ما كانت طبيعة علاقة زوجتي بِصديقها؟

لم أسمع بإسم ذلك الرجل إلّا بعد زواجنا. لم أكن أعلم أنّ لِربيعة صديق يُدعى شريف، ربما لأنّه كان يعيش في الولايات المتحدة، حيث تعرّف عليها حين كانت تنهي دراستها. وفور عودتنا من شهر العسل، قالت لي أنّها دعَت شريف إلى العشاء وأنّه إنسان يتمتّع بروح الفكاهة وأنّني سأحبّه كثيراً. وكانت على حق، لأنّ الجلسة معه كانت ممتعة للغاية، حتى أنّني طلبتُ منه أن يأتي لزيارتنا بإستمرار. فرِحَت ربيعة لأنّني قبلتُ به فأجبتها:

- أحبّكِ وأحبّ الناس الذين هم جزء من حياتكِ. إن كان وجود ذلك الصديق مهمّ بالنسبة لكِ، فأنا مسرور لك وأشجّعكِ على متابعة التواصل معه. أثق بكِ وأعرف أنّكِ زوجة صالحة.

وبعد ذلك العشاء، بدأنا نرى شريف عندنا بإستمرار على الغداء أو لإحتساء القهوى وبدأتُ أتعلّق به. فإذا مرّ أسبوع ولم نراه، كنتُ أطلب من زوجتي أن تكلّمه للإطمئنان عليه. للحقيقة لم أكن محاطاً بالأصدقاء، بسبب عملي في سفارة أجنبيّة، فكان ما أفعله سريّ ومهمّ وتعودتُ أن أُبقي لنفسي ما أعرفه. وبعد حوالي الشهرين على دخول شريف حياتنا، جاء يقصدني بخدمة شخصيّة:

- لا أفعل هذا عادة ولكن... أنتَ تعمل في السفارة وعليّ السفر في أقرب وقت ولا أستطيع الإنتظار لأحصل على الفيزا... كل أوراقي جاهزة... أنظر... جلبتُها معي...

- هذا ليس بأمر صعب. سأهتمّ بالموضوع.

وحصلتُ له على تأشيرة دخول وشكرني بحرارة وغاب عنّا لفترة أسبوع. وعندما عاد، جلب لنا الطيّبات المحليّة وعاودنا لقاءاتنا بجوّ المرح الذي عوّدنا عليه. وتتالت الأيّام من دون أن يحصل أيّ شيء ملحوظ، حتى أن جاء ومعه صديق وعرّفه علينا بأنّه أستاذ جامعي وطلبَ منّا أن ندعوه إلى بيتنا من وقت لآخر لأنّه يعيش لوحده. إستقبلناه بكل طيبة قلب ودعيناه إلى العشاء مرّة أو إثنين، ثمّ لم نعد نراه. علِمنا من شريف أن الرجل سافر نهائيّاً إلى الولايات المتحدّة بعد أن وجد عملاً في جامعة عريقة. فرحنا له وإنتهى الموضوع. ولكن بعد فترة قصيرة، لاحظتُ تغيّراً في طباع ربيعة، فمِن إمرأة مرِحة تحوّلَت إلى إنسانة مهمومة تخاف من الأصوات القويّة وتبقى صاحية حتى أوقات الفجر. كان من الواضح أنّها قلقة جداً وأردتُ معرفة السبب، فسألتُها عمّا يزعجها فأجابت:

- أنا قلقة؟ أبداً! أنتَ مخطئ حبيبي... كل شيء على ما يرام.

وبالطبع لم أصدّقها، فلم أكن غبيّاً لهذه الدرجة، فقرّرتُ أن أراقب زوجتي وتقلّبات مزاجها عن كثب. ولاحظتُ أنّها تترك المنزل دائماً في نفس الوقت، أي من بعدي بوقت قصير وتركن سيّارتها أمام صالون لتصفيف الشعر وبعد أن تمكث هناك حوالي الساعة تذهب وبيدها كيساً إلى كاراج لتصليح السيّارات وتعود فارغة اليدين. لو حصل ذلك مرّة واحدة، لقلتُ أنّها تريد إصلاح خطب بمركبتها ولكنّ الذهاب إلى ذلك المكان يوميّاً لم يكن طبيعيّاً. لم أكن فخوراً بنفسي، لأنّني أتحرّى عن حبيبة عمري ولكن كل قصدي كان أن أفهم سبب كآبتها. ومشاويرها اليوميّة أثارت دهشتي وشعرتُ أنّ شيئاً كبيراً كان يحصل دون علمي. ولكنّني لم أكن أدري ما كان عليّ فعله. هل أواجهها بما رأيته أو أحتفظ به لنفسي؟ قررتُ أن أخبر شريف بالأمر وأحصل على نصيحة منه. وبعدما إستمع لي جيّداً قال:

- أنا متأكّد أنّ هناك تفسيراً منطقيّاً... ربيعة إنسانة شريفة وعاقلة... دعني أهتمّ بالموضوع. سآتيك بجواب غداً.

شعرتُ بإرتياح كبير، لأنّ صديقي الجديد كان سيعالج الموضوع دون أن أضطر لمواجهة زوجتي وأخاطر بإثارة تشنّجات بيننا، فكنّا ثنائيّاً ناجحاً ومن المؤسف أن أخرّب علاقتنا. وإنتظرتُ اليوم التالي وجاء شريف والبسمة على وجهه:

- ألم أقل لكَ أنّكَ تكبّر الأمور؟ ذنب ربيعة الوحيد هو أنّ قلبها كبير. تذهب إلى مصفف الشعر وتعتني بجمالها لتكون جميلة في نظركَ، ثمّ توصيها عاملة هناك بأن تعطي لزوجها الذي يعمل في كاراج الميكانيك غداؤه. لم أقل لها أنّك تراقبها، بل أنّني رأيتها صدفة وأنا مار من هناك.

- شكراً يا صاحبي! لقد أرحتني... ولكن لماذا تغيّرَ مزاج زوجتي مؤخّراً؟

- ألا تعرف النساء؟ ربما كان السبب هرمونيّاً!

ضحكنا سويّاً وتركني ورحل. وعندما وصل إلى الباب قال:

- لديّ سفرة صغيرة... هل أقدّم أوراقي لوحدي أو تساعدني مرّة أخرى؟

- لا تقلق... سأهتمّ بكل شيء.

- وهناك أيضاً أوراق صديقة لي ستسافر معي... هل هذا يزعجكَ؟

- أبداً. أصدقاؤك هم أصدقائي أيضاً.

وساعدتُ شريف وصديقته لنيل التأشيرة بسرعة وعدتُ إلى حياتي العاديّة بإنتظار أن تعود ربيعة إلى ما كانت عليه قبل فترة. ولم أنتظر طويلاً، فبعد يومين رجعت لها البسمة ولم تعد تمرّ إلى ذلك الكاراج ربّما لكي لا يعتقد الناس أنّها تفعل شيئاً غير اخلاقي. كانت ستبقى أيّامي جميلة لولا حصل أمراً كشف لي حقائق كثيرة. ففي ذات يوم وأنا في مكتبي، قرأتُ تقريراً عن إنجازات قسم مكافحة المخدّرات ووقعَت عينيّ على صورة رجل تمّ القبض عليه مؤخّراً وتعرّفتُ عليه بسرعة لأنّه كان ذلك الأستاذ الجامعي الذي أتى إلينا بصحبة شريف. وعندها فهمتُ سبب إختفاؤه، فلقد سُجن بعد أن ضُبط ومعه كميّة كبيرة من الكوكايين. وبدأت التساؤلات تدور في رأسي عن الأستاذ وعلاقته بشريف. عندها أخذتُ زوجتي جانباً وأخبرتُها بما علمتُ. في البدء لم تصدّق الخبر ولكن عندما رأت أنّني لا أمازح بمواضيع كهذه، أدركَت أنّ تاجر مخدّرات جاء إلى بيتنا فصرخَت:

- يا إلهي! ماذا سيظنّ الناس؟ أنّنا أيضاً مهربّو كوكايين؟

- لا تخافي، فسمعتي بالعمل جيّدة... ولكن كنتُ أتساءل عن علاقة شريف بهذا الموضوع... هل تظنّين أنّه شريكه؟

- لا! لا تقل ذلك أرجوك! شريف صديقي من وقت طويل وأنا أعرفه جيّداً... أنا واثقة أنّه إعتقد فعلاً أنّه أستاذ جامعيّ.

- ولكنّه أخبرَني أنّ الرجل وجدَ عملاً في جامعة في الولايات المتحدّة... كيف قال هذا وهو في السجن؟

- ربّما ظنّ ذلك بعدما إختفى صديقه... أرجوك أن تنزع تلك الأفكار من رأسكَ...

- معكِ حق... لا يمكن أن يكون لشريف ضلعاً بما حدث.

وأنّهينا الموضوع ولكنّني لم أكن مطمئناً، خاصة أنّني سهّلتُ له ولأصدقائه عدّة سفرات وإذا كان شريف مهرّب، فهذا يعني أنّني حتى من دون قصد قد شاركتُ بِتهريب الممنوعات. وبعد حديثي مع ربيعة، إنقطعَت زيارات شريف لنا. في البدء ظننتُ أنّه مريض وعندما سألتُ زوجتي عنه، قالت لي أنّه سافر ولن يعود إلّا بعد شهر. إستغربتُ لهذا التوقيت المناسب الذي وافق مع شكوكي به ولكنّني فضّلتُ التفسير الذي أعطتني إيّاه زوجتي ربيعة، خوفاً من أن أكون على حق. ولكن لم أكن أدري حينها أنّ الشرطة ستقرع بابي في ذات ليلة بقصد التفتيش وأنّني سأقاد إلى التحقيق. ومن نظرات زوجتي لي، علمتُ أنّني وقعتُ في فخ. سُئلتُ أسئلة كثيرة من قِبل المحقّقين وجاوبتُ على جميعها وأخلوا سبيلي مؤقّتاً بعدما طلبوا منّي عدم ترك البلاد. وعندما عدتُ إلى البيت منهكاً وحزيناً، لم أجد ربيعة في أيّ مكان. وإنتابني شعور بالوحدة والخوف. هل يُعقل أنّ زوجتي خانَت ثقتي وتلاعبت بي؟ وعندما فتحتُ خزانتها ووجدتها فارغة علمتُ أنّها فرّت مع شريف. أخذتُ الهاتف فوراً وأبلغتُ المحقّقين عن إختفاء زوجتي وصديقها وعن شكوكي بأنّ لهما ضلعاً في تجارة المخدّرات. مرّت أيّام طويلة وأنا من دون أي خبر عن ربيعة إلى حين إتصلوا بي من مركز الشرطة وطلبوا منّي الحضور. هناك وجدتُ ربيعة مكبّلة اليدين وإلى جانبها شريكها شريف. ركضتُ إليها وصرختُ بها:

- قولي لي أنّكِ ضحيّته! لا أستطيع القبول بأنّكِ ضحكتِ عليّ وإستعملتِ منصبي لتسهيل تجارتكِ الدنيئة!

- لقد فات الأوان! إعترفتُ بكل شيء.

- هل أحببتني يوماً أمّ أنّكِ تزوّجتيني لأنّني أعمل في السفارة؟

- أحببتكَ بعد الزواج ولكنّني أحبّ شريف أكثر...

- ماذا؟؟ هو عشيقكِ؟

- أجل ومنذ سنين طويلة... سامحني...

- ألهذا تغيّر مزاجكِ فجأة؟

- لا... بل لأنّني علمتُ أنّه تمّ القبض على الأستاذ وخَفتُ أن بشي بنا...

لم أقل شيئاً لأنّني فضّلتُ الذهاب. دخلتُ مكتب المفتّش وأخبرني أنّ زوجتي وعشيقها أفراد عصابة كبيرة تتجوّل بين عدة بلدان لتهريب المخدّرات والمال. وقال لي أنّه من الواضح أنّ لا ضلع لي بكل هذا وأنّني إستطيع العودة إلى البيت. وأضاف:

- أنا آسف يا سيّدي... فليس من السهل على المرء أن يكتشف أنّ الشخص الذي يعيش معه هو مجرم مطلوب من العدالة.

- من المؤكّد أنّني سأمرّ بأوقات صعبة ولكنّني إنسان إيجابي وسأعثر على من يستحقّ حبّي ويبادلني بالمثل.

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button