من ملّ ممن؟

كانت علاقتي برويدا خطأً فاضحًا، ليس فقط لأنّني رجل مُتزوّج بل لأنّها لَم تكن مِن اللواتي تقبَلنَ الهزيمة. للحقيقة، شخصيّتها نفسها التي خلَقَت لي المشاكل كانت هي التي جذَبَتني إليها. فسُعاد زوجتي لطالما كانت إنسانة صامتة وخاضعة لا طَعم ولا لون لها، إلا أنّها تمتلكُ مواصفات الزوجة والأم المثاليّة. وبعد مرور سنوات طويلة معها، حلَّ الملَل مكان الحبّ، ولَم أعد أراها كامرأة بل كشخص أعيشُ معه في البيت نفسه.

لستُ خائنًا بالفطرة، فقد بقيتُ وفيًّا لسُعاد مدى عشرين سنة. لَم أعد سعيدًا معها، بل أقوم بدور الزوج الصالح وكأنّه واجب وليس أكثر. كنتُ أحلمُ سرّيًّا بامرأة جذّابة وتعرفُ قُدراتها، وتكون مُستقلّة قادرة على اختيار ما ومَن تُريدُه. لَم أتصوّر أنّني سأقَع يومًا على تلك المخلوقة، إلى حين تعرّفتُ إلى رويدا. لَم يتطلّب الأمر سوى دقائق قليلة لأقَع ضحيّة سحرها، واختفَت صورة الزوج المثاليّ مِن بالي... وصورة سُعاد. كنتُ قد وجدتُ إمرأة أحلامي ولن أسمَح لأحد بأن يمنعَني عنها.

دعوني أحكي لكم عن رويدا. هي كانت إمرأة في الأربعين مِن عمرها فقدَت زوجها باكرًا. هي لَم تتزوّج ثانية ليس حبًّا بالمرحوم وحفاظًا على ذكراه، بل لأنّها وجدَت نفسها بالعزوبيّة التي أعطَتها فرصة الإنصباب على كيانها وعملها. فهي إنسانة ذكيّة وطموحة وجميلة للغاية، خاصّة بعد أن أعطاها الزمَن الوسائل لتستخدم جاذبيّتها لنَيل ما تُريدُه. في كلمة، كانت رويدا إنسانة خطيرة، خاصّة أنّها لَم تتردّد عن إزاحة إبنتها الوحيدة مِن طريقها بإرسالها إلى مدرسة داخليّة في الخارج. فلَم يكن مِن المسموح لأحد أن يقِفَ في وجه طموحاتها كائنًا مَن كان. كيف تصوّرَ لي أنّ امرأة كتلك ستُسعدُني؟ لستُ أدري. فما نتمنّاه نادرًا ما يتحقَّق.

في البداية، كانت علاقتي برويدا شبيهة بلعبة القطّ والفأر، إذ هي عمِلَت جهدها لإثارتي وتقوية شوقي إليها الذي تحوَّلَ إلى هاجس. أرَدتُها بكلّ جوارحي، ولَم أعُد أفكّرُ سوى بها وبالسبل التي ستُمكّنُني مِن إمتلاكها. كان لا بدّ أن تكون لي، مهما كان الثمَن.

لاحظَت سُعاد أنّني تغيّرتُ، بالرّغم مِن أنّني فعلتُ جهدي لإخفاء ما يدور في داخلي، وسألَتني إن كنتُ أواجه مشاكل في شركتي. أثارَ إستفهامها غضبي إذ اعتبَرتُه تدخّلاً في موضوع لا مكان لها فيه. إضافة إلى ذلك، وجود زوجتي بحدّ ذاته باتَ مُزعجًا للغاية، بعد أن تذرّعَت رويدا بكوني مُتزوّجًا لعدَم استسلامها لي. فهي كانت حرّة وتُريدُ رجلاً حرًّا أيضًا. عندها، فضَّلتُ الإبتعاد عن المنزل قدر المُستطاع، وصِرتُ أقضي وقت الفراغ إمّا في الشركة بعد الدوام أو في مُلاحقة رويدا لإقناعها بحبّي.

إشترَيتُ لرويدا هدايا كثيرة وباهظة، بعد أن أوضحَت لي أنّها مُعتادة على الأفضَل وأنّها تبغضُ الفقر والفقراء. ولقد كنتُ قادرًا على صرف المال بفضل عمَلي الناجح، فلَم أبخَل عليها.

 


بعد أشهر طويلة، قبِلَت رويدا أخيرًا موافاتي إلى الفندق وحصَلَ الذي حلِمتُ به. وفي تلك الليلة بالذات، أدركتُ أنّ ما كان يدور بيني وبين زوجتي في السرير لَم يكن سوى تحضير لعلاقتي مع عشيقتي. معها دخلتُ عالمًا قد يحسدُني الرّجال عليه. وفي تلك الليلة بالذات، صِرتُ عبدًا لرويدا.

أبشَع ما في الأمر هو أنّني لَم أشعر بأيّ وخزة ضمير لِما فعلتُه، وعدتُ ليلاً إلى البيت فرِحًا ومُمتنًّا وواثقًا مِن نفسي، ولَم أتكبّد حتى عناء إعطاء عذر لزوجتي عن تأخيري. كنتُ بطلاً قويًّا لا يُقهَر. نمتُ والبسمة على وجهي وحلِمتُ برويدا.

بعد تلك الأمسية إنطلقَت علاقتي مع عشيقتي بشكل رسميّ، وصِرنا نتلاقى مرارًا في الفندق إلى أن ملَّت رويدا الإختباء، فالأمر لَم يعد يجلبُ لها أيّة إثارة وطالبَتني بالخروج سويًّا في العلَن. أربكَني الموضوع، إلا أنّني خفتُ أن أفقدَ تلك التي أعطَت لحياتي طعمًا جديدًا. طلبتُ منها إمهالي بعض الوقت لأفكّر بالموضوع، وهي قالَت إنّها لن تنتظر طويلاً فهناك رجال عزَّاب كثر غيري.

للصراحة، لَم يخطر ببالي أن أخرجَ علنًا مع رويدا، إذ خلتُ أنّ علاقتنا ستبقى بين جدران غرفة ذلك الفندق. لَم أخَف حقًّا مِن ردّة فعل سُعاد إن وصَلَ الخبر إلى أذنَيها، بل مِن عملائي وشركائي، ومِن ثمّ أدركتُ أنّهم أيضًا رجال وسيفهمون دوافعي حين يروني مع رويدا وقد يغارون منّي حتى! إضافة إلى ذلك، خيانة الرجل لزوجته هو أمرُ مقبول نوعًا ما في مجتمعاتنا الشرقيّة ويُعدّ أحيانًا شطارة، أليس كذلك؟ لَم أفكّر للحظة بردّة فعل سُعاد أو حزنها أو حتى بأولادي. كنتُ وبكلّ بساطة قد فقدتُ عقلي!

بدأتُ أخرجُ مع رويدا إلى المطاعم والسّهرات، وكنتُ فخورًا بأن تكون هي بجانبي بكامل أناقتها وقوامها الجميل وحديثها المشوّق. إنتشَرَ الخبَر بسرعة فائقة ووصَلَ طبعًا إلى زوجتي، فما مِن شيء يبقى خفيًّا مطوّلاً.

ردّة فعل سُعاد كانت غير مُتوقَّعة إذ أنّها لَم تقُل لي شيئًا على الأطلاق، مع أنّني كنتُ قد حضَّرتُ خططًا عديدة لِمُجابهتها. بل هي سكتَت... كليًّا! أي أنّها لم تتفوّه بكلمة بتعاملها معي أو مع الأولاد أو أيّ أحد آخر. في البدء وجدتُ الأمر مُناسبًا للغاية، إذ أنّني لَم أكن بحاجة إلى تبرير نفسي أو الكذب أو استعمال ورقة "أنا رجل وأفعل ما أشاء طالما أؤمّنُ لكِ حاجياتكِ وحاجاتكِ"، التي يُلوّحُ بها كلّ خائن لزوجته. لكن سكوتها المقرون بذلك الحزن العميق الموجود في عَينَيها أثَّرَا بي كثيرًا. يا لَيتها صرَخَت بي وهدَّدَت أو كسرَت أمتعتي أو قصَّت ملابسي! فالذي لَم أتوقَّعُه هو أنّني شعرتُ ولأوّل مرّة منذ بداية علاقتي برويدا، بالذنب. أدركتُ مدى الأسى والإهانة التي سبَّبتُها لامرأة لَم تقترِف ذنبًا تجاهي، والتي خصَّصَت عشرين سنة مِن عمرها لتلبية رغباتي مِن دون أن تشتكي. كيف وصَلَ الأمر بي لإيذاء أحد بهذا القدر ومِن دون وخزة ضمير؟ حزِنتُ بدوري، وبالرّغم مِن الأجواء التي سادَت في البيت، مكثتُ فيه، ربمّا آملاً بأنّ ألمَحَ بصيص سعادة في نظرة زوجتي.

تغيّرَت علاقتي برويدا، إذ أنّني بتُّ أختلقُ الحجج كي لا أراها، مِن دون أن أفصَحَ لها عن نيّتي بأن أستعيد سكينة حياتي العائليّة التي استهترتُ بها مِن أجل الشعور بأنّني رجل جذّاب يستطيع الحصول على إمرأة فاتنة. عشيقتي في المُقابل، صارَت تتذمّر مِن إهمالي لها وألمحَت إلى تركي، الأمر الذي صرتُ أتمنّاه. إلا أنّ كرامتها لَم تتحمّل برودتي، خاصّة أنّها قادرة على إيجاد مَن هو أفضَل منّي منذ البدء، فانقلبَت إلى إنسانة قاسية ومجروحة وعدائيّة. لَم يهمّني شيء، فكلّ ما أردتُه هو أن تصفَح عنّي سُعاد، وأن تتفوّه بكلمة صغيرة وتعود تنظرُ إليّ كالسابق.

أولادي بدورهم حقدوا عليّ مِن دون أن يُعاتبوني ويا لَيتهم فعلوا، فكنتُ قد قلتُ لهم كَم أنا آسف لِما فعلتُه، واصطفّوا طبعًا مع أمّهم وصاروا يتجاهلون وجودي تمامًا كما هي فعلَت. لَم يعُد مرغوب بي في بيتي، ففكّرتُ أنّ عليّ أن أرحَل إن لَم تصطلِحَ الأمور قريبًا. والأمر الذي كسَرَ قلبي أكثر مِن غيره هو ما قالَته إبنتي يومًا والذي لن أنساه طالما أنا على قَيد الحياة:

 


- أرجو ألا أتزوّج يومًا مِن رجل يُشبهُكَ.

 

يا إلهي، وقعَت تلك الكلمات عليّ كالسكين! ما عليّ فعله لتسامَحني عائلتي؟!؟

بعد أن قطعتُ علاقتي برويدا نهائيًّا تسارعَت الأحداث، فصارَ هاتف البيت يرنّ في أيّ وقت في النهار والليل، وإن أجابَ أحدٌ غيري، كان الخطّ يُقفل في وجههم. علِمتُ طبعًا أنّها عشيقتي الغاضبة والتي تُفهمُني أنّه مِن غير السهل أن أتركَها ساعة أشاء. الكلّ عرفَ أيضًا مَن يتّصلُ هكذا، ما عزَّزَ نقمتهم عليّ. حاولتُ إسكات رويدا بإهدائها الذهب وكلّ ما هو ثمين، إلا أنّها أرادَت إسترجاعي وفورًا. أفهمتُها أنّ ما كان بيننا إنتهى إلا أنّها ضحِكَت عاليًا. وبعد يومَين على حديثنا هذا، قرَّرَت رويدا أن تضرب ضربتها. فهي جاءَت شخصيًّا إلى بيتنا. أجل، وصلَت وقاحتها إلى هذا الحدّ. فتَحَ لها إبني الباب جاهلاً مَن تكون مع أنّ الوقت كان مُتأخّرًا ليلاً، وهي دخلَت مِن دون إذن إلى الصالون حيث كنتُ جالسًا مع أفراد عائلتي، ووقفَت أمام سُعاد وقالَت لها بكلّ وقاحة:

 

ـ أنا عشيقة زوجكِ وجئتُ أستردُّه. أجل، هو لي ولن أقبَل بأن يتركَني. بل أنا مَن أتركُ مَن أشاء!

 

إستعدَّيتُ للإجابة وطلبتُ مِن الأولاد بأن يدخلوا غرفهم، لكنّ سُعاد أشارَت لي بيَدها بأن أبقى صامتًا وقالَت بعد سكوت دام أشهر:

 

ـ هو ليس لكِ بل أنا أعَرتُه لكِ لبعض الوقت كي يتسلّى معكِ.

 

كادَت رويدا أن تختنق مِن الغضب فصرخَتْ بها:

 

ـ فعلنا سويًّا أشياءً لا تتصوّريها مُمكنة.

 

ـ ربمّا، ربمّا... لكنّه جالسٌ معي الآن. أقولُ لكِ إنّه تسلّى معكِ ولقد سئِمَ مِن لعبته.

 

ـ لا أحد يسأمُ منّي!

 

ـ لكنّه فعلَ.

 

ـ أنظري إلى نفسكِ! أنظري إلى قوامكِ وملامحكِ وملابسكِ! أيّ رجل يُريد هكذا إمرأة؟

 

ـ زوجي.

 

ـ مِن المُستحيل أن يتركَني مِن أجلكِ!

 

ـ ما دارَ بينكما كان بعض الأمور الجسديّة وحسب. ما بيني وبين زوجي يدور لسنوات عديدة. لدَينا ذكريات مُشتركة لن يقوى عليها شيء. خطوبتنا وزواجنا ومجيء أولادنا الواحد تلو الآخر... المشاكل التي واجهناها وحلَّيناها سويًّا... الدّعم الذي تلقَّيناه مِن بعضنا... والعائلة التي نُشكّلُها. هذا ما لدَينا والذي لن تعرفيه معه يومًا. هو تركَكِ مِن أجلي، لأنّني جزء مِن ماضيه وحاضره ومُستقبله. فنحن ننوي أن نشيخ سويًّا بعد أن نفرَح بأولادنا ونرى أولادهم ونُلاعبهم. أنتِ فاصل صغير سرعان ما سينساه. هيّا، أخرجي مِن بيتي قبل أن أستدعي الشرطة. أخرجي مِن هنا ولا تعودي بل إبحثي لنفسكِ عن معنى لحياتكِ بدلاً مِن أن تلحقي أزواج النساء. فأنتِ عار على بنات جنسنا.

 

وقفَت رويدا وفمها مفتوح لكثرة مُفاجأتها بحديث سُعاد، ولَم تجد طبعًا ما تقوله فخرجَت بصمت. بعد لحظات، نظرَت سُعاد إليّ وقالَت لي بهدوء:

 

ـ وأنتَ... هل ظنَنتَ أنّكَ الوحيد الذي ملَّ بعد عشرين سنة مِن الزواج؟ هل اعتقَدتَ أنّني أستمتعُ بزواجنا وبكَ كما في السابق؟ ألا أُريدُ أنا الأخرى بعض الأثارة والشعور بأنّني قادرة على جذب أحد؟ حتى حبّي لكَ تغيّرَ عبر الزمَن. لكن بالرّغم مِن حاجتي إلى أن أُحِبّ كما في السابق ويعود قلبي يدّق مِن أجل أحد، بقيتُ على عهدي لكَ ولأولادنا. جرحي عميق للغاية ولا أدري إن كان سيلتئم يومًا. يُمكنكَ الرّحيل الآن، لَم يعُد يهمُّني الأمر كثيرًا. لكن إن قرَّرتَ البقاء، فاعلَم أنّ عليكَ إعادة إحياء الشعلة التي انطفأت بيننا. أنا أيضًا أُريدُ أن أشعر بأنّني حيّة وليس فقط ربّة منزل وأمّ. وإن فشلتَ في هذه المهمّة، فسأُنهي زواجنا بنفسي.

 

إنبهَرتُ بسُعاد التي أظهرَت جانبًا منها لَم أشكّ بوجوده لكنّه للحقيقة أعجبَني. أجل، كنتُ مستعدًّا لإحياء زواجنا مِن جديد، الأمر الذي لَم أعتقِده مُمكنًا. خلتُ حقًّا أنّ زوجتي سعيدة وأنّها تحصل على مُبتغاها مِن زواجنا، يا للأحمق الذي كنتُه!

تزوّجَ أولادنا وأنجبوا وها نحن جدَّان، وحياتنا هي حياة عاشقَين بالفعل بعد أن استعَدنا حبّنا القديم وبقينا نزوّدُه بالأحاسيس الحيّة. كلّ زوجَين قادرَين على فعل ذلك إن أرادا استمرار علاقتهما، وإن أدركا حقًّا أنّ لشريكهما أيضًا رغبات وأحلامًا.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button