم يعد لي عملاً أو حتى مكتباً. كنتُ أعلم أن لا بدّ أن يأتي يوماً وتعلمي بالأمر فحاولتُ تصليح الأمور بإيجاد لقمة عيشنا بالذهاب إلى الكازينو. وربحتُ أحياناً وخسرتُ مراراً ولكنني إستطعتُ أن أبقيكِ على المستوى المعيشي الذي عوّدتكِ عليه وأنا أعلم كم أن هذا مهمّ بالنسبة لكِ. سامحيني... سامحيني لأنني فشلتُ بتأمين الراحة والطمأنينة لعائلتي. الوداع."
إنهالت دموعي على خدودي وعلمتُ حينها كم أحبّ ذلك الرجل الطيّب وبلحظة واحدة لم أعد أكترث بالناس وبرأيهم بي فكلّ ما أردتُه حينها هو إسترجاع زوجي. أما بالنسبة للمال فكان بإستطاعتي أن أعمل أنا أيضاً وأساعده لكي يقف على رجليه من جديد. فما نفع المال إذا فَقد المرء حبّ حياته؟
حاورتها بولا جهشان