إذا كنتُ اليوم راقداً في سرير مستشفى، فالسبب هو أنا أو بالأحرى حبّي لإمرأة. ولكن بالرغم أنّني كنتُ أعلم أنّه من السّيء أن أعاشر إمرأة متزوّجة، لم أستطع مقاومة الشغف الذي إمتلكني آنذاك وما زال يسكنني احتى لآن. كل شيء بدأ منذ سنة، عندما كنتُ عائداً من السفر وبعد أن أخذتُ حقيبتي من على الموزّع الآلي، خرجتُ من القسم المخصّص للقادمين ورأيتها أمامي تنتظر أحداً من وراء الحاجز الحديديّ. وإلتقَت عيوننا وتوجّهتُ فوراً إليها قائلاً:
- أحسدُ الذي تنتظرين عودته.
إبتسمَت وقالت أنّها تنتظر خالتها العائدة من العمرة، فأضفتُ بصوتٍ عالٍ:
- إذن أنتِ عزباء! سأتزوّجكِ في الحال!
ولكن ملامحها تغيّرَت فجأة وقالت لي بصوت حزين أنّها متزوّجة ولديها ولداً. خاب أملي كثيراً ولكنّني قرّرتُ أنّه من المستحيل أن أدير ظهري لللتي سرقَت قلبي في ثانية واحدة. أخذتُ أتوسل إليها لكي تعطيني رقمها وقبلَت بعد جهد جهيد. لحسن حظّي كان زوجها يعمل في الخارج ولا يأتي سوى بضعة مرّات في السنة، ليرحل مجدّداً بعد أيّام قليلة.
علمتُ أنّ إسمها وداد وإكتفيتُ بهذا وبرقمها وصرختُ لها قبل أن أغادر المطار: "إلى اللقاء!".
ولم أنم جيّداً تلك الليلة لكثرة التفكير بوداد، غير آبهاً بزوجها وكأنّه لم يكن موجوداً قط. وفي الصباح الباكر بعثتُ لها برسالة على هاتفها تقول: "صباح الخير... أرجو أنّ ليلتكِ كانت أفضل من ليلتي... لم تبارحي تفكيري... أتمنّى لكِ نهاراً سعيداً." ولكنّها لم تجب إلّا بعد ساعات طويلة ببسمة صغيرة.
علمتُ أنّها لم تكن تريد تشجيعي وأمِلَت أن أنسى أمرها بسرعة لأنّها كانت ترفض التورّط معي بأيّ شكل كان. ولكنّني لم أستسلم وتابعتُ إرسال جمل ظريفة ونكت طريفة كل يوم، حتى أن بدأت تجاوب بجمل طويلة وتروي لي عن نهارها ومن ثمّ عن مشاكلها في تربية ولد لوحدها وكيف أنّ زوجها لا يفكّر سوى بجني المال. علمتُ أيضاً أنّه رجل أعمال كبير وأنّه يكبرها بخمسة عشر سنة وأنّ كل أعماله في الخارج.
كانت وداد تشكّ بأنّ لديه هناك حياة خاصة مع أخروات لكي يستطيع البقاء هذا القدر من الوقت دون أن يأتي ليراها ويرى إبنه، ما سبّب لها اليأس رغم سنّها الصغير. وللحقيقة حزنتُ لها وسألتُ نفسي كيف لرجل أن يترك إمرأة شابة لوحدها لتهتمّ بطفل دون أن يؤمّن لها بوجوده الطمأنينة والرعاية. ناهيك عن حاجاتها الجسديّة التي هي حقّ من حقوقها. بينما هو لا يمتنع عن إقامة علاقات قدر ما يشاء. خاصة أنّه ثريّ ويستطيع إغراء الكثيرات بماله وجاهه. وعندما شعرتُ بضعفها. أردتُ حمايتها وكأنّها حبيبتي أو زوجتي. فقررتُ ألّا أتركها تواجه صعوبات الحياة لوحدها.
وبعد فترة إستطعتُ مقابلة وداد في مقهى صغير بعيد عن العاصمة حيث قضينا وقتنا نتحدّث عن أنفسنا، فهي لم تكن تعرف الكثير عنّي. أخبرتُها أنّني شاب طموح يحبّ الحياة والناس وأنّني أبحث عن التي ستغيّر حياتي إلى الأفضل. ومع أنّني لم أكن ثريّاً مثل زوجها، كنتُ أكفي ذاتي وأستطيع إكفاء شريكة عمري حتى لو كان لديها ولد. عند سماع ذلك إحمرّ وجهها وقالت:
- لا يجدر بكَ أن تفكّر أنّ لدينا مستقبلاً سويّاً... زوجي وبالرغم أنّه لا يكترث كثيراً لأمري، يعتبرني ملكه ولن يقبل فكرة تركي له... أحياناً أخاف منه...
- هل سبقَ وآذاكِ؟
- ليس جسديّاً، بل يقول لي أشياء مؤذية... ولكنّني أشعر أنّه قادر على أن يصبح عنيفاً خاصة عندما لا يحصل على ما يريده... إنّه رجل عصامي تعوّد أن يأخذ دون أن يسأل ويعتبر أنّ كل شيء مباح له وأنّه يكفي أن يصمّم على ذلك... أرجوك... لا أريد مشاكل...
ولكنّني لم أصدّق أنّها ترفضني وإلّا لما جاءت إلى موعدنا، فلم أستمع إلى تنبيهاتها ولم آخذها على محمل الجدّ. وتتالت لقاءاتنا حتى أن إستطعتُ أخيراً تقبيلها وشعرتُ في تلك اللحظة بشغفها لي، فكانت المسكينة محرومة من أي عاطفة. ولم يمضِ سوى شهر، حتى تلاقت أجسادنا ومارسنا الحب بحنان وكنتُ أسعد رجل في العالم. هي أيضاً كانت سعيدة أن تعبّر عن مشاعرها ولكن إنتابها شعور قوي بالذنب بعد أن إنتهينا وبدأت بالبكاء. طمأنتُها بأنّني لا أتلاعب بمشاعرها وأنّني حقاً أحبّها وأنّني لن أتركها يوماً. إرتاحَت قليلاً عند سماعي أٌقول ذلك ولكنّها أسفَت أنّها خانت زوجها، فهي لم تتخيّل يوماً أنّها قادرة على فعل أمر كهذا وأنّها أصبحَت مثل كل النساء العديمات الأخلاق. فقلتُ لها:
- لا... أنتِ إمرأة صالحة... الذنب ذنبه... يهملكِ ويعيش حياته حيث هو دون أن يفكّر فيكِ... لو فعلتِ ذلك بسبب نزوة أو مقابل المال لقلتُ عنكِ أنّكِ سيئة ولكنّكِ تحبّينني... وأنا أحبّكِ... وسأعمل جهدي لأسعدكِ...
ولكنّني لم آخذ بعين الإعتبار ما أخبرَتني وداد عن شخصيّة زوجها وإلّا كنتُ أخذتُ حيطتي وأدركتُ أنّه لن يقبل بأن يأتي رجل آخر ويأخذ ما يعتبره حقاً عنده. فبينما كنّا نعيش أنا وحبيبتي قصّة حب رائعة، كان هو يراقبنا عن بعد، بواسطة رجلاً كان قد وكّله ليبقي عيناً على زوجته وأمّ ولده. وبالطبع وصلَته الأخبار بأنّ وداد تواعد أحداً، خاصة بعدما دعَتني هذه الأخيرة إلى المنزل الزوجي للعشاء وللتعرّف على ولدها الذي لم يبلغ السنتين. وكانت هذه الخطوة بمثابة الإهانة القسوة بالنسبة لرجل مثله، فقرّر أن يتصرّف بوضع حدّ لما يجري.
فبعد يوم واحد على زيارتي لها، أخبرَتني وداد أنّ زوجها عاد بصورة مفاجئة وأنّها أخذَت هاتفها معها إلى الحمّام لتنبّهني بألّا أتّصل بها أو أرسل لها أيّة رسالة قبل أن يرحل نهائيّاً. وكلانا ظنّنا أنّها كانت زيارة عاديّة ولكن الأمر كان غير ذلك، فبعد وصوله بقليل، بدأ يصرخ بها عاليّاً مهدّداً بأنّه سيأخذ تدابير قاسية بحقّنا نحن الإثنين. وحاولَت وداد تهدئته بالقول أنّ ما سمعه غير صحيح وأنّها كلّها أكاذيب ولكنّه لم يصدّقها لأنّ مخبره رجل يعمل لديه منذ سنين وموضع ثقة.
وفي الصباح غادر زوجها بعد أن كرّر لها تهديداته. وإتّصلَت بي فور خروجه من المنزل، طالبة منّي نسيانها بصورة نهائيّة، خوفاً على نفسها وعليّ. ولكنّني لم أكن مستعدّاً أن أتخلّى عن حبيبتي، خاصة بسبب رجل لا يحترمها ولا يبالي سوى لعمله وسمعته. وعدتُ أراها كالسابق ولكن ليس في منزلها. ولكنّنا أصبحنا نقضي وقتنا نتكلّم عن زوجها ما أثار إنزعاجي وإستيائي، لدرجة أنّني بدأتُ أفكّر بالإنتقام من الذي يقف بيني وبين حبيبتي. فكّرتُ بأن أواجهه بالحقيقة وأن أقول له بأنّني أحبّ زوجته وإبنه وأريد الإهتمام بهما طوال حياتي وأكرّس لهما كل وقتي لأنّ هكذا تُبنى العائلات وليس بالإهمال والتهديد. وقلتُ لنفسي أنّ في حال رفضه، سأهرب مع وداد والولد إلى مكان بعيد حيث لا يعرفنا أحد ونعيش هناك حبّنا بِهناء.
ولكنّ الزوج سبقَني وفي ذاك ليلة وأنا عائد إلى منزلي، أقدمَ رجلان على التعدّي عليّ بضربي بعنف مخيف، لدرجة أنّني ظننتُ فعلاً أنّني سأموت. ولكنّ أوامره لهما، كانت ألّا أُقتل، ربّما لكي لا يُفتح تحقيق ويصلو إليه، لأنّه كان يعلم أنّني لن أرفع شكوى ضدّه بتهمة التعدّي خوفاً على سمعة وداد. وكان على حق، فبعد أن أخذَني أحد المارّة الذي وجدني مُلقى في الطريق إلى المستشفى، أخبرتُ الأطبّاء أنّ لصوص تهجّموا عليّ بقصد السرقة. وبعد أن إستقرّت حالتي، حاولتُ الإتّصال بوداد ولكنّها لم تجب على هاتفها أو هاتف المنزل. خفتُ كثيراً عليها وبما أنّني لا أستطيع ترك سريري بسبب الكسور العديدة التي أعاني منها، طلبتُ من صديق مقرّب لي أن يذهب إلى منزل حبيبتي ليطمئنّ عليها ويقول لها أنّني في المستشفى. ولكنّه عاد وأخبرَني أنّ المنزل فارغ من سكّانه وأنّه سأل الناطور عن مكان تواجد السيّدة وإبنها وعلِم منه أنّهما سافرا مع الزوج الذي أتى ليلاً ليأخهما معه إلى الخارج. وعند سماع ذلك، إنتابني شعور باليأس، فلم أكن أعلم أين يسكن زوجها لأجدها. وساءت حالتي ما سبّب لي الدخول إلى غرفة العناية الفائقة لبضعة أيّام ثمّ عدتُ إلى غرفتي بإنتظار الشفاء.
ومنذ ما علمتُ برحيل وداد وأنا أفكّر في طريقة لإيجادها، خاصة أنّني لم أكن متأكّداً أنّها ستكون بخير بعدما فعله زوجها بي وخفتُ كثيراً على سلامتها، خاصة أنّها أصبحَت لوحدها في بلد غريب لا تعرف أحداً فيه ولن يسأل أحد عنها في حال حصول مكروه لها. وأقسمتُ لنفسي انّني سأقضي عمري أبحث عنها وأنّني سأجدها حتى لو بقيَ في حياتي يوماً واحداً. واليوم أنتظر بفارغ الصبر أن أُشفى وأخرج من المستشفى لأبدأ بحثي.
حاورته بولا جهشان