أنا زوج حقير!

أعترفُ علَنًا أنّني زوجٌ سيّئ، فلا داعٍ لأن يشتمني مَن سيقرأ قصّتي، ولا ألتمسُ مِن أحد الأعذار، فما فعلَتُه كان نابعًا مِن أنانيّتي وحسب.

تعرّفتُ إلى دانا زوجتي حين كنّا في الجامعة وتزوّجنا بعد سنوات قليلة. ربطَنا حبُّ كبير وكانت لنا أحلام أيضًا كبيرة، فقرّرنا القيام بِتضحيّات هائلة للوصول إلى حياة جميلة ومُريحة. فلا يأتي شيء مِن دون تعَب وصبر. أنجَبنا إبنًا وبنتًا وأدخَلناهما مدارس كبيرة، ولاحقًا جامعات لامعة بِفضل الشركة التي أنشأتُها ودانا والتي أصبحَت مع الوقت تدرُّ علينا ما شئنا مِن مال. بكلمة، كنّا قد حقّقنا حلمنا، واستطعنا بعد عشرين سنة مِن الجهد بلوغ مكانة حسَدَنا عليها مُحيطنا. ثمّ تزوّجَت إبنتي وسافرَت مع زوجها. في ظروف عاديّة، تنتهي قصّتي هنا... إلا أنّها بدأَت في تلك الحقبة بالذات.

كنتُ قد ناهزتُ سنّ الخمسين، وأستعدُّ وزوجتي للسفَر حول العالم لِتتويج نجاحنا، حين ظهرَت مروة في حياتي. أقول ظهرَت، إلا أنّها كانت موجودة منذ البدء، فهي صديقة قديمة لِدانا. بل أعني أنّها أعربَت لي بصورة مُفاجئة عن إعجابها القويّ بي. للحقيقة، كانت تلك الأرملة ذات جاذبيّة قويّة وعندها مُعجبون كثيرون، لكنّني لَم أنظُر إليها نظرة خاصّة بسبب حبّي لزوجتي، أو ربّما خلتُ ضمنيًّا أنّها بعيدة المنال، أو أيضًا لأنّ صداقتها بِدانا قويّة للغاية، لستُ أدري تمامًا. لكن في إحدى المُناسبات التي كنّا نُنظّمها لأصدقائنا، جاءَت إليّ مروة حين كنتُ في حديقة المنزل وقالَت لي:

 

ـ كَم أنّ دانا محظوظة!

 

ـ ماذا تعنين؟ أتقصدين هذه الحديقة الجميلة أو البيت أو الشركة؟

 

ـ بل أقصدُ أنّها محظوظة لأنّها زوجتكَ.

 

ـ أشكرُكِ على هذا الإطراء.

 

ـ ليس إطراءً بل ما أشعرُ به حقًّا. فلطالما كنتُ مُعجبةً بكَ.

 

ـ حقًّا؟!؟ ما تقولينَه مُحرِجٌ للغاية يا مروة! ولِما الإعتراف بذلك الآن؟ فأنا أعرفُكِ منذ تزوّجتُ مِن صديقتكِ.

 


ـ لأنّني لَم أعُد قادرة على إخفاء مشاعري. أنا مُغرمة بكَ وأريدُ أن أكون معكَ.

 

ـ يا إلهي... هذا كلام خطير! لن أُخبرَ دانا بما سمعتُه للتوّ، فهي تكنُّ لكِ معزّة كبيرة.

 

ـ لا أُبالي إن هي علِمَت بالأمر، صدّقني.

 

إعتبرتُ كلام مروة وقِحًا، وصمّمتُ على عدَم إطلاع زوجتي على الأمر كي لا أُسبّبَ لها الحزن والألَم لهكذا خيانة، غير مدركٍ أنّني سأخونُها بِدوري. فنحن نخالُ أنّ حياتنا تسيرُ في خطّ مُستقيم وكما خطّطنا لها، إلا أنّ الواقع مُخالف تمامًا.

بعد حديثي مع مروة في الحديقة، صارَت تزورُنا يوميًّا وتجلسُ قُبالتي مُركّزة عليّ بِشكل فاضح. تجنّبتُ التواجد معها إلا أنّني لَم أرِد لَفت إنتباه زوجتي. لكن بعد فترة، إستيقظَ شيءٌ فيّ، وبين ليلة وضحاها نما في قلبي إعجاب بِمروة. ربّما السبَب هو الإطراء الذي شعرتُ به كَون إمرأة بِجمال وجاذبيّة مروة هي مُعجبة بي، أو لأنّني كنتُ في مرحلة مِن حياتي تُسمّى "أزمة مُنتصف العمر" عند الرجال، لستُ أدري. وكما سبَقَ وقلتُ، لا أبحثُ عن أعذار، فقد كان بإستطاعتي إخبار دانا أو صدّ مروة بِحَزم، فكان لدَيّ الخَيار.

كان لي الخَيار أيضًا حين رحتُ ومروة إلى ذلك الفندق، لكنّني لَم أستمِع سوى لِغريزتي التي تحوّلَت إلى تعلّق بالتي عرفَت كيف تُعطي لِحياتي طعمًا آخر.

وبدأَت بيننا علاقة غراميّة، على الأقلّ مِن جانبي، وصرتُ مهووسًا بِمروة. هي مِن جانبها كانت تستمتعُ بإفتتناني بها وبالهدايا التي قدّمتُها لها. إلا أنّها قالَت لي ذات يوم:

 

ـ أُريدُ ذلك الخاتم...الذي قدّمتَه لِدانا في عيد زواجكما الأوّل.

 

ـ لا أعلمُ إن كانوا لا يزالون يصنعون منه، فلقد اشتريتهُه منذ أكثر مِن عشرين سنة.

 

ـ بل أريدُه هو بالذات وليس خاتمًا مثله.

 

ـ ماذا؟!؟ إنّه لِزوجتي وهي تحبُّه كثيرًا!

 

ـ جِد طريقة للحصول عليه، وإلاّ تركتُك.

 

لَم أفهَم سبب إصرار عشيقتي على وضع يدها على خاتم قديم الطراز، ولم أجِد طريقة للحصول عليه بالذات. يا إلهي... مصيري باتَ معلّقًا بِقطعة مجوهرات! حسبتُ أنّ مروة لن تُنفّذ تهديدها، إلا أنهّا قطعَت كلّ اتّصال بي وشعرتُ بالضياع مِن دونها. فتلك المرأة كانت تعرفُ كيف تُسعِد رجُلها. بدأتُ بالتفكير بِكيفيّة إقناع زوجتي بِتسليمي الخاتم ولَم أجِد سوى طريقة واحدة: الإحتيال. أخبرتُ دانا أنّ وضع شركتنا ليس جيّدًا، فهي لَم تتعاطَ يومًا بِموضوع الحسابات، وأنّ مُموّلاً كبير أعرفُه قبِلَ بأن يُساعدنا شرط أن نُعطيه خاتمها الذي رآه في أصبعها خلال حفل كبير. كان ذلك الرجُل في الحقيقة مُتوفّيًا ولهذا السبب إخترتُه بالذات. بدأَت زوجتي المسكينة بالبكاء على وضع الشركة التي أسَّستُها معها، وخاصّة على خاتمها لأنّه كان عزيزًا عليها للغاية ويُمثّلُ بالنسبة لها سعادتها بِعيد زواجها الأوّل. بكَت دانا لأيّام، وأمام حزنها هذا، تراجعتُ وقلتُ لها إنّ الرجُل غيّرَ رأيه وهو مُستعدّ لِتمويلنا مِن دون شروط. عادَت البسمة إلى وجه زوجتي وارتاحَ ضميري.

إلا أنّ عشيقتي بقيَت تصدُّني فعدتُ إلى نقطة الصفر. والأمر الذي دفعَني إلى التصرّف كان رؤية مروة بِصحبة رجُل آخر، يوم دعَتها زوجتي إلى عشاء أقَمناه في البيت. حسبتُ أنّ قلبي توقّفَ عن الخفقان مِن كثرة خَيبتي وغيرتي، واضطرِرتُ إلى تحمّل مروة وعشيقها طوال السهرة. في اليوم التالي، إتّصلَت بي عشيقتي قائلة:

 

- أمامكَ أسبوع لِتُعطيني الخاتم وإلا سافرتُ مع ذلك الرجُل الوسيم والثريّ... ولن ترى وجهي أو تسمَع صوتي بعد ذلك.

 


عندها أدركتُ أنّ عليّ التصرّف وبسرعة وإلا فقدتُ حبيبي إلى الأبد. والحلّ الوحيد المُتبقٍّ لي كان السرقة. أجل، فلقد قرّرتُ سرقة زوجتي بالدخول كاللصّ ليلاً إلى بيتنا، وتجريد دانا مِن قطعة مُجوهرات كانت تعني لها الكثير. حقيرٌ أنا بالفعل.

خطّطتُ بتأنٍّ لتلك السرقة، مُرتكزًا على معرفتي التامّة بأنحاء بيتي ومداخله، وانتظرتُ حتى اجتمعَت الظروف كلّها، فلَم اكن أُريدُ أن أفشَل أو أن يُفضَح أمري أمام عائلتي، فيا للعار!

في تلك الليلة، كان مُقرّرًا أن يقضي إبني ليلته مع رفاقه في حفل راقص، وهو لا يعودُ عادة مِن هكذا مُناسبات قبل الثانية صباحًا. أمّا بالنسبة لي، فكنتُ قد تركتُ المنزل قبل يوم مِن ذلك مع حقيبتي لأذهب إلى سفَر عمَل مزعوم. أخذتُ غرفة في فندق مُجاور وانتظرتُ بِصبر.

كان المنزل مُظلِمًا منذ أكثر مِن ساعة، لأنّ دانا تذهبُ إلى فراشها باكرًا عادةً، فترَكتُ مَخبَئي في الحديقة ودخلتُ مِن الباب الخلفيّ الذي كنتُ أمتلكُ مُفتاحه طبعًا. كلّ شيء كان هادئًا والطريق سالك إلى غرفة نومنا الزوجيّة. إرتدَيتُ ملابس سوداء وقناعًا، خشية أن يتعرّف أحد إليّ وأنا في طريقي أو في الحديقة. وضعتُ بعض الأغراض في حقيبتي ليظنّ الجميع أنّ فعلاً سارقًا دخَلَ البيت. فتحتُ باب الغرفة بهدوء تام والخزانة التي تحتوي علبة المجوهرات. كانت زوجتي غارقة في النوم، فلَم أكن قلقًا.

وجدتُ الخاتم بواسطة مصباح صغير أضاءَ لي طريقي وسَهَّلَ مُهمّتي. وقَبل أن أُغادر الغرفة، رحتُ إلى جانب السرير لأتأكدّ مِن أنّ دانا بالفعل نائمة ويرتاحُ بالي.

وفي تلك الحظة بالذات، سمعتُ صوت إبني يصرخُ بي:

 

- إياك أن تقترِب منها أيّها اللص!

 

إستدَرتُ ورأيتُ ولَدي واقفًا عند الباب وبِيَده مُسدّس! ماذا يفعلُ هنا؟ كان يجدرُ به أن يكون في ذلك الحفل!

إستَيقظَت دانا ونظرَت إليّ بِتعجّب غير عالمة بما يجري، إلى حين أضاءَ إبني ضوء الغرفة فوقفنا نحن الثلاثة مندهشين. فبالرغم مِن قناعي لَم يكن مِن الصعب التعرّف إليّ. بدأَت دانا بالبكاء بِصمت، وسألَني إبني بِعدائيّة لماذا أسرقُ بيتي. ماذا أقولُ لهما؟!؟ إدّعَيتُ أنّها دعابة وضحكتُ عاليًا لأقنعهما بِكلامي، لكنّهما لَم يُصدّقاني طبعًا. فتّشَ إبني حقيبتي ووجَدَ فيه الخاتم. وفهِمَت زوجتي أنّ لذلك الخاتم أهميّة كبرى بالنسبة لي فسألَتني مئة سؤال وكذالك ولَدي. ولأنّني تعِبتُ مِن الكذب والإحتيال، إعترَفتُ لهما بكلّ شيء. طردَتني دانا مِن البيت في الليلة نفسها، وطلَبَ إبني منّي عدَم العودة لأنّه سيُغيّر أقفال البيت عند الصباح. خرجتُ مذلولاً واتّصلتُ على الفور بِمروة لأقصّ لها ما حصل وألتجئ إليها. ففي آخِر المطاف، هي كانت السبب بالذي حصَلَ لي. لكنها قالَت لي:

 

ـ ألدَيكَ الخاتم؟

 

ـ لا، للأسف. هل أستطيع القدوم إليكِ الآن؟

 

ـ أنتَ تحلُم حتمًا! كَم أنّكَ فاشل! لَم تستطِع حتى الحصول على خاتم مِن أجلي!

 

ـ ما شأن ذلك الخاتم الذي سبَّب لي فضيحة لا توصَف؟!؟

 

ـ كنتُ موجودة معكما يوم أهدَيتَه لِدانا... كَم حسَدتُها على سعادتها، فأنا كنتُ مُتزوّجة مِن رجل قاسٍ وأنانيّ! وقلتُ لِنفسي أنّني سأحصلُ عليه يومًا وأضعُه في أصبعي. للحقيقة فكّرتُ بِسرقته بِنفسي، إلا أنّني نسيتُ أمره مع مرور السنين ومرَض زوجي ومِن ثمّ موته.

 

ـ يعني ذلك أنّكِ استغلَّيتِني فقط؟ ألا تُحبّيني؟

 

ـ هاهاها... مسكين أنتَ! إيّاكَ أن تتّصل بي مُجدّدًا وإلا سبّبتُ لك الأذيّة!

 

طلبَت دانا الطلاق ولَم أُعذّبها بذلك، فقد كنتُ خجِلاً مِن نفسي إلى أقسى درجة. أعيشُ اليوم لِوحدي في ظروف صعبة، بعد أن بعتُ لِزوجتي حصصي في الشركة التي ترأسَها إبني.

أنا أستحقُّ كلّ ما حصَلَ لي وأتقبَّلُ نتائجه. أرجو فقط أن يقبلَ الله تَوبتي ويغفر لي.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button