هل كانَت فعلاً زوجته إمرأة شرّيرة؟

كنتُ أعلم منذ البداية أنّ فادي متزوّج ورغم حبّي القويّ له، كنتُ أدرك أنّا علاقتنا ليست مثاليّة، ففادي لن يكون لي يوماً، خاصة بعد أن أكّد لي أنّه لن يطلّق أبداً بسبب أولاده، رغم كرهه لزوجته الماكرة والمتسلّطة التي لا تحبّ سوى نفسها وتقضي وقتها تتسوّق مع صديقاتها وتهمل منزلها وعائلتها.
وأحببته لدرجة الجنون ونسيتُ أنّه يحقّ لي أن أحظى بعائلة وحياة طبيعيّة أعيشها على العلَن. وعندما جاء فادي وعرضَ عليّ أن أعمل معه في محلّه لكي نقضي وقتاً أطولاً سويّاً، قبلتُ فوراً، فحلمي كان أن أكون معه ليلاً نهاراً. وهكذا بدأتُ مهنتي كبائعة مجوهرات وتعلّمتُ كل ما أحتاج أن أعرفه عن عالم الذهَب والأحجار الكريمة. ومرَّت الأيّام بهدوء حتى أن حصلَ أمر جعلَني أفتحُ عيوني على أمور كثيرة: في ذات يوم وقع فادي ضحيّة حادث سيّارة وتضرّر جسديّاً وأُجبِرَ على البقاء في البيت بعد عودته من المستشفى. ومن جرّاء هذا أصبحَت ريما زوجته تأتي مكانه إلى المحل. عندما رأيتُها لأوّل مرّة، شعرتُ بالخجل وبالكاد إستطعتُ أن أتفوّه بكلمة ترحيب. ثم تحوّلَ شعوري إلى غضب تجاه تلك المرأة الأنانيّة. لا أدري إن كانت لاحظت النظرات التي كنتُ أبعثها لها ولكنّها بقيَت مهذّبة معي. وفي هذه الأثناء، كلّ ما كنتُ أفكّر به كان فادي وحالته وأطلب من الله أن يَشفي لي حبيبي. ولكن قال له الأطباء، أنّ عليه ملازمة الفراش لمدّة لا تقل عن أسبوعين وسألتُ نفسي كيف سأتحمّل وجود زوجته معي طوال النهار، حتى أن خطر على بالي أن أترك العمل هناك. ولكن وعبر الرسائل الهاتفيّة التي كنّا نتبادلها، أقنعني فادي بأن أصبر قليلاً. وسمعتُ منه وقررتُ أن أتعامل مع ريما وكأنّها ربّة عملي ولا كزوجة عشيقي. ومع مرور الأيّام بدأتُ ألاحظ أشياء غريبة. فريما بدَت لي إنسانة طيّبة ومحبّة، فكانت دائماً تسمح لي بالمغادرة قبل إنتهاء الدوام مثلاً أو تأتي لي بالحلويات في الصباح. ولكن لم يكن هذا ما أدهشني الأكثر، بل طبعها بالإجمال وتصرّفاتها. إتّضحّ لي أنّها سيّدة خلوقة ومهذّبة، فهي لم تترك المحل يوماً لتتسوّق ولم تتلقّى حتى مكالمات من أحد سوى فادي. كل ما كان يهمّها، كان أولادها وتعافي زوجها. وعندما كانت تطلب رقم البيت للإطمئنان عليه، كنتُ أرى الدموع تملئ عينيها حتى أن سألتها إن كانت بخير فأجابتني:

- نعم... شكراً... ولكن فادي يتألّم ولا أستطيع تحمّل هذا... وأولادي... كم أنا مشتاقة إليهم... أرجو أن تمرّ هذه الأزمة على خير...

- ألهذا الحدّ تحبّينه؟

- وأكثر... أتمنّى لكِ أن تجدي رجلاً مثله... فهو زوج وأب مثالي...

ضحكتُ في سرّي عند سماع "زوج مثالي" فلو كانت تعلم بعلاقته معي، لغيّرت رأيها به فوراً.
أمّا من ناحيتي، بدأتُ أسأل نفسي أين تلك المرأة الشريرة المهمِلة لعائلتها وصرتُ أشكُّ بكلام فادي. لماذا يشوّه صورة إنسانة طيّبة ومتفانية كَريما؟ ليستعطفني أو ليبرّر خيانته لها؟ قررتُ أن أتعمّق في علاقتهما وإستعمال عقلي بدل عاطفتي. فبدأتُ أسأل الزوجة أسئلة وكأنني صديقتها. علمتُ منها كيف تعرّفا إلى بعضهما ونشأ حب قوي بينهما في حين كان قد أخبرني أنّه تزوّجها بعد أن أصرّ عليه أهله على ذلك وكيف إنتظرا مولودهما الأوّل ثم الثاني والثالث. ولكن الذي أثار إنتباهي هو قولها أنّه كان يوجد من قبلي موظّفة في المحل أتى بها فادي وبقيَت تعمل عنده حتى الفترة التي إلتقيتُ فيها به. هل كانت تلك الفتاة أيضاً عشيقته أم موظّفة عاديّة؟ كان لا بدّ لي أن أتحرّى وأكتشف الحقيقة. ولم يكن الأمر صعباً بعد أن علمتُ من ريما أنّها تعمل الآن في محل مجاور كبائعة ثياب. من أين جاءتني الجرأة لأذهب إلى ذلك المحل وأتكلّم مع الفتاة؟ ربما من غضَبي لكوني إحدى "فتيات" فادي وليس حب حياته كما ظلّ يقول لي. عندما رأيتها، وجدتها صغيرة في السن وبريئة وحزنتُ لأجلها. إدّعيتُ أنني أبحث عن فستان سهرة وبدأنا نتكلّم عن الموضة. بعد أن شعرتُ أنّها تستلطفني، قلتُ لها أنني أعمل في محل المجوهرات المجاور. وفي لحظة تغيّرت ملامحها. ثم قالت لي بصوت مليئ بالحزن:

- كيف حال الأستاذ فادي؟

- ليس بخير...

وأخبرتُها عن الحادث ورأيتُ الدموع في عينيها. ثم تكلّمنا عن زوجته ريما وقلتُ لها أنّها إمرأة مميّزة. ولكن لم توافقني الموظّفة رأيي:

- لا! إنّها شريرة لا تأبه سوى لنفسها! أخبرني السيّد فادي بهذا... المسكين... لولا أولاده لتركَها من فترة طويلة...

وحينها علمتُ أن هذه الفتاة وقعَت هي الأخرى بشباك هذا الكاذب الخائن. خرجتُ من المحل بسرعة وذهبتُ أبكي في مكان هادئ. إنتظرتُ حتى يُشفى فادي تماماً ويعود إلى العمل لأواجهه لأنّ ما لديّ لأقوله يحتاج إلى وقت وهدوء. وكنتُ أريد أن أرى وجهه البائس عندما يعرف ما إكتشفته عنه. ولكنني لم أتوقّع ردّة فعله:

- وهل أنتِ فخورة بنفسكِ؟ لم أجبركِ على شيء... كنتِ تعلمين أنني متزوّج... إن كنتِ معدومة الأخلاق فهذا ليس ذنبي... أي فتاة شريفة تعطي نفسها لرجل لديه عائلة؟ أنتِ مطرودة! هيّا أخرجي من محلّي فوراً.

وطردني السافل! ظننتُ أنّه سيعتذر منّي أو يتوسّل لي كي لا أتركه ولكنّه أراني وجهه الحقيقي. وبعد أن خرجتُ باكية من المحل، أخذتُ هاتفي وإتصلتُ بزوجته وأخبرتُها الحقيقة عن علاقة فادي بي وبالموظفة التي سبقَتني. إعتذرتُ منها بحرارة وقلتُ لها أنني لم أكن أعلم أنّها زوجة وأمّ رائعة. وعدتُها أنّها لن تراني أو تسمعَ صوتي مجدداً. أمّا هي فبقيَت صامتة طوال الوقت. وقبل أن أُقفل الخط همَست: "شكراً"

ولكن بعد سنة تقريباَ إتصلَت بي ريما:

- إسمعيني... أريد أن أشكُركَ على نزاهتكِ، فأنتِ فتاة شريفة وقَعتِ في شباك محتال وعندما أدركتِ أنّه يستغلُّكِ قررتِ البوح بالحقيقة والإبتعاد. ولولاكِ لبقيتُ مغمضة العينين. إعلمي أنني طلّقتُ فادي ورجعَ إلى ما كان عليه في البداية، أي لا يملك شيئاَ فالمال والمحل لي أنا. وأريد منكِ أن تعودي إلى العمل، فأنا أحتاج إليكِ لكي أهتمّ بأولادي قدر المستطاع.

- لا أدري... فالوضع دقيق...

- سأكون بإنتظاركِ غداَ في الصباح الباكر!

وأقفلَت الخط. وذهبتُ إلى العمل في اليوم التالي وما زلتُ حتى اليوم أبيع المجوهرات في محل زوجة عشيقي السابق!

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button