ما السرّ الذي يخفيه إبني في هاتفه؟

عندما حصلت هذه الحادثة كان إبني في الخامسة عشرة من عمره وكان تلميذاً مجتهداً محبوباً من الجميع إنّ كان من رفاقه أو أساتذته. لذا إستغربتُ كثيراً عندما عاد إلى البيت والدمعة في عينيه. عندما سألته عن السبب قال لي:

 

- المعلّمة أخذَت منّي هاتفي ولا تنوي إرجاعه أبداً.

 

- ألا تعلم أن جلب الهاتف إلى المدرسة ممنوع؟ عليكَ إحترام القوانين!

 

- بلى ولكن كل رفاقي يجلبون جوَالهم ولا احد يوبّخهم. لما أنا بالذات؟

 

- لا أدري ولكن لستُ آسفة لكَ فأرجو أن يكون هذا درساً لكَ. بعد أسبوع سأتكلمّ مع مدرسّتك لأقنعها بأن ترجع إليك الهاتف.

 

ولكن عندما ذهبتُ إلى المدرسة بعد بضعة أيّام صدّتني المعلّمة برفضها القاطع. لم أفهم سبب هذا الموقف الصارم تجاه شادي فكان من أوائل صفّه ولم يزعج أحداً في حياته. وعدتُ إلى البيت متأمّلة أن تغيرّ رأيها. عادةً حادثة كهذه تصل إلى هذا الحد ولكن في حالتنا بدأت القصّة تتفاقم إلى درجة لم اتصوّرها أبداً. فبعد أيّام قليلة تلقيتُ إتصالاً غريباً من أمرأة مجهولة:

 

- أعلم ما يَنوي فعله...

 

- من المتكلّم؟

 

- انا مستعدّة... لن يستطيع فعل شيء...

 

وأقفلَت الخط. حاولتُ التعرّف إلى الرقم ولكن كان "برايفت" فإعتقدتُ أنّها دعابة من قبل أصدقاء إبني وقررتُ إخباره بما جرى عند عودته من المدرسة. نكرَ معرفته بأي شيء ونسيتُ بسرعة الحادثة. ولكن بعد فترة قصيرة بدأ هاتفي يدقَ عدّة مرات في النهار دون أن يتكلمّ معي أحد . انزعجَ زوجي للأمر وخفتُ أن يظنّ أن لديّ عشيق ولكن لم يكن بأستطاعتي فعل شي بهذا الشأن . لم أتصوّر أبداً أن المتصّل هو مدرسّة إبني وهي التي جاءت واخبرتني بالأمر يوم ذهبتُ لأحضر إجتماعاً مع الأساتذة. 

 

- هل فهمتم الرسالة؟ هل ستتركوني بسلام الأن؟

 

- لا أفهم قصدك... عمّا تتكلمين؟؟؟

 

- عن الهاتف الذي أخذتُه من شادي ... أعلم ما الذي تنوون فعله ولكن لستُ خائفة منكم وأثبتّ لكِ هذا... أنا أيضاً أستطيع أذيّتكم.

 

- يا آنسة ... لا أحد يريد فعل شيء لكِ ... لا أدري لماذا تعلّقين أهميّة لهذا الهاتف... أخذتيه من إبني وهذا حقّكِ لأّن القانون يعطيكِ هذا الحق مع أنني وجدتُك صارمة جداً مع شادي فإنه شاب مهذب و...

 

- شادي مهذّب؟ دعيني أضحك! أتحاولين إقناعي أنّ إبنكِ خلوق وحسن السلوك؟

 

أم أنّكِ فعلاً تجهلين حقيقته؟ على كل حال لا تحاولوا إخافتي لأنني لن أعيد الهاتف مهما حصل. وإنتهى الحديث ُ هنا وعدتُ الي البيت. وفي طريق العودة بدأتُ أٌفكّر بما قالته لي عن ولدي. هل يُعقل أنني لا أعرفه جيّداً وأن أكون أخطأتُ بالحكم عليه؟ صحيح أنه كان صبيّاً شقيّاً في الماضي ولكن منذ بضعة سنوات تغيّر كليّاً ولم تأتيني أي شكوى ضده من أحد. في اليوم التالي عدتُ الي المدرسة وطلبتُ أن أرى المدير الذي أكدّ لي أنّ شادي ألطف وأفضل تلميذ عندهم وعلاماته دائماً مشرّفة. وعند خروجي من مكتبه قالت لي السكرتيرة بصوت خافت:

 

- لا تصدّقيه ... إبنكِ ليس كذلك...

 

- ماذا تعنين؟ كيف هو إذاً؟

 

- هو...هو...شرير! أنا لا أخاف منه لأنني كبيرة في السن ولم يبقى لي سوى أشهر حتى أتقاعد ولكن الآخرين... يخشونه.

 

ضحكتُ لهذا الوصف وسألتها:

 

- ولمَ يخاف أحد من تلميذ؟

 

-لأنّه يعرف أسرارهم... إنّه يسجّل كل شيء على هاتفه... ويصوّر أفلاماً عنهم...قلتُ لكِ... إنه شرير!! ومن بعدها يبتزهم... مقابل علامات عالية وإمتيازات. لوكنتُ مكانكِ...

 

- أنتِ لستِ مكاني ولا أسمح لكِ أن تختلقي الأكاذيب عن ولدي. كنتِ على حق بشيء واحد: أنتِ كبيرة في السن وعليكِ التقاعد وبسرعة!

 

وخرجتُ مستاءة من المدرسة ليس فقط لما سمعتُه ولكن لأن ّ ما كان يزعجني كان أنّ تحوّل شادي من صبي شقيّ إلى فتى هادئ وتصاعد علاماته كان مفاجئاً وفي ذلك الحين لم أنتبه لهذا الأمر لكثرة سعادتي ولكن الأن أرى أنّ هذا الأنقلاب لم يكن طبيعي. فهل كانت المدّرسة والسكرتيرة على حق؟ قررتُ مواجهة إبني بما أعرفه:

 

- شادي... أعرف كل شيء... أعرف أنّك تبتزّ كل من في المدرسة لتحسين علاماتك... أنا لم أنشأك هكذا فهذا عملاً سيئاً جداً!

 

حاولَ إنكار هذه التهم ولكن أمام إصراري إعترف بكل شيء :

 

- حسناً... هؤلاء الأشخاص أغبياء... يتكلمّون أمام التلاميذ فيما بينهم أو على هاتفهم دون أن يدروا أننا نسمعهم ... في البدء كانت دعابة من قبلي ولكن سرعان ما أدركتُ أنّه بمقدوري نيل الكثير منهم ... فالمدير مثلاً له عشيقة يدعوها " يا غزالي" وأستاذ الكيمياء يلعب بالميسر أمّا تلك المعلمّة التي أخذَت منيّ هاتفي الذي يحتوي على تسجيلات صوتيةّ وصوريّة فهي تحبّ الخمر أكثر من اللازم... كلّهم لديهم أسرار وأنا إكتشفتُها. ومنذ ذلك الحين أفعل ما أشاء وأنال أفضل العلامات! ألستُ ذكيّاً؟

 

-لا ليس هذا ذكاءً بل عملاً شريّراً يعاقِب عليه القانون. لو لم تكن قاصراً لسجنوك! ولم يخَف منكَ الجميع فتلكَ المعلمّة أثبتَت أنّها أقوى من إبتزازكَ... لا أدري من أين جاءتكَ هذه الفكرة ولكنّها سيّئة جدّاً!

 

- من الأفلام...

 

- إذهب الآن إلى غرفتكَ وحين يعود أبوك من عمله سأتكلمّ معه لنرى ما سنفعله بكَ... هيّا!

 

تفاجأ وغضبّ زوجي كثيراً عندما أخبرتُه بما حصل وخاب ظنّه بإبنا. قرّر إرساله إلى مدرسة داخليّة ليتعلّم النظام ولكنني فضّلتُ أن نعطيه فرصة لإصلاح نفسه. فذهبنا نحن الثلاثة إلى المدرسة حيث قدّم شادي إعتذاره للجميع ووعدهم بأنّه لن يكرّر فعلته. طلبتُ من المدير والأساتذة أن يعاملوه بقساوة وإعطاءه فقط العلامات اللتي يستحقّها. نحن الآن ننتظر لنرى إن كان قد فهِمَ مدى بشاعة عمله لنأخذ التدابير المناسبة.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button