شاء القدر أن تتعطّل سيّارتي وأن أستقلّ سيّارة أجرة للذهاب إلى عملي. لا شيء غريب في هذا عادةً، إلا أنّ حياتي أخذَت آنذاك منعطفاً غير متوقّعاً. فعندما أوصلَني السائق إلى الشركة، نسيتُ هاتفي على المقعد الخلفي وحين أدركتُ أنني فعلتُ، كان قد فات الأوان لأنني لم أكن أعلم إسم أو عنوان ذلك الرجل، فلم أطلبه من مكتب بل أوقفته وهو مار أمام منزلي. إنزعجتُ كثيراً للأمر، فهاتفي كان يحتوي على صوَري وأرقام كل معارفي وقضيتُ نهاراً سيئاً جداً أحاول من دون جدوى الإتصال برقمي على أمل أن يردّ السائق عليّ ويرجع ما هو لي. وجدتُ الخط مقفلاً، فقررتُ نسيان الأمر وشراء هاتفاً جديداً. ولكن في اليوم التالي وبالرغم أنني كنتُ قد فقدتُ الأمل، حاولتُ ولآخر مرة طلب رقمي وفوجئتُ كثيراً عندما أجاب رجلٌ عليّ. شرحتُ له الوضع ظانة أنّه السائق ولكنّه أخبرني أنّه ركِب سيّارة الأجرة من بعدي ووجد هاتفي. شكرتُه بحرارة وطلبتُ منه موافاتي إلى مكان ألتقي به فيه ولكنّه أجاب:
- كنتُ لأفعل هذا لولا الأشياء التي وجدتها بالهاتف...
- ماذا تقصد؟
- فتحتُ الملفات ونظرتُ إلى الصور وقرأتُ الرسائل... وهناك أمور ملفتة للنظر... ألا تعتقدين أنني أستحقُّ مبلغاً مقابل هكذا معلومات؟
حينها إصّفر وجهي، فأدركتُ أنّه رأى ما لا يجب أن يراه أحد.
في الواقع كان لي أسراراً لا أريد أن يعرفها شخص في الدنيا. قلتُ له وصوتي يرتجف:
- من أنتَ؟ هل تعرفني؟
- ناديني نجيب إذا شئتِ ولكنّه ليس إسمي الحقيقي... وأنا لا أعرفكِ سوى من صوركِ التي تملئ هاتفكِ... قلتُ لكِ سابقاً أنا وجدتُ الجهاز صدفة ويا لها من صدفة!
- وماذا تريد؟
- أنا مشغول الآن... كلّميني غداً في الوقت نفسه وإلا تعرفين ما قد يحصل!
وأقفلَ الخط ومسكَني الهم. أجل كنتُ أعلم ما قد يحصل إن باحَ لأحد بما أصبحَ يعرفه. الحقيقة أنني كنتُ وللأسف أواعد رجلاً متزوجاً كالكثيرات غيري. لا أقول أنّه شيء يستهان به، فأنا أعلم أنّه أمر محرّم. ولكن القصة لا تنتهي هنا، بل أنّ جودت هو أيضاً صاحب الشركة وإن علِم الموظفون بالأمر لجعلوا من حياتي جحيماً، خاصة بعدما تمّت ترقيتي مؤخّراً ناهيك عمّا ستفعل الزوجة بي وبه إذا وصل إليها الخبر، لأنّها كانت تملك حصّة كبيرة من المؤسسة. لم أنَم تلك الليلة وأنا أتصوّر نفسي وسط فضيحة كبيرة ومن دون عمل بعد أن يتمّ طردي. ذهبتُ في اليوم التالي إلى الشركة ودخلتُ مكتب جودت وأقفلتُ الباب ورائي. عندها صرخَ بي:
- ماذا تفعلين؟ تعلمين أننا إتفقنا ألا نتواجد لوحدنا هنا... إفتحي الباب!
- رويّاً... لديّ شيئاً مهماً أخبركَ إيّاه...
ورويتُ له القصّة من البداية. كل ما قاله لي كان:
- أيّتها الغبيّة!
- أنا غبيّة؟ ولماذا؟ لأنني نسيتُ هاتفي في سيّارة أجرة؟ قد يحصل هذا لأيٍ كان وحتى أنتَ!
- غبيّة لأنّكِ أبقيتِ صورَنا ورسائلنا على الهاتف ولم تمحيها.
- فعلتُ ذلك لأنني أحبّك وأشتاق إليكَ وعندما لا نكون سويّاً لكثرة إنشغالاتكَ الإجتماعيّة مع زوجتكَ، أفتح جهازي لأشعر أنني قريبة منكَ.
- يا لكِ من فتاة رومانسيّة! لو علمتُ أنّكِ هكذا...
- هيّا أكمل!
لم يجرؤ على إكمال جملته، بل سكتَ مطولاً. سألتُه عن الذي يجب فعله بخصوص هذا الرجل المحتال، فنصحَني أن أطلبَ مهلة إضافيّة ريثما يجد الحلّ. وإنتهى حديثنا وعدتُ إلى مكتبي مع همّي. ولم أتّصل بذلك النجيب على أمل أن يكون قد غيّر رأيه ولكن في المساء، هو الذي إتصل على هاتف المنزل. صرختُ به:
- كيف تتصل بي هنا؟ أجننتَ؟
- هذه البداية... لم ترين شيئاً بعد... عندما آمركِ بأن تطلبيني عليكِ التنفيذ وإلا...
- فهمت... فهمت... لا داعي للتهديد. قل لي كم تريد.
- أريد مبلغاً من المال مقسّماً على دفعات شهريّة... مبلغ كبير ولكنّه بسيط بالنسبة لرجل ثري كعشيقكِ...
وصرختُ عند سماع الرقم الذي طلبَه لنفسه. قلتُ له أنّه من المستحيل أن يقبلَ حبيبي بدفع هذا الكمّ من المال ولكنّه أصرّ، فوعدته بأن أحاول إقناعه. وفي الصباح عندما كنتُ في سيّارتي أستعدّ للذهاب إلى العمل، حدثَت صدفة غريبة: مرَّت من أمامي سيّارة الأجرة نفسها التي أضعتُ فيها هاتفي. أسرعتُ باللحاق بها وأجبرتُ السائق على التوقّف. نزلتُ من مركبتي وركضتُ إلى نافذته وقلتُ له بغضب:
- أضعتُ هاتفي بسيّارتكَ!
- أعلم... أنا آسف ولكنّه أغرّني!
- ماذا تقول؟
- جاء ذلك الشاب من بعدكِ ووجد الهاتف وطلب منّي أن أبيعه إيّاه... وفعلتُ... أوّلاً لأنني لا أعرفكِ وثانياً لأنني أحتاج إلى المال.
- أوصلتَني إلى مكان عملي وتعرف أين تجدَني لو كان لديكَ ذرّة ضمير... بسببكَ أصبحتُ ضحيّة مجهولاً يحاول إبتزازي.
- ليس مجهولاً... أنا أعرفه جيّداً يسكن في الحيّ المقابل لحيّكِ... رأيته مراراً هنا قرب منزلكِ ينتظر ويلتفت حوله.
- خذني فوراً إلى بيته... أريد أن أعرف إسمه وأين يسكن وما الذي يريده منّي بالضبط وأنتَ ستساعدني لتكفّر عن ذنبكَ.
وذهبنا إلى ذلك العنوان وتحدثتُ إلى الناطور وعلمتُ منه إسم نجيب الحقيقي وتفاصيل عديدة عنه. والذي لفَتَ إنتباهي هو التقارب بين إسمه وإسم زوجة جودت قبل الزواج. كنتُ أعرفه، لأنني كنتُ مسؤولة عن ملّفات جميع الشركاء. وحينها فهمتُ اللعبة. لم يركب هذا الشاب سيّارة الأجرة ورائي صدفة، بل كان يراقبني وكان على الأرجح يريد إستجواب السائق عنّي، عندما رأى الهاتف ووجد فرصة ذهبيّة للنيل منّي ومن زوج قريبته. رجعتُ إلى سيّارتي وقدتُ كالمجنونة إلى العمل حيث أخبرتُ جودت بالذي عرفتُه. طلَبَ منّي أن أصف له ذلك الرجل وبعد أن فعلتُ صرخ:
- إنّه أخاها! يا إلهي! إنّها تعرف كل شيء وكانت تريد إثباتاً لخيانتي لها والآن لديها كل ما يلزمها لرفع دعوى طلاق ضدّي وأخذ مالي وعملي. كل هذا بسببكِ أنتِ!
- إخفض صوتَك وكلّمني بإحترام! أنا لم أجبركَ على خيانة زوجتكَ معي! بل أنتَ الذي أصّريتَ يوماً بعد يوم وأغرَيتني بالهدايا وزودات المعاش والترقيات! ربّما ظننتَ أنّكَ ستتمتّع بعلاقتنا من دون عواقب؟ تعاملكَ معي ومع الذي حدث دليل على أنّكَ لا تحبّ سوى نفسكَ. سأقدّم لكَ إستقالتي الآن وسأدعُكَ تدبّر أموركَ بنفسكَ أيّها الأناني. وكن على ثقة أنني لن أعاشرَ رجلاً متزوّجاً بعد الآن، كي لا يحصلَ لي أي شيء يقلّل من شأني مجدّداً فأنا أستحقّ الأفضل!
وتركتُه من دون أي أسف، فكنتُ على ثقة أنني سأجد عملاً قريباً، أمّا هو فكان سيفقدني ويفقد زوجته وماله.
و هذا ما حصل. فبعد أن إمتنعتُ عن الردّ على سارق هاتفي، باشرَت زوجة جودت بالطلاق ونالَت مرادها. أمّا أنا فوجدتُ وظيفة بعد شهر من ترك الشركة وتعلّمتُ درساً لن أنساه أبداً.
حاورتها بولا جهشان