ما إكتشفتُه عن صديقتي يفوق التصوّر!

كم يلزم للأهل مِن وعي لتربية أطفالهم بمنأى عن المخاطر التي تحيطهم لأنّ العالم مليء بأناس لديهم أمراض نفسية ينتظرون اللحظة المناسبة لينقضوّا على مَن هو أضعف منهم. وقصّتي هي قصّة كل أمّ عَرَفَت كيف تذهب أبعَد مِن المظاهر وأنقظَت إبنتها الوحيدة.

بدأت الأحداث سنين عديدة قبل ولادة إبنتي جنا عندما كنتُ لا أزال فتاة صغيرة وحين دخَلَت أميرة حياتي بعدما جاءَت لتتعلّم في مدرستي وفي صفّي بالذات. وسرعان ما ولِدَت بيننا صداقة كنّا سنحملها طوال مراهقتنا ومِن ثمّ سنين رشدنا. ولم يقدر أحد أو شيء التفريق بيننا لأنّنا كنّا دائماً على وفاق تام. ولكنّ المسكينة لم تكن محظوظة مع الرجال فبينما كنتُ أحظى بالكثير مِن الإهتمام كانت تبقى لوحدها ما ولّدَ فيّ شعور بالذنب ودفَعَني إلى إصتحابها معي أينما ذهبتُ. ولكثرة حبّها لي لم تبدِ إي إنزعاج وبقيَت تتمنّى لي التوفيق كلّما تعرّفتُ على أحد ما زادَ مِن إحترامي لها وتعلّقي بصديقة كهذه. وكان كل مَن يعرفنا يهنّؤنا ببعضنا ويدعو لنا بالوفاق الدائم.

ويوم أخبرتُ أميرة أنّ فارس الشاب الذي كنتُ أواعده يريد الإرتباط بي رسميّاً بدأَت تصرخ مِن الفرح ودعَتني إلى عشاء فاخر في مطعمنا المفضّل. وبعد فترة ليست بطويلة تزوّجتُ مِن حبيبي بعدما طلبتُ منه أن يعتبر أميرة فرداً مِن عائلتنا الجديدة. ولأنّه كان يعلم مدى تعلّقي بها وافقَ فوراً وبسرور لأنّه كان يقدّر كثيراً صديقتي ويحب رفقتها. وهكذا ورغم إنشغالي بعملي وببيتي الجديد إستطعتُ إبقاء علاقتي معها تقريباً كما كانت. وكنتُ أعلم أنّ أميرة ستتفهّم تماماً غياباتي عنها لِذا إستطعتُ التمتّع بالحياة الجميلة التي كانت بإنتظاري.

وبعد زواجي بأقل مِن سنة علِمتُ أنّني حامل وعندها أيضاً إحتفلتُ مع صديقتي بالخبر السار. وخلال تلك السهرة وعَدَتني أميرة بأنّها ستكون إلى جانبي خلال فترة حملي وبعد ذلك أيضاً خاصة أنّني كنتُ متعلّقة بعملي وإحترتُ كيف سأوفّق بينه وبين تربية الطفل.

 


ولأنّ أميرة لم تكن تعمل بسبب رخاء أحوالها وعَدَتني بأنّها ستتحوّل بكل سرور إلى حاضنة أطفال. وهكذا جَرَت الأمور. فبعد إنتهاء فرصة الأمومة القانونيّة عدتُ إلى عملي بعدما كانت أميرة قد لازمَتني وتعلّمَت كيف تهتمّ بالفتاة الجميلة التي أنجَبتُها. وكان زوجي ممنون جدّاً لهكذا ترتيب لأنّه كان أيضاً مِن الذين يفضّلون أن يكون الطفل برعاية أحد الأقرباء على أرساله إلى حضانة وتسليمه لغرباء.

ومرَّت الأيّام والأشهر بهدوء أرجع مِن العمل لأرى إبنتي بأحسن حال وأجلس مع صديقتي قبل أن تعود إلى منزلها. وكنتُ بالطبع أجلب لها الهدايا لأشكرها على ما تفعله وكانت تستاء دائماً منّي وتوبّخني لأنّها لم تكن تفعل سوى الذي تحبّه أي الإهتمام بإبنة صديقتها العزيزة.

وخلال تلك المدّة حاولنا أنا وزوجي أن نعرّفها على أحد ولكنّها كانت ترفض دائماً وإن إستطعنا إقناعها كانت تذهب معنا للقاء ذلك الشخص مِن دون حماس وتجلس صامتة طوال الوقت. ولم نكن نفهم إصرارها على بقائها وحيدة خاصة أنّها كانت حسنة المظهر وتعجب الكثير مِن الرجال. كل ما كنتُ أريده هو أن تحظى بحياة كحياتي لأنّني كنتُ بالفعل سعيدة بعدما رَزَقَني الله أفضل صديقة و زوج وإبنة.

ولكن هذه السعادة لم تدم طويلاً فبعد بضعة سنوات بانَت قصّة صعب تصديقها غيّرَت الكثير ممّا كنتُ أعرفه عن النفس البشريّة. كانت إبنتي قد بلغَت الرابعة مِن عمرها عندما حَصَلَ أمرٌ غريبٌ جداً.

كنتُ جالسة ألعب معها كالعادة حين قامَت مِن كرسيّها الصغير وجاءَت إليّ وصَعَدَت على حضني ووضَعَت يدها بشعري وقبّلَتني على فمي. أزحتُها جانباً ونظرتُ إليها بدهشة كبيرة وسألتُها لماذا فَعَلت ذلك فإجابَتني:"لأنّني أحبّكِ!"

ولأنّني لم أرِد أن أعطي أهميّة للأمر أمامها قلتُ لها أنّني أيضاً أحبّها ولكنّني أفضّل أن تقبّلني على خديّ. وإنتظرتُ بفارغ الصبر عودة فارس مِن العمل لأخبره ما حصل لأنّني إستنتجتُ أنّ إبنتنا كانت ربما قد تعيد ما رأته نفعله سويّاً. ولكن ردّة فعل زوجتي كانت أن ضَحِكَ وإعتبَرَ الأمر طريفاً ولكنّني طلبتُ منه أن يأخذ الأمر بجديّة وأن يحرص معي ألاّ ترانا جنا مجدّداً في اوضاع حميمة.

وشعرتُ بالذنب لأنّني كنتُ متأكدّة أنّني أبعد إبنتي عن مشاهدة هكذا أمور. وأخذتُ ألهيها لأنسيها ما شاهدَته ولكنّ الأمور أخذَت تتصاعد إلى درجة دفَعَتني للذهاب عند طبيبة نفسيّة تسكن في المبنى المقابل لأسألها عن رأيها وأطَمئن بالي. وهذا ما حصل بعدما قالت لي الأخصائيّة أنّ الأولاد الصغار وبسبب عدم قدرتهم على التعبير عن مشاعرهم قد يستعملون كل ما يرونه أو يسمعونه وأنّ تلك الحالة ستزول مِن تلقاء نفسها.

 


ورجعتُ إلى البيت وقلبي فرِح ولكن حين دخلتُ المنزل فوجئتُ بإبنتي وهي تداعب لعبتها بطريقة غير سليمة فسألتُها عمّا تفعله لكي أصحّح لها طريقتها في التعبير عن حبّها للعبتها كما أرشدَتني الطبيبة وهذا ما أجابَتني به صغيرتي:


ـ أفعل كما علّمَتني أميرة.

 

ـ ماذا؟ أميرة صديقتي؟

 

ـ أجل ماما... قالت أنّ هذا ما يجب أن نفعله لبعضنا حين نحبّ...

 

ـ و... كيف أرَتكِ ذلك؟

 

ـ فَعَلَت عليّ هذا وهذا وهذا... وطلبَت منّي أن أفعل لها نفس الشيء.

 

وكانت جنا قد دَّلت على أنحاء جسمها الحميمة ونظرتُ إليها وهي تلمس نفسها وكأنّني أشاهد فيلم رعب ومسكتُ نفسي كي لا أصرخ مِن الغضب والإشمئزاز وأخيف صغيرتي. وبعدما وضعتُها في فراشها إتصلتُ بفارس وطلبتُ منه أن يأتي فوراً ومِن الرجفة البائنة على صوتي عَلِمَ أنّ الأمر خطير جدّاً. وعند عودته أخبرتُه بالذي جرى ولكنّه لم يصدّق إبنتنا وقال:

 

ـ الأولاد يكذبون كثيراً ويتخيّل لهم أشياء لا تخطر على بال أحد... حبيبتي ... أميرة صديقتكِ وتعرفينها مِن فترة طويلة جدّاً... كيف تصدّقين أنّها تفعل ذلك بِجنا؟ تحبّها وكأنّها إبنتها!

 

ـ فكرّتُ بكل ذلك قبلكَ... ولكنّني ولا أعرف لماذا أصدّق إبنتنا... إصرار أميرة بِعدم مواعدة أحد قد يخبّىء إنحرافاً ما.

 

ـ لا تفسدي علاقتكِ بأميرة بسبب طفلة صغيرة... مِن المعروف أنّ المتحشّرين هم رجال وليس نساء!

 

ـ سأستشير أمّي.

 

ـ لا! تريدين أن تضحك عليكِ؟ لا تخبري أحداً وإنسي الموضوع كلّه! ولا أريدكِ أن تستمرّي بالكلام عن ذلك... إصبري قليلاً وسينتهي الأمر لوحده.

 

ولكنّني لم أقتنع بكلام زوجي وأخذتُ أفكّر بطريقة لكي أتأكّد مِن الأمر مِن دون أن أتّهم أميرة بأمر قد يكون وليد خيال واسع. وهكذا ذهبتُ في اليوم التالي إلى محلّ مختصّ بيع الآت مراقبة وإبتعتُ كاميرا صغيرة تمكّنني مِن رؤية ما يحصل عبر هاتفي الذكيّ. ووضعتُ الكاميرا في غرفة إبنتي وأخذتُ فرصة مِن عَمَلي دون أن أخبر أحداً بذلك وبدأتُ أقضي وقتي كلّه في سيّارتي قرب المنزل. في أوّل يومَين لم يحصل شيء وكنتُ قد بدأتُ أشكّ في صحّة شكوكي إلى حين قرّرَت أميرة بأن تتحرّك في اليوم الثالث. وما رأيتُه على شاشتي يفوق كل تصوّر: أسدَلَت المرأة ستائر غرفة جنا وإقتربَت منها وساعدتها على نزع ثيابها ومِن ثم تعرَّت هي الأخرى. وحين رأيتُ ذلك ترجّلتُ مِن سيّارتي وبدأتُ أركض في الطريق كالمجنونة لأصِل قبل أن تبدأ أميرة بِملامسة إبنتي. ودخلتُ البيت وأنا أصرخ:" توقّفي!" وحين رأَتني الخائنة واقفة أمامها قالت:"ماذا... ماذا تفعلينه هنا؟" وكان جوابي:

 

ـ أنقذُ إبنتي منكِ أيتّها المريضة!

 

وصَفَعتُها بقوّة هائلة وبدأَت إبنتي المسكينة بالبكاء ثم أخذتُ ثياب أميرة ورميتُها خارج الغرفة وأمرتُها بالرحيل قبل أن أقتلها بيديّ.

وبعدما خرجَت المجرمة عانقتُ جنا وهدّأتُها وألبستُها ثيابها وأخذتُها فوراً إلى الطبيبة النفسيّة لكي تعالج ما حصل بطريقة سليمة ولكي لايؤثّر عليها شيئاً في المستقبل. وعلِمتُ مِن الأخصّائيّة أنّ رغم قلّة عددهنّ هناك فعلاً نساءً منحرفات وأنّه مِن المرجّح أنّ أميرة عانَت بطفولتها مِن تحرّش أحد أفراد عائلتها وأنّها تعيد الشيء نفسه مع جنا لِتمحي مِن عقلها كل ما مرَّت به وهي صغيرة. وعندما عادَ فارس مِن العمل أخبرتُه بما جرى وأرَيتُه التسجيل وعملتُ جهدي لكي لا يذهب إلى أميرة ويقتلها.

لقد مرّ على هذه الحادثة حوالي الخمس سنين ولم أرَ أميرة مجدّداً أو أسمع منها خبراً. أمّا بالنسبة لِجنا فهي بخير بفضل جلسات المعالجة ومساندتي الدائمة. أرجو فقط ألاّ تحمل هذه الإعتداءات معها حين تصبح في عمر أكبر.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button