ما هي هويّة زوجي الحقيقيّة؟

كم من الوقت يجب أنّ نقضيه مع شخص لنعرفه جيداً؟ البعض يقول أشهر والبعض الآخر سنين. أنا أقول أننّا لا نقدر أن ندخل إلى زوايا النفس البشريّة أبداً، إلاّ عندما تحدث أمور ونرى الآخر على وجهه الحقيقي.

زوجي كان الرجل المثالي الذي تتمنّاه كل إمرأة وعندما تزوّجته حسدتني صديقاتي. كان كميل طيّب وخلوق وربّ عائلة ممتاز وكان عمله في بيع بوالص تأمين يؤمّن لنا حياة ممتازة. ولكن كان يسافر كثيراً داخل البلاد وخارجها للقاء زبائن أو لحضور ندوات لتحسين أدائه وكنتُ أشتاقُ إليه كثيراً ناهيك عن حاجة أولادنا له. وبالطبع لم أجرؤ أن أطلب منه إيقاف سفراته لأنني كنتُ أعلم أنّه إذا فعل سيتغيّر مستوى معيشتنا ولم أكن مستعدة لذلك. كان لكميل أصدقاء يأتون بين الحين والآخر إلى بيتنا ولم أكن أحبّهم ربما لأن في كل مرّة كان يدخل معهم بعد العشاء إلى غرفة الجلوس ويقفلون الباب وراءهم ويتكلّمون بصوت منخفض لساعات ولم أستطع ولو مرّة واحدة معرفة شيء عن حديثهم. حاولتُ سؤال زوجي ولكنّه أجاب وهو يضحك:" آه على فضول النساء! كنّا نتحدّث عن أمور العمل وأشياء غير مهمّة." ولكنني لم أقتنع بجوابه. فضّلتُ إذاً عدم التدخّل مجدّداً وقبول أصحابه في منزلي. وفي ذات مرّة خابرني كميل من فرنسا. كان الوقتُ متأخراً جداً وعندما دقَّ هاتفي خشيتُ أن يكون قد حصل مكروه. كان يتكلّم بصوت خافت:

- عفاف... هذا أنا... أنا بخير... هل جاء أحد وسأل عنّي في غيابي؟

- لا حبيبي... ألهذا تتصلُ بي في هذا الوقت؟ أخَفتني.

- أنا آسف... إذا أتى أحد قولي له... قولي أنّني في فرنسا.

- بالطبع! فأنت في فرنسا!

- صح... صح... إلى اللقاء.

وأقفلَ الخط دون أن يودّعني أو يسأل حتى عن الأولاد. إنشغلَ بالي كثيراً ولكن عندما عاد من السفر ورأيته مرتاحاً كعادته لم أفكّر بالحادثة ابداً. ولكن أمران لفَتا إنتباهي وأسأل نفسي لِمَ لَمْ ألاحظهما من قبل: عندما كان يعود زوجي من سفراته كان يجلب لي ولأولادي هدايا كثيرة ولكن لم تكن من صنع البلد الذي كان يزوره أو تدلّ عليه. كل الأغراض كان من الممكن إيجادها في أي مكان. والشيء آخر هو أنّه لم يأخذ ولو صورة واحدة له وهو في أولئك البلدان. هل كان كميل يخونني؟ الفكرة وحدها سببَت لي تعاسة عميقة فكان بإعتقادي أنّ زواجنا مثاليّاً.

لاحظَ زوجي أنني بدأتُ أسأل أسئلة كثيرة وأنني بِتُّ مشغولة البال ومهمومة فحاول الترفيه عنّي بأخذي إلى المسارح والمطاعم ولكنني كنتُ مصرّة على معرفة الحقيقة. والطريقة الوحيدة كانت أنّ أفتّش في أغراض زوجي الشيء الذي لم أتخيّل فعله أبداً ولكن للضرورة أحكامها. وللحقيقة لم أجد رسائل حب أو إيصالات فنادق أو مشتريات نسائيّة. كل ما وجدته هو حقيبة يدّ كبيرة مخبّأة في عمق الخزانة تحتوي على خرائط ومعدّات متفرّقة. شعرتُ بإرتياح كبير ففكرة الخيانة كانت لا تطاق وكانت ستؤدّي إلى زعزعة إستقرار عائلتي. فقررتُ مشاركة زوجي بالشكوك التي تنتابني. لم يحزن عندما قلتُ له أنني فتشّتُ أغراضه بل ضحِكَ كثيراً وقال: "يجب أن تكوني فرداً من فريقنا". لم أفهم كيف يمكنني العمل بشركة تأمين ولكنني سررتُ بأن كل شيء إنتهى بخير.

ولكن لم ينتهي شيء بل بالعكس بدأت متاعبي بعد فترة قصيرة. كان كميل مسافراً كعادته عندما سمعتُ قرعاً قوياً على الباب وصوت يقول:

- إفتحوا... الشرطة!

في البدء ظننتُ أنّها مزحة من قبل أحد أصدقاء زوجي ولكن عندما فتحتُ الباب وجدتُ عدداً هائلاً من رجال الشرطة. أحدهم قال لي:

- لدينا مذكّرة تفتيش ومذكّرة جلب بحقّ كميل س. هل هو موجود؟

- لا... لا... إنّه مسافر خارج البلد... ولكن لا أفهم...

أزاحني الشرطي وبدأ ورجاله يقلبون البيت رأساً على عقب. صرختُ بهم:

- هذا منزلي وأريد أن أعرف لماذا كلّ هذا وما الذي تريدونه من زوجي؟

- سيّدتي زوجك مطلوب... إنّه لصّ كبير يعمل ومنذ سنين عديدة تحت إسم "الجنتلمان" لأنّه يسرق الأغنياء فقط ولا يؤذي أحداً.

عندها ضحكتُ كثيراً وقلتُ لهم:

- زوجي؟ أنتم مخطئون! كميل لا يستطيع إيذاء نملة!

- سيّدتي... لقد أوقفَ زوجك بضعة مرّات من قبل لسرقات بسيطة ولكن منذ فترة أصبح يسطو على مصارف ومحلّات مجوهرات.

وأروني صوراً له وهو موقوف. لم أصدّق عينيّ! عندها تذكرتُ إجتماعاته مع أصدقائه وسفراته المشبوهة والخرائط والمعدّات في حقيبته...

وبعد أيّام قليلة تمّ القبض عليه في شمال البلاد حيث كان يختبىء. وعندما ذهبتُ لرؤيته في السجن بكيتُ كثيراً لِما فعله بنا. قال لي:

- لا تأسفي فأنا سأخرج من هنا قريباً... وإن لم أفعل فأنا ضمنتُ لكم مستقبلكم... إذهبي إلى المكان حيث قبّلتُكِ لأوّل مرّة... تحت الشجرة التي حفرنا عليها إسمينا هناك علبة مدفونة وفيها ما يكفيكم لوقت طويل جداً.

- أنا لا أريدُ مالاً! أريدُ زوجي الحبيب الصالح والحنون!

- أنا ما زلتُ على ما كنتُ عليه... لم أتغيّر يوماً... أحبكِ وأحبُّ أولادنا... أنا فقط لص!

سُجِنَ كميل لسنين طويلة حاولَ خلالها الهرب ولكنهم وجدوه وأعيد إلى ما وراء القضبان.

في هذه الأثناء ذهبتُ لأبحث عن تلك العلبة المليئة بالمال ووجدتُها وأخذتُها إلى السلطات. لم أكن مستعدّة أن ألوّثُ يديَّ بمال مسروق. صاحب المال كان قد وعد بمكافئة لمن يساعد الشرطة على إيجاده فحصلتُ على مبلغ لا بأس به ساعدني على تدبير أموري.

سيخرج كميل بعد سنتين... لا أعلم أيّ نوع رجل سيكون ولكنني آمل أن أجد الزوج المحبّ الذي لطالما أحببته.

حاورتها بولا جهشان                    

المزيد
back to top button