وجهي تشوّه... فدُمرت حياتي

كنت خبيرة التجميل المفضّلة لدى الزبونات، وكنت غالية على قلب وسيم، مالك مركز التجميل. ولكنّ القدر شاء أن يبدّل مسار حياتي...  

مرّت ثماني سنوات على عملي في ذاك المركز حيث اشتهرت ببراعتي بفضل طبيعتي الاجتماعية ومظهري العصري ومعرفتي للمهنة، وبما أنّ والدي كان قد توفي وأنا في سن المراهقة، وجب عليّ أن أترك دراستي لأجد مهنة تؤمن لي احتياجاتي بسرعة، وقد جذبني عالم الجمال فمارست عملي بشغف وحماسة.

كان كل شيء يسير نحو الأفضل باستثناء حياتي العاطفية، التي عزمت على وضعها جانباً لتخصيص وقتي لعملي: لذا فكنت ما أزال أعيش وحيدة مع والدتي...

في صباح أحد الأيام، انتظرني الزبائن ولكن بلا جدوى... فلم أذهب إلى العمل يومها، ولا في الأسابيع التالية، لأن مسار حياتي تغيّر كلياً حين اصطدمت شاحنة بسيارتي وأنا في طريقي إلى المركز. فهذا الحادث ادخلني في غيبوبة وتعرّضت لكسور جمّة، وأصيب وجهي بجروح بالغة بسبب الزجاج.

ولفظاعة طبيعة جروحي، كان الطب التجميلي عاجزاً عن إعادة وجهي إلى حالته السابقة: كنت قد صرت مشوّهة إلى الأبد!

ساعدني الطبيب النفسي الذي أرشدوني إليه على ألاّ أقع في حالة إحباط عميقة، ولكنّه للأسف لم يساعدني على استرجاع جمالي.

لذا، ما عدت أخرج من المنزل ورحت أمضي وقتي مستعينةً بمهاراتي التجميلية لأخفي قباحتي.

ثم، جاء اليوم الذي عدت فيه إلى عملي. هناك في المركز، كانت نظرات وسيم وزميلاتي تعبّر عن آرائهم أفضل من الكلام. في ما يتعلق بزبوناتي فلم تتمكّن أيّ واحدة منهنّ من النظر إليّ وسرعان ما صار الوضع مزعجاً، حتى أفهمني وسيم أنّه ما عاد لي مكان بينهم!

قُضي على مهنتي ومستقبلي، فكيف عساي أعيش وأعتني بوالدتي المحتاجة إلى علاج طبّي مكلف؟ من سيقبل بتوظيف وحش في ظل مجتمع يعطي كل الأهمية للصورة والجمال فقط؟

انقضت الأشهر وذابت مدّخراتي كالثلج، وبعدما تصفّحت كل إعلانات التوظيف، وقعت على شركة تطلب عاملات في مجال التسويق عن بعد، وهذا ما كان يلزمني بالتحديد! في اليوم التالي، توجّهت إلى العنوان المذكور في الجريدة وبعد تأثير المفاجأة الذي تركه وجهي، اقترحوا عليّ اختباراً صوتياً. كان صوتي مقبولاً على الهاتف فقد كنت معتادة على التوجّه إلى الزبونات، وهذا ما أقناع الشركة!

كان عملي الجديد بيع موسوعات، وصحيح أنّ الأجر لم يكن عالياً كما في المركز ولكنّه على الأقل كان يسمح لي بتسديد فواتيري ودفع أدوية أمي.

لم يمضِ وقت طويل حتى صار الزبائن يقدّرونني، وخاصة رجل أُعجب بضميري المهني وبنبرة صوتي، فطلب رؤيتي في أحد الأيام، ولكنني بالطبع رفضت ذلك قطعاً!

وحين أصرّ أخبرته عن سبب رفضي فأكّد لي أنّ الجمال الخارجي لا يعنيه وليس له البتة أيّ أهمية عنده. لكن المسكين لم يتخيّل فظاعة قباحتي، لذا تشبّثت برأيي، وبالرغم من ذلك بقينا على تواصل.

في هذا الوقت، راحت الأمور تسوء في مركز التجميل. فمنذ طردي، رحلت الزبونات الواحدة تلو الأخرى، فلم تعجبهنّ الخبيرة الجديدة وأخذنَ يطالبنَ بعودتي.

اتصل بي وسيم وتوسّل إليّ لأعود. ماذا عساي أجيبه؟ لقد أحببت عملي وشعرت فيه بالأمان بعيداً عن الأنظار ولكنّ التجميل مهنتي الحقيقية وأنا أشتاق إليها. اقترحت عليه أن آتي يومين في الأسبوع كبداية ولم أتخيّل أبداً الاستقبال الذي كان بانتظاري. فكانت كلّ زبوناتي هناك لتقبيلي وملاطفتي وتوسّلي للحصول على موعد.

بفضل ذلك، استوحيت فكرة التخصّص في إخفاء الندوب، ورحت أستمتع بابتكار الطرق المختلفة لإخفاء العيوب. وسرعان ما اشتهرت باسم "الجرّاحة التي لا تستعين بالجراحة".

ومع الوقت، قررت فتح مركزي الخاص في وسط المدينة، وراحت تتدفّق عليّ الزبونات من كل مكان ومن البلدان المجاورة حتى لاقيت نجاحاً باهراً!

في هذه الأثناء وافقت على مقابلة فؤاد الذي كان مازال يحدّثني عبر الهاتف. وعندما دخل من الباب نظر في عينيّ قائلاً:

 

- لست كما تخيّلتك... بل أنت في الواقع أجمل بكثير!

 

ابتسمت له وبدا لي أنّ الحياة قرّرت أن تعيد لي ما سلبته مني بفضل حب زبوناتي وحب فؤاد!

                                                       

حاورتها بولا جهشان 

المزيد
back to top button