بعد وفاة والدتي، بقينا أخي وأنا إلى جانب والدي إلى حين تزوّج كلّ منّا ورحلنا بعيداً عنه. ولحرصنا عليه، جئنا له بمن يطبخ له وينظّف منزله ويعتني به نيابة عنّا. وعملتُ جهدي لأختار له الشخص المناسب ووجدتُ إمرأة في العقد الرابع من عمرها، متزوّجة من مزارع يعمل ويسكن في جوار أبي. وإرتاح بالنا عليه وأكملنا حياتنا. وكنّا بالطبع نزوره أسبوعيّاً أو مرتيّن في الشهر وفي كل مرّة كان يقول لنا أنّه مشتاق جداً لأولاده الأحبّاء ويخبرنا عن طفولتنا وعن المرحومة أمّي. وتدمع عينيه ويقبّلنا بقوّة ويودّعنا بأسى. وكنتُ خلال الأسبوع أكلّمه هاتفيّاً بشكل يوميّ وأسأله عن نهى مدبّرة منزله وعن سير أموره.
ومرَّت الأيّام هكذا إلى حين بدأ والدي يتغيّر معنا. في البدء لم يعد يجاوب كثيراً على الهاتف وإذا فعل، كان يختصر الحديث وكأنّه منشغل جداً. لم أجد مبرّراً لأشغل بالي إلا عندما أتى الوقت لأزوره بصحبة أخي. عندها رأينا والدي فرحاً ومرتاحاً يروي النكات ويضحك لأتفه سبب. سررنا له لأنّه بدا لنا وكأنّه تأقّلم أخيراً لحياته لوحده ولكنّ شيئاً كان يزعجني دون أن أعرف ماذا. ودّعناه ورحلنا وحين وصلنا السيّارة سألتُ شقيقي عن رأيه بما رأيناه. فقال لي:
- أجل... أمر غريب... ولكنّني سعيد أن أراه فرحاً بعد كل الحزن الذي مرّ به بعد موت أمّنا ورحيلنا عنه... وأنتِ؟ ما رأيكِ؟
- رأيي أن نفرح له ولكن علينا أن نبقي عيناً عليه.
ولكن أخي لم يجد مبرّر للقلق وتمنّى عليّ ألا أفسد فرحة أبي عليه. ولكن إحساسي الدفين كان يقول لي أنّ هذا التحوّل لم يكن من دون سبب وصمّمتُ على أن أعلم المزيد. لذا قمتُ بزيارة والدي في اليوم التالي على غير عادتي لأفاجئه وأرى كيف يعيش عندما لا ينتظرنا. فقرعتُ بابه وكانت نهى التي فتحَت لي وبدا عليها الإندهاش والإرتباك. فقلتُ لها:
- ما الأمر؟ أرى أنّكِ لستِ مسرورة لرؤيتي!
- بلى يا سيّدة ريما... بلى... ولكن... أقصد أنّ اليوم ليس موعد زيارتكِ
- وهل أنا بحاجة إلى موعد لآتي عند أبي؟
- بالطبع لا...
وأزحتُها بيدي ودخلتُ إلى المنزل لأرى أين والدي وبعد أن مررتُ بجميع الغرف وجدتُه في غرفة النوم مستلقي على السرير. وحين رآني إحمرّ وجهه وكأنّني مسكتُه بالجرم المشهود. لم أفهم تماماً ردّة فعله إلا عندما رأيتُ على الأرض سروال نسائي. عندها قلتُ لوالدي:
- سأنتظركَ في الصالون... علينا أن نتكلّم عمّا يجري هنا.
وبعد بضعة دقائق لحق بي أبي وجلس قربي بصمت. فسألتُه:
- هل مِن علاقة بينكَ وبين نهى؟
- أجل... ولكن هذا شأني وليس لأحد أن يقول لي ما عليّ فعله أو عدم فعله.
- هذا صحيح ولكن لي الحق أن أقلق عليكَ... لم تعد شاباً يا أبي وهناك أناس لن يتردّدوا بالإستفادة من وحدتكَ... ولا تنسى أنّ تلك المرأة متزوّجة وهذا يُعتبر زنى وهناك أيضاً الزوج الذي قد يغضب جداً إذا علِمَ بالأمر.
- زوجها على علم بكل شيء.
- ماذا؟؟؟ يا للشهامة! يعمل قوّاداً لزوجته؟
- لا تتكلّمي عن نهى هكذا! هي إمرأة محترمة جداً ولن أسمح لأحد أن يقلّل من شأنها!
- محترمة؟ وما المحترم بالذي تفعله؟ تبيع نفسها لرجل عجوز بمساعدة زوجها؟
- أنا لا أعطيها مالاً!
- إذا هي تمارس الجنس معكَ لأنّكَ شاب وجذّاب؟ هل تستخفّ بذكائي؟ قل لي... كم تعطيها؟
- أعطيها القليل... أحياناً أدفع فواتير منزلهم وأحياناً ثمن تصليح سيّارتهم... ومن وقت لآخر أشتري لها فستاناً أو جزداناً...إسمعيني...تعطيني تلك المرأة البعض من السعادة التي فقدتُها... وهذا يفرحني... وهذا مالي وأنا أتصرّف به كما اشاء... لا أريد أن يتدخّل أحد بحياتي الخاصة.
وبعد أن أنهى حديثه، عاد إلى غرفة النوم ونادى بنهى لتلحقه وبقيتُ جالسة في الصالون أفكّر بما سيحصل لأبي بسبب هذه المرأة وزوجها. ولكنّه كان على حق عندما قال أنّ لا دخل لأحد بحياته. وبالطبع إتّصلتُ بأخي لأطلعه على ما حصل ولكنّه إستخفّ بالموضوع وأبدى إعجابه بأبيه. عندها وبّختُه قائلة:
- أرجوكَ أن تأخذ الأمر على محمل الجدّ... أخشى أن تؤثّر تلك المرأة على أبينا، خاصة أنّها لا تأبه حتى أن تخفي علاقتها عن زوجها
- لا أعلم ممّا أنتِ خائفة... دعي الرجل يستمتع بالأيّام الباقية له... طالما الجميع راضٍ فما الذي يزعجكِ أنتِ؟
ولكنّني كنتُ محقّة في مخاوفي، فبعد أسبوع على زيارتي المفاجئة لوالدي لم أعد قادرة على التكلّم معه. فعندما إتّصلتُ به هاتفيّاً، كانت نهى التي ردّت عليّ وقالت لي أنّ أبي خرج من المنزل رغم أنّ الوقت كان متأخّراً ووالدي لا يخرج أبداً بعد هبوط الليل. فظننتُ أنّه ما زال مستاءً لما قلتُه له فتركتُه بضعة أيّام لكي ينسى زعله منّي وعاودتُ الإتّصال. ومرّة أخرى أجابَت نهى عليّ وقالت أنّ أبي خارج المنزل. عندها قرّرتُ الذهاب في الصباح إليه لأصالحه لأنّني لم أكن أريد أن أسبّب له الحزن. ولكن عندما قرعتُ بابه، ظهرَ زوج نهى أمامي وقال لي بلهجة تهديديّة:
- لا يريد أبوكِ أن يراكِ ويطلب منكِ عدم إزعاجه بعد الآن... وعندما سيريد التكلّم معكِ سيتّصل بكِ بنفسه. هل كلامي واضح كفاية؟
وأقفلَ الباب بوجهي. وأعترف أنّني خفتُ منه كثيراً لأنّني شعرتُ بأنّه كان سيؤذيني لو أصريّتُ على الدخول. فقرّرتُ الذهاب إلى أخي لأخبره بالذي حصل لي ولإيجاد طريقة لرؤية أبي لأنّني كنتُ واثقة أنّه لن يقفل بابه بوجهي أبداً وأنّ شيئاً قد حصل له. وعندما إستمعَ أخي إليّ إنتابَه القلق وندمَ أنّه لم يصدّقني عندما شعرتُ أنّ هؤلاء الناس سيسبّبون المتاعب لوالدي. وقبل أن ننطلق سويّاً لرؤية والدنا، قام شقيقي بالإتّصال بصديق له في الشرطة وأخبرَه القصّة بكاملها فأجابه هذا الأخير أنّه سيلاقينا هناك لمساعدتنا إن لزم الأمر. وركبنا السيّارة ووصلنا إلى منزل والدنا وهناك إلتقينا بالشرطي الذي رافقنا إلى الباب وحين فتح لنا زوج نهى ورأى رجل الأمن برفقتنا تغيّرَت ملامحه وإنتابه الخوف. عندها صرختُ له:
- أريد رؤية أبي فوراً!
ودفشتُه وركضتُ إلى الداخل. لحقَني أخي بينما بقيَ الشرطي مع الزوج. ووجدنا أبانا نائماً في السرير. حاولنا إيقاظه ولكنّه كان مخدّراً لدرجة أنّه لم يعد قادراً على فتح عينيه. إتّصلنا بالإسعاف وأخذناه إلى المشفى. وفي هذه الأثناء قبضَت الشرطة على نهى التي كانت مختبئة في الحمّام وعلى زوجها وبعد التحقيق تبيّن أنّهما كانا يجبران أبي على توقيع شيكات لهم ثمّ يعيدان تخديره ويوقظوه مجدّداً للحصول على المزيد. كانا قد خطّطا لذلك منذ اليوم الأوّل ولكنّهما إنتظرا حتى أن يقع والدي تحت تأثير نهى العاطفي والجنسي ليقنعوه أن يبعدنا عنه حتى لا نشكّ أنّ مكروهاً حصل له. وعندما سألهما المحقّق ما كانا ينويان فعله بأبي عندما يفرَغ حسابه في المصرف، سكتا مطوّلاً أيّ أنّهما كانا يخطّطان لقتله. وحتى اليوم أرتعب لهذه الفكرة البغيضة مع أنّ المجرمان أصبحا وراء القضبان وأبي تعافى كليّاً مِن كميّة المخدّر الهائلة التي ملأت جسده. وبعد أن خرجَ من المشفى، أصريّتُ أن يأتي ليعيش معي لأنّه كان من المستحيل أن أتركه لوحده بعد أن كاد أن يموت.
حاورتها بولا جهشان
