ما كانت حقيقة زوجتي؟

كنتُ قد سئمتُ العيش لوحدي بعد أن قضيتُ حياتي أحصّل العلم ومِن ثم المال. لم أترك شيئًا لم أفعله أو أجرّبه. وبعد أن ذقتُ طعم المباح وغير المباح، أدركتُ أنّني لم أكن سعيداً بل أنّ كل ما كنتُ أملكه كان سرابًا مذهّباً لن يطول بريقه.

ولأنّ النساء التي كانت تحيط بي كنّ موجودات مِن أجل مالي وجاهي، قرّرتُ التفتيش بعيداً أي ما وراء حدود تركيا حيث كنتُ أقيم.

وبما أنّي كنتُ شرقيّ الأصل، حلِمتُ بامرأة تذكّرني بأمّي مِن حيث القيَم والأخلاق. ووسيلتي الوحيدة كانت طبعًا الإنترنت، فابتكرت بروفايلاً لي على أحد مواقع التعارف ووضعتُ صورة لي وبعض التفاصيل. ولم أذكر أبدًا أنّني رجل ثريّ وناجح كي أتفادى الوقوع على نساء جائعات.

وبعد تفتيش دام أشهر، وقعَتُ على سعاد، وهي إمرأة مطلّقة ولها 3 أولاد. أعجَبَتني بساطتها ونظرتها للأمور. تبادلنا الأحاديث وبدأتُ أعتاد عليها وأنتظر رسائلها اليوميّة. وأعترف أنّني وقعتُ بحبّها بسرعة فائقة لكثرة حاجتي إلى إنسانة طبيعيّة وعاديّة لا تكترث لمالي وجاهي. وبدأنا نتواصل على الفيديو، ورأيتُها تتحرّك أمامي فأمتلأ قلبي بالفرح. تعرّفتُ أيضًا على أولادها الذين باتوا على علم بعلاقتنا وينتظرون بفائق الصّبر مجيئي.

ووصلتُ بلدهم محمّلاً بالهدايا للجميع، ومكثتُ بفندق قريب مِن منزل سعاد لأتمكّن مِن رؤيتها قدر المستطاع. ودعَتني إلى مائدتها وقضيتُ وقتًا ممتعًا معها ومع أولادها الجميلين. وشعرتُ أنّني وسط عائلتي، ولم اتأخّر في طلب يد التي سرَقَت قلبي.

وتحدّثنا بالتفاصيل كلّها واتفقنا على أن تأتي سعاد معي إلى تركيا بعد الزفاف لترى البلد وتدبّر المدارس لأولادها، بينما يبقون هم مع جدّتهم ريثما تنتهي السنة الدراسيّة. وأقمنا حفلاً بسيطاً. فأنا لم أرِد أن أبيّن لها مدى ثرائي حتى تصل إلى منزلي الفخم وترى بنفسها أيّ حياة تنتظرها. وهذا ما حصل.

حين وصلنا إلى تركيا وتوقّفَت سيّارة الأجرة أمام الفيلا، لم تصدّق زوجتي عينيَها وصرخَت لكثرة ابتهاجها:

 


ـ يا الهي! تسكن هنا؟

 

ـ أجل حبيبتي... وهذا هو منزلكِ الآن... آسف لأنّني لم أكن صريحًا معكِ... ولكن...

 

ـ لا أريد أن أعرف.

 

ورأيتُ السّعادة على وجهها وهي تدخل الغرف الواحدة تلوَ الأخرى وتصرخ مِن الفرح، خاصّة عندما تعرّفَت إلى الطاقم المساعد والمسؤول عن ترتيب وتنظيف الفيلا. وفي تلك الليلة كنتُ أسعد رجل على وجه الأرض.

وفي الصّباح، شرحتُ لسعاد وضعي الحقيقيّ ومدى ثروتي وأتذكّر أنّها بكَت وقالَت:

 

ـ لا تسيء فهمي ولكنّني كبرتُ بالعوز وتزوّجتُ مِن رجل محدود الدّخل... وتمنَّيتُ وصلَّيتُ ألا يحظى أولادي بالمصير نفسه... أحبَبتُكَ قبل أن أعرف أنّكَ غنيّ.

 

ـ أعلم ذلك، حبيبتي... أعلم.

 

وبدأنا نسأل عن أفضل المدارس للأولاد وسجّلناهم، وذهبنا إلى المعارض لنفرش غرفهم. كانت فترة جميلة مليئة بالإثارة والسعادة.

تكلّمنا عن الإنجاب وأعربتُ عن نيّتي في ولد واحد ليحمل إسمي ووعدتُها ألا أفرّق بينه وبين أولادها. وخصّصتُ لها مبلغًا شهريًّا كبيرًا لتشتري لنفسها ما تريده وتبقى أنيقة، خاصة أنّها ستدخل عالمًا ليست معتادة عليه.

وأقمتُ عشاءً كبيرًا في الفيلا دعوتُ إليه جميع أصدقائي ليتعرّفوا إلى زوجتي الحبيبة التي حسَدَني عليها الجميع لكثرة لياقتها وابتسامتها المشرقة وكرهَتها النساء اللواتي كنَّ تتمنّين أن تكنّ مكانها.

وذهبنا سويًا إلى أنحاء البلاد، فاندهشت لجمال الأبنية والطبيعة وبدأت تعتاد على العيش بعيدًا عن مسقط رأسها.

وبعدما اطمأنّيتُ عليها، عاودتُ عملي في شركاتي التي كانت تدور مِن دوني بفضل معاونين كفوئين.

ولكنّ سعاد لم تتفّق مع العاملات في المنزل، ربما لأنّها لم تكن معتادة على إدارة الموظّفين. وعندما أشتكَت منهنّ، حاولتُ تهدئة الوضع بالتكلّم مع العاملات طالبًا منهنّ التغاضي عن ملاحظاتها القاسية. عندها قالَت لي إحداهنّ:

 

ـ سيّدي... نفهم أنّها السيّدة جديدة هنا، ولكنّنا معتادات على المكان ولطالما قمنا بواجباتنا كما يجب... السيّدة تنظر إلينا باحتقار... وتوجّه إلينا ملاحظات جارحة وكأنّنا مِن مستوى دون مستواها، مع أنّها...

 

ـ كفى مِن فضلكِ... لا تتكلّمي هكذا عن زوجتي... سأسوّي الأمور... عودي إلى عملكِ.

 

وللحقيقة لم أتوقّع مِن سعاد أن تتصرّف بهذا الشكل مع مَن يعمل مِن قلبه ويأتي مِن محيط متواضع. ظننتُ أنّها ستشعر معهنّ لأنّها تعرف تمامًا ما يعني العوز... ولكنّني لم أعِر الأمر أهميّة كبرى ونسيتُه كليًّا.

 

ولكن ذات يوم، لاحظتُ اختفاء ساعة ثمينة لي كنتُ أريد ارتداءها في سهرة رسميّة. بحثتُ عنها في كلّ مكان ولم أجدها. فسألتُ سعاد عنها واستاءَت للسّؤال وقالَت:

 

ـ إسأل تلك البنات عنها... أم تظنّ أنّني أخذتُها؟

 


ـ لا، يا حبيبتي... أسألكِ عنها فقد تكوني قد رأيتِني أضعها خارج علبتها.

 

والغريب في الأمر أنّني لم أضع ساعتي خارج علبتها في حياتي، فقد كنتُ مِن النّوع المنظّم جدًّا، لذا سألتُ العاملات عنها. وهنّ أيضًا إستاءَتنَ وقلنَ:

 

ـ إسأل السيّدة عنها.

 

ووقَعتُ في حيرة مِن أمري، وفضّلتُ ارتداء ساعة أخرى تفاديّا للمشاكل. وبعد حوالي الشهر، فقَدَت سعاد عقدًا مِن الماس كنتُ قد اشتريتُه لها وبدأت بالبكاء لكثرة حبّها له فركضتُ أشتري لها عقداً آخر. وحاولتُ معرفة ظروف فقدانة، فأسَرَعَت زوجتي باتهام العاملات مرّة أخرى:

 

ـ ومَن تريده أن يكون الفاعل؟ أنا؟ أسرق نفسي؟ أشكّ بالكلّ وخاصة بتلك الفتاة النمرودة... تلك التي تردّ على ملاحظاتي.

 

ـ نجلاء؟ إنّها ملاك!

 

ـ ملاك أمامكَ! لو ترى كيف تنظر إليّ! تظنّها ستشرب مِن دمي!

 

وواجهتُ الفتاة التي بدأت تبكي وتقسم بأنّها لم تأخذ العقد فرقّ لها قلبي الحنون. سامحتُها ووبّختُها وسط استنكار عام مِن باقي العاملات. ولكنّ الأمور لم تقف عند ذلك الحد بل بدأ المال يختفي مِن درج مكتبي. كنتُ أضع بعض المال النقدي للمصاريف اليوميّة. وعندما أقول بعض المال إنّما أعني الكثير.

عندها غضبتُ كثيرًا وبدأتُ أهدّد عاليًا كي يسمعني الجميع وتخاف السارقة. وهدّأت سعاد مِن غضبي، وطلَبَت منّي أن أتصرّف بعقلانيّة وطرد إحدى العاملات لتكون أمثولة لكلّ مَن ينوي إعادة الكرّة. وطَرَدتُ نجلاء على مضض، ولكنّ زوجتي كانت على حق. لم أكن مستعدًّا للعيش وسط أناس ينهبوني مِن دون تردّد.

وقرب وقت انتهاء السّنة الدراسيّة وقدوم الأولاد، فخطَرَ ببالي التحدّث إليهم بالفيديو لأريهم الفيلا كي لا يتفاجأوا عند وصولهم، بعدما أوصَيتُ سعاد بعدم إخبارهم بالذي ينتظرهم والتكلّم معهم عبر الهاتف فقط. وعندما رأوا المنزل والأثاث، ذهلوا وفرحوا كثيرًا وبدأتُ أنا أضحك. وسألني الأبن الكبير:

 

-أين الفيراري الحمراء؟ أرِنا إيّاها!

 

وتوقفتُ عن الضحك، لأنّ تلك السيّارة لم تعد بحوزتي منذ أكثر مِن سنة ولم تكن سعاد على علم بها. عندها سألتُه مِن أين علِمَ بأمرها فأجاب:

 

- رأيناها على الإنترنِت... كانت أمّي تتفحّص حسابكَ على الفيسبوك وكنتَ واقفًا بجانبها.

 

وأنهيت المحادثة بسرعة. كنتُ قد نسيتُ كليًّا أمر حسابي هذا لقلّة استعمالي له. هكذا إذًا. كانت سعاد قد بحَثَت عن إسمي على الإنترنِت فور تعرّفها إليّ على الموقع. كانت على علم إذاً بثرائي وادّعت الإندهاش. وأدرَكتُ أنّها كانت مَن أخَذَ ساعتي والعقد ولاحقًا المال. ولكن لماذا تفعل؟ كنتُ قد أعطيها الكثير مِن المال وكانت ستعيش برخاء حتى آخر ايّامها. إلا إذا... إلا إذا لم تكن تنوي البقاء. وكنتُ سأتأكّد مِن نظريتي عندما قالت لي زوجتي إنّها ذاهبة إلى بلدها لجلب أولادها. وعندما قلتُ لها إنّهم يستطيعون المجيء برفقة جدّتهم، صَرَخَت بي:

 

ـ لا! اريد الذهاب!

 

ـ ولِما هذا الإصرار، حبيبتي؟ كيف سأعيش مِن دونكِ حتى لفترة قصيرة؟

 

ـ سأعود بعد أيّام قليلة... لا تقلق.

 

وجعلتها تظنّ أنّني لا أشكّ بشيء وتركتها توضّب حقيبتها. عندها طلبتُ منها أن تريني محتواها ومحتوى حقيبة يدها. بدأت بالصّراخ والتهديد، ولكنّني لم أتراجع حتى عندما قالَت لي إنّها ستتركني إن بقيتُ مصرًّا لأنّها لا تستطيع العيش مع رجل لا يثق بها.

ووجدتُ الأشياء المفقودة والكثير مِن المال. كانت تنوي الرّحيل مِن دون عودة بعدما استفادَت منّي. لم تحبّني يومًا بل رأت فيّ مصدر منفعة. منذ أوّل يوم خطّطَت للنيل منّي. وكانت السّاعة والعقدَان وكلّ المجوهرات التي جلبتها لها والمال الذي سَرَقته وجمّعَته، كافية لتأمين حياة مريحة جدًّا لها ولأولادها.

أخذتُ منها كلّ ما كانت تنوي تهريبه، حتى الثياب الجميلة التي اخترتُها لها ومعها وقلتُ لها:

 

ـ ستعودين صحيح ولكن كما جئتِ... حسبتُكِ مختلفة... ضحِكتِ عليّ... جعلتِني أطرد إنسانة بريئة... كان بإمكانكِ أن تحبّيني، فأنا إنسان طيّب وكريم... كنتُ سأهتمّ بكِ وبأولادكِ... ولكنّكِ امرأة قاسية وأنانيّة... إذهبي ولا تعودي... ستصلكِ أوراق الطلاق، ولا تخالي حتى لثانية أنّني سأعطيكِ قرشًا واحدًا... فلا تنسي أنّني رجل أعمال ولم أصل إلى ما أنا عليه اليوم لأنّني ساذج أو يُمكن لأيّ أحد أن يستغَلني... هيّا! أخرجي مِن منزلي ومِن حياتي.

واختفَت سعاد إلى الأبد. وعدتُ إلى حياتي. لم أتزوّج حتى اليوم ولن أفعل.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button