أصبح غريمي أعزّ صديق لي

يوم قالَت لي رندا إنّها تحبّني، خلتُ أنّني أمتلكُ الدنيا بأسرها، فلَم أتصوّر أنّ فتاة مثلها ستحبّ رجلاً يكبرها بعشرين سنة. فبوجودها في حياتي عادَت إليّ بسمةٌ فقدتُها منذ سنوات وبدأتُ أرى النور في آخر نفق وحدتي. ركضتُ أشتري لها حليّ الخطوبة، ولم أبخل عليها لأنّني كنتُ قادرًا على صرف مبلغ كهذا ولأنّ رندا كانت تستحقّ الأفضل.

عرّفتُ خطيبتي إلى أقاربي وأصدقائي، خاصّة الذين كانوا يعتقدون أنّني سأقضي حياتي وحيدًا، وذُهِلوا بجمالها وصباها وهنّأوني على اختياري. كانت حياتي جميلة، وكانت لي أحلام أنوي تحقيقها مع التي سرقَت قلبي.

لكنّ عالمي انقلَبَ رأسًا على عقب في يوم كنتُ عائدًا فيه مِن عملي. كانت الطرقات مزدحمة والسيّارات شبه متوقّفة. وإذ بي أرى في السيّارة الواقفة إلى جانبي مشهدًا وجدتُه صعب التصديق: خطيبتي تقبّل بشغف شابًا وتنظر إليه بحبّ واضح. صحيح أنّني معروف ببرودة أعصابي، لكنّني لم أستطع تمالك نفسي، ونزلتُ بلحظة مِن مركبتي وهجَمتُ على الخائنة وعشيقها. فتحتُ باب رندا، وقبل أن تدرك الذي يحصل لها، صفعتُها بقوّة وشتمتُها. ولحظة عدتُ إلى سيّارتي، مشى السَّير ولم يستطع العشيق التصرّف، بل رأيتُه في مرآتي يشتم ويُهدّد. لم أهرب منه، بل كنتُ أريد الإبتعاد قدر المستطاع عن هذَين الفاسقَين بعد أن اشمأزّيتُ مِن الذي رأيتُه. كيف لرندا أن تفكّر ولو للحظة بآخر فكم بالأحرى أن تخرج معه وتقبّله؟ أسفتُ على الوقت الذي قضَيتُه أفكّر بكيفيّة إسعاد خطيبتي وبمستقبلنا سويًّا.

حالما وصلتُ البيت، مزّقتُ صوَر رندا، ومحَوتُ رسائلها عن هاتفي وحظرتُها مِن حساباتي على شبكات التواصل. صحيح أنّني كنتُ سأتعس لفترة قد تكون طويلة، إلا أنّني نوَيتُ أن أفعل جهدي لنسيانها والعودة إلى حياتي السابقة.

لكنّ الشاب الذي كان برفقة رندا لم يكن مستعدًّا لنسيان ما أعتبرَه إهانة لرندا ولنفسه، كَونه كان موجودًا في السيّارة. فبعد أن سأل عشيقته مئة سؤال، عَرفَ منها إسمي ورقم هاتفي وعنواني. وهكذا بعد أيّام معدودة على الحادثة، تلقَّيتُ مكالمة هاتفيّة منه أعرَبَ خلالها عن نيتّه بأن "يجعلني أدفع ثمن قلّة احترامي" وأعطاني موعدًا لنصفّي حسابنا.

 


لم أمانع بمواجهة الخائن، لكنّني اخترتُ المكان بنفسي، لأنّني كنتُ واثقًا مِن أنّه سيستدرجني إلى محلٍّ خالٍ مِن الناس لينتقم منّي من دون وجود أحد. تحضّرتُ للموعد، وذهبتُ إليه بكامل أناقتي ليعلم ذلك الشاب أنّني لستُ مثله، بل رجل ناضج له مركزه في المجتمع، ووقفتُ في الساحة التي اخترتُها. لم أكن خائفًا حتى عندما رأيتُه قادمًا مع شاب آخر وفي عينَيهما نظرات شرّ لا تبشّر بالخير.

عرّفتُهما بنفسي وعرضتُ عليهما الجلوس في مقهى للتكلّم، وهما تفاجآ كثيرًا بلطفي ولياقتي بعد أن انتظرا منّي موقفًا ولهجة مغايرتَين. ولكثرة اندهاشهما، قبِلا دعوَتي وجلسنا نشرب القهوة. كنتُ أنا الذي بدأ الكلام ووجهتُ سؤالي للعشيق:

 

ـ ما اسمكَ؟

 

ـ مازن... إن كنتَ تخال أنّكَ ستنقذ نفسكَ ببضع جمل لطيفة فَـ...

 

ـ أنقذ نفسي؟ ممّا؟

 

ـ مِن تصرفاتكَ مع خطيبتي! فلقد صفعتَها وشتمتَها أمامي! ولا أسمح...

 

ـ خطيبتكَ؟ هـ هـ هـ... وماذا قالت لكَ "خطيبتكَ" عنّي؟ كيف فسَّرَت لكَ تصرّفاتي؟

 

ـ قالَت لي إنّكَ تفرضُ نفسكَ عليها، وإنّكَ تتّصل بها ليلاً نهارًا وتتبعُها في كلّ مكان وهي لا تريدكَ! يبدو أنّكَ رجل مُحترم فكيف لكَ أن تعامل النساء هكذا؟

 

ـ أنتَ قلتُها: أنا رجل مُحترم، على عكس "خطيبتكَ".

 

ـ ها أنتَ تعيد الكّرة! سأبرحكَ ضربًا أمام الجميع!

 

ـ قبل أن تفعل ذلك وتخاطر بدخول السجن، دعني أقول لكَ مَن تكون رندا بالنسبة لي: هي خطيبتي، أعني خطيبتي السابقة فلقد أنهَيتُ علاقتي بها بعدما رأيتُها في السيّارة معكَ تقبّلكَ.

 

ـ أنتَ كاذب!

 

ـ بل أنتَ السّاذج. كنتُ أودّ أن أريكَ رسائلها الغراميّة لي لكنّني محَوتُها. هل لدَيكَ صورة لرندا على هاتفكَ؟

 

نظَرَ إليّ مازن باندهاش ومِن ثمّ أراني الصورة. عندها نادَيتُ نادل القهوة، وسألتُه إن كان يعرف تلك المرأة فأجابَ مِن دون تفكير:

" أجل، هي نفسها التي تأتي معكَ إلى هنا سيّدي. هل تزوّجتَها أم بعد؟"

 

لم يُصدّقه مازن بل قال إنّها خطّة مدبّرة وقام ورفيقه مِن مكانه مهدّدًا مرّة أخرى. وقبل أن يُغادر قلتُ له: "إسمع يا صاحبي، يبدو عليكَ أنّكَ شاب ذو عزّة نفس ومروءة، لذلكَ سأعطيكَ نصيحة: إبتعد عن رندا لأنّها فاسدة وكما خانَتني معكَ فستخونكَ مع آخر... فكّر بعقلكَ وليس بقلبكَ، وإيّاكَ أن تتزوّج مِن تلك الأفعى وإلا ستندم حتى آخر أيّامكَ."

 


لم يُجِبني الشاب بل تمتمَ بضع كلمات مؤذية وذهَبَ.

صحيح أنّ قلبي ارتاح قليلاً عندما علِمتُ أنّ رندا خانَتني مع شاب ظنّ أنّه خطيبها وليس بوغد عاشرَها وهو يعرف أنّها مرتبطة، إلا أنّني تألّمتُ كثيرًا لِما أصابَني. وطيلة أشهر، حبستُ نفسي بين العمل والبيت أفكّر بسواد النفس البشريّة. لم أنسَ مازن الذي كان سيُعاني مثلي مِن غدر رندا، وخطَرَ ببالي ألف مرّة الإتصال به للإطمئنان عليه. إلا أنّني لم أفعل كَي أجنّب نفسي سماع الشتائم.

وبعد حوالي السنة وأثناء تسوّقي في أحد المحلات، سمعتُ صوت رجل يُناديني باسمي. إستدرتُ وتفاجأتُ بمازن وخفتُ للحظة أن يكون قد تبعَني لأذيّتي. لكنّها كانت صدفة بحت وكان الشاب يبتسم لي. وحين اقترَبَ منّي، عانقَني فجأة قائلاً: كَم أنّني سعيد لرؤيتكَ! وكَم أنّني شاكر لكَ! حان دوري لدعوتكَ لشرب القهوة فلدَيَّ الكثير أخبركَ به."

جلَسنا سويًّا، وكنتُ لا أزال تحت وطأة الصدمة حين أخَذَ مازن نفَسًا عميقًا وقال:

 

ـ لم انسَ ما قلتَه لي في ذلك اليوم، مع أنّني لم أصدّقكَ آنذاك وخلتُكَ تختلق القصص لإبعادي عن حبيبتي. قلتُ لرندا إنّني رأيتُكَ وتحدّثتُ معكَ، وهي لم تنفكّ عن سؤالي إن كنتُ أبرحتُكَ ضربًا كما وعدتُها أن أفعل. تفاجأتُ بهذا الكم مِن الأذيّة، خاصّة أنّها بقيَت تقول لي ألا أصدّق ما قُلتَه لي، مع أنّني لم أخبرها بالحديث الذي دار بيننا. إستغربتُ طبعًا الأمر، وقرَّرتُ أن أراقب تحرّكاتها على أمل أن أريح بالي قبل أن أقدم على الزواج منها. لكنّكَ كنتَ على حقّ، فبعد حوالي الشهرَين، بدأَت رندا تختلق أعذارًا لغيابات غير مبرّرة، لِذا أخذتُ ألحق بها أينما ذهبَت. في البدء لم أجد شيئًا مريبًا، فقد كانت تقصد إحدى صديقاتها وخجلتُ مِن نفسي. لكن في المرّة الأخيرة التي كنتُ جالسًا في سيّارتي أمام منزل تلك الصديقة، وأستعدّ للرحيل مصمّمًا على ازالة جميع الشكوك مِن رأسي، رأيتُ صبيّة خارجة مِن المبنى. كانت الدنيا مُظلمة، لكنّني استطعتُ التعرّف إلى الصديقة، وسألتُ نفسي لِما رندا ليست برفقتها ولِما بقيَت لوحدها في الشقّة. إنتابَني إحساس بشع للغاية فصعدتُ لأتأكّد بنفسي. وعندما قرعتُ جرس الشقّة مرّة واثنتَين ولم يفتح لي أحد، بدأتُ أصرخ مِن وراء الباب: "أعرف أنّكِ في الداخل ولن أبارح مكاني إلى أن تخرجي". لم يُجبني أحد وبقيتُ واقفًا حوالي الساعة. ولأنّ رندا أدركَت أنّ لا مفرّ مِن مواجهتي، فتحَت الباب أخيرًا وكان إلى جانبها رجل بسنّكَ. إستعدَّيتُ لشتمها إلا أنّني تذكّرتُكَ، ووجدتُ أنّ لا نفع مِن الأمر فهكذا نساء لا تتأثرنَ بالشتم أو الصفع لأنّ الخيانة في دمائهنّ. سألتُها لماذا تخطب الرجال لتخونهم لاحقًا، فأجابَتني بكلّ وقاحة: "لأنّني قادرة على ذلك ولأنّكم أغبياء". لم أفهم ما قصدَته إلا بعدما راجعتُ تاريخ علاقتنا، ووجدتُ أنّني جلبتُ لها العديد مِن الهدايا إلى جانب الحليّ للخطوبة. كانت رندا وبكلّ بساطة تجمع ما يُمكنُها مِن ذهب وماس مِن خطّابها. وقبل أن أرحل، فعلتُ تمامًا كما أنتَ فعلتَ معي، ونبّهتُ الرجل بألا يُكمل علاقته معها، إلا أنّني متأكّد أنّه، هو الآخر، لن يُصدّق أن تكون رندا بهذا القدر مِن الشرّ."

إستمعتُ بصمت إلى قصّة مازن، وواسيتُه قدر المستطاع، وكل ما أمكَنني فعله مِن أجله كان أن أعرض عليه صداقتي.

اليوم مازن رجل متزوّج وأب لولد جميل، بعدما وجَدَ صبيّة وفيّة ومحبّة، ولا نزال نجتمع باستمرار وأصبحتُ جزءًا مِن حياته.

أمّا أنا، فبقيتُ عازبًا بعدما فضّلتُ الوحدة على المخاطرة بكرامتي، فالرّجال الذين هم بسنّي يُصبحون حذرين، ربمّا أكثر ممّا ينبغي.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button