مدرّسة مُنحرفة (الجزء الثاني)

لَم يشعُر أهلي بشيء، بل فرِحا أنّني أصبحتُ بين أوائل صفّي بما يخصّ مادّة المُدرِّسة، لا بل شجّعاني للمضيّ أكثر في متابعة دروسي معها... في المدرسة. آه لو علِما ما كنّا نفعله في بيتها! فزياراتي لتلك المرأة صارَت أكثر حميميّة، وكنتُ أنتظرُ بفارغ الصبر أن تصبَّ لي كأسًا مِن الكحول وأُقبّلها بشغف. وعند اقتراب نهاية السنة الدراسيّة، هي قالَت لي:

 

ـ عليكَ أن تعبُر الآن إلى الشاطئ الآخر.

 

ـ لَم أفهَم قصدكِ... أتعنين أن أصعدَ صفًّا؟

 

ـ لا، بل أن تصبحَ حقًّا رجُلاً.

 

وقَبل أن أستوعب فعلاً ما تقصده، أخذَتني بِيَدي إلى غرفة نومها، وبعد دقائق عبرتُ إلى الشاطئ الآخر. وبالفعل شعرتُ برجوليّة فائقة. لكن حين عدتُ إلى بيتي واستلقَيتُ على سريري، أحسستُ بِطعم مرارة لَم أفهمها كلّيًّا. لاحقًّا إستوعبتُ أنّني فعلتُ شيئًا كنتُ سأندمُ عليه، شيئًا لَم يكن عليّ قبوله. لكن كيف لمُراهق أُعطِيَ له الكحول أن يُدرك حقًّا ما يفعله؟ آنذاك لَم أفهَم أنّني ضحيّة، بل اعتقدتُ أنّني مُذنب. لَم أفهَم أنّ المُذنب الحقيقيّ كان مُدرِّسة راشدة، إستغلَّت شابًّا صغيرًا لتلبية حاجاتها وأحلامها الجنسيّة.

خلال الفرصة الصيفيّة خفَّت لقاءاتي مع مُدرِّستي، فلَم يعُد هناك مِن حاجة ماسّة للدروس الخصوصيّة، خاصّة أنّ المدرسة أقفلَت أبوابها. تحجّجتُ بضع مرّات بالذهاب للقاء أصدقائي بينما كنتُ أقصدُ عشيقتي. لَم اكن مُتحمّسًا فعلاً لزيارتها، لكنّها كانت تعرفُ كيف تُثير رغباتي. بدأَ سرُّنا يُثقِل كاهلي، ناهيك عن ابتعادي عن رفاقي ونشاطات أبناء سنّي، فانعزلتُ تلقائيًّا وصرتُ صامتًا وكئيبًا، الأمر الذي أثارَ استغراب أمّي. فقد سألَتني عمّا أُعانيه واخترَعتُ لها حجّة ما، بالرّغم مِن حاجتي للتكلّم مع أحد عمّا يُزعجني. لكن كيف أقولُ لها إنّني أُقيمُ علاقة مع إنسانة مِن المفروض أن تحميني وتُرشدني؟ وماذا عن وعدي بالتزام الصمت؟ فلَم أكن مُستعدًّا لأكون السبب بطرد امرأة اختارَتني مِن بين كلّ رفاقي لأكون رجُلها.

 

في تلك الفترة، بدأتُ أتغيَّب عن مُدرِّستي وهي عاتبَتني. قصدتُها مرّات قليلة فأسمعَتني أنّها ليست أبدًا ممنونة مِن تلكئي، قَبل أن تُصعِّد اللهجة مُلمِّحةً بالعقاب. تجاهلتُ ما قالَته وتمنَّيتُ ضمنًا أن تنساني تلك المخلوقة وتختار بديلاً لي بأسرع وقت. لكنّها كانت تريدُني دون سوايَ، مُصرّة على إستعادة نشاطنا الحميميّ. وفهمتُ أنّ معركة تتحضّر إن لَم أخضَع لمشيئتها. قضيتُ الأيّام المُتبقّية مِن الفرصة الصيفيّة في غرفتي، بالرغم مِن مُحاولات أبوَيّ الترفيه عنّي. تجاهلتُ اتّصالات المُدرِّسة لي ولاحقًا تهديداتها الهاتفيّة، مُصمِّمًا على قطع العلاقة بها نهائيًّا.

وحين عُدنا إلى المدرسة، تصرّفتُ بشكل طبيعيّ في الصفّ، مِن دون أن أنظر مُباشرة إلى المُدرِّسة. لكنّها طلبَت منّي أن أبقى في الصفّ بينما نزلَ رفاقي إلى الملعب خلال استراحة الظهيرة. قالَت لي بصوت ناعم ومُغرٍ:

 

ـ لماذا هذا الجفاف يا حبيبي... لقد اشتقتُ إليكَ كثيرًا.

 

ـ ما نفعلُه ليس صائبًا... لَم أكن أُريدُ أن...

 

ـ أنتَ تكذب، لأنّك كنتَ تستمتعُ كثيرًا بِجلساتنا، لا بل تُطالبُ بالمزيد.

 

ـ هذا بِفعل الكحول التي قدّمتِها لي والملابس المُغرية التي ارتدَيتِها مِن أجلي. لا أُريدُ المضيّ بما فعلناه سابقًا. أتركيني بسلام مِن فضلكِ.

 

ـ أترككَ بسلام؟!؟ وهل أنتَ في سنّ أو موقف يسمحُ لكَ بأخذ قرار بما يخصّني؟ أنسيتَ مَن أكون؟ ستفعل ما أطلبُه منكَ وحسب!

 

ـ لا تُتعِبي نفسكِ يا آنستي، فلقد أخذتُ قرارًا نهائيًّا.

 

ـ حسنًا... إذًا تحضَّر لِما هو أعظم... سأريكَ ما يحصل لِمَن يقفُ في وجهي.

 

ـ لا تُهدّديني مِن فضلكِ، فكلّ ما أُريدُه هو استعادة حياتي ما قَبل علاقتنا.

 

ـ أٌهدِّد كما أشاء!

 

ـ لا تنسي أنّ سرّكِ عندي وأستطيع فضحكِ إن شئتُ.

 

ـ هاهاها! وهل تظنّ حقًّا أنّني لَم أحسِب حساب إفشائكَ لسرّنا؟ كَم أنّكَ ساذج! إسمع... لحظة خروج أوّل كلمة مِن فمكَ اللعين، سأشتكي عليكَ وأُخبرُ العالم بأسره أنّكَ اعتدَيتَ عليّ جنسيًّا.

 

ـ لن يُصدّقكِ أحد.

 

ـ وهل يُصدّقون أنّ مُدرِّسة قديرة ومُتفانية ولدَيها سجلّ بنقاوة الثلج، أقنعَت تلميذًا بإقامة علاقة جنسيّة معها؟ بالفعل أنتَ لا تزال ولدًا.

 

ـ سأجِدُ طريقة للدفاع عن نفسي إن أردتِ الانتقام.

 

ـ أنتَ وحيدٌ في تلك المسألة ولن تستطيع التغلّب عليّ أبدًا!

 

إحترتُ بأمري وصارَت أيّامي سوداء وتدنَّت علامتي في المدرسة، ليس فقط لأنّ عشيقتي السابقة توقّفَت عن إعطائي علامات إضافيّة في مادّتها، بل لأنّني لَم أعُد قادرًا على التركيز والدرس في المواد الأخرى. وباتَ الرسوب قريبًا، فطلَبَ المدير رؤيتي في مكتبه. وأمام أسئلته العديدة، بدأتُ أبكي كالطفل. أعطاني الرجُل كوبًا مِن الماء ومحرمة ورقيّة لتنشيف دموعي، وقال:

 

- حين يبكي شابّ في سنّكَ، تكون المسألة بغاية الأهمّية بالنسبة له. قُل لي ما بكَ يا ولدي.

 

ـ لن تُصدّقني يا سيّدي وسأقَعُ في مأزق كبير، فمِن الأفضل أن أبقى صامتًا.

 

ـ صمتُكَ لن يُفيدكَ... إنّكَ سترسبُ إن أستمرّ الوضع على ما هو. أعرفُكَ منذ صغركَ، وأعلَمُ أنّكَ قادر على النجاح مع أنّكَ لستَ تلميذًا متفوّقًا. هل هناك خلافات ضمن عائلتكَ؟

 

ـ لا، أبدًا بل والدايَ على وفاق تام. مُشكلتي تكمنُ هنا في المدرسة.

 

ـ لَم أسمَع بمُشاجرات بين الطلاب، فأنا أُراقبُ كلّ ما يحصل في مؤسّستي عن كثَب.

 

ـ أعذرني سيّدي، لكنّ مُراقبتكَ ليست دقيقة.

 

ـ إذًا عليكَ اطلاعي على ما يحصل، فمِن واجبي تأمين مُناخ سليم لطلابي. أنا راعيكم وأب ثان لكم.

 

ـ لن تُصدّقني يا سيّدي. فهي قالَت...

 

ـ هي؟ ليس لدَينا طالبات في صفوفنا. إلا أذا كنتَ تتكلّم عن إحدى مُدرِّساتنا. إسمَع، إن لَم تتكلّم فسأسأل رفاقكَ في الصفّ وسآخذ كلامهم على أنّه حقيقة. إذًا مِن الأفضل أن تروي لي بنفسكَ عمّا يُزعجكَ لدرجة الرسوب والبكاء.

 

ـ وإن لَم تُصدّقني؟

 

ـ أنا رجُل عادل ولدَيّ خبرة طويلة في مجال التعليم والتعامل مع التلامذة. سأعرفُ إن كنتَ تكذب أم لا. تكلّم ولا تخَف.

 

ورويتُ للمُدير القصّة مِن أوّلها وبحذافيرها، وهو استمَعَ إليّ بصمت. رأيتُ على وجهه علامات غضب لَم أعرِف إن كانت موجّهة إليّ أم إلى المُدرِّسة. ثمّ هو قال:

 

ـ سأقومُ بتحرّياتي حيال ما أخبرتَني به وسأُطلعُكَ على نتيجتها. وحتى ذلك الحين، أُريدُكَ أن تدرس دروسكَ وتُركّز على حصصكَ وتتصرّف بطريقة طبيعيّة. إن قلتَ الحقيقة فسأوقِفُ تلك المرأة عند حدّها بالطرق المُتاحة لي. لكن إن كنتَ تكذِب فستُطرَد مِن المدرسة على الفور. فكما قلتُ لكَ، أنا إنسان عادل. لا تخَف، سأتحرّكُ بسرّيّة تامّة.

 

صحيح أنّني ارتحتُ بعدما أفرَغتُ قلبي للمُدير، فالسرّ كان ثقيلاً للغاية. لكنّني خفتُ أن ينتشِر الخبر، وتُحضِّر المُدرِّسة خطّة دفاع تُسبّب لي الطرد والفضيحة لي ولأهلي. يا إلهي... لماذا إنجرفتُ هكذا وسمحتُ لنفسي بالوقوع في فخ المُفترِسة؟!؟

 

أجرى المُدير مُقابلات سرّيّة مع رفاقي في الصفّ، ثمّ مع المُدرِّسة التي صارَت تُعطي دروس تقوية بدلاً مِن عشيقتي السابقة. ثمّ عادَ واستدعاني وطلَبَ منّي وَصف بيت المُتحرِّشة بدقّة فائقة. لَم أعرِف آنذاك أنّه كان ينوي زيارتها في مسكنها، ورؤية غرفة نومها بنفسه، للتأكّد مِن أنّني بالفعل كنتُ أزورُها.

بعد أيّام، طلبَني الرجُل مُجدّدًا في مكتبه، وتفاجأتُ برؤية مُدرِّستي الشرّيرة عنده أيضًا. جلستُ بصمت وخوف، فكان مِن الواضح أنّها تغلي مِن الغضب وتنوي الانتقام منّي. عرَضَ عليها المُدير مجموعة الاتّهامات التي تطالُها وطلَبَ منها أن تروي روايتها. عندها قالَت، كما وعدَتني أن تفعل، أنّني تهجّمتُ عليها جنسيًّا وهي بقيَت صامتة لتفادي الفضيحة. أضافَت أنّني وحش ضار ويجب طردي على الفور. سكَتَ المُدير ثمّ أخرَجَ ورقة مِن درجه وقال لها:

 

ـ يا آنسة... أنتِ تكذبين. مهلاً، دعيني أكمِل كلامي! لدَيّ شهادات مِن التلاميذ بأنّكِ تفضّلين هذا التلميذ عليهم، وبأنّكِ تحومين حوله على الدّوام وتلمسينَه بإصرار. ولقد تفحّصتُ مُسابقاته، ولاحظتُ تساهلاً واضحًا في التصحيح لا بل علامات اضافيّة ولا لزوم لها. ولدَيّ شهادة مِن المُدرِّسة التي أقنعتِها بالحلول مكانكِ في دروس التقوية، أنّك طلبتِ منها إلتزام الصمت حيال ذلك. ولدَيّ شهادة هذا الشاب في ما يخصّ ديكور بيتكِ الذي وصفَه بكامل الدقّة، ولقد تحقّقتُ مِن الأمر بنفسي منذ يومَين حين طلبتُ منكِ استقبالي في بيتكِ لمناقشة موضوع ترقيتكِ في المدرسة. وبينما كنتِ في المطبخ تُعدّين لنا القهوة، دخلتُ غرفة نومكِ التي كانت مُطابقة لِوَصف ضحيّتكِ.

 

ـ ضحيّتي؟!؟ هو اعتدى عليّ! صحيح أنّني جلبتُه إلى البيت لكن لإعطائه دروسًا خصوصيّة بغية جني المال وليس أكثر!

 

ـ لَم أُكمِل حديثي بعد. ولدَيّ نسخة عن محادثاتكِ الخطيّة عبر الهاتف، التي تُظهِر نوعيّة علاقتكما الحميميّة ومِن ثمّ تهديداتكِ له إن فضَحَ أمركِ. وكما ترَين، ليس هناك مِن مجال للشكّ. آنسة... لقد خنتِ ثقة تلميذكِ بكِ، فبدلاً مِن إرشاده وحمايته، إستغلَّيتِه لملذّاتكِ المريضة. لا أعرفُ مِن أيّ مرَضَ نفسيّ تشكين فلستُ طبيبًا مُختصًّا، لكنّني أعرفُ أنّ وجودكِ في مدرستي أو أيّ مدرسة أُخرى هو خطر على التلامذة. فلقد تسبّبتِ لهذا الشاب، وربّما لآخرين، باضطراب عميق وشوّهتِ لدَيه صورة العلاقات بين الرجال والنساء، ناهيكِ عن مسألة الثقة التي هي في صلب رسالتنا التربويّة. لذلك سأرفعُ شكوى ضدّكِ لأمنعكِ مِن الاقتراب مِن أيّ ولد أو شاب حتى آخر أيّامكِ.

 

ـ أرجوكَ يا سيّدي، لا تقضِ على مصيري!

 

ـ ومصير ضحيّتكِ؟ هل فكّرتِ فيها؟ أنصحُكِ بالمعالجة النفسيّة، فمِن الواضح أنّكِ بالفعل مريضة. لقد جلبتُ مُدرِّسة لتحلّ مكانكِ وسأُراقبُها عن كثب هذه المرّة. هيّا أُخرجي مِن مكتبي!

 

أرسلَني المُدير إلى المُعالِج النفسيّ الخاص بالمدرسة، لأفهَم جيّدًا ما حصَلَ لي وبأنّني بالفعل ضحيّة وليس لدَيّ ذنب على الإطلاق. حُلَّت مسألة المُدرِّسة مِن دون إصدار ضجّة حول الموضوع، ومُنِعَت مِن التدريس في أيّ مؤسّسة كانت. عُرِضَ عليّ مبلغ مِن المال كتعويض لي، لكنّني رفضتُه وبقيتُ مُصرًّا على حجب القضيّة عن رفاقي في المدرسة. لكنّ أبويَّ علِما بالذي حصلَ طبعًا، فشعرتُ بالخزي تجاههما، لكن سرعان ما تابعتُ حياتي كما في السابق. فالحقيقة، مهما كانت صعبة، تُحرّر صاحبها.

اليوم أنا تلميذ جامعيّ، ولَم أعُد خائفًا بفضل المُعالجة النفسيّة وإحاطة والدَيّ لي بحنانهما، وبالطبع موقف المُدير الشجاع والعادل. وهناك صبيّة جميلة استطاعَت إعادة ثقتي بالنساء، وأنوي الارتباط جدّيًّا بها وتأسيس عائلة معها بعد أن أتخرّج. لقد أخبرتُها بما مرَرتُ به حين كنتُ في المدرسة، وهي تفهّمَت الأمر وكانت داعمة قويّة لي. لكنّها قالَت: "لا أستطيع تصوّر عواقب وقع إنسان ضحيّة مُفترِس جنسيًّا. والحلّ الوحيد للتخلّص مِن هؤلاء المُفترسين... فضحهم. لكن هل مُجتمعنا الشرقيّ جاهز لِسماع الحقيقة؟

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button