ما بين زوجي ووالدته...لا يصدقه عقل!

كان يوماً خاصاً جدّاً فكنتُ سألتقي بسناء والدة حبيبي. كان قد حكى لي كثيراً عنها و كيف إهتمّت بتربيته بمفردها بعدما رحل والده مع إمرأة أخرى. كانت لا تزال فتاة صغيرة فلم يتجاوز عمرها السابعة عشر عندما تزوّجت من عديم الاخلاق هذا. فأُجبرت على أيجاد عمل وتعذّبت كثيراً لكي تؤمّن لولدها الوحيد المربى والعلم الكافيين ليصبح الرجل المرموق الذي أصبح عليه.

جلَسَت أمامي إمرأة صبيّة وأنيقة عرَفَت كيف تحافظ على مظهرها رغم كل الصعوبات.

أحبّتني كثيراً وقالت لإبنها:

- أهنّؤكَ على إختياركَ حبيبي، فيُمنى هي الفتاة التي أردتُها لكَ، هي لطيفة وطيّبة ولها قلب من ذهب. مبروك لكما.

ثمّ أوصتني به طالبةً منّي ألاّ أبعده عنها لأنّه كل ما لديها. وعدتها أنّ لا شيء سيتغيّر بالنسبة لها. قبّلتني بقوّة وعانقت ولدها مطوّلاً.

وبعد شهرين عقدنا قيراننا في غياب أمّه لأنّها أصيبت بوعكة صحيّة شديدة ولكنّها أصرّت ألّا نؤجّل الزفاف.

 بقيتُ على وعدي لها فظلّ أنور يذهب لزيارتها كلّ يوم بعد العمل وينام عندها مرّة في الأسبوع.كنتُ فخورة بزوجي ومعاملته لأمّه كان مؤشّراً بأنّه سيهتمّ جيّداً بي وبالأطفال التي سنرزق بهم .

بعد فترة وجيزة علمتُ أنّني حامل وكانت ردّة فعل أنور كما تمنّيتها: فرِحَ كثيراّ وحملني وقبّلني وقبّل بطني. كم كنتُ سعيدة!

ولكن لم ألمس من سناء ردّة الفعل نفسها فإكتفت بقول بضعة كلمات تهنئة. قلتُ لنفسي أنّها ربما تذكّرت الأيّام العصيبة التي مرّت بها عندما تركها زوجها هي وطفلها.

و في ذاك نهار جاء أنور وأخبرني أن أمّه مريضة جدّاً وأنّ حالتها تستدعي السفر إلى الخارج للمعالجة. فإنطلقا إلى أوروبّا ومكثا هناك أسبوع. عند عودتهما وجدتُ سناء متعافية تماماً. قالت لي بإبتسامة عريضة:

- لقد تلقّيتُ العلاج المناسب من قبل طبيب مختصّ يجيد شفاء المرضى.

نظرتُ إلى زوجي فوجدته مستاءً لما قالته أمه ولم أفهم السبب. ومن بعدها ساد توتر بينهما فزيارته لها خفّت بشكل ملحوظ وعندما سألته عن السبب قال لي أن حمَلي يستلزم بقاءه بقربي. وعندما حاولتُ إقناعه بعدم تغيير عادته مع أمه صرخ بي:

لا أريد الذهاب الى هناك بعد الآن! لا تجادليني من فضلك!

ثم هدأ قليلاً وأضاف:

يا ليتكِ تعلمين كم غيٍّر مجيء هذا الطفل من أشياء!

وغمرني بقوة.

ظننتُ أن سرعان ما سيزول الجفاف بين أنور ووالدته ولكن هذا لم يحصل بل قطع صلته بها تماما حتى أنها لم تكن موجودة عند ولادة إبننا.

لم أشأ أن يكبر إبني دون أن يحظى بحنان جدّة ففور خروجي من المستشفى إتصلتُ بها. إتهمتني بإبعاد أنور عنها ونعتتني بماكرة لا أتحلّى بأي أخلاق أو مبادىء. حاولتُ الدفاع عن نفسي ولكنّها أقفلت الخط بوجهي.

قررتُ عدم إخبار زوجي بما قالته لي ولكن حدثَ أمراً غير متوقَّع غيَّرَ مجرى الأحداث ومفهومي للأمور والناس. فبعد أسبوع من حديثي مع حماتي إتصلَت بي صديقة لي لم أرها من أكثر من سنتين بسبب إنتقلها للعيش في الولايات المتّحدة مع زوجها.فرِحَت كثيراً عندما علِمت أنني تزوّجتُ وأنجبتُ طفلاً فهلعت لِزيارتي. لم يمرّ على وصولها أكثر من عشر دقائق حتى صرخت عند رؤية صورة لي مع أنور وأمّه معروضة على طاولة قربها:

- هذان سناء وأنور! من أين تعرفينهما؟

- أنور هو الرجل الذي تزوّجته وسناء هي أمّه طبعاً.

- أمّه طبعاً؟؟؟ أتمازحينني؟ سناء عشيقة أنور منذ سنين طويلة. تكبره بحوالي عشرين سنة ولم يستطع أحد إقناعه بتركها. أعرفها جيّداً فهي جارة أهل زوجي وعلاقتهما لطالما كانت حديث الحيّ.

لا أقدر أن أصف شعوري في تلك اللحظة. أحسستُ أنّ الغرفة تدور بي وكاد أن يقع إبني من ذراعيّ. نظَرت إليّ صديقتي بتعجّب:

- لستِ على علم بالموضوع؟ قالا لكِ أنّها أمّه؟ يا للمكر!

يا حبيبتي... يا ليتني لم أخبركِ بالأمر.

- بل عملتِ جيّداًّ! خذيني أنا وإبني من هنا أرجوكِ لا أريد أن أرى الكاذب والغشاش عندما يعود في المساء.

و قبل خروجنا من البيت تركتُ له رسالة تقول:"أعلم كل شيء عنكَ وعن عشيقتك سناء ايّها السافل! لن تراني ولن ترى إبنك مجدّداًّ".

لم أسمع أي خبر منه لأيّام فرجّحتُ أنّه رجع إليها وإنّهما يعيشان حبّهما بهناء وقررتُ أن أذهب إلى المنزل لآخذ باقي أمتعتي لأعيش عند أهلي. عند دخولي الشقّة تفاجأتُ بوجود أنور هناك رغم أنّه كان من المفترض به أن يكون في عمله. سألته بجفاف ما الذي يفعله هنا. قال لي بحزن:

- لم أذهب الى العمل منذ ما تركتِ البيت مع إبننا. لا أريد شيئاً في هذه الحياة غيركما. أعلم أنّكِ لن تصدّقينني بعد الآن وأنا أفهمكِ تماماً لأنّني كذبتُ عليكِ بشكل قبيح جدّاً واليوم أسأل نفسي كيف إستطعتُ أن أفعل هذا بكِ. إسمعيني جيّداً ولا تقاطعيني من فضلكِ. علاقتي مع سناء تعود إلى سنين طويلة وهي المرأة الوحيدة التي عرفتها بحياتي. ولكن كنتُ أعلم أنّه لا مستقبل لي معها لأنّها تكبرني بعشرين سنة وحلمي كان أن يكون لي ولد. أعترفُ أنني عندما تزوّجتكِ لم أكن أحبّكِ فما كان يهمّني هو أن ترضى عنكِ سناء لأنني وعدتها ألا يتغيّر شيئاً بيننا.

ولكن بعد فترة من زواجي بكِ بدأتُ أحبّكِ يوم بعد يوم وعندما علمتُ أنّكِ حامل قررتُ فسخ علاقتي بعشيقتي ورأيتِ كيف لم أعد أذهب إليها. إستاءت كثيراً وهددت بأن تجعل من حياتي معكِ جحيم. لا أريد أن أعيش من دونكِ ومن دون إبننا. أعدكِ بأن أكون مثالاً صالحاً له وزوجاً محبّاً لكِ. لا تقولي شيئاً الآن. فكّري بنا وبعائلتنا الصغيرة. دعيني أثبتُ لكِ جدّيّتي.

ثم وقف وقبّلني على جبهتي وخرج من الشقّة. بقيتُ لوحدي أبكي. أخذتُ بعض الأمتعة وذهبتُ الى أهلي لأفكّر بما قاله زوجي.

هناك راجعتُ في رأسي كلّ الأحداث التي جرت وإستنتجتُ أنّ أنور أراد فعلاً إنهاء علاقته بسناء فقررتُ أن أعطيه فرصة ليثبتَ حسن نيّته ومراقبة سلوكه عن كثب. والسبب الأساسي لقراري هذا هو أنني لم أشأ أن يكبرَ إبننا من دون أب فليس على الأطفال أن يدفعوا ثمن أخطاء الكِبار.

حاورتها بولا جهشان  

 

 

 

المزيد
back to top button