ما رأيته في ذكرى زواجنا، غيّر حياتي

كنت أعشقُ عملي كمضيفة طيران بسبب حبّي للسفر أولاً وبسبب إختلاف الناس الذي ألتقي بهم. وفي إحدى سفراتي تعرّفتُ إلى من سيصبح زوجي. أحببتُ سعيد من أول نظرة وعلمتُ أنّه الرجل الذي كنتُ أبحثُ عنه. بعد فترة تواعد قصيرة طلب يدي ووافقت طبعاً. لم يطلب منّي ترك عملي رغم غياباتي العديدة فقد كان يعلم مدى تعلّقي بالطيران وهذا جعلني أحبّه أكثر وأكثر. وعندما كنتُ أعود الى المنزل بعد كل سفرة كان لقاؤنا مليئاً بالشوق وكأننا في اليوم الاول . أراد سعيد أن ننجب ولكن كنتُ أرجئ دائماً الموضوع بسبب عملي فكيف لي أن أكون أم وأنا غائبة معظم الوقت ؟ ولكن هذا الموضوع لم يسبب لنا أية مشاكل فكان زوجي إنساناً عظيماً.

ومرّت سنتين على هذا النحو وأنا أحلق في الجو من بلد الى بلد ومن الفرح أيضاً فحياتي كانت مثاليّة. وفي عيد زواجنا الثاني كان من المفترض بي أن أذهب إلى ريو دي جنيرو ولكن قرّرتُ أن أتبادل الرحلات مع إحدى زميلاتي وأفاجىء حبيبي بقدومي الى البيت. بعد أن تأكدتُ من وجود سعيد في المنزل مررتُ الى مطعم قربنا وجلبتُ المأكولات الفاخرة والحلوى. كنتُ مصرّة أن يكون كل شيء كما يجب فزوجي كان يتحمل نمط حياتي بتفّهم ومحبّة.

دخلتُ المبنى وتوجهتُ الى المصعد عندما جاء رجل وصعد معي بعدما ألقى التحية بحركة من رأسه. وفجأة إنقطعت الأنوار وتوقّف المصعد. حبستُ أنفاسي لبضعة ثواني لكثرة الظلمة ولوجود شخص غريب معي. أحسّ الرجل بعدم إرتياحي فقال لي بصوت مطَمئن:

- أنا متأكد أنّ التيار سيرجع بعد لحظات. أنا واقف في الزاوية بعيد عنك فلا تقلقي.

ثم أخذ هاتفه وطلب أحداً قائلاً أنه عالق في المصعد وأنّه سيتأخر قليلاً، ثم توجه إليّ:

- سيأتون لإخراجنا بعد قليل. ما هذه الرائحة الذكية؟

- أحمل أكياساً من المأكولات فاليوم عيد زواجي ولم يتسنّى لي أن أحضّر شيئاً بنفسي ولا يعلم زوجي أنني قادمة فستكون مفاجأة سارّة له. لهذا السبب لم أطلبه لأقول له أنني هنا. آمل فقط ألا يطول مكوثنا هنا وألّا يخلد الى النوم.

تكلّمنا عن أحوال البلد وعن الطقس. كان إنساناً ظريفاً ومهذّباً عمل ما بوسعه لكي لا أشعر بالملل. ومع مرور الدقائق أصبحنا كالاصدقاء القدامى نتساير ونضحك فلم يكن يوجد سوانا في تلك العلبة مظلمة معلّقة في الهواء. كان من الممكن أن يكون غليظاً أو غير مهذباً ولكن حظّي كان جيداً. قلتُ له فجأة:

- يا ليتكَ تتعرّف إلى زوجي فأنا أكيدة أنّكما ستتمتعا برفقة الآخر. إنّه إنسان خلوق ولطيف وباله طويل. أقول هذا لأنه يتحمّل بصمت غياباتي المتكررة . أعلم كم يحبني ولهذا أحبّه أكثر. وأنت ؟ هل وجدت حبّ حياتك؟

- أجل ... ومنذ سنين ... فنحن سوياً منذ أكثر من 10 سنوات ولم أعرف أحداً آخراً بحياتي.

- ولما لا تتزوجا؟

- هناك ظروفاً تمنعنا من ذلك وأفضّل القبول بهذا الواقع على أن أعيش من دون حب كهذا.

- كم هذا رومانسياً! أحب قصص الحب !

وبعد لحظات سمعت أحداً يحاول فتح المصعد من الخارج فإرتحتُ قليلاً وسمعت صوتاً يقول :

- عذراً على التأخير حبيبي ... فالناطور لم يكن بغرفته.

- صرختُ حينها من الفرح:

- هذا سعيد ! هذا صوته ! ولكن كيف علم أنني هنا ؟

وفُتِحَ باب المصعد ووجدتُ زوجي أمامي ينظر إليّ بدهشة:

- مُنى ؟ أنتِ هنا ؟

- نعم أنا هنا ... لمن إذاً كنتَ تقول حبيبي ؟

نظرتُ الى الرجل الواقف معي وفهمتُ .

ثم قال لي سعيد بصوت جدّي.

- علينا أن نتكلم ... ثلاثتنا.

خرجتُ من المصعد وأرجلي ترتجف بقوّة. كنتُ أعلم ما سيقوله لي ولكن أردتُ أن أعرف التفاصيل فالأسئلة بدأت تتخابط في رأسي.

دخلنا شقتنا بصمت . جلسنا في الصالون وذهب سعيد الى المطبخ لإحضار أكواب من الماء.

الرجل جلس صامتاً ينظر الى الأسفل. أنا أكيدة أنّه أحسّ بالذنب ليس فقط لأنه على علاقة مع زوجي بل لأننا خلال الدقائق التي قضيناها في المصعد ولدت بيننا شبه صداقة وقد خانها الآن.

عاد زوجي وجلس قبالتنا وقال:

- حبيبتي ... نعم أنتِ أيضاً حبيبتي ... أحبّك ربما ليس كما يجب ولكن أنتِ عزيزة عليّ وأكثر مما تتصورين ولكن...

ونظر الى صديقه وإبتسم بحنان ثم تابع:

- ولكن قلبي وجسدي ملكه ومن فترة طويلة. لطالما أحببته ولكن حبّنا كان وما يزال محرّماً علينا ولا نستطيع أن ننعم به علناً. وبدأت الناس تتكلم فلم يراني أحد قط مع امرأة فقررتُ أن أتزوج . في البدء إخترتك فقط بسبب مهنتك لأنّها تتيح لي الفرصة لألتقي بحبيبي ولكن صدّقيني مع الوقت أصبحتِ مهمّة جداً بالنسبة إليّ. كنتُ آمل أن تعطينا ولداً لأننا لا نستطيع الإنجاب سويّاً. سامحيني لأنني كنتُ أنانيّاً. أعلم أنكِ لن تبقين معي بعد الآن ولكن لا تكرهيني فأنا ضحيّة مثلكِ.

- كيف إستطعتَ القيام بواجباتكَ الزوجيّة إذا كنتَ تحبّ الرجال؟

كنتُ... كنتُ أفكّرُ به أثناء...

رحلتُ وأنا أبكي بمرارة فكنتُ قد أغرمتُ بزوجي وكنتُ سعيدة معه وها أنا أكتشفُ أنّها كانت مسرحيّة كبيرة.

وبما أنّه كان زوجاً طيّباً معي حفظتُ سرّه وقلنا عندما طلّقنا اننا نقضي وقتاً طويلاً من دون بعضنا وهذا ولّد برودة بيننا.

والغريب في الامر أننا بقينا أصدقاء فلم أكرهه. أظنّ أنني علمتُ في قرارة نفسي أنه أحبّني على طريقته وهذا كان كافي لمحو جزء من إساءته لي.

بقيَ مع حبيبه وأنا ما زلتُ أحلّق في السماء أبحث عن حبّ حياتي بين الغيوم.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button