فكّرتُ بإنهاء حياتي مرارًا، إلا أنّني لم أرِد زيادة غضب الله منّي بعد كلّ الذي فعلتُه. فالحقيقة أنّني اقترفتُ خطأً وراء الآخر إلى أن فقدتُ الأمل بأن تصطلح الأمور ولو بعض الشيء.
بدأَت متاعبي حين عرّفَتني أختي سمَر على حبيبها توفيق. نظرة واحدة كانت كافية لأشعر بداخلي تجاهه بحبّ لا مثيل له. كيف كان ذلك ممكنًا؟ لستُ أدري فالحبّ مِن أوّل نظرة ليس له تفسير عند أحد.
كبَتُّ شعوري كي لا أؤذي أختي الحبيبة، لكنّني كنتُ أفكّر بتوفيق ليلاً نهارًا وأنتظر بفارغ الصّبر أن ألتقيَ به، حتى لو تطلّب الأمر أسابيعًا أو أشهرًا. لم أعد أكترث لباقي الشبّان الذين كنتُ أقارنهم بتوفيق الذي كان بنظري رجلاً كاملاً.
لكنّ اعجابي هذا لم يبقَ خفيًّا، على الأقل لحبيب أختي الذي قرَّر الاستفادة مِن سنّي اليافع وقلّة خبرتي. لِذا بدأ توفيق بالتردّد صباحًا إلى أمام مدخل مدرستي، زاعمًا أنّه يمّر مِن هناك في طريقه إلى عمله، وكنّا نتبادل الكلام لدقائق طويلة. وسرعان ما لم نعد نذكر سمَر في أحاديثنا، وبدأنا نتطرّق إلى مواضيع أخرى مِن بينها جمالي وذكائي واختلافي عن باقي الفتيات. صدّقتُ كلامه، وخلتُ نفسي فعلاً مميّزة وأفضل بكثير مِن أختي.
سألتُ توفيق لماذا يبقى مع سمَر ما دام يعتبرها عاديّة مِن كلّ النواحي فأجابَني:
ـ سأكون بمنتهى الصراحة معكِ... قبل أن أراكِ كنتُ أعتبر سَمَر فتاة جميلة وذكيّة، ولكن مقارنة بكِ أصبحَت عاديّة جدًّا... وأظنّ أنّها لا تحبّني حقًّا، بل اعتادَت على وجودي إلى جانبها وسوف تتركني فور عثورها على شخص أفضل منّي... لِذا لا أرى مانعًا مِن أن أصارحكِ بمشاعري تجاهكِ.
ـ مشاعركَ تجاهي؟
ـ أجل... أحبّكِ وأريدكِ.
ما قصدَه هو أنّه يُريد أن أعطيه ما كانت ترفض أختي اعطاءَه، أي علاقة جنسيّة، لكنّني لم أكن أعلم بما يخبّئه لي. إتفقنا أن نبقي "حبّنا" سرًّا، إلى أن تترك سَمَر توفيق مِن تلقاء نفسها، كي لا نجرح شعورها ونستطيع التمتّع بعلاقتنا علنًا. لِذا كنّا نلتقي في شقّته ونمضي أوقاتنا بالتكلّم عن مستقبلنا، حتى أعرَبَ عن نيّته التعبير عن حبّه لي بطريقة جديرة بكلّ رجل. وليُقنعَني بالقيام بما يُريده، أوهَمني بأنّ أختي تمارس الجنس معه منذ البدء، وأنّه يشعر أنّني لستُ جدّيّة بحبّي له.
خضعتُ لرغباته بعد أن أكّدَ لي أنّنا سنتزوّج قريبًا. صرتُ عشيقته وزادَ تعلّقي به. أمّا هو، فتابَعَ علاقته بسَمَر وكأنّ شيئًا لم يكن بل طلَبَ يدها مِن والدَينا. وأبشع ما في الأمر أنّني كنتُ موجودة في ذلك النهار، ولم أكن أتوقّع حصول هذا أبدًا خاصّة أنّني كنتُ برفقته قبل يوم واحد.
كدتُ أن يُغمى عليّ، وخالَ الجميع أنّ ما أصابَني كان سببه فرحتي لأختي، وركضتُ إلى غرفتي لأخفي دموعي وخيبَتي. وعندما اتصلتُ بتوفيق في اليوم التالي لأحصل منه على تفسير لِما فعلَه، قال لي:
ـ كنتُ مجبرًا على ذلك، فاتحتُ سَمَر بموضوع حبّي لكِ فهدَّدَتني بقتل نفسها إن لم آتِ لطلب يدها... لا تخافي، حبيبتي، سأتزوّجكِ ولكن أصبري قليلاً.
صدّقتُه مرّة أخرى، فقد كان بارعًا بالكذب والغش. ولكن عندما اقترَبَ موعد زفافه وأختي، قرَّرتُ التصرّف.
زرتُ أختي في غرفتها وسألتُها إن كانت تنوي الزواج مِن رجل لا يُحبّها بل يُحبّ اختها، فنظَرَت إليّ باستغراب شديد ثمّ ضحكَت عاليًا، حاسبةً أنّها دعابة مِن قِبَلي. عندها أخبرتُها عن علاقتي بتوفيق بالتفاصيل الدقيقة... ووقعَت الكارثة. نادَت سَمَر والدَيَّ وأخبرَتهما أمامي أنّني أمارس الجنس مع خطيبها. لم أنكر شيئًا، وانهالَت عليّ الشتائم والضربات وبقيتُ مصمّمة على أقوالي، معتقدة أنّني بذلك سأسرّع بالأحداث وأتزوّج مِن حبيبي بأقرب وقت.
إحتارَ أهلي بأمري، فمِن جانب كنتُ قد اقترفتُ إثمًا عظيمًا بإعطاء نفسي لرجل مِن دون زواج وبخيانة أختي. ومِن جانب آخر كان لا بدّ أن يُصلِح توفيق غلطته. لكنّه رفَضَ قطعًا ذلك بل سافَرَ بعيدًا تاركًا كلّ شيء وراءه.
بتُ "العنزة الجرباء" بين أفراد عائلتي، ومُنعتُ مِن مغادرة المنزل أو حتى التكلّم عبر الهاتف. ولم تعد سَمَر توجّه الكلام إليّ ولا حتى أبي. فقط أمّي كانت تزورني في غرفتي لتقنعني بتناول الطعام.
فتّشوا لي عن عريس يقبل بحالتي ولكن مِن دون جدوى، حتى مرَّت حوالي السنة وجاءَت والدتي إليّ قائلة:
ـ وأخيرًا وجدنا لكِ مخرجًا لمصيبتكِ... هناك برنامج توأمة بين بلدتنا وبلدة في ألمانيا ولقد سجّلتُكِ به.
ـ لم أفهم.
ـ هو برنامج لتعريف شابّات وشبّان شرقيّين على بلد أوروبّيّ وطريقة عَيش مختلف... سترحلين إلى ألمانيا في الأسبوع القادم. حضّري نفسكِ.
كانوا سيتخلّصون منّي لينسوا عاري. لم يفكّر أحد أنّني كنتُ لا أزال يافعة لمواجهة عالم غريب عنّي، وأنّ ما فعلتُه كان سببه قلّة تحصيني مِن الذين هم مثل توفيق. لم أكن فتاة سيّئة بل رومانسيّة وساذجة، ولم أكن لأنفذ مِن قبضة خطيب أختي الذي كان متمرّسًا بالكذب والاحتيال.
تركتُ بيت أهلي باكية، ولم تودّعني سَمَر أو حتى أبي. أمّي هي التي أوصلَتني إلى المطار حيث كان بانتظاري أحد المندوبين.
صعدتُ إلى الطائرة وفي قلبي خوف لا يوصف وحزن لا مثيل له.
إستقبلَتني عائلة المانيّة مؤلفّة مِن أب وأم وثلاث بنات يُناهز عمرهنّ عمري، وبذلوا جميعًا جهدهم لأشعر بالارتياح والطمأنينة. هاتفَتني أمّي بضع مرّات ومِن ثمّ انقطَعَ الاتصال بيننا. كان أهلي قد طَووا صفحتي ليُتابعوا حياتهم مِن دوني.
دخلتُ مدرسة مخصّصة للتلامذة الأجانب، وتعلّمتُ اللغة الالمانيّة ومِن ثمّ حصلتُ على شهادة البكالوريا. كان مِن المفترض أن أعود إلى بلدي، ولكنّني علِمَت من العائلة المضيفة أنّ أهلي لا يُريدونني فأبقوني عندهم، ووجدوا لي عملاً كي أحصل لاحقًا على إقامة دائمة. أخبرتُ الفتيات قصّتي فأسفنَ عليّ كثيرًا وعلى الطريقة التي تخلّص منّي أهلي، وزادَ تعلّقهنّ بي.
للحقيقة شعرتُ أنّ هؤلاء الغرباء أصبحوا عائلتي الجديدة، فارتفعَت معنويّاتي كثيرًا، الأمر الذي ساعَدني على التميّز في عملي. فالذي لم أكن أعلمه، هو أنّني أتمتّع بذكاء يفوق المعدّل، وقدرة على التأقلم ومنطق سليم، الأمر الذي لم يقله لي أهلي يومًا. وبفضل تلك الخصائل، إستطعتُ ارتقاء سلّم الترقيات لأصبح بوقت قياسيّ مسؤولة فرع.
إحتفلتُ بمنصبي الجديد مع هؤلاء الناس الطيّبين، بينما بقيَت رسائلي إلى عائلتي مِن دون جواب. خبر نجاحي لم يلقَ ترحيبًا مِن ذويّ، بعد أن تصوّروا أنّني سأفشل حيث أنا وأعطيهم عذرًا للذي فعلوه بي. لكن تجاهلهم لي لم يعد يُؤثّر بي، بعدما اكتشفتُ ذاتي وكياني ونظرتُ إلى مستقبل لامع مليء بالوعود.
تعرّفتُ إلى شاب المانيّ طموح ومحبّ، فتزوّجتُه وأنجبتُ منه ولدًا جميلاً. بالطبع لم يحضر أيّ مِن أهلي زفافي، لكنّ ذلك لم يمنعني مِن أن أكون أسعد عروس.
علِمتُ لاحقًا أنّ أختي تزوّجَت مِن توفيق الذي عادَ مِن السفر بعدما تركتُ البلد، وأنّها تعيسة معه بسبب خياناته العديدة. لم تفهم سَمَر أنّني كنتُ ضحيّة متلاعب بارع لا يردعه شيء أو أحد.
حاورتها بولا جهشان