لمَ نشيخ؟ هذا سؤال جوهريّ. نحن نشيخ لأنّ الوقت يمرّ ولكن بالأخص، لأنّه يمرّ بطريقة سيّئة. والأمر نفسه بالنسبة لبيئتنا وعاداتنا وسلوكنا.
هل تخافين من الشيخوخة؟ نعم! نخشى جميعنا من أيّامنا الأخيرة حيث نكون ضعفاء ومهمّشين ومعتمدين على الغير. لكن هناك أمل بوجود وسائل بين أيدينا تساعدنا على أن نشيخ أفضل، أي أن نعيش أفضل. لنحاول أن نفهم...
غذّي مركز الطاقة (المتقدّرة)
لنحفظ هذا الاسم الغريب جيداً فهو يعود إلى ذاك العنصر الصغير الموجود في خلايانا والذي يؤدّي دوراً جوهريّاً. إنّ المتقدّرة (Mitochondria) هي مركز الطاقة القابع داخل كلّ خليّة من خلايانا الذي يُنتج الطاقة الضروريّة للحياة. وهي أيضاً المسؤولة عن التقاط الجزيئات المتحرّرة التي تعزّز – حين تفلت - مسار الشيخوخة مع إلحاق الأذى بالخلايا. فإذا عملت بطريقة مناسبة، نكبر بنحو جميل. لكن حين تتعب تعجز عن إنجاز مهامها فتعاني الخليّة ونعاني نحن أيضاً. تحرق المتقدّرة السعرات الحراريّة بنار الأوكسجين. وكلّما عملت أكثر تكوّن المزيد من الأوساخ والأكسدة، ما يؤدّي إلى ما نسمّيه الإرهاق المؤكسد. وحين نأكل أكثر وخاصّة البروتينات الحيوانيّة نكسب المزيد من السعرات الحراريّة ونُتعب المتقدّرات وتشيخ الخلايا بسرعة أكبر. بموازاة ذلك، وإذا أردنا التحليل منطقيّاً، يطيل البرد عمر الخلايا مبطّئاً حركة الجزيئات.
إنّ الحيوانات التي تدخل في السبات تضع الشيخوخة جانباً أثناء السبات. وبفضل هذه الآليّة نفسها، نضع مكعّب الثلج على المنطقة المتورّمة لتخفيف الالتهاب! من جهة أخرى، هناك رابط بين الاثنين. كلّما أكلنا أكثر ارتفعت حرارة الجسم أكثر وازداد التآكل التأكسدي للأنسجة والأعضاء الموجودة في أجسامنا. وليس من باب الصدفة أن يكون الصوم موجوداً في كافة الديانات والحضارات تقريباً.
خفّفي من السعرات الحراريّة
أُجريت دراسات عديدة على حيوانات تتبع نظاماً "اعتياديّاً" للسعرات الحراريّة وأخرى تتبع نظاماً مقيّداً. على كلّ الأجناس التي جرى اختبارها، لا تعيش الحيوانات التي تتلقّى القليل من السعرات الحرارية لفترة أطول – تتخطّى أقصى المعدّلات المعروفة – وحسب بل إنّها تبقى أيضاً محافظة على شبابها وتعاني أقلّ بكثير من كافة الأمراض التنكّسيّة. ويرى الباحثون العاملون على هذه المواضيع – مثل دايفد سينكلير من هارفرد، سينتيا كينيون من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، وإليزابيت بلاكبورن الحائزة جائزة نوبل عن اكتشاف التيلوميراز، وميروسلاف رادمان مكتشف نظام système SOS – أنّ نظام الصحّة الحالي يضيع في كلّ مرّة يحارب فيها مرضاً معيّناً (في الأوعية والقلب، السرطان، الألزهايمر، المناعة الذاتيّة...)، لكن أصبح الآن واضحاً أنّ محاربتها تصبح فعّالة أكثر لدى العمل على السبب الرئيسي وهو الشيخوخة. ومن أجل الشفاء منها، لنراقب ما نضعه في الصحن!
إستهلكي البروتينات
إنّها مغذّيات ضرورية جداً لحسن سير وظيفيّة الجسم. ولكن في مجتمعنا الصناعي المفرط، تفوق نسب البروتين في أجسامنا بوجه الإجمال حاجاتنا وذلك يعود إلى الاستهلاك المفرط للبروتين الحيواني. تظهر الدراسات المتعلّقة بالتقيّد في سعرات حراريّة محدّدة أنّه إن كان التدنّي العام لمستوى استهلاك السعرات الحراريّة يؤدّي دوراً مؤكّداً في تمدّد فترة الحياة، فإنّ تدنّي البروتينات خاصّة هو الأهمّ والأكثر حزماً. تكون بعض البروتينات مؤذية أكثر من غيرها:
- البروتينات الحيوانيّة لأنّها غنيّة بالأحماض الأمينيّة المعروفة (ليوسين، إيزوليوسين وفالين)، بالحديد وحمض الأراكيدونيك (كلاهما مسبّب قويّ للالتهاب).
- بروتينات الحليب، وهي السبب الأول للحساسيّة من المأكولات التي تدخل في أمراض المناعة الذاتيّة مثل داء السكّر من نوع 1 والمرتبطة بالدهون المشبّعة.
- بروتينات الذرة الغنيّة بالليوسين والمرتبطة بالأحماض الدهنية أوميغا 6 والتي تفيض أصلاً في المأكولات.
إبتعدي عن الدهون
علاوةً على سعراتها الحراريّة العالية التي إذا زادت عن حدّها أتعبت خلايانا، وبالرغم من كونها ضروريّة لوظيفة الجسم وخاصّة للجهاز العصبي، لا بدّ من مراقبة معدّلها مقارنةً مع تشبّعها. يجب تفادي الزبدة والأجبان والحليب والكريما وزيت البلح (المستهلكة كثيراً في المنتجات الصناعيّة) فهي دهون مشبّعة، واستبدالها بمصادر الأحماض الأمينيّة الأحاديّة غير المشبّعة: زيت الزيتون، الأفوكادو، اللوز ومشتقّاته، دهون الإوز والبطّ. علاوةً على ذلك، إنّ المغذّيات المرتبطة بها واقية وخاصّة البوليفينول الموجود في زيت الزيتون البكر.
قلّلي السكريّات
إنّ الغلوكوز مكوّن أساسي لحياة الإنسان علماً بأنّه بمثابة الوقود الأساسي للخلايا والوقود الوحيد عملياً للدماغ. من هنا، لا بدّ من جعل معدّله في الدم ثابتاً. وأولى سيّئات استهلاكه صافياً كما في العسل أو على شكل بسيط تكمن في أنّه يرفع نسبة السكّر بسرعة في الدم ما يؤدّي إلى تعلّقه الفوري على البروتينات ومنع عملها جيّداً فلا تتدنّى الحيويّة التي تشغّل كلّ الأنظمة وحسب بل تتعطّل كلّ ردّات الفعل البيوكيميائيّة التي تعتمد عليها دفاعات المناعة والأنظمة المضادّة للأكسدة وإزالة السموم وغيرها.
من جهة أخرى، يرفع تناول كمّية كبيرة من السكر الأنسولين الذي يسرّع انحلال الدهون وارتفاع ثلاثي الغليسيريد. ومزيد من الأنسولين يعني مرور التريبتوفان في الدماغ ما يؤدّي إلى مزيد من السيروتونين، الهرمون المهدّئ. من هنا، يتفاعل السكّر على أنّه عقار نفساني التأثير يسبّب الإدمان تماماً مثل الكحول ومنتجات التبغ.
أكثري من تناول الفيتامينات
إنّ نسبة الفيتامين D المنخفضة في الجسم ترتبط بارتفاع حالات الوفاة بنسبة 57 إلى 70 في المئة بفعل أمراض القلب والأوعية ومرض السرطان. يتمتّع الأشخاص الذين يحظون بتغذية غنيّة بالفيتامين K2 بصحّة سليمة في منطقة القلب والأوعية والعظام والمفاصل.
وتؤكّد الدراسات أنّ نسبة عالية من الفيتامين E ترتبط بتدنّي مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية وبالالتهابات والمناعة الذاتيّة وحالات الحساسيّة والإرهاق وغيرها.
من ناحيتها، تشير دراسات في مجال علم الأوبئة إلى أنّه لدى الأشخاص الذي يتحلّون بنسبة عالية من الفيتامين C تنخفض نسبة الوفيات بنسبة 35 في المئة لدى الرجال و10 في المئة لدى النساء في دراسة NHANES I.
تجنّبي الخمول
صحيحٌ أنّ التلوّث الخارجي والسجائر تجسّد الخطر الأكبر على صحّة خلايانا (تحتوي كلّ نفحة من السيجارة على مليون مليار جزيئة متحرّرة و4700 مادّة سامّة!)، لكنّ الخمول يقتل أكثر من التبغ. فكلّما زاد الوقت الذي نمضيه ونحن جالسون بخمول تقلّص معه أمل الحياة. وفي دراسة أستراليّة واسعة النطاق أُجريت على 222497 شخصاً تزيد أعمارهم عن 45 سنة، تزداد حالات الوفاة الناجمة عن أسباب عديدة بنسبة 15% لدى أولئك الذين يجلسون بين 8 و11 ساعة يوميّاً وبنسبة 40% لدى أولئك الذي يجلسون لمدة 11 ساعة أو أكثر!
في الدراسات التي أُجريت في سردينيا، حيث تُسجّل، على غرار أوكيناوا، مناطق يزداد فيها عدد المتقدّمين جداً في السنّ مع نسبة غير اعتياديّة للرجال المعمّرين، يبقى العامل المسيطر الذي يفسّر الظاهرة هو المستوى المرتفع في الحركة الجسديّة: نشاطات رعويّة، مسافات طويلة، حدّة المنحدرات...
على أمل أن نسمع في المستقبل القريب بتعميم هذه الإجراءات المحاربة للعمر على كافة الشعوب، بانتظار الاكتشافات العلميّة الضخمة المرتقبة في هذا المجال.
بعض النصائح لتأخير شبح الشيخوخة
مأكولات نباتيّة
يُنصح بالغذاء النباتي الجزئي أو التام لخفض نسبة الميثيونين التي تسرّع، تماماً مثل الليوسين، مسار الشيخوخة. وبما أنّ الخضار ليست غنيّة بالميثيونين، بالتالي فهي جيّدة وتحافظ على حسنات أخرى: نسب قليلة من السعرات الحراريّة والليوسين والحديد وحمض الأراكيدونيك والدهون المشبّعة والملح... ونسب غنيّة من مضادّات الأكسدة والبوليفينول والألياف والمغنيزيوم والبوتاسيوم...
يحيا التورين
إنّه حمض أميني يخفّف من الحساسيّة على الإرهاق وهو قادر في الوقت عينه على التفاعل بتناغم تامّ مع المغنيزيوم والتسبّب بتكديسه داخل الخلايا. نجد التورين خاصّةً في الأسماك وثمار البحر والطحالب كما يمكن تحليله في الجسم انطلاقاً من السيستين.