إدماني على الكحول والميسَر أدّى ليس فقط إلى النتائج الوخيمة المعتادة بل إلى أكثر مِن ذلك بكثير. فكيف لإنسان أن يحسن الإختيار والتحليل عندما يكون عقله وتركيزه مأخوذَين بهتَين الرذيلتَين؟ فعندما إلتقيتُ بثناء في بلدها الأم مصر لم أفكرّ إلاّ بجمالها ودلالها وجاذبيّتها الأخّاذة. كنتُ آنذاك أعمل في إحدى الورشات كرئيس عمّال بعدما فازَت الشركة التي أتعامل معها بالمناقصة. وكي أموّه عن نفسي بعد نهار شاق كنتُ أذهب إلى حانة مليئة بالأجانب وأشرب الخمر وأرقص مع الفتيات.
ولكن عندما رأيتُ ثناء نسيتُ الباقيات لأنّها كانت تفوقهنّ جمالاً. وإقتربتُ منها وهمستُ بأذنها أنّني مُعجب بها إلى أقصى حدّ وأنّ كل ما أريده هو الرقص معها حتى الصباح. نظَرَت إليّ وضَحِكَت عالياً قائلة: "كلّهم يريدون ذلك... كيف ستقنعني بالقبول بكَ؟". ومسكتُها بيدها وأخذتُها إلى حلبة الرقص قائلاً: "أطلبي ما تريدين!". ومنذ تلك الليلة بقينا سويّاً. ومنذ تلك الليلة أيضاً عمَلت ثناء جهدها للإستفادة منّي لأنّ بنظرها كانت تستحقّ الأفضل.
ولكن بعد حوالي السنة وجبَ عليّ العودة إلى البلد بسبب انتهاء عقد عملي فطلبتُ مِن حبيبتي أن ترافقني بعد أن يتمّ زواجنا. فكّرَت مطوّلاً وسألَتني إن كان زواجنا ضروريّاً فشرحتُ لها أنّ لدينا تقاليد خاصة لا تسمح لي بإستقبالها والعيش معها بصورة غير شرعيّة. ولكي تقبل عرضي وعدتُها بمنزل جميل ومالاً وفيراً. وهكذا تزوّجنا وعدنا إلى أهلي لأعرّفهم على عروستي الجميلة. وبعد بضعة أشهر إنتقلنا إلى شقّتنا التي كانت في مبنى جميل وفي شارع أنيق. ولأوفي بِوعدي لها إستثمَرتُ كل مدخّراتي بتلك الشقّة ولم يبقَ لي شيء. وبعدما تركّزنا في مسكننا الجديد أخبرتُ زوجتي بوضعنا المالي فإستاءَت كثيراً وهدّدَتني بالرحيل. وبعد مفاوضات طويلة إستطعتُ تغيير رأيها خاصة بعدما أكّدتُ لها أنّني سأجد وبسرعة ورشة جديدة. ولكنّ ذلك لم يكن مؤكّداً وكان مِن الممكن أن يطول الوقت قبل أن أمضي عقداً آخراً لِذا قرّرتُ البحث عن طريقة سريعة لأهدّئ بال ثناء: الميسَر.
ولكنّ المشكلة لم تكن تكمن فقط في ذهابي إلى القمار شبه ليلّياً بل ببعض سكاّن المبنى. فبعد أن وصلنا المكان بقليل تعرّفَت زوجتي على ثنائيّ يقطن في طابقنا. لم أحب هذَين الشخصَين بسبب طريقة عيشهما. فمازن ودلال كانا يستقبلان أناساً مشبوهين وفي إحدى السهرات التي حضرناها أنا وثناء رأيتُ أحد المعازيم وهو يتناول الكوكايين. وحاولتُ تحذير زوجتي مِن الذي يحصل في بيت جيراننا ولكنّها لم تسمع منّي وأصرَّت على مصادقة "ألطف ثنائيّ في العالم". وبين سهرات الميسَر التي كنتُ أقضي وقتي فيها وعدد الكاسات التي كنتُ أتناولها لم أعد قادر على القيام بواجباتي الزوّجية ناهيك عن تقصيري المالي.
عندها أخبرَتني ثناء أن جيراننا عرضا عليها العمل عندهما في محل الملابس الذي كانا يملكانه في وسط المدينة. وبالطبع مانعتُ عالماً تمام العلم أنّ وقتاً سيأتي وتضطرّ زوجتي للعمل ولكنّني لم أكن راضياً على أن تخالط هؤلاء الناس. ولكن كيف لي أن أمنعَ زوجتي عن أي شيء عندما لم أكن قادراً على لعب دوري كزوج حقيقيّ؟ وهذه الحالة زادَت مِن إدماني ودخلتُ دوّامة استحَلتُ أن أخرج منها. وفي هذه الأثناء عملَ جيراني على جرّ ثناء معهما في ممارسات منافية للأخلاق وذلك دون أن أدري. وفي أحد الأيّام وجدتُ صدفة في أمتعَتها كيساً مِن الكوكايين. وعندما سألتُها عن الأمر صَرَخَت بي:
ـ هذا ليس مِن شأنكَ أيّها الفاشل!
ـ أريد أن أعلم والآن!
ـ حسناً... إعلم أوّلاً أنّني لا أتعاطى أيّ مخدّر... أنا فقط أحاول إيجاد طريقة لكسب بعض المال... كل ما عليّ فعله هو أن أوصل البضاعة إلى حيث يُطلب منّي... أنظر... لقد قبضتُ هذا المبلغ في توصيلة واحدة!
ـ هل فقدتِ عقلكِ؟ قد تذهبين إلى السجن! ناهيكِ عن سمعتي!
ـ سمعتكَ؟ أي سمعة تتكلّم عنها؟ أنتَ سكيّر تلعب بالميسر طوال الليل!
كانت على حقّ بما قالَته ولكنّني لم أكنّ مستعدّاً لتركها تمضي بذلك الطريق. وعندما تأكّدتُ أنّها لن ترضخ لتعليماتي بالإبتعاد عن جيراننا قرّرتُ أن أتصرّف. وجئتُ بأخضّائي في أقفال الذي وضعَ قفلاً خارجيّاً على الباب لأتمكّن مِن حجزها في الداخل عندما أخرج مِن البيت. وكانت تلك الفكرة غير نافعة أوّلاً لأنّها زادَت مِن إصرار ثناء على فعل ما تريده وثانياً لأنّها أثّرَت على باقي الأحداث.
فبعد أن علِمَت زوجتي أنّها ستبقى سجينة البيت وكأنّها حيوان بدأَت تصرخ وتصيح ولكنّني لم أغيّر رأيي وخرجتُ فوراً لأريها استعدادي على المضيّ بالموضوع وأقفلتُ عليها. وفي هذه الأثناء خابرَت جارتها وأخبرَتها بالذي فعلتُه ووعدَتها هذه الأخيرة بأنّها ستجد حلاً بسرعة ولكن على ثناء أن تتحمّل قليلاً ريثما يأتيها الفَرَج. ولم أكن قادراً آنذاك على التصدّي لِمازن ودلال الذَين كانا مِن ذوي السوابق ويعرفان أناساً أشراراً مثلهما ولم أكن أتحلّى مثلهما بالدهاء وفَنّ حياكة الخطط والمكايد.
وهكذا بدأ الجميع بالعمل على تحرير ثناء مِن قبضتي لتتابع تجارتها المربحة. ولأنّ كسر القفل كان سيكون فاضحاً جدّاً قرّرَ الثنائيّ اللعب على وتَري الحسّاس أي الشرب والميسر. وعُيّنَ رجل مِن قِبَلهما لِمراقبتي واللحاق بي لمعرفة أماكن تواجدي وعاداتي. وبعد فترة قصيرة تعرّفَ الرجل إليّ وأصبحَ يجلس معي في الحانة ولاحقاً على طاولة الميسَر حتى أن صِرنا أصدقاء.
وفي إحدى الليّالي دسّ لي الرجل بالمنوّم في كأسي وحين شعرتُ بالنعاس عَرضَ عليّ إصتحابي إلى سيّارتي. وعندما صعدنا في المركبة غرقتُ في النوم. وفي هذه الأثناء أخذَ الرجل مفتاح قفل الباب وصنع بصمة منه في عجينة خاصة وعمِلَ بعدها على إيقاظي. وهكذا نسخوا المفتاح وأصبحَت ثناء تخرج أينما تريد وتعود إلى المنزل قبلي وبعد أن يقفل جيراني الباب عليها. ولم ألاحظ شيءاً أبداً لكثرة ثقتي بفكرة القفل وتابعتُ حياتي وهذا بالرغم مِن غياب صديقي الجديد الذي كان قد إختفى كليّاً بعد إتمام مهمّته.
وأظنّ أنّ زوجتي كانت ستظلّ تخرج سرّاً للمتاجرة بالكوكايين لولا وقوعها في شباك العدالة. فكان المبنى مراقباً مِن قِبَل الشرطة التي كانت تنتظر اللحظة المناسبة للقبض على العصابة. وحين وصَلَني إتصال يفيدني أنّ ثناء في قسم الشرطة قلتُ لهم: "هذا غير ممكن... لابدّ أن يكون هناك التباس... لا تستطيع زوجتي الخروج مِن البيت!". ولكن أمام إصرارهم قصدتُ المركز وتفاجأتُ برؤية زوجتي في غرفة الإستجواب. وحين خَرَجَت لتذهب إلى الحجز ورأتني صَرَخَت بي:
ـ كل هذا بسببكَ... لو لم تكن فاشلاً لما اضطُررتُ للمتاجرة بالممنوعات.
ـ لا... بل أنتِ فاسدة! هناك العديد مِن النساء اللوات تعِشنا في القلّة وتحافظنا على سلوكهنّ الجيّد... أنا مذنب أجل... ولكن بالإنحراف إلى الإدمان وحرمانكِ مِن عيش كريم... ولو حصلتُ على دعم منكِ لوثقتُ بقدرتي على الإنتاج... كل ما يهمّكِ هو المال... فقط المال.
وأخذوها ولم أشعر بأي أسف عليها عندما حكموا عليها بالسجن هي وشركائها. والغريب في الأمر هو أنّ فور إبعاد ثناء عنّي تغيّرتُ إلى درجة مُذهلة فمِن الإنسان الخمول والمعدوم الطموح أصبحتُ أتطلّع إلى المستقبل بتفاؤل خاصة بعدما تركتُ الشرب واللّعب. وبعد أشهر طويلة وجدتُ أخيراً عملاً في إحدى الورشات وكانت فرحتي كبيرة بالرغم مِن الراتب الصغير الذي تقاضَيتُ بصفتي عامل عاديّ. وبعتُ الشقّة واشتريتُ أخرى أصغر بِكثير وبمنطقة سكنيّة متوسطّة المستوى ووضعتُ باقي المال في المصرف.
والآن أنا في إنتظار المرأة المناسبة التي ستكمّل حياتي بوجودها وحبّها وتعطيني أولاداً أفخر بهم.
حاورته بولا جهشان