ما كانَت تُخفي نظرات شقيقتي لزوجي؟

لم ألاحظ ما كان يجري إلا بعد فوات الأوان!


كنتُ جالسة مع صديقاتي نتصفّح صور زفافي، عندما لفتَ إنتباهي شيء غريب: في جميع الصوَر، يظهر زوجي باسم وهو ينظر إلى شقيقتي بدل من أن ينظر إليّ. لو كنّا في مناسبة عاديّة، لم أكن لأجد الأمر بهذه الغرابة ولكن أيّ عريس يركّز على إمرأة أخرى في يوم زفافه والذي يفترض به أن يكون أسعد يوم في حياته؟ ولماذا أختي بالذات؟ ما الذي كان يدور بينهما؟ قررتُ أن أراقب الإثنين لأرى إن كان كل هذا وليدة خيالي أم حقيقة.

 

ورجعتُ بالذاكرة إلى حين إلتقيتُ بباسم. كان يوماً عادياً وكنتُ ذاهبة مع شقيقتي رنا لنتسوّق وإذ بنا ندخل محلاً للأحذية بعدما كانت هي التي عرضَت عليّ أن نقصد ذلك المكان. وحين رأيتُ وسامة صاحب المحل أعجبتُ به كثيراً وهو كذلك. وبعد أن إشترينا أحذيتنا، طلب منّي باسم رقم هاتفي وأعطيته إيّاه بكل سرور. وعندما خرجنا، إنتقدَتني رنا على السهولة التي تعاملتُ بها مع الرجل ونعتَتني بال "الفتاة السهلة" فأجبتها:

 

- وماذا تريدينني أن أفعل؟ قد لا أراه مجدّداً وكانت هذه الفرصة الوحيدة لأتواصل معه وأتعرّف عليه أكثر.

- ليس بهذه الوسامة لكيّ تفقدي السيطرة على أعصابكِ بهذه الطريقة... على كل حال أنتِ حرّة...

 

وإتّصل بي باسم وتكلّمنا عبر الهاتف، ثم إلتقينا وكل شيء جرى على ما يرام. وعندما جاء ليطلب يدي من أهلي، لم تكن رنا موجودة معنا وحزنتُ كثيراً لأنّها لم تشاركني هذه اللحظة السعيدة. كانت قد تحجّجت بموعد سابق لا تستطيع إرجاءه. في حينها لم أعطي الأمر أهميّة أكثر من اللازم ولكن من بعد أن رأيتُ الصوَر، بدأتُ أربط الأمور ببعضها. فهي أيضاً لم تساعدني في تجهيز نفسي للزفاف لكثرة إنشغالها كما قالت وطلبتُ من صديقة لي أن ترافقني لشراء ما يلزمني. وقبل العرس بأيّام قليلة جرى هذا الحديث بيني وبين شقيقتي الوحيدة:


- رنا... لماذا لديّ شعور أنّكِ لستِ مسرورة بزواجي من باسم؟

- أنتِ مخطئة... أنا فرحة جداً... تعرفينني، فأنا لستُ من الأشخاص الذين يظهرون مشاعرهم... ولكن لا أستطيع القول أنني أحبّ باسم كثيراً... إنّه إنسان عادي وأظنّ أنّكِ تستطعين إيجاد شخصاً أفضل منه. على كلّ الأحوال هذه حياتكِ وأنا لا دخل لي فيها. ألف مبروك يا حبيبتي.

 

وبعد أن تذكّرتُ كل هذه الأحداث، باتَ لي واضحاً أن أختي كانت تغار منّي ومن علاقتي بباسم. ولكن هل إكتفَت بهذه الغيرة أم أنّها ذهبَت إلى أبعد من ذلك معه؟ وهذه النظرات في الزفاف، هل كان معناها أنّهما يقيمان علاقة غراميّة؟ غضبتُ كثيراً لمجرّد التفكير بهذا وعملتُ على تهدئة نفسي على الأقل حتى أتأكّد من صحّة شكوكي. لذا دعيتُ رنا للعشاء ولقضاء الليلة عندنا لكي يتسنّى لي مراقبتها.

إستغرَبت أختي أنني أريدها أن تبيت ليلة عندي، كون منزل أهلنا قريب منّي، فأجبتُها أنني أريد إسترجاع أيّام الماضي حين كنّا نلبس ثياب النوم ونتبادل الأحاديث حتى ساعات متأخّرة. قبلَت الدعوة وجاءَت ومعها حقيبة صغيرة. أخذتُها إلى غرفتها ثم جلسنا على مائدة الطعام برفقة زوجي. تصرّفتُ بكل براءة وكأنّ شيئاً لم يكن ولكنني كنتُ أترقب أي تصرّف غريب من قِبَل إحداهما. ولاحظتُ أنّهما لم ينظرا إلى بعضهما ولو مرّة واحدة، حتى عندما كانا يتحدّثان مع بعضهما وهذا الأمر لم يكن طبيعيّاً أبداً.


وبعد أن إنتهينا من الأكل، ذهبتُ إلى المطبخ لأغسل الصحون وطلبتُ من رنا أن تبقى جالسة مع زوجي كي لا يبقى لوحده. أصرّت أن تساعدني ولكنني رفضتُ. وجلسا سويّاً في الصالون وأنا إختبئتُ وراء الباب أراقبهم حيناً وأغسل الصحون حيناً آخراً لكي لا يثير هدوئي الشبوهات. وبعد أن بقيا صامتَين لأكثر من عشر دقائق على الأقل، رأيتُ أختي تقترب من زوجي وتهمس في أذنه شيئاً لم يعجبه، لأنّه بدأ يلوّح بيدَيه وينظر إليها بغضب.

 

وسكتا مجدداً. وبعد أن تأكّدتُ أنّهما أنهيا حديثهما، خرجتُ من المطبخ وجلستُ معهما. شاهدنا التلفاز لبعض الوقت ثم حان وقت النوم. ذهبتُ مع رنا إلى غرفتها وإستلقينا على السرير وتكلّمنا عن أشياء عديدة. وبعد ساعة تقريباً، إستأذنتُ منها وقصدتُ غرفتي حيث كان باسم نائماً. وإنتظرتُ. ماذا؟ ربما أن يستيقظَ باسم ويذهب إلى غرفة رنا وأفاجئهما معاً. ورغم أنّ هذه الفكرة كانت مزعجة إلى أقصى درجة، كانت تريحني لأنّها كانت ستؤكّد شكوكي وتريحني من حالة القلق التي كنتُ فيها. وحاربتُ النعس حتى ساعات الفجر ولكن لم يحدث شيئاً وخاب أملي. تناولنا الفطور سويّاً وودّعتُ شقيقتي وأمضيتُ باقي النهار في حالة توتّر شديد بسبب خيبَتي وحاجتي للنوم. وبسبب تشنّجي قررتُ أن أواجهها لأضع حدّاً للعبتها الدنيئة. فإتصلتُ بها وطلبتُ منها أن توافيني في مقهى نعرفه جيّداً لأخبرها شيئاً مهمّاً. وعندما جلسنا سويّاً على طاولة منفردة قلتُ لها من دون مقدّمة:


- أنا على علم بالذي يجري بينكِ وبين باسم.

 

سكتَت مطوّلاً ثم أجابَت:

 

- منذ متى تعلمين؟

- منذ ما رأيتُ صور الزفاف والنظرات التي تبادلتوها طوال الوقت!

- أتمنّى الا تكوني مستاءة منّي.

- ماذا؟ كيف تقولين هذا؟ بالطبع أنا مستاءة! ماذا كنتِ تنتظرين؟ أن أهنّئكِ لأنّكِ تقيمين علاقة مع زوجي؟؟؟

- أنا؟ مع زوجكِ؟ أنتِ مجنونة! أنا لا أطيقُه! كيف وصلتِ إلى هذا الإستنتاج؟ ألا تثقين بي بتاتاً؟ خيّبتي أملي...

- إذاً ما الذي يجري بينكما؟

- إسمعيني... منذ البدء لم أحبّ ذلك الرجل... بعد أن تعرّفتِ إليه في محلّه وأعطيتيه رقمكِ، عملتُ على التحرّي عنه وعلمتُ أنّه زير نساء يتعرّف على كل من دخلَ محله. وأنّه إلى جانب ذلك على علاقة مع إمرأة متزوّجة منذ سنين طويلة، يصرف عليها ويراها بشقّة صغيرة إستأجرها ليلتقيا بها. فخفتُ عليكِ كثيراً من هكذا شخص. وعندما أصبحَت الأمور جادة بينكما، ذهبتُ إليه وطلبتُ منه أن يكفّ عن رؤيتكِ أو أن يترك تلك المرأة وكل النساء الأخروات. وعدَني أن يفعل ولكنني إكتشفتُ بضعة أيّام قبل الزفاف أنّه مازال يراها ولم يكّفا يوماً عن الذهاب إلى الشقّة. من هنا نظراتنا في العرس. حاولتُ أن أنبّهكِ منه ولكنّكِ كنتِ مفتنة به فوعدتُ نفسي ألا أدعَه يفلَت من نظري. وأستطيع أن أقول لكِ أنّه يخونكِ كلّما سمحَت له الفرصة.

 

- هل أنتِ متأكدّة مما تقولينه؟

- أجل ولكي لا تبقى لديكِ شكوك من ناحيتي، سآخذكِ إلى المكان الذي يذهب إليه باسم ليمارس الجنس مع عشيقته. إتّصلي به وقولي له أنّكِ ستمضين الليل عند أهلنا لأنّ والدتنا مريضة وسترين أنّه سيركض لملاقاتها.

 

وفعلتُ كما طلبت منّي. ثم ركبتُ معها السيّارة وركنّاها في حيّ ضيّق وإنتظرنا. لم نتكلّم لكثرة توتّرنا وبقيَت عيوننا مصوّبة على مدخل المبنى المذكور. وجاء باسم برفقة إمرأة ودخلا متعانقان. نزلَت دموعي على خدودي بغزارة وطلبتُ من أختي أن تأخذني إلى بيت أهلنا. بقيتُ هناكَ رغم محاولات باسم العديدة لإرجاعي. وفهِمَ أنني لن أعودَ أبداً، فتطلّقنا. لم آسف كثيراً عليه وشكرتُ ربّي أنّ لديّ شقيقة رائعة تسهر عليّ. تأكّدتُ أنّه بوجودها لن أخشى شيئاً.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button