منذ صغري وأنا أحلمُ بأن يكون لدي عائلة كبيرة. لعبتي المفضلّة كانت العروسة أهتمّ بها وكأنّها إبنتي. وعندما كبرتُ وذهبتُ إلى الجامعة إخترتُ أن أتخصص كحاضنة أطفال لأكون محاطة بهم طوال الوقت. حياتي كلّها كانت تدور حول هؤﻻء الأشخاص الصغار وتلبية طلباتهم والإعتناء بهم.
والطريقة الوحيدة لكي يكون لي أولاد كانت طبعاً الزيجة فبدأتُ أبحث عن شريك حياتي وأب أطفالي. وحين تعرّفتُ إلى جاد رأيتُ فيه الزوج ورب العائلة الذي تمنّيتُه. لهذا قبلتُ بسرور عندما عَرَضَ عليّ الزواج وهيأتُ نفسي لحياة هنيئة مليئة بالأطفال. كان لِجاد ثلاثة أخوة كلّهم متزوّجين ولكن لم يكن لأحدهم ذريّة وبالطبع وجدتُ هذا غريباً ولكنني لم أرد أن أسأل عن السبب لكي لا أُزعج أحد أو أبدو متطفّلة. حماتي كانت إمرأة لطيفة ومحبّة وعندما تعرّفتُ إليها وأخبرتها عن نيّتي بتأسيس عائلة كبيرة مع جاد نظرت إليّ وقالت:
- تُذكّرينني بنفسي عندما كنتُ في سنّكِ... أنا أيضاً أحبُّ الأطفال... ولكن الحياة جميلة أيضاً من دونهم... المهم هو الوفق مع شريك حياتكِ... على كل حال أتمنّى لكما حياة سعيدة.
- شكراً ولكن لا أرى الداعي للزواج إنّ لم يكن الهدف هو الإنجاب... على كل حال أنا أكيدة أنّ جاد يفكّر مثلي.
ونظرَت حماتي إلى جاد الجالس بقربي ثمَّ غيّرت الحديث. وبعد حفلة الزفاف ذهبنا لقضاء شهر العسل وعدنا إلى البلد لنبدأ حياتنا سوياً. ولكن خلال سفرتنا أًّصّرَ زوجي على إستعمال الواقي الذكري وعندما سألته عن السبب قالَ:
- لا أريد أن أنجب أطفالاً خارج بلادي.
ضحكتُ عند سماع هذا ولكنّه كان جديّاً ففضلّتُ الإنتظار حتى نعود.
وإنتظرتُ طويلاً لانّه لم يكفّ عن إستعمال الواقي وكان كلّ مرة يقدّم لي عذراً مختلفاً وغير مقنع حتى أنني سئمتُ من هذه المماطلة وبدأتُ أطالب بسبباً وجيهاً لتصرّفه هذا:
- أتخالني غبيّة لهذه الدرجة؟ من الواضح أنّكَ تتفادى الإنجاب ومن حقّي معرفة السبب.
- إنّكِ تتصورين أشياء غير موجودة. أنا فقط أريد أن أستمتع معكِ بعض الشيء قبل إنجاب الأولاد. أتعلمين كم يأخذ الأطفال من وقت أهلهم؟ ذنبي الوحيد هو أنني أحبّكِ وأريدكِ لنفسي. وما زلنا صغار في العمر. فلِمَ العجلة؟
- حسناً... سننتظر سنة وليس أكثر ومن بعد هذا لا أريد أي عذر منك. هل نحن متفقّين على ذلك؟
- متفقّين!
وعمل زوجي جهده خلال تلك السنة لكي يسعدني فأخذني إلى أماكن رائعة وقمنا بنشاطات عديدة ربما ليثبتَ لي كيف يمكن للحياة أن تكون جميلة من دون أولاد.
ولكن وقت الإستحقاق وصلَ وإنتهت المهلة التي حددتُها له وسألتُه إن كان جاهزاً لتأسيس عائلة معي. نظرَ إليّ بحزن وقال لي:
- أنا مستعد... ولكن... لا أستطيع.
- ماذا؟ ما تقصد بِ"لا أستطيع"؟... هل أنتَ عاقر؟
- لا لا! هناك مشكلة أخرى... ربما كان يجب عليَّ إخباركِ قبل أن نتزوّج ولكنني خشيتُ أن ترفضيني فأنا أعلم مدى حبّكِ للأطفال...
- إن كنتَ تستطيع الإنجاب لا أرى سبباً في العالم يمنعك من إعطائي ولو ولد! إلا إذا كنتَ تعاني من مرض نفسيّ!
- مرضي ليس نفسيّاً... يا ليته كذلك لكنتُ تعالجتُ منذ زمن بعيد لأنني أنا أيضاً أحبُّ الأولاد وحلمي أن يكون لي عائلة مؤلفة من عشرة أولاد يملؤون حياتنا بضحكتهم.
- هيّا تكلّم!
- الحقيقة أنني ولدتُ مع ميزة خاصة جداً... كل أعضائي الداخليّة في غير محلّها... أعني على الجهة الأخرى مما يجب أن تكون. فقلبي مثلاً على الجهة اليمنى...
- يا إلهي... وما السبب؟
- أبي وأمّي أولاد العمّ وهذا يحصل أحياناً للأطفال الذين يولدون من زيجة كهذه... إخوتي طبيعيين ولكن يخشون أن يأتي أولادهم مثلي... لا أريد أن أنجب أطفالاً ذات عاقة ولا أريدهم أن يعانوا مثلي من خوف دائم من إلتهاب بالرئة وأن يحملوا معهم دائماً ورقة تشرح عن حالتهم في حال حدوث مكروه...
- هل أنتَ متأكد أن حالتكَ وراثيّة؟
- لا أريد أن أخاطر...أعذريني حبيبتي لأنني لم اقل كل هذا من قبل أن نتزوّج... يمكنكِ الرحيل إذا أردتِ فلن أعيقكِ...
بعد سماع هذا ذهبتُ أفتش على الإنترنيت لأعرف أكثر عن ما يسمّونه "سيستوس إنفرتوس" أو قلب الأعضاء وإكتشفتُ أنّه لا يعطى للذريّة إلا إذا الأبوين مصابين به أي إذا لم أكن هكذا فلن يأتي أولادنا مثل أبيهم. وللتأكد ممّا علمته ذهبتُ لرؤية طبيب ثم آخر وكلّهم أكّدوا لي نظريتي. وفي المساء إنتظرتُ أن يعود زوجي من عمله لأزفّ له الخبر السار وتأنيبه:
- أنا مندهشة لكونك تقبلّتَ حالتكَ دون أن تستفسر أكثر عنها فأنتَ رجل مثقّف ومن البديهيّ أن يسعى المرء إلى معرفة جسده والأمراض التي يصابُ بها خاصةً أنّ إخوتكَ إمتنعوا عن الإنجاب وكنتَ أنتَ تنوي أن تفعلَ هذا. كنتَ بجهلكَ ستحرمني من أن أحقّق حلمي وبأنانيّتكَ فضّلتَ كتمان الحقيقة. وهذا كافٍ لأترككَ ولكنني أحبّكَ وأريد أطفالاً منكَ أنتَ بالذات. سأسامحكَ لأنكَ رجلٌ طيب وحنون ولأنّك قضيتَ سنين طويلة تخشى أن تؤذي أولادكَ وأعتقد أنّ هذا العقاب كافٍ. سنفتح صفحة جديدة سويّاً وننسى كل ما حصلَ حتى الآن وليكن في علمكَ أنني لن أقبل بأقلّ من ستة أولاد!
وتعانقنا مطوّلاً وفي تلك اللحظة علمتُ أنني سأكون أسعد أمّ في الدنيا.
حاورتها بولا جهشان