نوَيتُ شراء حبيبتي مِن زوجها (الجزء الثاني)

صارَت دلال تأتي وابنها بانتظام، وأعترفُ أنّني شعرتُ في حضورها وكأنّني برفقة عائلتي. فقد نمَت في قلبي عاطفة حقيقيّة تجاه ذلك الولَد الصغير، ربّما لأنّني تصوّرتُ أنّه كان سيصبح ابني لو تزوّجتُ مِن أمّه. رأيتُ البسمة أخيرًا على وجه دلال، واعتبَرتُ الأمر إنجاز لكثرة كآبتها وانغلاقها على نفسها. وخلال أحاديثنا في المحلّ، وجلوس ابنها على كرسيّ بعيدًا عنّا، أخبرَتني دلال عن زوجها:

 

ـ فور انتهاء مراسِم الزواج الذي كانت تدلّ على نفسيّته الحقيقيّة، أيّ أنّ بالكاد كان هناك طعام للمدعوّين الذين كانوا هم أيضًا قليليّ العدَد، رحنا إلى البيت وهو لَم يأخذني إلى شهر عسل في بلَدٍ ما كما وعدَني سابقًا، أو حتى إلى الفندق... وحصَلَ الذي حصل. في اليوم التالي تصرّفَ معي وكأنّنا مُتزوّجان منذ سنوات، وصرتُ بالنسبة له عاملة منزل. لَم أرَ شيئًا مِن ماله طبعًا، فهو كان يحتفظُ به كأيّ بخيل آخر، فقط للاستمتاع بفكرة امتلاكه وليس لِصرفه. لَم أكن أريدُ الإنجاب مِن هكذا رجُل، إلا أنّ ولادة ابني أعطَتني بعض الأمَل والاندفاع لأستمرّ في حياتي.

 

ـ يا إلهي... أنا آسف مِن أجلكِ. ولِما لا تتركينه؟

 

ـ أمّي منعَتني حتى بالتفكير بالأمر، وهدّدَتني بعدَم استقبالي مع ابني في بيتها لو تركتُ زوجي. أين تُريدُني أن أذهب مِن دون مال وشهادات؟

 

حين قالَت جملتها الأخيرة أجبتُها ضمنًا: "تعالي إليّ". لكنّني لَم أٌفصِح لها عمّا في بالي، فلَم يكن يجدرُ بي التسرّع. فحياة سيّدة وولد ومصيرهما في غاية الأهميّة. وبالطبع وُلِدَ تقاربٌ شديد بيننا كان اسمه حبًّا أعرَبنا عنه بالنظرات والكلمات، وبقيَت طبعًا علاقتنا شريفة كما أرَدناها. للحقيقة، لَم أكن بحاجة إلى أكثر مِن ذلك، فلطالما كنتُ رجُلاً رومانسيًّا. وكوَني أحظى برفقة دلال وابنها، كنتُ أحصلُ على مرادي.

لكنّ الوضع لَم يكن ليَستمّر. فزوج حبيبتي لَم يكن غبيًّا، وأعذار زوجته الأسبوعيّة أيقظَت شكوكه. لِذا تبِعَها مرّة واثنتَين وعلِمَ أين تذهب وولدها.

وهكذا رأيتُ ذلك الشخص البغيض يدخلُ محلّي ذات نهار، لكن لا شيء في ملامحه دلّ على هدَف زيارته، بل هو طلَبَ رؤية الكتالوج ليختار قالب حلوى لعِيد ميلاد ولده. إستغربتُ الأمر، فكنتُ قد سألتُ دلال قبل أسابيع عن تلك المُناسبة لأصنعَ له قالبًا بشكل بطَله المُفضّل، وقد كان عيد ميلاده بعد أشهر طويلة. عندها شعرتُ بأنّ شيئًا يُحاك وقلتُ بسرعة:

 

ـ يا للصدفة سيّدي! فالسيّدة زوجتكَ أتَت مرّات عديدة للغرَض نفسه وليختار ابنكَ القالب الذي يُريدُه. وأنا مُتأكّد مِن أنّكَ تعلَم كيف هم الأولاد، أيّ أنّهم يُغيّرون رأيهم كلّما شاهدوا على التلفاز صورًا مُتحرّكة جديدة! ومع أنّ موعد ميلاد ابنكما لا يزال بعيدًا، فقد فعلَت السيّدة زوجتكَ الصواب باستباق الموعد كي يكون قد وقَعَ الاختيار الصحيح على شكل وزينة القالب.

 


سكَتَ الرجل وفكَّرَ لِبضع ثوانٍ ثمّ هزَّ برأسه وغادَرَ. إتّصلتُ بسرعة بدلال وأخبرتُها بما جرى للتوّ، وهي لقّنَت ابنها ما عليه قوله إن سألَه أبوه عن الأمر. للحقيقة، كان الصغير لا يُحبّ أبيه لأنّ الأخير لا يُعيرُه أهمّيّة أو انتباهًا بل يُؤنّبه عند أقلّ هفوة. أمّا معي، فقد وجَدَ صورة الأب الحقيقيّة وحصَلَ على الحنان اللازم.

وخطَرَت ببالي فكرة وصفتُها بالجنونيّة: ماذا لو عرَضتُ على الزوج المال مُقابل حرّيّة حبيبتي؟ يا إلهي... كانت المُخاطرة كبيرة فلو هو رفَضَ عرضي، سيعرفُ أنّني على علاقة بها وسيمنعُها حتمًا مِن الخروج، بل قد يؤذيها ويؤذي ابنه بعد أن كذِبا عليه. قرّرتُ التشاور مع دلال بهذا الخصوص، هاتفيًّا طبعًا فلَم نعُد نرى بعضنا كالسابق.

أحبَّت دلال الفكرة لكنّها أعربَت عن تحفّظات عديدة. طلبتُ منها أن تنسى الموضوع إلى حين تتبلوَر الفكرة في ذهني. مِن جانبه، بدأ الزوج بتفحّص هاتف دلال بعد أن رأى انشغالها بالإجابة على رسائل ترِدُها باستمرار. وقرأ أحاديثنا لكنّه حفظَ ما علِمه لنفسه مُترقّبًا المُستجدات. وهو فعَلَ ذلك ليس بداعي الغيرة التي يُولّدها الحبّ، بل ليرى هو الآخر ما عليه فعله وكيف له أن يستفيد مِن الأمر. فالجدير بالذكر أنّني كنتُ قد صِرتُ ثريًّا بفضل عملي، وفتحتُ فروعًا في أنحاء البلاد. وبما أنّه لا يهتمّ سوى للمال، كنتُ في نظره ضحيّة مثاليّة. بكلمة، كنّا مِن دون أن نعرف، نُفكّر بالشيء نفسه. لِذا وصلَني اتّصال مِن الزوج ذات يوم:

 

ـ أعلمُ أنّكَ على علاقة مع زوجتي، لا تُحاول النكران فلدَيّ الإثبات على ذلك: أحاديثكما المليئة بالحبّ والشغف. وأريدُ حقّي.

 

ـ ماذا تقصدُ بـ "حقّكَ"؟

 

ـ أنتَ أخذتَ زوجتي منّي وأنا أريدُ تعويضًا.

 

ـ آه... الآن فهمتُ. وهل ستُطلّقها إن دفعتُ ما تطلبه؟

 

ـ بالتأكيد لا. ستدفع كَي لا أؤذيها والولد، فلقد فهمتُ أنّه أيضًا مُتعلّقٌ بكَ.

 

ـ إيّاكَ أن تلمُسَ شعرة مِن رأسهما وإلا...

 

ـ وإلا ماذا؟!؟ ليس لدَيكَ حقوق عليهما، على خلافي. إن لَم يصلني المبلغَ اليوم فسأبرحُهما ضربًا. أقسمُ لكَ بأنّني جدّيّ!

 

ـ يا إلهي... أيّ نوع مِن الرجال أنتَ؟!؟

 

ـ هذا لا يعنيكَ. سأرسلُ زوجتي "الشريفة" لكَ اليوم. أعطِها المبلغ وحسب.

 

جاءَت دلال باكية بعد أن شرَحَ لها زوجها ما هدَف إرسالها إليّ، وطمأنتُها بأنّ ما طلبَه ذلك الوحش ليس بالكثير.

وهكذا صرتُ أدفعُ المال شهريًّا للزوج الذي، مُقابل ذلك، سمَحَ لِدلال وابنها بقضاء ساعة أو ساعتَين بالأسبوع في محلّي. للحقيقة كنتُ سعيدًا بأنّني أرى حبيبتي مُجدّدًا بعد انقطاع مؤلم. أمّا هي، فكانت دائمة الحزن إذ أنّ الوضع كان بالنسبة لها لا يُحتمَل، وهي رجَتني ذات يوم أن أُنفِّذ ما كان يدورُ في رأسي، أي أن "أشتريها" مِن زوجها ونعيشُ أخيرًا حبّنا علنًا. قبِلتُ بسرعة، فكلّ الذي كنتُ أتمنّاه كان أن أقضي حياتي مع دلال وابنها، لنؤلّف عائلة جميلة وسعيدة. لِذا أخذتُ هاتفي واتصلتُ بالزوج لأعرِضَ عليه المال الوفير مُقابل حرّيّة دلال. تفاجأتُ بالمبلغ الذي طلبَه منّي فقد كان هائلاً لا بل خياليًّا. لِذا بدأتُ أُساوم معه حتى وصلتُ إلى مبلغ كبير بالفعل لكن ضمن إمكاناتي. طلَب الرجُل مُهلة ليُفكّر بالأمر، ففي آخر المطاف هو الذي كان سيتخلّى عن زوجته "الحبيبة" وابنه الوحيد. كنتُ على يقين مِن أنّ حبّه للمال كان يفوقُ بكثير حبّه لعائلته، وأنّه سيقبَل بالعرض.

وفي تلك الفترة بالذات حصَلَ أمرٌ غيَّر المُعطيات كلّها: كنتُ أتكلّم مع دلال هاتفيًّا حول موضوع حرّيّتها، ونرسمُ سويًّا مُستقبلنا تحت سقف واحد، ثمّ أقفَلنا الخط بعد أن تمنَّينا لبعضنا ليلة سعيدة. أقفَلنا الخط؟ أنا فعلتُ لكنّ حبيبتي نسيَت أن تنقر على الزر الأحمر، لِذا استطعتُ سماعها تقولُ حتمًا لزوجها:

 

- أنا مُتأكّدة مِن أنّ ذلك الغبيّ سيدفعُ لكَ، لا تقلَق.

 

وفي لحظة شعرتُ بِنار تجتاحُ جسدي وبدأ قلبي يدقُّ كالمجنون. ماذا؟!؟ هل يعقَل أنّ ما سمعتُه كان حقيقيًّا؟ دلال مُتّفقة مع زوجها للنصب عليّ؟ لا! لا! أنا حتمًا أحلُم!

بكيتُ كثيرًا، ليس فقط على حبّي لدلال بل على حقيقة تلك المرأة ومكرها. لكن كان عليّ معرفة التفاصيل بأكملها مِن صاحبة الشأن نفسها. لِذا بعثتُ لها برسالة أطلبُ رؤيتها بأسرع وقت مِن دون ولدها لأتحدّث معها بشأن المال. كنتُ أعلَم أنّها لن ترفض بل ستأتي إليّ في الصباح الباكر. ولَم أكن مُخطئًا.

 


عند وصول دلال، أجلستُها على كرسيّ بالقرب منّي بعد أن أقفلتُ باب المحل بالمفتاح. ثمّ أخذتُ بِيَدَيها ونظرتُ في عَينَيها بِتمعّن وقلتُ لها:

 

ـ أعلَمُ الحقيقة... فأنتِ نسيتِ إقفال الخط البارحة مساءً وسمعتُ ما قلتِه لزوجكِ. أرجو ألا تنكري فليس مِن جدوى لذلك. أريدُ معرفة القصّة مِن أوّلها، فكما رأيتِ، لا يمكنُكِ مغادرة المحلّ. أنتِ لوحدكِ هنا وبإمكاني فعل ما أشاء بكِ مِن دون أن يعلَم أحدٌ بشيء.

 

ـ حسنًا، حسنًا! لا تؤذِني أرجوكَ!

 

ـ كيف ولماذا اخترتُماني؟ هيّا!

 

ـ حسنًا... كنتُ قد لاحظتُ كيف أنّكَ مُعجبٌ بي حين كنتُ آتي مع أمّي إلى هنا، لكنّني فضَّلتُ الزواج مِن رجُل ثريّ. إتّضحَ لي أنّه بخيل للغاية وأسِفتُ على خياري لأنّني خُذِلتُ. لكن مع الوقت، علّمَني زوجي كيف بإمكاني الحصول على المال مِن دون صرف ما أملكُ... وأعجبَني الأمر. فأنا أحبّ الصرف والتبضّع ولَم يكن لدَيّ وسيلة سوى الاحتيال. زوجي هو أستاذ ماهر، أتعلَم ذلك؟

 

ـ تابعي!

 

ـ ضاقَ صدري في البيت الذي نسكنُ فيه، خاصّة بعد أن وُلِدَ ابني. فالمكان صغير ومُظلم وحلِمتُ بشقّة أو بيت آخر. بالطبع رفضَ زوجي أن

نصرِفَ قرشًا على "أحلامي"، ووعدَني بالانتقال مِن سكننا إن عرفتُ مِن أين آتي بالمال. حاولتُ مع شبّان ورجال آخرين، لكنّهم لَم يتجاوبوا معي أو أعطوني القليل... وتذكّرتُكَ. كنتُ أعلَم أنّ أعمالكَ صارَت جيّدة وأنّكَ بقيتَ عازبًا لِذا...

 

ـ تابعي...

 

ـ لبِستُ هدومًا بشعة وقديمة، وجلبتُ ابني ودخلتُ محلّكَ. ثمّ أخبرتُكَ بأنّني لطالما كنتُ مُعجبة بكَ... وأنتَ وقعتَ في الفخ.

 

ـ ومسألة "الحبّ العذريّ"؟ فإنسانة مثلكِ لن تتردّد عن فعل ما يلزم للحصول على مرادها.

 

ـ أحبُّ زوجي. أجل، أحبّه مِن كلّ قلبي ولن أخونه مُقابل أيّ ثروة!

 

ـ بل تُحبّين النصّابين! وماذا عن ابنكِ؟ هل درّبتُماه أيضًا على التمثيل؟

 

ـ لا أبدًا! ولقد تفاجأتُ به حين يكون برفقتكَ. ربّما أحبَّكَ فعلاً.

 

ـ أو أنّه تأثَّرَ بكِ أو بزوجكِ وبدأ يُنفّذ ما تعلَّمه بشكل غير مُباشر. يا للعائلة الجميلة! إسمعي، ستذهبين إلى زوجكِ وتُخبريه بأنّني علِمتُ الحقيقة وأنّ عليه ردّ كلّ قرش أخذه منّي، وإلا مصيركما السجن وسيجدُ ولدُكما نفسه وحيدًا! أنا جدّيّ للغاية فليس هناك أخطَر مِن رجل مخدوع! هيّا!


طردتُ تلك المرأة الشنيعة، وأقفلتُ مُجدّدًا الباب لكن لأبكي على سجّيتي قبل وصول الزبائن. مسحتُ دموعي وانتظرتُ المُستجدّات.

وبعد أيّام قليلة، عادَت دلال مع كيس فيه مالي. أعطَتني ايّاه بصمت ومِن دون أن تنظر إليّ. فقلتُ لها:

 

ـ مِن الطبيعيّ أنّني سأطلبُ منكِ ومِن زوجكِ وابنكِ الابتعاد عنّي بصورة دائمة. فإن لمحَتُ أيًّا منكم، لن أتردّد عن الاتّصال بالشرطة. وهذا وعد منّي! شيء آخر: إن اكتشفتُ أنّكم تنصبون على شخص آخر فسأقفُ في طريقكم! إجنوا مالكم بعرق جبينكم أو أصرفوا مِن الذي تملكونه واتركوا الناس بسلام!

 

إختفَت "دلال" كلّيًّا مِن حياتي، ولَم أسمَع عنها بعد ذلك. لكنّ شيئًا غريبًا حصَلَ لي: وقعتُ في الحبّ بعد فترة ليست طويلة، وتزوّجتُ مع أنّني حسبتُ أنّ ما فعلَته تلك النصّابة بي، سيقضي كليًّا على قدرتي على الحبّ والوثوق بأحد بعد ذلك. أظنُّ أنّني أدركتُ أنّني لن أجِد ببشاعة روح دلال ومكرها، وأنّ أيّ مرأة ستكون بالتأكيد أفضل منها!

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button