هل من الممكن كشف خطّة إبنة زوجي الدنيئة؟

الكل يعتقد أن زوجة الأب إنسانة شرّيرة هدفها الوحيد هو إذلال وتعذيب أولاد زوجها وساهمت بهذا الإعتقاد القصص التي تُروى للأطفال منذ صغرهم. الحقيقة غير ذلك وفي حالتي كنتُ أنا الضحيّة ولكن من كان ليصدّق ما حصل لي؟

عندما أحببتُ منصور كانت زوجته قد توفيَتْ من سنتين وله منها إبنة إسمها نوال وعمرها خمسة عشر سنة. كان قد قرّر أن يكمّل حياته مع إنسانة محبّة وصادقة وإختارني أنا. في البدء لم تكن نوال مسرورة أن تأتي إمرأة ثانية لتحلّ محل أمّها ولكن طمأنني منصور بأنّها فتاة طيّبة وستعتاد على الفكرة تدريجيّاً وطلب منّي أن أكون صبورة معها. كنتُ أعلم أن الوضع لم يكن سهل عليها خاصة في عمر المراهقة فحاولتُ أن أتقرّب منها ولكنها كانت ترفضني إلى درجة أنّها لم تكن حتى تتكلّم معي أو تنظر إليّ.

ولكن عندما تزوجّنا شعرتُ أنّها بدأت تلين شيئاً فشيئاً. أعطيتُها كل إهتمامي أذهب إلى غرفتها في المساء لأرى كيف حالها وأطهو لها أطباقها المفضّلة وأدعو أصدقائها لقضاء عطلة الأسبوع عندنا.                                                              

وكان منصور سعيداً أن يرانا ُمتفقتَين وإعتقد أن حياته يمكنها أن تبدأ من جديد وأنّ الماضي المؤلم بات وراءه.

ولكن نوال كانت قد قرّرَتْ أن تجعل من حياتنا جحيماً وكأنّها تعاقبنا على قرارنا أن نكون سعداء.

فإختارَت أن تهدم أهمّ شيء بين زوحين: الثقة وكانت تعلم جيّداً أن أباها إنسان يغار على إمرأته أكثر من اللازم.

فإتفقَت مع صديق لها في المدرسة أن يبعث لي رسائل على هاتفي عبر الواتساب. في البدء كانت كلمات صغيرة ك"إشتقتُ إليكِ" أو "أُفكّر بكِ" ولم أجاوب ﻷنني إعتقدتُ أنّه أحدٌ أخطأ في الرقم. ولكن يوم بعد. يوم كثُرت الرسائل وباتت طويلة. حينها بعثتُ جواباً أقول فيه أنني حتماً لستُ حبيبته وأن عليه الكف عنّ التعبير عن حبّه لي. ولكنّهُ قال أنّه يعلم من أنا وإنّه يعرفني وأنّه معجب بي كثيراً. هنا فوجئتُ كثيراً وهذا أثار فضولي وربما هذه كانت غلطتي الوحيدة. فكل إنسان يفرح في داخله لوجود معجبين له ولم أكن أعتقد أنّ هناك أشخاصاً يفكرّون بي وبدلاً من أكون صارمة معه حاولتُ إفهامه بلطافة أنني متزوّجة وأحبّ زوجي وليس لديّه أي فرصة معي.

ولاحظ منصور أن هاتفي كان يرنّ عدّة مرات في اليوم وعندما سألني من الذي يبعث كل هذه الرسائل كذبتُ عليه ولا أدري لماذا مع أنني لم أكن أفعل شيء معيب وركضتُ أمسح كل الرسائل قبل أن يراها.

وبعد أيّام قليلة وصلتني إلى البيت باقة ورود عليها بطاقة كُتبَ عليها "مع حبّي". نظرَ إليّ زوجي بتعجّب وإنتظر منّي تفسيراً ولكنني لم أكن أعلم ماذا أقول له.

- لا بدّ أنّها وصلتنا عن الطريق الخطأ.

علمتُ طبعاً أنني لم أقنعه بهذا الجواب لكنّه سكَتَ وتابع مشاهدة الأخبار.

ثم دخلتُ إلى غرفتي وكتبتُ رسالة إلى ذلك الرجل طالبةً إيّاه بالكف عن التعاطي معي لأنّ هذا سيؤدّي إلى خلق خلاف بيني وبين زوجي وعملتُ له بلوك لكي لا يستطيع التواصل معي.

ولكن في اليوم التالي عاود بعث رسائله عبر رقم آخر. كدتُ أجن! ثم قررتُ عدم الجواب معتقدة أنّه سيسأم ويجد شخصاً آخراً يضايقه.

وكانت نوال تراقب ما يجري بصمت متابعة خطّتها الدنيئة عن بعد وترمي تلميحات هنا وهناك أمام زوجي مثل"أردتُ التكلّم مع صفاء ولكنها كانت مشغولة على هاتفها كالعادة" أو "أشعر أن صفاء تغيّرت مؤخراً فهي دائماً سرحانة بأفكارها" وهذا كان كافياً لإثارة شكوكِ أبيها بعد حادثة الورود. فمن الطبيعي أن يظنّ أن زوجته على علاقة مع أحد ولكن لم يكن لديه الدليل الكافي لمواجهتي أو أخذ موقف واضح منّي. فباتَ هو أيضاً يراقبني ووجدتُ نفسي تحت المجهر.

لم يخطر على بالي ولو للحظة أنَ إبنة منصور هي التي وراء كل هذا فإعتقدتُ أنها فتاة بريئة وأننا كنّا قد أصبحنا قريبتين من بعضنا وكنتُ أكيدة أنّ أباها لم يرى أي خلفيّة وراء تلميحاتها. فركّزتُ على معرفة هويّة صاحب الرسائل معتقدة أنّه أحد يعرفني من زمن طويل وقرر إيذائي أنا أو إيذاء منصور لسبب ما.

فأنزلتُ على هاتفي تطبيق" ترو كولر" لمعرفة هويّة المتّصل على كلا الخطّين الَذين إستُعمِلا من قبله فحصلتُ على الإسم الكامل وشعرتُ أنني كنتُ قد سمعته من قبل. تذكرتُ أن شاب يحمل هذا الإسم جاء إلى إلى بيتنا عندما نظّمتُ عيد ميلاد نوال. هنا فهمتُ اللعبة وقررتُ إخبار زوجي بالأمر. وللأسف لم يصدّقني لأنه لم يتخيلّ أنّ إبنته يمكنها فعل هذا وظنّ أنني أختلقُ هذه القصص لتخليص نفسي من تهمة الخيانة.

ولكن خطّة نوال لم تكن قد إنتهت بعد.

ففي اليوم التالي عدتُ من السوبرماركت ووجدتُ هذا الشاب جالس في صالوننا مع إبنة زوجي وقبل أن يتسنّى لي الإنتباه قام فجأة من مكانه وقبّلني على فمي بينما كانت نوال تلتقط الصور بواسطة هاتفها. ثم ضَحِكَت وقالت:

- الآن سنرى كيف سيرميكِ أبي خارج البيت... وأخيراً سأتخلّص منكِ... سئمتُ التمثيل بأنني أستلطفكِ فأنا أكرهك!

 هنا علمتُ أن كل شيء إنتهى ولا أمل لي أن يصدّقني منصور.

- أرجوكِ نوال... أنا لم أفعل شيئاً لكِ... لا تُري هذه الصور لأبيكِ...

- فات الأوان لقد بعثتُها وأصبحَت عنده الآن. هيّا وضّبي أغراضكِ فأنتِ حتماً راحلة الليلة!

ركضتُ إلى غرفتي وأقفلتُ الباب بالمفتاح وبكيتُ كثيراً.

وبعد نصف ساعة سمعتُ قرعاً على بابي وصوت زوجي يقول لي:

- أخرجي يا صفاء... علينا التكلّم.

مسحتُ دموعي وأخذتُ نفساً عميقاً وخرجتُ إلى الصالون حيث كان ينتظرني منصور ومعه إبنته. جلستُ وبقينا صامتين لبضعة ثوان ثم قالت نوال:

- أبي... لم أكن أريد أن أحزنكَ هكذا ولكن كان لا بدّ لكَ أن تعلم حقيقة هذه المرأة الماكرةّ! أمّي لم تكن لتفعل هذا فكانت هي زوجة شريفة.

أردتُ الردّ ولكن منعَني من ذلك منصور بحركة من يده وأجاب إبنته:

- أمّك كانت إنسانة عظيمة ولكنّها ماتت الآن والظاهر أنّكِ لم تدركِ أنّني أنا لم أمُت وأنّ لي الحق بمتابعة حياتي. أنا لم أقتل أمّكِ فلماذا تعاقبينني على موتها؟

- أبي! صفاء تخونكَ وعليكَ طردها!

- هل تخاليني غبيّأً أصدّق أي شيء؟ صحيح أنّني أغار كثيراً ولكن هذا لا يمنعني من إستعمال عقلي. في البدء شكّيتُ بزوجتي عندما رأيتُها تتلقّى كل هذه الرسائل ولكن وصول الباقة كان مشبوهاً فأيّ عشيق يبعث بورود إلي منزل حبيبته المتزوّجة؟ وبشأن تعليقاتكِ... كان من الواضح أنّها كانت مفتعلة ومن بعدها أخبرتني صفاء بإكتشافها إسم زميلكِ. وللتأكّد من تورّتكِ إنتظرتُ دخولكِ الحمّام لقراءة الرسائل التي تبادلتيها مع شريككِ وعلمتُ بخطَطكِ لأخذ الصورة ولكن لم أعرف في أيّ وقت بالتحديد. لم أتخايل يوماً أنّ بإستطاعكِ فعل كل هذا يا إبنتي... كل هذا الشر والتصميم على تشويه سمعة إنسانة لا ذنب لها سوى أن عاملتكِ بحبّ وحنان! أنتِ التي سترحلين... بعد شهر تتخرّجين من المدرسة ومن بعدها ستذهبين فوراً إلى عمّتكِ في الولايات المتحّدة لإكمال دراستكِ وآمل أنّ مع الوقت ستعلمين كم أنّ ما فعلتيه هو خطر. أحبّكِ كثيراً ولن أكفّ عن حبّكِ يوماً وسأكون بإنتظار عودتكِ عندما يزول الحقد الذي في قلبكِ وليس قبل هذا.

حاورتها بولا جهشان 

المزيد
back to top button