أجبرني زوجي على أن أصبح راقصة

يوم إلقاء القبض على أسعد زوجي كان يوم خلاصي. فبعد أكثر مِن خمس سنوات مِن العذاب، إستطعتُ أخيراً أن أعود إلى بلدي وأهلي الذين لم يسمعوا أي خبر عنّي منذ فترة وإعتقدوا أنّني قد متّ. ولِشرح ظروف وصولي إلى تلك الحالة عليّ الرجوع في الزمَن إلى لحظة لقائي مع الذي أصبحَ زوجي وغيرّ مجرى حياتي.

كان أسعد يملك مكتب عقارات في آخر شارعنا وكنتُ قد رأيتُه مراراً وهو مارّاً بسيّارته الجميلة وأتذكرّ أنّني تمنّيتُ لو كنتُ جالسة بقربه أوّلاً لأنّه كان وسيماً جداً وثانياً لأنّني كنتُ أحب السيّارت الفخمة. وفي أحد الأيّام أوقفَ مركبته بقربي وقال لي:

 

ـ هيّا إصعدي!

 

نظرتُ إليه بدهشة كبيرة فكان وكأنّه قرأ أفكاري وبعد ثوان أضافَ:

 

ـ إصعدي وإلاّ رحلتُ.

 

وكانت الرسالة واضحة لِذا صعدتُ إلى جانبه بسرعة قبل أن يغيّر رأيه. وأخذَني بنزهة جميلة وتحدّثنا خلالها عن أشياء مختلفة ولكنّني لم أستطع سوى معرفة إسمه وطبيعة عمله. أمّا هو فعلِم أشياء كثيرة عنّي لأنّني أجبتُ وبسرور على جميع إسئلته. وعندما أوصلَني حيث كان قد أقلّني قال:

 

ـ غداً... نفس المكان والزمان.

 

ورحلَ وكنتُ في قمّة السعادة لأنّه قرّرَ أن يراني مجدّداً. وركضتُ أخبر صديقتي الحميمة عن الذي حصل فكان تعليقها:

 

ـ سمعتُ أنّه... أعني... ولكنّني لستُ متأكدّة مِن ذلك... أنّه يحبّ النساء كثيراً...

 

ـ أيّ أنّه رجل حقيقيّ!

 

ـ أجل ولكنّه يتلاعب بِمشعارهنّ ولا أريد أن يحصل ذلك لكِ.

 

ـ أوّلاً قلتِ أنّكِ سمعتِ ذلك عنه وأنّكِ لستِ متأكدَّة مِن صحّة الخبر وثانياً أنا لستُ كباَقي النساء لِذا سيعاملني بطريقة أفضل.

 

وكالكثير مِن الفتيات ظننتُ أنّ بإستطاعتي تغيير طباع الأشخاص وأنّني سأنجح حيث فشلَت الأخروات. وذهبتُ إلى الموعد وأتى أسعد وأخذَني إلى مقهى لنحتسي العصائر ونأكل الحلوى. وأخبرَني أنّه يفكّر بي بصورة دائمة وأنّه يريد التقرّب منّي. ولكنّني قلتُ له أنّني فتاة رصينة وإن كان يريد أن نتقابل عليه المجيء إلى بيتنا والتعرّف إلى أهلي. عندها قال:

 

ـ بالتأكيد! لم أكن لأفعل شيئاً غير ذلك... أحترمكِ كثيراً وأشعر أنّكِ لستِ مِن الصنف الذي إعتدتُ عليه... يكفي أن أنظر إليكِ وأرى كل هذا الجمال حتى أفقد صوابي...

 


وبقيَ على وعده وزارَ أبويّ ووعدَهما بأنّه سيحميني ويعتني بي وكأنّني جوهرة نادرة. وهكذا وبعد أشهر مِن المواعدة أصبحتُ زوجته. وأخذَني إلى شهر العسل وقضينا أوقاتاً جميلة وحين عُدنا إلى منزله تغيرَّت أموراً كثيرة. فلم يكن أسعد مِن النوع الذي يحب المكوث في البيت، فكان يخرج كلّ ليلة مع أصدقائه ويعود في وقت متأخرّ. وعندما طلبتُ منه أنّ يكفّ عن الخروج أجابَني:

 

ـ ولِمَ لا تأتين معي؟

 

ـ لست معتادة على تلك الأماكن... هناك كحول وموسيقى...

 

ـ أنتِ برفقتي فمِمّا تخافين؟

 

ورأيتُ أنّه على حقّ فلطالما زوجي معي لن يكون هناك أي خطب في أن أكون محاطة بأيّ كان. وهكذا حضرّتُ نفسي في الليلة التالية وحين رآني أسعد صرخَ بي:

 

ـ ما هذا؟

 

ـ ماذا تعني؟

 

ـ هذا الفستان قبيح للغاية! أليس لديكِ شيئاً آخراً؟ أريدكِ أن تكوني مثيرة كي يرى الجميع أنّ زوجتي هي الأجمل! ضعي المساحيق وصفّفي شعركِ! هيّا!

 

وإمتثلتُ لرغباته ورافقته إلى حيث يقضي وقته وتعرّفتُ إلى أصدقائه الذين لم أرَهم في حياتي. والحقيقة أنّني في البدء لم أكن مرتاحة وسط كل هؤلاء الناس ونظراتهم التي أحاطَطني منذ وصولي. ولكن بعد ساعة تقريباً وبعد أن شربتُ الكأس الذي أعطاني ايّاه أسعد شعرتُ بالإرتياح وإستطعتُ تبادل الأحاديث مع الموجودين. وهكذا صِرتُ أذهب مع زوجي للسهر كل ليلة حتى أن أصبحتُ أحبّ الحياة الليليّة.

وفي ذات مرّة طلبَ منّي أسعد أن أرقص أمام الجميع ولكنّني رفضتُ خوفاً مِن السخرية. وكالعادة إستطاعَ إقناعي على فعل ما لم أكن أريد فعله. ووقفتُ ورقصتُ وصفَق لي الجميع وفرحتُ لأنّني لم أخيّب ظنّ زوجي الذي بدا فخوراً بي. ولكنّ أسعد لم يكن فقط فرحاً بي بل كان يخطّط لأشياء أخرى لم تكن لتخطر على بالي أبداً. فكان في الحقيقة يدرّبني على إجتياز خجلي للإنتفاع منّي. فبعد فترة قصيرة أصبحَ يطلب منّي أن أرقص في الملهى كلّ ليلة حتى أن جاء في أحد الأيّام إلى البيت ومعه بدلة رقص قائلاً:

 


ـ أنظري ما لديّ لكِ!

 

ـ ما هذا؟

 

ـ هذا لتكوني جميلة أكثر... صاحب الملهى ممنون منكِ كثيراً وعرض علينا المال! تصورّي!

 

ـ ولكن الرقص ليس عملي! رقصتُ بضعة مرّات لأنّكَ طلبتَ منّي ذلك ولكن...

 

ـ ولكن ماذا؟ أقول لكِ أنّ الرجل سيدفع لنا!

 

ـ لا أريد ماله!

 

ـ ولكنّني أريده! هل ستبقَين جالسة في البيت طوال الوقت مِن دون أن تساعدينني في المصروف؟ مَن تخالين نفسكِ؟ ملكة جالسة على عرش ما؟ نحن بحاجة إلى المزيد مِن المال وستشاركين فيه شئتِ أم أبيتِ.

 

ـ وإن لم أفعل؟

 

ـ ستفعلين.

 

وهكذا بدأتُ أرقص بالبدلة ويحاوطني الرجال السكارى تحت أعيُن أسعد الذي لم يمانع أبداً. وأتذكرّ أنّ في غالب الأحيان كانت دموعي تنهال على خدودي أثناء الرقص ولكن ما مِن أحد كان يلاحظ شيئاً بسبب الأضواء الخافتة. وبعد أقل مِن شهر وقفتُ في وجه زوجي رافضة أن أستمرّ هكذا. فقال لي وبكل بساطة:

 

ـ إن لم تعاودي الرقص سأقتل أحد أفراد عائلتكِ.

 

وبالطبع لم أصدّقه وحين قرّرتُ تركه وذهبتُ إلى بيت أهلي تفاجأتُ بصراخ آتٍ مِن الشارع. وركضنا إلى الشرفة ورأينا أسعد يحمل مسدّساً ويهدّد بإستعماله على أحدنا إن لم أرجع معه إلى المنزل.

 

ونزِلَ أبي ليهدّئه ولكنّ ذلك زادَ مِن غضبه ولو لم أصرخ لزوجي أن يترك والدي وشأنه أظنّ أنّه كان قد تسبّب له بأذى. عندها فضلّتُ أن أجنّب أهلي المشاكل وعدتُ مع أسعد إلى المنزل حيث بدأ يهدّدني وعلِمتُ مِن نظراته المليئة بالشر أنّه فعلاً قادر على الأذيّة. وقبلتُ أن أعاود الرقص ولكنّ ذلك لم يكن كافياً فبعد أقل مِن شهر قال لي زوجي:

 

ـ هيّا... حضرّي حقيبتكِ... سنرحل إلى إبن عمّي في أوروبا... لقد بعَثَ لنا دعوة وحضرّتُ الأوراق اللازمة... إن بقينا هنا فلن تستطيعين التركيز على عملكِ... والدكِ يحضّر لي شيئاً... علِمتُ بذلك مِن شرطيّ صديقي... سنرحل بعيداً ولن يستطيع أحد النَيل منّا... هيّا!

 

وفعلتُ كما أراد خوفاً على ذوييّ وليس على نفسي. ووصلنا بلجيكا وسكنّا مع قريبه في شارع مأهول بالمواطنين الشرقييّن. وبدأتُ الرقص في مطعم شرقي. ولكنّ أسعد بدأ يخطّط لِجعلي أبيع خدمات جنسيّة لِمَن يرغب بذلك وعلِمتُ بالأمر عندما سمعتُه يتكلّم عبر الهاتف مع زبون كان يتفاوض معه على السعر. ومِن حسن حظّي أن أسعد كان قد بدأ يعمل مع عصابة إبن عمّه في تجارة المخدّرات وأنّ الشرطة البلجيكيّة كانت تراقب تحرّكاتهم وقبضَت على العصابة وألقَت الجميع في السجن.

وبعد أن تمّ التحقيق معي إستطعتُ ترك أوروبا والعودة إلى البلد واللجوء في أحضان أهلي الذين كانوا يعتقدون أنّ أسعد قتَلني وأخفى جثّتي في مكان ما. لم أتصوّر ولو لدقيقة واحدة أنّ كل ذلك سيحصل لي عندما قابلتُ أسعد لأوّل مرّة ولو سمعتُ مِن صديقتي أو سألتُ الناس وجيرانه عنه كنتُ قد تجنّبتُ كل ما مرَرتُ به. فلولا توقيفه في بلجيكا كنتُ الآن مومس أعمل لِحساب زوجي.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button