ألعاب الحظ تجلبُ السعادة... والتعاسة أيضاً!

هل الحظ موجود فعلاً؟ نعم ولكن هناك دائماً جانب آخر لا نسمع عنه أو لا يخبروننا عنه. أنا كنتُ ضحيّة الحظ الجميل وأعلم تمام العلم بشاعة ذيوله.

كنّا أنا وزوجي من الذين يلعبون في اللوتو أسبوعيّاً ورغم مرور سنين دون أن نربح قرشاً واحداْ لم نستسلم وبقينا نضع نفس الأرقام على أمل أن يأتي يوم ونصبح أثرياء ﻷنّ حالتنا الماديّة كانت سيّئة. وكلّما ذهبَ رياض إلى مكتب اللوتو كان يقول لي:"إدعِ لي بالتوفيق" وكنتُ أطلبُ من ربّي أن يلتفتَ بنا ويحسّن حالتنا.

ولكن ليس كل ما يتمنّاه المرء يكون لخيره وبعد مئات المحاولات حصل المنتظر: جاءت الأرقام التي لعبناها مراراً وربحنا إحدى الجوائز الكبرى وعندما أخبرني زوجي عبر الهاتف أننا أصبحنا أثرياء علمتُ أنّه لا يمزح من صوت الذي كان يرجف من الفرح والصدمة. صرختُ حينها:" إنتهت أيّام الفقر!".

قبل إكمال قصّتي عليّ أن أوضّح مدى خطورة حالتنا الماديّة في ذلك الحين. فكلانا من عائلات فقيرة وأهلنا مزارعون صغار بالكاد يجنون ما يكفي ﻹطعام عائلتهم. كبرتُ ﻷصبح خيّاطة في معمل شراشف ورياض سائق شاحنة. وبعد سنين من العمل على المكنات أصبتُ بألم حاد في ظهري منعني من مزاولة عملي فمكثتُ في البيت أحاول تدبير الأمور المنزليّة بأقل كلفة ممكنة. أما زوجي فهو أيضاً خسر عمله بسبب سنّه وتقليص السائقين في الشركة مفضّلين إبقاء الشباب منهم. فمكَثَ رياض في المنزل ولعب اللوتو كانت خشبة خلاصنا الوحيدة وقد بلغنا سن الخمسين.

وبعدما قبض زوجي المبلغ الكبير أقمنا حفلة مهولة دعينا إليها جميع أهالي الحيّ والأقارب والأصدقاء وإحتفلنا ببداية حياتنا الجديدة. ولكن بعد أقل من شهر بدأ رياض يتغيّر وليس فقط بسبب نمط حياته الجديد من ثياب جميلة وسيّارة حديثة بل بتصرّفاته خاصة معي. أصبح صعب المزاج لا يطيق أي تعليق من قبَلي وكأنني ثقل عليه لا يريد تحمّله. وبدأ يغيب عن المنزل ويذهب برفقة أصحاب جدد له ولا يعود إلا في ساعات الصباح. وكلّما كنتُ أسأله عن مكان تواجده كان يصرخ بي:"أتركيني أعيش قليلاً!". لم أتخيّل أنّ الأمور ستكون على هذا النحو عندما ربحنا الجائزة فخِلتُ أننا سنسافر إلى بلدان بعيدة ونشتري شقّة جديدة أو حتى أننا سنغيّر فرش بيتنا القديم. ولكن كل ما فعلناه كان لرياض فقط. كنتُ أعلم أنّه يمرّ بفترة ما بعد الربح ينتصر من خلالها على الفقر الذي عاش فيه وكنتُ أنتظر أن يرجع إلى رشده. ولكن لم يحصل هذا بل بالعكس تماماً.

ففي ذاك نهار وصلَ زوجي إلى المنزل ومعه شنطة كبيرة. وضعها على السرير وفتحها وبدأ يضع فيها ثيابه الجديدة وأغراض أخرى خاصة به. تفاجأتُ كثيراً وسألته:

- هل أنتَ مسافر؟

- لا... بل سأترك المنزل.

- ماذا تقصد بِ" سأترك المنزل؟.  

- أقصدُ إنني راحل من هنا وسأترككِ أنتِ أيضاً.

ضحكتُ ﻷنني ظننتُ أنّه يمازحني ولكنّه أضاف بكل جديّة:

- تعرّفتُ إلى صبيّة جميلة وقررتُ الزواج منها. سأعطيكِ مبلغاً صغيراً كي لا تُعَرقلي معاملات الطلاق فأنا بعجلة من أمري.

ووضع على السرير رزمة من الدولارات.

- هل أنتَ جاد؟ لا أفهم ما الذي يحصل! 

- هل أنتِ غبيّة إلى هذه الدرجة؟ أقول لكِ أنني أريد الزواج من أخرى... لم أعد أطيق العيش معكِ فأنتِ عجوز ولا تعرفين كيف تمرحين... ناهيكِ عن قلّة رغبتكِ في الجنس.

- أنا عجوز؟ أنا أصغر منك سنّاً! هل فقدتَ عقلكَ؟ هل الربح أفسد أخلاقكَ إلى هذه الدرجة؟ وهل أنا طاولة أو كَنَبَة تغيّرها عندما تسأم منها أو ترى أخرى أجدّ منها؟ من تحسب نفسكَ يا رياض؟ كل ما فعلتَه هو إختيار بضعة أرقام. يا للبطل! إذهب من هنا فوراً وخذ مالكَ معكَ! أمّا بالنسبة للطلاق فلن تراه أبداً وسأبذل جهدي لعدم إعطاءه لكَ وما من قاضي سيقبل أن تتركَ زوجتك ﻷنّه أصبحَ لديكَ المال. هيّا أخرج من هنا!!!

- هكذا أنتِ... بائسة لا تعرفين كيف تعيشين... المال هو كل شيء وسأشتري حريّتي منكِ... سترين!

وبدأ فوراً دعوى الطلاق. وفي هذه الأثناء علمتُ أنّه إشترى شقّة في وسط العاصمة وجاء بمهندس ديكور ليفرش له البيت ويستقرّ به مع عشيقته التي لم تكن تبلغ أكثر من عشرين سنة من العمر. أمّا أنا فبقيتُ ببيتي القديم أعيش بالقلّة كما في السابق.

وبعد فترة وبعد أن صرَفَ ماله على السيّارات والحفلات وتلبية طلبات هذه الفتاة بدأ يشحّ للمبلغ الذي ربحه ولم يتبقّى منه الكثير. فسمعَ من صديق له وإستثمرَ باقي المال في مشروع فاشل وسرعان ما وجد نفسه من دون شيء. وإختفى أيضاً الأصدقاء والمعارف ولحِقَتهم الحبيبة فما النفع من بقائها مع رجل فقير يكبرها بثلاثين سنة؟ وإضطر إلى بيع كل ما إشتراه لتسديد الديون التي أخذها لمشروعه وعاد إلى نقطة الصفر.

وحين رأى أنّ ما من أحد باق إلى جانبه وأنّه أصبح وحيداً عاد رياض يقرع بابي. قلتُ له وهو واقف على العتبة:

- أتدري؟ لم تكن الرابح الوحيد... فالجائزة التي فزتُ أنا بها لم تكن ماديّة ولن أخسرها أبداً كما حصلَ معكَ لأنّها كانت إستنتاجاً بسيطاً وبديهيّاً: أنا لستُ بحاجة إليكَ. فبعد أن غادرتَ المنزل آخذاً النقود معكَ إستطعتُ ولو بصعوبة تدبير أموري من دونكَ. أمّا أنتَ فعُدتَ راكضاً إليَ عالماً أنّكَ ستعيش مذلولاً بعد كل ما فعلتَه بي. عُد أدراجكَ يكفيني ما عندي وإلقي بثقلكَ على غيري.

وأقفلتُ الباب بوجهه وشعرتُ لأوّل مرّة في حياتي أنّني حرّة. واليوم لستُ مستعدّة أن أتخلّى أو أتنازل عن هذا الشعور مهما كلّفني الأمر.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button