ما الذي فعَلتُه لكي يضربَني القدر هكذا؟ حاولتُ طوال سنين معرفة الجواب ولكنّني لم أستطع ربما لأنّني لم أفعل شيئاً يوماً سوى أنّني صدّقتُ الأكاذيب التي لفَّت حياتي منذ ولادتي وحتى إكتشافي للحقيقة الرهيبة التي أخفوها جميعهم عنّي.
بدأَت الحكاية لحظة قَبِلَت أمّي أن تسلّم جسدها لأبي حبّاً به ودون أن تفكرّ بعواقب فعلتها خاصة أنّها لم تكن زوجته بعد. وحين وجدَت أنّها حامِل أدركَت مدى المصيبة التي أوقعَت نفسها بها وركضَت تخبر أمّها بحثاً عن دعم وحلّ. وإجتمعَت العائلة وقرّرَ الجميع أنّ على أبي أن يصلح غلطته. ولم يكن هذا الأخير مستعد بعد لهكذا خطوة ولكنّه لم يستطع الرفض بعدما تلقّى تهديدات بالقتل. وكان شرط أهل أمّي أن يبقى أمر الحمل سريّاً حتى ولو بعد الزواج خوفاً مِن الشماتة لأنَ عائلتهم كانت ثريّة ومرموقة.
فذهبَت والدتي إلى عمّتها التي تسكن في مكان بعيد ومنعزل ومكثَت هناك حتى أن ولَدَتني وتركَتني هناك وعادَت لتحتفل بزواجها مِن أبي وكأنّ شيئاً لم يحصل. وشاءَت الظروف أن يموت شقيق أبي وهو في الغربة وبالرغم أنّه بقيَ عازباً حتى آخر لحظة إخترعوا له إبنة وزوجة متوّفاة. وجاء ابي مِن القرية وقال للجميع أنّني إبنة الفقيد وأنّهما سيتبنّاني.
وهكذا كبرتُ وأنا أظنّ أنّ أبي هو عمّي وأنّ أمّي هي زوجته. وأعطاني الحنان والرعاية المطلوبة ولم أشعر يوماً أنّ شيئاً ينقصني حتى بعد ولادة أخي عامِر بعد ثلاث سنوات. وكانت حياتي ستكون سعيدة وشبيهة بحياة الأناس العاديّين لو لم تولَد بيني وبين عامِر مودّة خاصة تخطَّت حدود القرابة. فكنّا حقّاً نظنّ أنّنا أولاد العمّ فهذا ما أخبرونا وأقنعونا به فلم نرَ مانعاً لإطلاق العنان لحبّ كان لا يزال بريئاً. ولكنّ أمّي لاحظَت التقرّب الذي سادَ بيني وبين عامِر وشعَرَت أنّ ذلك الشعور لم يكن أخويّاً فحاولَت إبعادنا عن بعض. ولكنّنا كنّا قد أصبحنا بسنّ المراهقة الذي يتّسِم بالعناد والإصرار فزاد تعلّقنا ببعض.
عندها أخبرَت والدتي أبي وحاولا إيجاد طريقة لتفادي الكارثة دون أن يضطّرا إلى كشف الحقيقة والدخول بسجالات عميقة وتوبيخات مِن قِبلنا فقرّرَ والدي إرسال عامِر إلى مدرسة داخليّة آملاً أن ينساني أخي مع الوقت.
بكيتُ كثيراً يوم غادرَ عامِر المنزل حاملاً حقيبته وصَرَختُ له وهو يصعد في السيّارة:"سأكون في إنتظاركَ!" اما هو فنظرَ إليّ وإبتسم وعلِمتُ أنّه سيعود إليّ مهما طالَ غيابه. ولكَي لا نرى بعضنا كان والديّ يذهبان لرؤيته خلال فرصة نهاية الأسبوع والعطلات الرسميّة ويتركاني في البيت لوحدي. وكنتُ أبكي بحرارة لأنّني لم أكن أفهم سبب هذه القساوة خاصة أنّ العديد مِن أولاد العمّ يقعون بحبّ بعضهم ويتزوّجون. والتفسير الوحيد الذي وجدتُه هو أنّ "عمّي وزوجة عمّي" كما كنتُ أسمّيهما كانا يكرهاني ولا يريدونني لإبنهما.
وكان عامِر مِن جانبه يخطّط لليوم الذي سيأتي ويجتمع بي مجدّداً خاصة أنّ حبّه لي زاد إلى حدّ كبير في تلك المؤسّسة المليئة بالصبيان.
ولم أعد أطيق والدَيّ وطلبتُ منهما أن يسمحا لي أن أذهب أنا أيضاً إلى مدرسة داخليّة ولكنهما رفضا لأنّني كنتُ سأدخل الجامعة بعد سنة ولم يقرّرا بعد إلى أيّة كليّة سألتحق.
وهكذا عشتُ ثلاث سنوات مِن العذاب أسمع صوت حبيبي عبر الهاتف كلّما غابَ أهلي مِن المنزل وإستطعتُ مخابرته في المدرسة. وفي كلّ مرّة كان عامِر يقول لي: "لن أبقى سجيناً هنا إلى الأبد... لا بدّ أن أخرج... إصبري." ولكن والدَينا كانا يودّان إرسال عامِر إلى الخارج وتزويجي فور رحيله وعلِمتُ بالأمر عندما سمعتُ أمّي تتكلّم مع صديقة لها عن "عريسي" وتقول لها أنّها ستعرّفَني إليه عندما يصل عامِر إلى الولايات المتحّدة". وشعرتُ بالخوف الشديد وفي أوّل فرصة أخبرتُ عامِر بالذي يُحضَّر لنا ومرّة أخرى طمأنّني وطلبَ منّي الترّيث لأنّه كان يعلم أنّ لا بدّ له أن يأتي إلى المنزل لتحضير إمتعته قبل السفر وكان يعلم أيضاً أنّ ما برأسه سيغيّر المعطيات كلّها.
وهكذا عادَ بعدما إنتظرتُه دون أن يخفّ حبّي له أبداً وعندما رأيتُه ركضتُ لأرمي نفسي في أحضانه ولكنّه أزاحَني جانباً وألقى التحيّة عليّ وكأنّني غريبة عنه. وإمتلأت عيوني بالدموع ولكنّه نظرَ إليّ وغَمَزَني وفهمتُ أنّها لعبة لإقناع والدَيه أنّه نسيَني. وإرتاحَ قلبهما وقبّلاه وحضّرَت أمّي عشاءً لذيذاً وذهبنا إلى النوم باكراً لأنّ كان على عامِر السفر في اليوم التالي.
ولكن بعد أن غَرِقَ البيت في الظلام سمعتُ قرعاً خفيفاً على الباب ورأيتُ عامِر يدخل غرفتي، فسألتُه هامسة:
ـ هل جننتَ؟ ماذا تفعل هنا؟
ـ جئتُ أقول لكِ كم إشتقتُ لكِ وأنفّذ خطّتي التي ستسمح لنا بالبقاء سويّاً.
ـ ماذا تقصد؟
وإقتربَ منّي وقبّلَني بشغف وكانت تلك أوّل مرّة يلمسني فيها. ومارسنا الحب وكنتُ سعيدة إلى حدّ لا يوصف لأنّني شعرتُ أنّني أصبحتُ زوجته ولو غير شرعيّاً. وبعدما إنتهَينا طلبتُ منه أن يرحل ولكنّه رفضَ قائلاً: "لا... عليهما أن يجداني هنا ليقبلا بالأمر الواقع ويوافقان على زواجنا". ونِمنا لكثرة براءتنا وإيماننا بأنّ حياة سعيدة تنتظرنا. ولم نستفق إلاّ على صرخة أمّي عندما دخَلَت غرفتي ووجَدَت عامِر نائماً عارياً بقربي. وركضَ أبي ووقفا ينظران إلينا بغضب ممزوج بِيأس عميق.
عندها قال عامِر لهما:
ـ الآن عليكما الموافقة على زواجنا.
وأجابَت أمّي وصوتها يرتجف:
ـ أيّها المسكين... لقد مارستَ الجنس مع شقيقتكَ.
ولم نفهم تماماً ما الذي قالَته فظنّنا أنّها تعني أنّني بمثابة شقيقة له ولكنّ أبي أضاف:
ـ غنوة ليست إبنة عمَّكَ بل إبنتنا نحن... وأنتَ شقيقها... لقد حاولنا إبعادكما عن بعض وتفادي هذه الكارثة... حاولنا...
وأخبرتنَا أمّي القصّة مِن أوّلها وعندما إنتهَت مِن الكلام قام عامِر مِن السرير ولَبِسَ هدومه وخرجَ مِن الغرفة. أمّا أنا فوضعتُ غطاء السرير على رأسي وإختبأتُ تحته أبكي على ما حصل. حاوَلت أمّي أن تقترب منّي لكنّني طردتُها صارخة:
ـ أتركيني... لا أريد أن أراكِ! كذبكِ وخوفكِ على سمعتكِ أدّى إلى خرابي وخراب... أخي... أخرجي!
وسافرَ عامر في صباح اليوم التالي دون أن يودّع أحداً أمّا أنا فإنتكسَت صحّتي وبعد أن مكثتُ في المستشفى لِمدّة أسابيع عّدتُ مِن حيث جئتُ أي إلى منزل عمّتي التي علِمَت بالذي حدَث وفعلَت جهدها لِترفيهي. ولكنّ كل ذلك لم يُجدي وإمتلكَني حزن عميق لم يفارقَني حتى اليوم لأنّني كنتُ لا أزال أحبّ عامر وبالوقت نفسه أشمئزّ مِن الذي حصلَ بيننا كونه أخي. أمّا هو فتابعَ دراسته في الغربة ولكنّه لم يتزوّج حتى الآن. حاولَ والدَيّ التقرّب منّي ولكنّني رفضتُ دائماً رؤيتهما وبعد أن ماتَت عمّتي بقيتُ لِوحدي في بيتها وأصبحَت حياتي تقتصر على العيش كل يوم بِيومه مع هرّ وجدتُه قرب المنزل.
وأعلم أنّ يوم سيأتي وأرى عامر مِن جديد ولكن ما لا أعرفه هو كيف سيكون شعوري تجاهه وهذه الفكرة تُرعبني إلى أقصى درجة.
حاورتها بولا جهشان