لولا صديقتي لما نجوت من زوجي الكاذب

في نظر الجميع كان الرجل المثالي، وكان جيرانه يحلفون بحياته وشقيقاته، ويصوّرنه كملاك. أمّا أنا فكنت يافعة وساذجة وغير قادرة على التمييز بين الرجل الصادق والرجل الكاذب.

بعد زواجنا سكنّا في شقّة بالقرب من منزل العائلة الكبير، ممّا سمح لوالدته وشقيقاته بأن يُبقينَ أعينهنّ مفتوحة عليه وعلى زوجته الجديدة. لم تدم تلك الحياة الجميلة المثالية طويلاً، فسرعان ما أدركت أنّني اتّخذت الخيار الخاطئ لأنّ زوجي كان زير نساء، لم يتزوّج إلاّ ليرضي والدته ولينتهي من ضغوط العائلة. لكنّني لم أكتشف الأمر إلاّ في وقت لاحق وكنت قد أصبحت حاملاً!

راح زوجي ينزعج من كل كلمة أقولها وكل حركة اقوم بها، وكان يختلق المشاكل ليغلق الباب بقوة خلفه ولا يعود إلاّ في وقت متأخر عند المساء، هذا إن لم يكن في اليوم التالي. وحين كنت أشتكي أمام عائلته، كان الجميع يتذرّعون بأنّ له أسبابه وبأنّني لا أعرف كيف أتعاطى معه.

في أحد الأيام، إضافةً إلى الخيانات المتعدّدة، فاجأته وهو يتعاطى المخدّرات. وبدلاً من أن يشعر بالذنب، نظر إليّ قائلاً:

 


- هل تريدين منها؟ قد تريح أعصابك قليلاً!

 

فاتحت أمّه بالأمر وكان ردّها أنّ سلوكاً كهذا لا ينمّ سوى عن رجل تعيس في زواجه... بما أنّني يتيمة لم يكن عندي أحد أشكو له همومي، لذا قرّرت أن أصبر على مضض، آملةً أن يتغيّر بعد ولادة ابنتنا ويتحمّل مسؤولياته كزوج وأب. ولكن ومع ولادة إليز أخذ زوجي لنفسة غرفة وحده بحجة أنّ صراخ الطفلة يزعجه ويمنعه من النوم. 

على الصعيد المالي، لم يكن الوضع أفضل بكثير، إذ خسر وظيفته بسبب تأخّره وغيابه المتكرّر، وما عاد المال الذي تمنحه إيّاه والدته يكفينا لنعيش. لكن من أين له المال ليؤمّن المخدّرات ويدفع مصاريف مشاريعه؟ لم أعرف أيّ شيء، لا بل خشيت من أن يكون ذاك المال نتيجة مردود غير شرعي. والأسوأ من هذا كلّه أنّه منعني من العمل وذلك بلا شك حتى أظلّ تحت رحمته محبوسةً في المنزل.

استمرّ الوضع على هذه الحال إلى أن رفع يده عليّ فقلت "كفى" وقرّرت الحصول على الطلاق. حاولوا منعي بشتّى الوسائل لكنّني أصررت إذ من المستحيل أن نكمل، ابنتي وأنا، العيش في ظلّ تلك الظروف. لكن، بسبب عدم توافر الإثباتات الملموسة للخيانة ولعدم المسؤولية كأب وزوج، حكم القاضي بالحضانة المشتركة لابنتنا. لم يشأ أحد أن يشهد معي، لا الجيران ولا الأصدقاء.

لكنّ الأسوأ حصل، فنظراً لوضعنا المالي، وجَب علينا البقاء تحت سقف واحد إلى أن نجد المال اللازم لنغيّر مسكننا... هذا كان قرار المحكمة. طلبت الطلاق لكي يخرج من حياتي وها أنا أجد نفسي مجبرةً على مشاطرة يوميّاتي معه! بدا لي أنّ الفكرة قد أعجبته. استقدم عمّالاً وقسم الشقة: مدخل مشترك ثم ممرّان يؤدي كلّ منهما إلى غرفة نوم مزوّدة بمطبخ صغير وحمّام. راح يتصرّف على هواه وكأنّه إنسان عازب. أمّا ابنته فلحسن الحظ أنّه محاها من وجوده منذ زمن بعيد. كان عليّ إيجاد عمل لأنّه تمنّع عن منحي فلساً واحداً.
وبدأت الليالي تتوالى مع الموسيقى الصاخبة والمشروب والفتيات... فعلت ما بوسعي لحماية إليز لكن نادراً ما كنّا نتمكّن من النوم قبل الفجر بسبب الضجيج والضحكات. وأغرب ما في القصّة أنّ أحداً لم يرَ في الأمر سوءاً لدرجة أن صرت في بعض الأحيان أشك في ذاتي.
في إحدى الليالي حاول أحد أصدقائه أن يفتح بابي بالقوة لكنّني صرخت عالياً ممّا أجبره على الابتعاد، ثم سمعت زوجي السابق يقول له:

 

- لا تتعب نفسك فهي باردة كلوح الثلج!

 


ما عاد الوضع يحتمل الانتظار لأنّني شعرت بالخوف على نفسي وخاصّة على إليز التي كانت في الرابعة عشرة من عمرها. كان عليّ إيجاد حلّ من دون تأخّر ولكن لم يخطر ببالي أن تساعدني في هذا واحدة من صديقاته!

قابلتها في إحدى الأمسيات وأنا داخلة إلى المنزل فالتقت نظراتنا وصرخت هي:

 

- مارغو هذه أنتِ؟! ألم تعرفي من أكون؟ أنا هالة صديقتك من أيام المدرسة! ماذا تفعلين هنا؟

 

من تعابيري عرفت أنّني زوجة صديقها السابقة.

 

- إذاً هذه أنتِ... لم أستمتع يوماً بالمزاح الذي كان يدور حولك بل على العكس لطالما قلت إنّ تلك المرأة المسكينة لا تستحق ما يحصل معها. ولكن لمَ تقبلين بالوضع؟

 

- بلا إثبات لا يسعني فعل شيء ولا أحد يقبل أن يشهد معي.

 

- وأنتِ، كيف تتمكنين من إقامة علاقة معه؟ لقد تغيّرتِ كثيراً...

 

- بسبب أشخاص مثله... تبدأ المسألة بالمرح والتسلية قليلاً ثم تتطوّر الأمور ولا يسعنا التراجع. لا أحد يدري ما تخبّئه له الحياة!

 

وقبل أن ترحل غمرتني طويلاً وعيناها مغرورقتان بالدموع. بعد مرور أسبوع، رأيت ظرفاً مرّره أحدهم من تحت باب غرفتي وفي داخله سلسلة من الصور اللا أخلاقية لزوجي السابق وهو يحتفل في المنزل محاطاً بالفتيات وتظهر المخدّرات والمشروبات بوضوح على الطاولات. حُجبت وجوه كل الأشخاص الموجودين في الصور باستثناء وجه ذاك الحقير. أخيراً صار الدليل بين يديّ! لقد شارف العذاب الذي استمرّ 14 عاماً على نهايته!

أجبر زوجي السابق على ترك المنزل والتخلّي عن حقّه بحضانة إليز. بهذه الطريقة، انفتحت أمامي أبواب حياة جديدة، وبصراحة لم أعرف من أين أبدأ. وددت شكر هالة التي لم أرها بعد ذلك. لقد أعادت لي حرّيتي، ومن خلال مساعدتي كفّرت عن ذنوبها. نعم، كانت هالة على حقّ: لا أحد يدري ما تخبّئه له الحياة!                                                    

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button