حسدَني الجميع على خطوبتي من مروان، فكان إلى جانب وسامته وذكائه ثريّ جداً. ولد في عائلة متواضعة وشقّ طريقه بنفسه بالتداول بالعملات والأسهم العالميّة. فأصبح يملك الملايين وهو لم يبلغ حتّى الثلاثين من عمره. إختارني بين العشرات من الفتيات في ذلك الزفاف الذي دعيتُ إليه مع أهلي. سأل من أكون وقيل له أنني إنسانة متعلّمة وهادئة وأنّ أبي سفير سابق يُعنى بالشؤون الإجتماعيّة لدى مؤسسة خاصة مشهورة. عندها جاء نحوي وعرّف عن نفسه وطلب منّي أن أرقص معه. إحمرّ وجهي وبعد أن أخذتُ الإذن من أمّي، توجّهتُ معه إلى حلبة الرقص. وقبل أن أغادر السهرة، أخذ رقم هاتفي ووعدني أن يتصل بي بأقرب وقت.
لم أكن أعلم حينها مدى ثرائه، فكل ما لفتَ إنتباهي به كان لطفه ووسامته. ثم بدأ يهاتفني وقضينا ساعات طويلة نتكلّم عن أنفسنا ونتبادل الآراء حتى جاء الوقت لكي نلتقي. ووقعتُ في حبّه وبادلني شعوري. وبعد شهرين تقريباً، طلب أن يأتي إلى البيت ليتعرّف رسميّاً على والديّ. وجرى كل شيء كما يجب، فأعجب به أبي كثيراً بعدما تحدّث معه عن السياسة والإقتصاد ووجد أنّه شاب مثقّف وطموح وإنبهرت أمّي بلياقته وشياكته. كنتُ أعيش حلم كل فتاة في عمري وشعرتُ أنّ القدر يسيّر لي جميع الأمور. وتمّت الخطوبة وبدأ يأخذنا جميعاً إلى المطاعم الفخمة ويهديني الهدايا الثمينة. عرّفني مروان على أهله وأحببتُ بساطتهم وهكذا أصبحتُ بعد فترة قصيرة زوجته.
وبعد أن قضينا شهر عسلنا في جزر السيشال، رجعنا إلى منزله الفخم لنبدأ حياتنا الزوجيّة. تعرّفتُ على جميع أصدقائه الذي كانوا أيضاً أناس أثرياء وصار لي صديقات أزورهنّ وأخرج معهنّ للتسوّق. في هذه الأثناء عاد مروان إلى أعماله العديدة وجني المال الوفير. حتى أنّه قال أنّ لي تأثيراً إيجابيّاً على شغله، فبعد أن تزوّج منّي زاد عدد مستثمريه بشكل ملحوظ. وهكذا إشترى يختاً جميلاً وبدأ يمازح ويقول: "قريباً سأشتري لنا طائرة خاصة." كنتُ فخورة بهذا الرجل الناجح الذي كان يتقاسم معي ومع أصدقائه ثمرة عمله وبدأتُ أفكّر بأنّه حان الوقت لكي تكبر عائلتنا. ولكن كان لمروان رأياً مختلفاً:
- حبيبتي... دعينا نستمتع قليلاً ببعضنا... فإذا حملتِ وأنجبتِ ستنشغلين بالطفل... أنظري حواليكِ... كل هذا مخصص لمتعتنا... دعينا نؤجل الموضوع إلى السنة المقبلة على الأقل.
وبالطبع قبلتُ معه، فكنتُ أنا أيضاً سعيدة بنمط حياتنا وكنتُ أعلم أنني لن أستمتع به بعد الإنجاب، على الأقل في أوّل سنتين. وتابعنا حياتنا المليئة بالحفلات والعشوات والرحلات على يختنا. ولكن في إحدى الرحلات، حدث شيئاً غيّر حياتي بكاملها. كنّا قد ذهبنا مع شلّة أصدقاء لنا إلى جزيرة قبرص، حيث ألقينا المرساة لقضاء الليل. وبعد أن زرنا الجزيرة وتناولنا العشاء في أحد مطاعمها، عدنا إلى اليخت لننام.
وعندما إستفقتُ في الصباح، لم أجد مروان بقربي. ظننتُ أنّه يتناول إفطاره ولكنني لم أجده لا في المطبخ ولا في أي مكان آخر. سألتُ إن كان أحد أصدقائنا قد رآه ولكن لم يلاحظ أيّ منهم غيابه. عندها حسبته نزل إلى الجزيرة ليبتاع شيئاً للغذاء وإنتظرته حتى يعود. ولكنّه لم يرجع إلى اليخت. إنشغل بالي كثيراً وطلبتُ من رفاقنا النزول للبحث عنه ولكنّهم عادوا بعد هبوط الليل دون أن يجدوه. نصحني أحدهم بأن أبلّغ السلطات القبرصيّة وهكذا فعلتُ. كنتُ في حالة يُرثى لها، خاصة بعد أن إقترح أحد أفراد الشرطة الذي جاء للتحقيق، بأنّ زوجي قد يكون قد خُطِفَ من قِبَل عصابة وأنّ علينا الإنتظار حتى يتّصل بنا الخاطفون لطلب فدية.
وتجمّعنا داخل اليخت وبدأ الإنتظار. أعصابي كانت قد إنهارت كليّاً وأعطتني صديقتي حبّة لأهدئ قليلاً وأستطيع التكلّم مع من خطف زوجي الحبيب ومعرفة مطالبهم. ولكن لم يتّصل أحد بي. إستغرب الشرطي للأمر وقرّر أن يأخذ فرقة ويبحث عنه في الجزيرة، فإن لم يكن مخطوفاً، فربما كان قد وقع ضحيّة حادث ما ويرقد في إحدى المستشفيات. طلب منّي الرجل أن أخبر سفارتنا بما حدث والإنتظار على متن اليخت حتى يؤذن لي بالرحيل. ولكنني صرختُ له:
- لن أغادر قبل أن تجدوا زوجي!
- حسناً سيّدتي ولكنّ الأمر قد يستغرق بعض الوقت.
- هذا ليس مهماً... لدينا المال الكافي لنبقى هنا سنوات!
ولم تصل الشرطة إلى أيّ دليل عن وجوده في أيّ مكان. كان وكأنّه تبخّر في الطبيعة. أصرّيتُ على البقاء حيث أنا بعدما طلبتُ من أصدقائنا الرجوع إلى البلد، فإستقلّوا طيّارة وعادوا إلى أشغالهم ما عدا صديقتي. وبعد حوالي الأسبوع على الحادثة، توجّهتُ إلى الجزيرة لأجلب بعض المال من الصّراف الآلي وأشتري ما نأكله.
كنتُ قد أخذتُ بطاقة مروان المصرفيّة التي بقيَت مع أمتعته في الغرفة. ولكنني تفاجأتُ كثيراً عندما رفضت الآلة أن تعطيني المال. حاولتُ مرّة أخرى ولكن من دون جدوى أخرجتُ بطاقة ثانية وجاءني نفس الجواب: "الرصيد الموجود ليس كافياً." كان هذا غير معقول، فكنّا أثرياء وحساباتنا مليئة بالمال. دخلتُ المصرف وطلبتُ أن أرى المسؤول وبعد أن رويتُ له ما حصل مع البطاقتين، أخذها منّي وتحقّق منها على حاسوبه ثمّ نظر إليّ بحزن وقال لي:
- أنا آسف سيّدتي ولكن... ولكن الحسابين فارغين.
- هذا لا يعقل! أرجو منكَ أن تتحقّق من الأمر مجدّداً.
أدخل الرجل الأرقام مرّة أخرى وهزّ رأسه. شكرته وخرجتُ من المصرف ومشيتُ في شوارع المدينة وأنا أفكّر بما يجري. هل يُعقل أن يكون إختفاء مروان له علاقة بحساباته المصرفيّة؟ عدتُ إلى اليخت وطلبتُ من القبطان أن يعيدني أنا وصديقتي إلى البلد. وفور وصولي، إتّصلتُ بمصرفنا وطلبتُ موعداً مع المدير. وبعد أن إرتحتُ قليلاً وأخذتُ حمّاماً ساخناً، ذهبتُ إلى الموعد. هناك أخبرني المدير بأنّ زوجي قد أخذ قروضاً ضخمة وكان موعد تسديدها قد حان.
- وكيف تعطونه كل هذه القروض وهو لا يمتلك شيئاً؟
- سمعته جيّدة في السوق وقال لنا أنّ والدكِ سفيراً سابقاً ويشغر منصباً عالياً حالياً. وكان زوجكِ قد أخذ قروضاً فيما مضى وسدّدها جميعها في حينها. فلم يكن لدينا سبباً لنمانع خاصة أنّه رهن لنا منزلكم.
- ماذا؟ المنزل مرهون؟ هل هذا يعني أنّكم ستأخذونه في حال لم تسترجعوا المال؟
- أجل سيّدتي
- واليخت والسيّارات؟
- سنضع يدنا على كل ممتلكات السيّد مروان بعد أقل من أسبوع.
- وإذا عاد؟
- أرجو من كل قلبي أن يعود ولكن عليه دفع ديونه وإلّا سيفقد كل شيء وإذا لم تكفي الممتلكات لهذا سيدخل السجن... خاصة أنّكِ قلتِ أنّ لديه حساباً آخراً فارغاً في مصرف ثاني...
بعد خروجي، ركضتُ إلى المصرف الآخر وهناك قالوا لي نفس الشيء. عندها فهمتُ سبب إختفاء زوجي. لم يحصل له حادث ولم يخطفه أحد، بل هرب قبل أن يدخل السجن، لأنّ الديون التي تجمّعت تفوق ثمن البيت واليخت والسيّارات. لجأتُ إلى أبي وأخبرته كل شيء. بعدما إنتهيتُ من كلامي قال لي:
- لم أشكّ به ولو للحظة! وأظنّ أنّ لا أحد من شركاءه أو أصدقاءه يعرف حقيقته. لن يهرب مطوّلاً، لأنني سأبلّغ الشرطة والأنتربول وسيأتي يوم ويدفع ثمن غشّه والحزن الذي سبّبه لكِ. ستعودين للعيش معنا قبل أن يحجزوا على البيت. فليأخذوا كل شيء نحن لسنا بحاجة إلى شيء من ذلك المكان. من الجيّد أنّكِ لم تنجبي منه.
- هو لم يكن يريد هذا... لأنّه كان يعلم أنّه سيتركني ويرحل.
ومرَّت سنة كاملة قبل أنّ يتمّ أخيراً القبض على زوجي وسجنه. لم أذهب لرؤيته بل طلبتُ الطلاق.
حاورتها بولا جهشان