وعد العقيلي: تنسج إيقاع البحر في عالم الأزياء خلال أسبوع الموضة في الرياض

خلال أسبوع الموضة في الرياض، كشفت المصمّمة السعودية وعد العقيلي عن مجموعتها "يَمَال" عملٌ فني مستوحى من إيقاع البحر وروح التمكين. من خلال استلهامها من تراث الغوص على اللؤلؤ في المملكة، حوّلت العقيل رموز الصمود والوحدة إلى تصاميم مضيئة تجمع بين الأصالة والحداثة. في هذا الحوار الخاص، تتحدث وعد عن الفلسفة التي تقف وراء المجموعة، وعن تجربة أسبوع الموضة في الرياض، وعن رؤيتها المستمرة للاحتفاء بقوة وجمال المرأة السعودية من خلال الأزياء.

 

أسرت مجموعتكِ في أسبوع الموضة في الرياض الحضور بجمالها الراقي والعصري في آنٍ واحد. أخبرينا عن الإلهام وراءها

بالنسبة لي، "يَمَال" وُلدت من إحساس نابع من إيقاع البحر الذي شكّل هويتنا. تستلهم المجموعة التراث البحري السعودي وعصر الغوص بحثاً عن اللؤلؤ، فترة اتسمت بالصبر والتعاون والإيقاع الجماعي.

اسم "يَمَال" يرمز إلى الأغاني البحرية التي غنّاها الغوّاصون والبحّارة لتنظيم أعمالهم ومنحهم القوة، لتصبح رمزاً للترابط والقوة الهادئة.

لوحة الألوان تعكس رحلة الغوّاص تحت الماء: من درجات العاج المستوحاة من اللؤلؤ، إلى الأزرق السماوي وحركة الأمواج، ثم الغموض في أعماق البحر، وختاماً بألوان رملية وتدرجات العاج الوردي رمزاً للصفاء والتجدد.

كل قطعة صُنعت بعناية في مشغلنا بالرياض، حيث يلتقي التطريز التقليدي بدقة الهوت كوتور، باستخدام التطريز اليدوي الطبقي، اللآلئ الطبيعية، وقطرات الكريستال. كما تضم المجموعة قطعة "أم السمكة" بالتعاون مع الفنانة السعودية سارة العبدلي، حيث تتحرك الأمواج والغوّاصون والقوارب المرسومة يدوياً على القماش كقصيدة وُلدت من البحر.

 

 

من الأقمشة إلى التقنيات، كيف تتعاملين مع الحرفية في مجموعة يَمَال؟

في "يَمَال"، الحرفية ليست مجرد زينة، بل هي أساس التصميم. كل قماش وتقنية تم اختيارها بعناية لخدمة الغرض من التصميم، مع الانتباه لكيفية التفاعل مع الضوء والحركة والتوازن قبل أن تتحول إلى شكل نهائي.

اللؤلؤ وُضع في قلب هذا الحوار بين الطبيعة والبناء؛ كل طبقة قُطعت وصقلت ودمجت بالحرارة مع القماش لتجمع بين صلابة الطبيعة وانسيابية الأزياء الراقية. كما استُخدمت أشكال اللؤلؤ المقصوصة بالليزر لتجسيد حركة الأمواج وإيقاعها الدقيق.

التطريز اليدوي يشكّل جوهر المجموعة. تم تطبيق طبقات من اللؤلؤ الطبيعي والمزروع وقطرات الكريستال لتعكس تغيّر ألوان البحر. بعض التصاميم تضمنت شراشيب من اللؤلؤ والكريستال المخيّطة يدوياً لتخلق حركة انسيابية.

الأقمشة الخفيفة مثل الشيفون والتول والأورجانزا والساتان تضيف حركة ولمعان، بينما تثبت الأقمشة الثقيلة مثل الكريب والتفتا بتوازن وقوة. في جوهرها، "يَمَال" مبنية على فهم المواد والإتقان، حيث تصبح الحرفية لغة للتعبير عن الجمال والهدف.
كما تضمّنت المجموعة رمزان ثقافيان يُعاد تخيّلهما عبر الأزياء الراقية:

Hamah : كانت تزيّن جبين النساء النجديات كعلامة على الأناقة والكرامة، في "يَمَال" تحوّلت إلى قطعة رأس ذهبية مزخرفة باللؤلؤ وقطرات الكريستال، تعكس قوة المرأة السعودية ورونقها.

The Pearl Scale : هو تكريم للميزان التقليدي الذي كان يستخدمه تجار اللؤلؤ السعوديون لوزن اللآلئ الطبيعية وتحديد نقائها، طقس يعكس الدقة والنزاهة. في مجموعة "يَمَال"، يأخذ هذا المفهوم شكلاً جديداً في مجوهرات تجمع بين الذهب واللؤلؤ، مجسّدة توازناً متناغماً بين التراث والفن الحديث.

 

 

أخبرينا عن قطعة معيّنة من المجموعة تمثّلك أكثر من غيرها

القطعة الأولى هي فستان قصير ذو تصميم هندسي يعكس الحوار بين القوّة والرقة. تم تصميم الصدرية على شكل صدفتين متقابلتين، ترمزان إلى الحماية والانفتاح في آنٍ واحد، كاستعارةٍ للقوّة التي تحتضن الهشاشة. صُنع الفستان من طبقات مصنوعة يدوياً من عرق اللؤلؤ، مزيّنة بتطريز دقيق من اللآلئ الطبيعية وقطرات الكريستال والصدف لتكوّن درعاً مضيئاً نابضاً بالحياة يعكس الضوء كما تعكسه مياه البحر. أمّا الهيكل السفلي فتم تصميمه عبر طبقات هندسية وكورسيه داخلي يجمع بين الانضباط المعماري والنعومة البصرية، فيما تنسدل طبقة من التول الشفّاف فوقه. هذه القطعة تُجسّد فلسفتي في عالم الكوتور، حيث تتعايش الدقّة مع العاطفة، والجمال يُبنى ولا يُتخيّل فحسب.

أما القطعة الثانية، "أم السمكة"، والتي تم تنفيذها بالتعاون مع الفنانة السعودية سارة العبدلي، فتجسّد روح "يَمَال". فهي تعيد ابتكار الهوية البصرية للتراث الساحلي السعودي، محوّلة حياة البحر إلى حركةٍ وشعور. تتدفّق على القماش أمواجٌ ورسوماتٌ يدوية لغواصين وقوارب، بينما تلمع اللآلئ الطبيعية وقطرات الكريستال كأشعة الشمس تحت الماء. ويتدلّى من التصميم شراشيب تتزيّن بحافةٍ من اللؤلؤ، تكريمٌ رمزي لحبل الغواص الذي كان يربط الإنسان بسطح البحر. بعد أن كانت "أم السمكة" زينةً لنساء المنطقة الشرقية في أهم مناسباتهن، ها هي اليوم تزيّن واحدة من أبرز اللحظات في تاريخ الموضة السعودية، رمزٌ لتراثٍ يعود إلى الواجهة بفخرٍ وغاية.

 

 

لطالما كانت هناك قصة منسوجة داخل تصاميمك، ما هي المشاعر أو المواضيع التي رغبتِ في التعبير عنها من خلال هذه المجموعة؟

منذ تأسيسي لدار الأزياء الراقية في نهاية عام ٢٠١٩، كانت رؤيتي تقوم على مبدأ واحد: التمكين، بكل معانيه. تمكين المرأة من خلال قطعٍ خالدة عالية الجودة، ومن خلال سردٍ قصصي يعكس قوّتها وتفرّدها، وكذلك من خلال دعمٍ ملموس للمبادرات والجمعيات التي تعزز نموّ المرأة. بالنسبة لي، التمكين ليس مجرّد موضوع، بل هو الأساس الذي يُشكّل كل فكرة وكل قرار في الدار.

على مرّ مجموعاتي، انجذبت دائماً إلى الرموز التي يُنظر إليها غالباً كعناصر جمالية بحتة، مثل الفراشات، الأصداف، اللآلئ، وزهور اللوتس، والخزامى. لكنها بالنسبة لي تتجاوز الجمال لتعبّر عن التحوّل، الصمود، والتجدّد. كنت دائماً أسعى إلى إعادة تفسير هذه الرموز ضمن سياق ثقافتنا السعودية، حيث تتخذ القوة أشكالاً متعددة.
ومن بين أكثر هذه الرموز عمقاً أتت "يَمَال". فـ"يا مال" كانت الأنشودة التي يرددها غواصو اللؤلؤ، إيقاعهم في مواجهة البحر وتحدياته، أغنية تعبّر عن العمل، والوحدة، والقدرة على التحمل. أردتُ أن تعبّر هذه المجموعة عن تلك الروح نفسها: الإيقاع، والانتماء، والإيمان بالعودة إلى النور. كانت "يا مال" أكثر من مجرد لحن؛ كانت نبضاً يحافظ على انسجامهم، وتذكيراً بأن البقاء يعتمد على الاتحاد والثقة. هذا الإيقاع نفسه هو ما قادني طوال رحلة الإبداع.

تتبع مجموعة "يَمَال" رحلة الغواص، من السكون على الشاطئ، إلى أعماق البحر المليئة بالغموض، ثم العودة مجدداً إلى الضوء. هي قصة عن إيجاد القوة في الهدوء، والجمال في الصبر والمثابرة.

 

أصبح أسبوع الموضة في الرياض منصة عالمية للمصممين من المنطقة. ماذا يعني لك عرض مجموعتك هنا على الصعيدين الشخصي والمهني؟

عرض "يَمَال" في أسبوع الموضة في الرياض كان تجربة مؤثرة للغاية، شعرتُ وكأن البحر عاد أخيراً إلى شاطئه. فهذه المنصة ليست مجرد ممر عرض، بل هي منبر ثقافي تلتقي فيه الهوية السعودية مع الحرفية والابتكار في تناغمٍ جميل. كانت بمثابة حوار بين الماضي والحاضر، حيث لا يبقى التراث ساكناً، بل يتطور من خلال تعبيرات جديدة.

على الصعيد المهني، أكّد هذا العرض أن الأزياء الراقية السعودية تحتل مكانتها على الخريطة العالمية بصوتٍ فريد يحمل عمقاً وتقنية ولغة عاطفية خاصة به.
أما على الصعيد الشخصي، فقد كان لحظة فخر وامتنان، أن أرى جوهر ثقافتنا ينعكس على منصة دولية من خلال التصميم والحرفية والوحدة. لقد كانت "يَمَال" قصةً مشتركة تعبّر عمّن نحن: ثابتون، متجذّرون، ومضيئون.

بالنسبة لي، لم تكن الموضة يوماً مجرّد شكل، بل معنى. من خلال "يَمَال" وكل مجموعة أقدّمها، أسعى إلى حفظ جمال تراثنا مع السماح له بأن يتنفس في الحاضر. آمل أن تُذكّر كل قطعة بأن الأصالة هي أفخم ما نملك، وأن التحوّل الحقيقي يبدأ حين نكرّم جذورنا ونتجرأ على التطوّر.

 
المزيد
back to top button