كنّا قد مرَرنا بأوقات صعبة للغاية عندما اكتشفَت زوجتي أمال خيانَتي لها، وبالكاد استطعتُ إقناعها بعدَم تركي. أقسَمتُ لها أنّني لن أُعيدَ الكرّة أبدًا وكنتُ جادًّا، فلقد خفتُ كثيرًا أن أخسَرَ المرأة الوحيدة التي أحبَبتُها حقًّا. فتلك المُغامرة لَم تعنِ لي شيئًا بحدّ ذاته بل فقط إثارة عابرة. وبعد أشهر طويلة، رأيتُ أخيرًا بسمة أمال مُجدّدًا، وحمَدتُ ربّي أنّ الأمور تسيرُ تقريبًا كما في السابق.
لكن في أحَد الأيّام إنهارَ كلّ شيء بسبب أشخاص لا ضمير لهم. هل كان ذلك عقابي لخيانة زوجتي، أم أنّ الظروف اجتمعَت لتخلق مُصيبة لَم أرَها قادمة؟
كان قد طلَبَ منّي تامِر، أحَد زملائي في العمَل، أن أعيرَه سيّارتي لأنّ مركبته كانت قد تعطّلَت، في حين لدَيه موعدٌ هامّ مع أحَد عملائنا. لَم أرَ مانعًا لذلك، فكنتُ وراء مكتبي طوال النهار ولا حاجة لي للسيّارة قَبل انتهاء الدوام. فأعطَيتُه المفاتيح موصيًا إيّاه بالقيادة بتأنٍّ وعدَم الوقوع في حادث ما، إلا أنّه أكّدَ لي أنّه سائق ماهِر. وقَبل حلول موعد تركي العمَل، هو أعادَ لي المفاتيح ورحتُ إلى زوجتي تعِبًا ولكن فرِحًا لرؤيتها، خاصّة أنّها وعَدَتني أنّها ستعِدُّ لي طبقي المُفضّل. كنتُ أعلَم ما يعني ذلك: كانت تلك طريقتها للتعبير عن رغبتها بقضاء ليلة... حميمة. لكن بعد وصولي بقليل، أصابَني صداعٌ رهيب، ولَم تتحسَّن حالتي بالرغم مِن أنّ أمال أعطَتني أقراصًا لهذا الغرَض. ثمّ هي أخذَتني إلى السرير وساعدَتني على خَلع ملابسي ونصحَتني بالنوم قليلاً. أغمضتُ عَينَيّ وغرِقتُ في النوم.
في تلك الأثناء، أخَذَت زوجتي سيّارتي للذهاب إلى الصيدليّة لشراء دواء أقوى مِن الذي أخذتُه واستشارة الصيدليّ.
وحين فتحتُ عَينَيّ مِن جديد، كانت أمال واقفة أمام سريري وبِيَدها... ملابس نسائيّة حمراء. خلتُ طبعًا أنّها إشترَت ذلك السروال الأحمَر الداخليّ لإغرائي، فقلتُ لها:
ـ أنا آسف جدًّا لكنّني غير قادر على...
ـ بالطبع أنّكَ غير قادر على القيام بشيء، يا زوجي العزيز، فأنتَ صرفتَ قواكَ على صاحبة السروال!
ورمَت أمال السروال الأحمر في وجهي، وبدأَت تجمَع ملابسي مِن داخل الخزانة وتضعها في حقيبة وقالَت لي:
- كفى! كفى! ظننتُكَ قد تعلّمتَ الدرس! هيّا... سأرمي الخائن خارجًا إلى الأبد!
نظرتُ إليها مذهولاً ومذعورًا، فما الذي يجري؟!؟ ماذا حدَثَ بينما كنتُ نائمًا؟!؟ وما قصّة السروال الداخليّ؟
أمسكتُ أمال مِن يدها وأجبرتُها على الجلوس على السرير وصرختُ بها:
ـ إهدئي أيّتها المجنونة! ما بكِ؟ ما القصّة!
ـ ألا تعرِف؟!؟ لقد وجدتُ هذا السروال الأحمر بين مقاعد سيّارتكَ أيّها الخائن القذِر! لقد وعدتَني إن سامحتُكَ أنّكَ لن تُعيدَ الكرّة! وأنا صدّقتُكَ كالبلهاء! لا أُريدُكَ في البيت أو في حياتي. لقد انتهى زواجنا!
بدأَ عقلي يعمَل بسرعة لتحليل تلك المعلومات العديدة والغريبة. وبعد ثوانٍ صرختُ:
ـ الوغد! لقد استعمَلَ زميلي سيّارتي اليوم لرؤية عميل لنا... وعلى ما يبدو كذِبَ عليّ وراحَ وامرأة ما في موعد حميم! أجل! وذلك السروال هو لها!
ـ ألَم تجِد أفضل مِن هذه الرواية؟ وهل تخالُني حمقاء لهذه الدرجة؟!؟
ـ سأتّصِل به على الفور واتكلّم معه أمامكِ، وسأضعُه على مُكبِّر الصوت!
أخذتُ هاتفي وطلبتُ رقم تامِر وقلتُ له:
ـ ماذا فعلتَ داخل سيّارتي اليوم؟!؟
ـ ماذا تقصد؟
ـ لقد وجدَت زوجتي سروالاً أحمر بين المقاعِد! وزواجي على المِحكّ!
ـ للحقيقة لَم أحتَج لأخذ سيّارتكَ بل بقيتُ في الشركة طوال اليوم. لا أعرفُ عمّا تتكلّم. وليس لي دخل في زواجكَ فهذه مُشكلتكَ!
لدى سماعي ذلك، بدأتُ أشتمُ وأصرخُ وأُهدِّد، لكنّ الرجُل كان قد أقفَلَ الخط. نظرَت أمال إليّ باشمئزاز وأضافَت:
ـ حتّى زميلكَ لَم يشأ تغطية كذبتكَ، يا زوجي العزيز. أنتَ لوحدكَ منذ الآن!
أخذتُ أمتعتي وحجزتُ غرفة في أقرَب فندق، لكنّني خرجتُ بعد ذلك على الفور إلى منزل زميلي لأُعرفَ لماذا هو أقحمَني في مأزق قد يُكلّفني زواجي. فتَحَ لي تامر الباب وقال:
ـ ماذا تفعل هنا في هكذا ساعة مُتأخِّرة؟
ـ ألا تعرفُ لماذا؟!؟ أيّها النذل! كيف تنكر أنّكَ أخذتَ سيّارتي ورحتَ مع امرأة ما وفعلتُما أشياءً لا تمتُّ بالعمَل بصلة؟!؟
ـ إخفِض صوتكَ! زوجتي في الداخل! هل تُريدُ تدمير زواجي؟
ـ سأُدمّرُكَ كلّكَ! فأنتَ لَم تأبَه لزواجي قط! تعال معي إلى البيت واعترِف لأمال أنّ عشيقتكَ هي صاحبة السروال الأحمر! هيّا!
ـ لا توجَد في الدنيا قوّة كافية لحَملي على الاعتراف! لا تُضِع وقتكَ!
ـ إذًا سأخبرُ زوجتكَ ما فعلتَه!
ـ زوجتي امرأة ساذجة، سأقولُ لها إنّكَ تُحاوِل لصق التُهمة بي وهي ستُصدّقني، أعدُكَ بذلك. لستُ خائفًا منكَ.
ـ ألَم تطلُب منّي للتوّ خفض صوتي كي لا تسمعُكَ زوجتكَ؟
ـ إرحل مِن هنا! إسمع، سينفذُ صبري قريبًا ولستُ مسؤولاً عمّا قد أفعلُه.
ـ سأرحَل لكنّني سأعودُ، كُن واثقًا مِن ذلك!
قضَيتُ ليلة سيّئة للغاية أُحدّقُ في سقف غرفة الفندق غير مُصدِّق ما حصَلَ لي. يا للصّدَف! وكيف لامرأة أن تنسى سروالها في سيّارة عشيقها؟ هل كان زميلي يختارُ كلّ نسائه حمقاوات؟
رحتُ في الصباح إلى العمَل ولاحظتُ بوضوح كيف أنّ الموظّفين والموظّفات كانوا ينظرون إليّ. شعرتُ طبعًا أن شيئًا يدورُ واستنتجتُ أنّهم علِموا بقصّة السروال. لا بدّ أنّ ذلك السافِل قد أذاعَ الخبَر ليُبعِد عنه الشبهات، ولَم أكن مُخطئًا. فلقد سمعتُ التهامُس الذي دارَ عنّي، والتجأتُ إلى المطبخ الصغير الموجود في آخِر الشركة. وافَتني إحدى زميلاتي واقتربَت منّي قائلة:
ـ لماذا فعلتَ ذلك بزوجتكَ؟
ـ أقسمُ لكِ أنّني بريء، صدّقيني! هو أخَذَ سيّارتي البارحة، وحين أعادَها لي كان السروال الأحمر موجودًا فيها. لكنّه يقولُ إنّه لَم يستعمِل مركبتي على الاطلاق بل بقيَ هنا.
ـ هذا ليس صحيح... فلقد قصدتُه لإكمال ملفّي ولَم اجِده خلف مكتبه.
ـ أرأيتِ؟!؟ يا إلهي لو أستطيع مُعانقتكَ مِن كثرة فرَحي!
ـ لا تفعَل أرجوكَ فالكلّ ينعتُكَ بالخائن!
ـ إطمئنّي، فأنا أحبُّ زوجتي ولا أُريدُ سواها. قولي لي، أين هو ملفّ الحضور، أريدُ إثباتًا بأنّ تامِر لَم يكن موجودًا البارحة طوال النهار.
ـ لن ينفعُكَ الملفّ، فزميلنا جاء إلى هنا صباحًا وعادَ قبل انتهاء الدوام، أيّ أنّ حضوره مُسجَّل.
ـ تبًّا! أعذريني، لكنّني مُستاء.
ـ أتُريدُ أن أكلِّمَ زوجتكَ وأقولُ لها ما أعرفُه؟
ـ أجل! مهلاً... لا، لا تفعلي فقد تظنُ أنّكِ عشيقتي وصاحبة السروال وتودّين تبرئتي. لا... لا أُريدُ إقحامكِ في هذه الورطة الكبيرة. سأجدُ طريقة أخرى. أشكرُكِ مِن كلّ قلبي.
ـ حسنًا... ماذا تُريدُني أن أفعَل؟ أنا جاهزة!
ـ يمكنُكِ إخبار كلّ الموظّفين بأنّ السافِل لَم يكن موجودًا البارحة بل أخَذَ سيّارتي، على عكس ما يدّعي.
ـ سأفعلُ ذلك.
إرتاحَ بالي قليلاً لكنّ المعركة كانت في بدايتها. وما حصَلَ لاحقًا أثبتَ لي أنّ متاعبي ستكون كثيرة ومُعقّدة.
فقَبل انتهاء الدوام بقليل، ناداني مُديرنا ليقول لي:
ـ أين ملفّ عميلُنا الخليجيّ؟ طلبتُه منكَ منذ يومَين وها أنتَ لَم تنتهِ منه. ألا تعلَم أنّ ذلك الحساب ضخم للغاية وخسارة العميل ستُكلّفنا الكثير؟
ـ لقد وضعتُه على مكتبكَ البارحة مساءً لكنّكَ كنتَ قد غادرتَ. كان مِن المفروض أن تتصفّحه اليوم صباحًا.
ـ أُنظُر... ليس هناك مِن ملفّ يخصّكَ. هل تخالُني ساذجًا؟!؟
يتبع...