هل كانت إبنتي السبب في خيانة خطيبي لي؟

توقّعتُ أن تحصل لي أشياء كثيرة خلال حياتي ولم أتصوّر أبداً أن يأتي يوم واُصدم بهذا الشكل. كل شيء بدأ عندما قررتُ الإنفصال عن زوجي بسبب سوء معاملته لي. ولكنّني لم أستطع إثبات ذلك في المحكمة، لأنّه كان يفعل جهده لأن يكون لطيفاً ومحبّاً أمام الناس، فلم يصدّقني أحد وخسرتُ حضانة مُنى إبنتي الوحيدة. وأصبح لي هدفاً واحداً وهو إستعادة فلذة كبدي مهما كلّف الأمر، لأنّ حياتي لم تعد تعني شيء مِن دونها. وناضلتُ لسنين طويلة وحاولتُ جهيداً وإستنزفتُ جميع الوسائل ولكن زوجي السابق كان دائماً الأقوى.
وهكذا مرَّت السنين دون أن أذق طعم السعادة ولو لِيوم واحد. وبعد أن أصبحَت إبنتي راشدة، إتّصلَت بي أخيراً وقرّرَت أن تزورني. كان اللقاء مؤثراً جداً، إنهالَت خلاله الدموع وبعد أن جلسنا سويّاً، عرضتُ عليها المجيء إلى منزلي والعيش معي بعدما كان قد توفيَ والديّ وبقيتُ لوحدي. أجابَت أنّها ستفكّر في الأمر، لأنّ هكذا القرار قد يؤثّر على علاقتها بأبيها، ناهيك عن التغيّرات التي ستحدث كمكان إختيارها للجامعة وبُعدها عن أصدقاءها القدامى. ورجوتُها أن تأخذ بعين الإعتبار أنّني أمضيتُ حوالي العشر سنوات مِن دونها وأنّني لن أستطيع العيش بعيداً عنها بعدما عُدنا إلى بعضنا.
وبعد بضعة أشهر زفّت مُنى لي الخبر السار وهو أنّها قادمة مع أمتعتها وأنّها ستعيش معي حتى إشعار آخر. وحضّرتُ لها أفضل غرفة في المنزل وأخبرتُ جيراني أنّني سأتمكّن أخيراً مِن العيش بسلام بعدما أعاد لي الله إبنتي وفرحوا مِن أجلي، لأنّهم كانوا يعلمون كم كنتُ أتعذّب مِن دونها. وجاءَت وبدأَت حياتنا سويّاً وأخذنا نتعلّم كيف نتأقلم مع الوضع الجديد، خاصة أنّنا لم نكن نعرف بعضنا جيّداً، فلم أرَها تكبر وهي لم تحظَ بحبّي وحناني. وكانت قد تربّت بطريقة مختلفة عمّا كنتُ أتوقّعه، فحاولتُ وبلطف وصبر تصليح ما إعتبرتُه خطأ في تصرّفاتها وطريقة تعاملها مع الناس والأمور. وكل شيء جرى كما يجب، لأنّها كانت تتقبّل نصائحي وإنتقاداتي وهي مِن ناحيتها أطلعَتني على ما تحبّه وما يزعجها بي.
وهكذا أصبحنا مقرّبتين، لدرجة أنّنا إستطعنا إخبار بعضنا بكل شيء وكأنّنا صديقتَين حميمتَين. ودخلَت مُنى جامعة قريبة مِن المنزل وكنّا نلتقي في المساء بعدما أعود مِن عملي في الشركة التي أمّنت لي مصدر قوطي بعدما تطلّقتُ مِن زوجي. وكان هناك زميل لي، كان أبدى إعجابه ونيّته بالتقرّب منّي منذ وقت طويل ولكنّني كنتُ رافضة الفكرة كليّاً بسبب فقدان إبنتي ولكن بعدما إستعدتُها لم تعد العلاقة بيني وبينه مستحيلة، فبدأتُ أخرج معه وأذوق طعم السعادة مع رجل. فمنذ طلاقي، لم أواعد أحداً حتى أن نسيتُ أمر الرجال نهائيّاً ونسيتُ أنّ الحياة أفضل عندما يكون هناك شخصاً يشارك أمور كثيرة معنا. وهكذا أصبحَت حياتي كاملة وتفاءلتُ بِغد جميل برفقة مُنى وحبيبي عصام. وبعد فترة أخبرتُ إبنتي عن حياتي العاطفيّة، ففرحَت لي كثيراً وشجّعَتني على المثابرة بهذه العلاقة. وإطمأنّ قلبي لأنّني خشيتُ أن يؤثّر الأمر على علاقتنا التي كانت ما زالت هشّة ومضيتُ في حبّي الجديد. وفي ذات ليلة، دعوتُ عصام إلى العشاء في البيت لأعرّفه على مُنى وجلسنا حول مائدة مليئة بالأكل اللذيذ كنتُ قد حضّرته بحبّ لأعزّ شخصَين على قلبي. وأخذنا نتبادل الأحاديث وكل شيء جرى على ما يرام وبعدما غادر حبيبي، سألتُ إبنتي عن رأيها به فقالت:

 

- إنّه شاب لطيف... ومِن الواضح أنّه يحبّكِ كثيراً... قلتُ شاباً لأنّه على ما رأيتُ أصغر منكِ سنّاً... أليس كذلك؟

 

- أجل ولكن بثلاث سنوات فقط والأمر لا يزعج أيّ منّا... هل الفرق في السنّ بان إلى هذه الدرجة؟

 

- قليلاً... لماذا لم تختاري رجلاً مِن جيلكِ؟

 

- أنا لم أختره، بل قلبي فعل... حين يأتي الحب، لا نعود نسأل عن أمور أخرى... سيأتي يوم يا إبنتي وتجدين نصفكِ الآخر وستغضّي النظر عن أشياء كثيرة.

 

- ولماذا لم تغضّي النظر عن سيّئات أبي؟

 

- الضرب والشتم ليست سيّئات بل تعدّي وأذى وقلّة إحترام ولا يجدر لأحد أن يقبل هكذا معاملة... دعينا مِن هذا الحديث الآن، فبات ورائي منذ سنين طويلة واليوم ها أنا أفتح صفحة جديدة مِن كتاب حياتي وأنا سعيدة جداً... فإفرحي لي يا إبنتي.


ونسيتُ حيدثنا وتابعتُ علاقتي مع عصام وبدأنا نفكّر بتثبيت حبّنا بالزواج ولكنّ مُنى لم تكن متحمّسة للأمر وقالت أنّه ليس مِن الضروريّ أن أتزوّج مجدداً وأنّني أستطيع إبقاء علاقتي مع حبيبي كما هي، فأجبتُها:

 

- إسمعيني... عشتُ فترة طويلة دون رجل لأنّني كنتُ أوّد شيئاً واحداً وهو إسترجاعكِ وبعد أن عُدتِ، حان الوقت لكي يكون لي حياة مستقرّة مع رجل يحبّني وأحبّه... لستُ أفعل هذا لأضيف شيئاً جديداً على حياتي، بل لأنّني أحتاج إلى هذا الشعور بالطمأنينة.

 

وبدأتُ التحضيرات لحفلة الزفاف ولكن في تلك الفترة بالذات، شعرتُ أنّ عصام غير مهتمّ بهذه المناسبة المهمّة بالنسبة لنا، فكلّما كنتُ أسأله عن أيّ شيء متعلّق بالحفل، كان يجيبني بإستلشاء حتى أن فهمتُ منه أنّه يظنّ أنّنا تسرّعنا بأخذ ذلك القرار. وشعرتُ بخيبة كبيرة وحزن عميق ولكنّني قلتُ لنفسي أنّه لربّما خاف مِن الإرتباط كما يحصل في بعض الأحيان وأنّه سيستعيد شجاعته بعد فترة، لذا لم أقل له شيئاً وتركتُه خارج تفاصيل التحضيرات التي تابعتُها مِن جانبي. وسرعان ما تغيّرَت طباعه وأصبح ضيّق الصدر وسريع الغضب معي ولم أعد أرى فيه الخصال الجميلة التي جذبَتني إليه. وهنا بدأتُ أشكّك في أنّ أمراً ما يحصل له وأنّه يخفي عليّ أموراً تؤثّر على مزاجه لدرجة أنّه لم يعد يُطاق. وبعد أن نفذَ صبري ولم أعد أتحمّل تلميحاته وملاحظاته التي لا داعي لها، سألتُه:

 

- لماذا كل هذا الغضب الموجّه لي؟ هل تتصرّف بهذه الوقاحة بسبب إقتراب موعد الزفاف؟ هل هذه فترة قصيرة ستزول قريباً أم أنّكَ كنتَ تمثّل عليّ دور العاشق وسئمتَ مِن التظاهر؟

 

- لا أتوقّع منكِ أن تفهميني... فأنتِ لستِ من سنّي؟

 

- ماذا؟ ومنذ متى يضايقكَ هذا الفارق البسيط بيننا؟ ماذا يحصل لكَ؟ قل لي! فأنا حبيبتكَ وتعوّدنا أن نتصارح...

 

- ما دمتِ تريدين الحقيقة، فأنا لم أعد واثقاً مِن حبّي لكِ... أنا آسف...

 

- يا إلهي! وما السبب؟ هل من إمرأة أخرى في حياتكَ؟

 

سكَتَ عصام مطوّلاً وعلمتُ مِن ردّة فعله أنّه يحبّ غيري. وبعد حديثنا هذا، إفترقنا وذهبَ كلّ منّا في طريقه. حزنتُ كثيراً وتعزيَتي الوحيدة كانت حبيبتي مُنى التي لم تتركني ثانية واحدة بعدما علمَت بما جرى بيني وبين عصام. وبفضل حنانها ومحاوطتها لي، بدأتُ أنسى ما فعله بي الذي أحببتُه وخلتُه سيبقى معي حتى آخر أيّامي وأدركتُ أنّ وجود إبنتي في حياتي كافٍ لإسعادي.
وكنتُ سأجهل حقيقة ما حدث لولا ما إكتشفتُه صدفة. ففي ذات يوم، كانت مُنى في الحمّام تستعدّ للذهاب إلى الجامعة حين وصلتها رسالة على هاتفها. وعندما حملتُ لها الهاتف، رأيتُ إسم ورقم المرسِل وفوجئتُ بأنّه عصام. بدأتُ أرتجف مِن شدّة الإنفعال، فجلستُ على الأريكة وفتحتُ الرسالة وقرأتُ ما يلي: "لماذا لا تجيبينني يا حبيبتي؟" وشعرتُ بالغضب الشديد بعدما أدركتُ أنّ إبنتي على علاقة حبّ مع خطيبي القديم وأنّها ومِن دون شكّ سبب تركه لي، فإنتظرتُ خروجها مِن الحمام ورميتُ الهاتف بوجهها وصرختُ بها:

 

- هنيئاً لكِ بحبيبكِ عصام! لم أتوقّع أبداً أن تأتي الخيانة مِن أقرب الناس إليّ... كيف إستطعتِ أخذه منّي؟ أليس هناك مِن رجال آخرين ترمين شباككِ عليهم؟ أو أنّكِ فعلتِ ذلك فقط لتنكّدي حياتي عليّ كما فعل أبوكِ قبلكِ؟ هل هذه هي التربية التي لقّنها لكِ كل تلك السنين؟

 

وبدأت مُنى بالبكاء الشديد وإنهالَت الدموع على خديّها ولم تعد تستطيع الردّ على أسئلتي أو الدفاع عن نفسها. وحين رأت أنّني أنظر إليها بغضب وإشمئزاز إستطاعَت أخيراً أن تقول:

 

- كانت تلك الطريقة الوحيدة لأبقيكِ لي...

 

- ومَن قال لكِ أنّكِ ستخسرينني إن تزوّجتُ؟

 

- كنتُ سأتقاسمكِ مع شخص آخر ولم أتقبّل الفكرة... قضيتُ حياتي مِن دونكِ، أحلم بِدفء حضنكِ وبعد أن عُدنا أخيراً لِبعضنا جاء عصام لِيفسد سعادتي... كل ما كان عليّ فعله هو إغراءه... وصدّقيني حين أقول أنّه لم يقاومني ولو لحظة واحدة... أنا متأكّدة أنّه كان سيخونكِ مع أوّل إمرأة يراها...

 

- يا ليتكِ أفصحتِ لي عن مشاعركِ قبل أن تتورّطي مع عصام...

 

- لا تخافي، فأنا لم أفعل شيئاً معه... إكتفى بتبادل الرسئل الغراميّة معي على أمل أن نطوّر علاقتنا بعد أن يترككِ... سامحيني يا أمّي... لم أكن أريد أن أؤذيكِ... كنتُ أنانيّة جدّاً...

 

- سامحتُكِ يا أغلى ما لديّ... سننسى الموضوع ونتابع ما بدأناه ونركّز على مستقبلكِ... وإن صادفَت إحدانا الحب، فسنجد طريقة لكي لا يؤثّر ذلك علينا.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button