أردتُ زواجًا تقليديًّا

كم مِن خطأ نرتكب عندما نركّز على تجارب سابقة لأخذ قرارات حاسمة في حياتنا. وننسى أنّ الناس ليسوا سواء، وما حصل لنا نادرًا ما يتكرّر. ولكنّنا نحصّن أنفسنا خوفًا مِن الأذيّة لأنّ قلوبنا لا تتحمّل أن تجرَح مجدّدًا.

 

وهذا ما حصل لي بعدما أحببتُ شابًا واكتشفتُ أنّه يخونني مع صديقتي. كم كانت خَيبتي عظيمة! بكيتُ كلّ دموعي على حبّ وصداقة كانا يُشكلان أسس حياتي آنذاك. وأخذتُ قرارًا كنتُ سأندم عليه كثيرًا لاحقًا، وهو أن أتزوّج مِن رجل لا أحبّه كي أجنّب نفسي العذاب، معتقدة أنّني سأتعلّم حبّه بعد الزواج، كما سمعتُ مرارًا مِن الأكبر منّي سناً.

 

والذي عزَّزَ قراري بالزواج هو أنّني كنتُ قد تخطّيَتُ الثلاثين مِن عمري، وباتَ محيطي يحثّني على الإرتباط قبل أن يفوتَني القطار. لذلك قبلتُ أن أجرّب حظي مع رجل كانت قد كلّمَتني عنه صديقة لي وأثنَت على خصاله الحميدة. واشترطتُ عليها ألا تريني إيّاه ولا حتى صورته بل اكتفَيتُ بالتكلّم مرّات قليلة معه عبر الهاتف. كيف فعلتُ بنفسي ذلك؟ حتى الآن لا أجد الجواب لذلك التصرّف غير المنطقيّ. فالزواج هو مشوار طويل يتطلّب تفاهماً ومشاعر قويّة.

ولم أرَ نجيب إلا عندما جاءَ إلينا مع أبوَيه ليطلب يدي ويُلبسني خاتم الخطوبة. والمرّة الثانية عند عقد القران والفرح. ومِن ثم أخَذَني معه إلى مدينته التي تبعد أكثر مِن 1000 كلم مِن حيث كنتُ أعيش بأمان وسط عائلتي العزيزة...

 

وسكنتُ مع أمّه وأبيه. وكانت تلك الفترة هادئة وشبه هانئة. فقد كان نجيب يذهب في الصباح إلى عمله ولا يعود إلا في المساء، وكنتُ أقضي نهاري مع باقي سكّان البيت بتفاهم واحترام. صحيح أنّ ما يربطني بزوجي لم يكن حبًّا عميقًا بل اعتدتُ عليه وبدأتُ أكتشف ميزاته.

 

وفجأة أخَذَت حياتي منعطفًا سلبيًّا بعد قدوم سارة شقيقة نجيب. كانت تلك المرأة قد تطلّقَت لتوّها وقرّرَت العودة مع بناتها المراهقات إلى المنزل الأبويّ. وسررتُ جدًّا لمجيء إمرأة شابة معتقدة أنّني سأحظى أخيرًا برفقة مسليّة. ولكنّ سارة لم تحبّني ولم أفهم يومًا سبب حقدها عليّ. هل لأنّها رأَت فيّ الزوجة السعيدة التي تذكّرها بفشل زواجها، أم أنّها كانت تخفي في قلبها حقدًا لجميع البشر؟ مهما كان الجواب فقد أخَذَت تلك المرأة قرار تحطيمي.


وممّا أثار غضب سارة عند وصولها، هو معاملة والدَيها لي. فكانا حقًّا يًحبّاني ويحترماني. وكانت أخت زوجي إبنتهما الوحيدة، فأحسَّت أنّني أخذتُ مكانها خلال غيابها. فبدأَت تقاطعني عندما أتكلّم أو تصحّح لي بازدراء لتبّين للجميع أخطائي. إلى جانب ذلك لم تقم سارة بمساعدتي بالأعمال المنزليّة، فبقدومها هي وبناتها زاد حجم الأعباء ولم أعد قادرة على القيام بكلّ شيء لوحدي. فالجدير بالذكر أنّ حماتي كانت كبيرة في السنّ وحركتها بطيئة. فعندما طلبتُ مِن سارة أن تساعدني أجابَت:

 

ـ ماذا؟ هل سمعتُكِ جيّدًا؟ تريديني أن أنظّف وأرتّب؟ وهل أنا خادمتكِ؟

 

ـ لا أطلب منكِ أن تنظّفي ورائي بل أن تهتمّي بالذي تخلّفينه أنتِ وبناتكِ وراءكنّ... فأنا...

 

ـ أنا وبناتي؟ هل أصبحنا عبئًا على بيت أهلي؟ تكلّميني وكأنّني أنا الدخيلة... لا أصدّق اذنَيّ!

 

وفضّلتُ عدم الإجابة وافتعال المشاكل، لذلك قرّرتُ القيام بواجباتي لوحدي. وما لم أكن أعلمه هو أنّ سارة وبناتها كنّ يدخلنَ غرفة نومي أثناء غيابي ويُفتّشنَ في أمتعتي. وحين اكتشفتُ إحدى بنات سارة في غرفتي وصرختُ بها لتترك خزانتي، ركضَت إلى أمّها التي قالَت لي:

 

ـ لقد أخفتِ البنتَ!

 

ـ كانت تفتّش في أغراضي الخاصّة!

 

ـ ما مِن شيء خاص في هذا البيت يا حبيبتيَ.

 

ونَظَرت إلى حماتي التي وافقَتها الرأي. حزنتُ كثيرًا لأنّني كنتُ أحسب أمّ نجيب في صفّي، ولكنّني نسيت أنّني لست إبنتها بل كنتّها.

وقرّرتُ حينها إخبار زوجي بما تقوم به أخته، فكان جوابه:

 

ـ أرجوكِ لا تدخليني بمشاكل النساء.

 

وأتذكّر جيّدًا كيف كانت بنات سارة يسترقن النظر مِن ثقب الباب ليشاهدني أنا وزوجي في السرير. وكلّما كنتُ أفتح الباب كنّ يركضن بعيدًا وبسمة لعينة على وجوههنّ.

 

وعلِمتُ أنّني حامل، واعتقدتُ أنّ الأمر سيُعيد لي محبّة حماتي ويُطرّي قلب ابنتها أو أنّ نجيب سيتحمّل مسؤوليّاته كزوج. ولكنّ الخبر لم يُؤثّر في أحد ولم أسمع حتى كلمة "مبروك".


وأتى فصل الشتاء، وكان البرد قارصًا في تلك الأنحاء مِن البلاد، وطلبتُ مِن أهل زوجي أغطية إضافيّة، ولكنّ سارة وبناتها كنّ قد أخَذَنها جميعها. فاستدَرتُ نحو زوجي وسألتُه إن كان بإمكانه شراء ملابس دافئة لي، ولكنّه رفض قائلاً:

 

ـ ستعتادين على البرد.

 

ـ ولكنّني حامل!

 

ـ سيعتاد الجنين ايضًا على البرد.

 

لم أصدّق ما سمعتُه. هل كان ذلك جهلاً منه أم قصاصًا لي؟ لم أفهم أبدًا ما الذي حَمَل نجيب على معاملتي وكأنّني غريبة، فلم أكن أتصوّر مدى تأثير أخته الكبيرة عليه.

وبالطبع لملم يأتني أحد بالأطباق التي طلبتُها أثناء الوحام، وكنتُ أبكي طوال الليل على ما يحصل لي. حاولتُ طبعًا الإستنجاد بأهلي ولكن دعمهم لي كان شفهيًّا، فكما قلتُ سابقًا كنتُ بعيدة جدًا عنهم.

 

وعندما أدركتُ أنّ حياتي كلّها ستكون مليئة بالأذيّة والتجاهل، إنهار جسمي ومرضتُ. عندها اضطرّوا لحملي إلى المشفى حيث وافاني أهلي. فطلبتُ منهم أخذي معهم إلى البيت لأنّني لم أتصوّر إكمال حملي وسط القهر والبرد.

 

ولم يُمانع نجيب بل شعرتُ أنّه ارتاح منّي ومِن المشاكل التي حصلَت بسببي.

 

ووُلِدَ إبني مِن دون حضور أبيه الذي لم يسأل عنه أو عنّي. كنّا قد اختَفَينا مِن الوجود بالنسبة إليه. وأدركتُ أنّ نجيب ليس ولن يكون زوجَا وأبًا مسؤولاً، فقرّرتُ أنا أيضًا نسيانه وطلبتُ مِن أهلي عدم ذكر إسمه أمامي.

 

ووصَلتني أوراق الطلاق. وعندما ذهبتُ إلى المحكمة لم يُوجّه نجيب الكلام إليّ ولم ينظر حتى باتجاهي بل اكتفى باتهامي بالخيانة. السافل! كانت تلك آخر ورقة وسخة يلعبها هو وأهله. وبالطبع أنكرتُ ولم يكن هناك دلائل ضدّي، ولكنّني لم أعترض على الطلاق فأنا أيضًا لم أكن أريد نجيب.

 

وبعد حوالي السنة، علِمتُ مِن عمّي الذي جاء خلسة لرؤية حفيده أنّ نجيب كان ينوي القدوم معه لاسترجاعي، ولكنّ سارة وأمّها لم تتركاه يُنفّذ ما برأسه. وأضاف عمّي قبل أن يرحل:" أنتِ بأفضل حال مِن دونه".

 

وكان على حق. فأيّ رجل يترك زوجته وإبنه كي لا يُغضب شقيقته؟ وما عساني أفعل بهكذا إنسان؟ وهل كنت مستعدّة لخوض معركة يوميًّا مِن أجله؟ بالطبع لا.

 

ووصلَني خبر خطوبة نجيب، وأنّه ينوي الزواج مِن إحدى صديقات إبنة سارة. هنيئًا له.

 

أمّا أنا فأربيّ إبني وأسهر عليه على أمل ألا يتأثّر بما فعلَه أبوه بنا. ماذا سأقول له عندما يكبر قليلاً؟ كيف لي أن أشرح له معنى الأبوّة عندما يكون المثال فاشلاً؟ أصلّي كي يُساعدني الله بأيّة طريقة كانت. فما ذنب أطفالنا؟

 

لم يكن يجدر بي إلقاء نفسي في زيجة عمياء بدون أن أختبر نجيب وأسأل عنه جيّدًا. ولم يكن مِن المنطقيّ أن أحسب أنّ كلّ الرجال خائنون كحبيبي الأوّل، فما فعلَه بي زوجي كان أفظع مِن الخيانة.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button