في تشكيلتهما لخريف وشتاء 2021 قدم المصممان جورج قزي وأسعد أسطا مجموعة أزياء ، يمكن القول أنها وُلدت من رحم الفوضى والمعاناة، لكن المفارقة أن كل ما فيها يضُج بالجمال والأمل. فهي مستوحاة من ألوان الطبيعة ومن لوحات خالدة لرسامين كبار مثل فان كوخ وفيرمير ورامبرانت. كل طية أوريغامي تظهر في تنورة، أو كسرة تتدلى من الظهر إلى الأرض أو كشاكش أو بليسهات متماوجة كان الهدف منها محاكاة عمل فني أو لون من ألوان زهرة التوليب، من الأبيض إلى البرتقالي والبنفجسي والأزرق والأسود. وكانت النتيجة أنها بكل تفاصيلها الدقيقة أخذتنا إلى زمن جميل أصبحنا نتوق إليه بكل جوارحنا.

 

رغم خطوطها الدرامية، تتفجر التشكيلة بالرومانسية لتنقلنا من الحلم الى الواقع في رسالة تدعو إلى غد أفضل. فهي تحمل في مضامينها تحديا للوضع الاقتصادي الصعب والحالة المتردية التي تسبب فيها فيروس كورونا. ثم جاء تفجير مرفأ بيروت الذي دمر مبناهما العريق ليزيد الطين بلة. أمام هذا الوضع، كان لا بد للهروب إلى الحلم. حُلم قزي وأسطا كان هولنديا بامتياز، يستحضر صورا خيالية لرحلة لم تتم.

 

فقد كانا ينويان التوجه من باريس إلى امستردام في شهر مارس الماضي، لأن الألوان الزاهية التي تغطي حقول التوليب في فصل الربيع كانت خلفية رائعة لوضع اللمسات الأخيرة على هذه التشكيلة وتصويرها. بيد أن تفشي جائحة كوفيد 19 المفاجئ أدى إلى إغلاق الموانئ والمطارات. فجأة تعطل السفر ولم يبق أمامهما سوى الخيال لتنفيذ حلمهما والهروب من الفوضى التي ألمت بهما وبالعالم أجمع. كان هذا الحلم متنفسا ترجماه في تشكيلة أفسحت الطريق إلى عهد جديد، أدخلانا إلى رحابته من بوابة زهرة التوليب ومدرسة فنية لا يُعلى عليها. والنتيجة أن تشكيلة "قزي وأسطا" للخريف والشتاء 2021 جاءت نابضة بالألوان والحياة ولسان حالها يقول بأن "الشمس تُشرق دائما بعد العاصفة والأزهار تتفتح بعد كل شتاء والحياة بدون فن لا طعم لها".

 

أغلب القطع، إن لم نقل كلها، تحمل اسما فنيا يُوحي بشكلها أو بلوحة رسمها فنان ما. هناك مثلا تصميم يقطر أنوثة مستوحى من لوحة المزهرية لفان كوخ جسد حب الرسام الشهير للزهور، وأخذت فيه تضاريس المرأة شكل مزهرية. يتكون التصميم الذي تُميزه درجات مختلفة من الأخضر، من ثلاث قطع: كورسيه بدرجة هادئة تُزينه تطريزات على شكل بتلات ناعمة من حرير الأورغنزا، ينفش حجمه عند الخصر ليُؤطر تنورة مستقيمة تكاد تلامس الكاحل بدرجة مختلفة من الأخضر. وتكتمل هذه اللوحة المفعمة بالأنوثة ب "كاب" طويل ببلسيهات باللون الأخضر الربيعي يتدلى من جانب الكتف ويعانق الخصر بحزام مبتكر من نفس اللون. تشمل المجموعة أيضا جاكيت واسعة مستوحاة من لوحة لرامبرانت مصنوعة من المخمل الداكن وتتميز بأكتاف غير محددة وأكمام منفوخة تحمل استدارة زهرة التوليب. أكثر ما يلفت فيها تطريزاتها الغنية التي تداخلت فيها خيوط الذهب مع بريق اللؤلؤ لتخلق تناقضا لذيذا بين الظل والضوء. أما تأثير فيرمير فتجلى في فستان سماوي منسدل تركزت تفاصيله على الأكمام المطرزة فتبدو وكأنها أجنحة بنسب متدرجة.

 

 

رغم ميل المصممين الدائم إلى التصاميم الهندسية والفنية، فإن إحساسهما بالألوان إضافة إلى التقنيات والتطريزات الدقيقة التي لجآ إليها نجحت في تحقيق المعادلة الصعبة بين الانسيابية والخطوط الهندسية. وحتى تكتمل هذه اللوحة الفنية، صُورت التشكيلة في بيروت في قاعة "دي غورناي" المتخصصة في رسم مناظر طبيعية على ورق الجدران باليد، لتكون خلفية مثالية تُعزز روحها المطبوعة بالفن الباروكي. لكن مفعولها كان أكبر من ذلك، لأنها أيقظت أيضا رغبة محمومة للإنعتاق من قيود الحجر الصحي والأماكن المُغلقة، والإنطلاق إلى البرية للإحساس بالحياة وتلمُس الفرح.

المزيد
back to top button