لهذا السبب كنت أحارب الرجال

لقد تعاطيتُ باكراً مع جمعيّات نسائيّة، حتى أن قرّرتُ أخيراً تأسيس جمعيّة خاصة بي وبأفكاري المعادية للرجال. والجدير بالذكر أنّني، وعلى عكس ما قد يعتقد البعض، لم أقَع ضحيّة أيّ غبن أو تعدٍّ من أيّ رجل، ولكن حالة المرأة في العالم وخاصة في الشرق الأوسط حمَلَتني على الدّفاع عن الجنس اللطيف، وكلّ ما كان عليّ فعله هو النظر مِن حولي لرؤية ما يحصل. فبعد أن أنهَيتُ دراسات عليا وعملتُ في مؤسّسات كبيرة، كان قد حان الوقت لإثبات وجهة نظري.

كنتُ قد عمِلت كلّ ما بوسعي لإنجاح مؤتمر ضخم، مِن حملات اعلاميّة وإعلانيّة إلى زيارات لِجمعيّات حماية المرأة. فبعد أن ألقيتُ كلمتي عن التعدّيات العديدة التي يُمارسها الرجال على النساء وصفّق لي بقوّة جميع الموجودون، شعرتُ أنّني أتممتُ مهمّتي على أكمَل وجه. واستطعتُ حينها العودة إلى شقّتي لأرتاح والإهتمام بهرّي الصغير الذي ملَّ مِن غياباتي المتكرّرة. كان ذلك الهرّ هو رفيقي الوحيد ولكن كنت أفضلَه على خلاف الرجال الذين، وكما تبيّن لي، هم غير قادرين على احرام الإناث والإخلاص لهنّ.

وفي تلك الليلة نمتُ على صوت خرير هرّي، رجل حياتي، والبسمة على وجهي. ولكنّني كنتُ بعيدة كلّ البعد عن التصوّر بأنّ حياتي ستتغيّر وبشكل جذري في صباح اليوم التالي.

 

فلقد استيقظتُ على ضجيج قادم مِن الشارع، وعندما ركضتُ إلى الشبّاك لأرى ما يحصل وجدتُ شاحنة نقل ضخمة مركونة تحت شقّتي وعمّالاً عدد يُفرغون محتوياتها ويحملونها داخل المبنى. وكلّ ذلك بدون أيّ اعتبار للسكّان أو راحتهم. وخلال لحظة إرتديتُ ثيابي ونزلتُ السلالم بِسرعة وصرختُ عاليًا:

 


ـ هل فقدتم عقلكم؟ ماهذا الضجيج؟ الوقت لا يزال باكرًا جدًّا!

 

وتقدّم نحوي رجل كان على ما يبدو يُدير العمليّات وأجابَني:

 

ـ عفوًا آنستي... أو سيّدتي...

 

ـ آنسة مِن فضلكَ... ليس ذلك مهمًّا... ما بالكم تزعجون الناس هكذا؟

 

ـ لقد استأجرتُ شقّة في الطابق الأوّل و...

 

ـ في الطابق الأوّل؟ أنا أسكن هناك!

 

ـ إذًا اسمحي لي أن أقدّم نفسي... ماجد ع ، جاركِ الجديد.

 

ونظرتُ إليه بتمعّن. كان الرجل وسيمًا وعلى ما يبدو في الأربعين مِن عمره. ولكنّه كان مِن هؤلاء الذين يملكون ثقة زائدة بالنفس، وكنتُ أكره هذا الصنف مِن الرجال بسب خطورتهم واعتقادهم أنّ باستطاعتهم السطو على قلب جميع النساء.

سألتُه:

 

ـ ستسكن هنا لوحدكَ؟

 

ـ أجل... لم يمضِ وقت طويل على طلاقي... ولقد تعذّبتُ كثيرًا لِنَيله... سأخبركِ المزيد إن قبلتِ تناول العشاء معي الليلة في شقّتي الجديدة.

 

ـ هكذا إذًا؟ تعتقد أنّكَ ستجد فور وصولكَ امرأة أخرى بعدما تركتَ زوجتكَ لأنّها لم تعد تملك نضارة الشباب؟

 

ـ إسمعي، آنستي... لدَيّ ما هو أهمّ مِن أن أضيّع وقتي في التحدّث عن حياتي الشخصيّة مع عانس مثلكِ.

 

ودخلَ المبنى، وندمتُ لأنّني لم أصفعه على قلّة تهذيبه. وأخذتُ أفكّر بأنّني سأقضي حياتي قبالته وأراه طوال الوقت على السلالم وفي الردهة أو المرآب، وأدركتُ أنّ أيّامي السعيدة انتهَت.

 

ومرَّت الأيّام بدون أن أراه أو أسمع حسّه، وكنتُ قد بدأتُ أستعيد الأمل بقضاء حياة هنيئة حين التقَيتُ بماجد أمام باب المبنى. كنتُ عائدة مِن السوبر ماركت ووضعتُ أكياس أرضًا لأبحث عن مفتاحي. عندها قال لي:

 

ـ إسمحي لي أن أساعدكِ... لم أتعرّف على اسمكِ يا آنسة...

 

ـ حنان... وشكرًا لك، لكنّني لا أريد مساعدتكَ.

 

ـ إسمعي، آنسة حنان... أنا آسف على ما جرى في ذلك اليوم ولكنّكِ كنتِ جِدّ عدائيّة معي... وهذه ليست الطريقة المثاليّة لاستقبال قادم جديد إلى المبنى أو خَلق روابط سلمية مع جاركِ.

 

ـ أنتَ على حق... حياتكَ الخاصة هي شأنكَ...

 

ـ ممتاز! دعَوتي إلى العشاء لاتزال قائمة.

 

ـ ما بكَ أنتَ وهذه الدعوة؟ تطلّقتَ للتوّ وتريد إغوائي؟ أنتَ نموذج حيّ عن الرجل الشرقيّ! أكره صنفكَ!

 

وضحِكَ ماجد عاليًا وأبتعدَ بدون أن يساعدني بِنقل أكياسي.

عندها صرختُ له:

 

ـ مشيًا على الأقدام؟ ألا تملك سيّارة؟

 

ـ لم أعد أملك شيئًا! أنا ضحيّة المرأة وليس العكس!

 


وفي باقي الأيّام، إختصَرَت لقاءاتنا على مناكدات صغيرة. كان يُثير غضبي بملاحظات سخيفة، وكنتُ أجيبه بكلمات جارحة عن وضعه كرجل. وكان مِن الواضح أنّنا كنّا منجذبَيِن إلى بعضنا، ولكن كان مِن المستحيل أن أستسلم لمَن وصفتُه بالكازانوفا. وكنتُ أفكرّ دائمًا بالمسكينة زوجته التي ضحَّت مِن أجله قبل أن يرميها جانبًا لإكمال حياة العزوبيّة. وكان عليّ طبعًا تحصيل حقوقها بدلاً عنها.

وبعد أقلّ مِن شهر على قدوم ماجد إلى المبنى، سمعتُ أصوات شجار يدور على السلالم بين رجل وامرأة. وبالرغم من أنّني لم أكن يومًا حشريّة، ركضتُ لأرى ما كان يحصل. لصقتُ عيني على ثقب الباب، فرأيتُ ماجد واقفًا مع امرأة فائقة الجمال أمام باب شقّته. كانت المرأة منفعلة جدًّا وكان هو يُحاول تهدئتها. واستطعتُ سماع حديثهما بوضوح:

 

ـ لماذا تفعلين ذلك؟ حصلتِ على الطلاق... أخذتِ مالي والمنزل والسيّارة... ماذا تريدين بعد؟

 

ـ أريد القضاء عليكَ!

 

ـ ولكنّني لم أفعل لكِ شيئًا! مللتِ منّي... لم تقدّري تعبي... عملتُ ليّلاً نهارًا لِتكوني قادرة على شراء ما يحلو لكِ والعيش كما تحلمين.

 

ـ والسنوات التي قضيتُها معكِ؟ أليس لدَيها قيمة؟ لقد سرقتَ شبابي!

 

ـ كنّا نحبّ بعضنا وكنتِ سعيدة معي.

 

ـ أنتَ رجل مملّ... أريد أن أخرج وأسهر وأرقص حتى الصباح... أريد أن يكون لي أصدقاء كثر أشرب معهم وأغنّي... إسمع... طلبتُ مِن المحامي أن يُدقّق بكلّ ما تملك بعد... وسنجد شيئًا وسآخده منكَ... سآخذ كلّ ما لديكَ!

 

- لا أفهم سبب إصرارك على أذيّتي... قولي لِمحاميكِ ألا يُتعب نفسه فلم أعد أملك شيئًا.

 

ونزلَتْ المرأة السلالم بغضب ودخَلَ ماجد شقّته.

عندها ركضتُ إلى الشبّاك، ورأيتُ تلك المرأة تصعد سيّارة فخمة وتجلس وراء المقوَد وإلى جانبها شابّ جذّاب. إبتسمَت له وقالت له بضع كلمات، ثمّ قبّلَته بِشغف واختفيا عن نظري.

كان ماجد قد قال الحقيقة بما يخصّ طلاقه، وشعرتُ بذنب كبير بعدما ألصقتُ به تهمة زير نساء. عندها ركضَتُ أدقّ بابه. فتحَ لي وعينَاه مليئتان بالحزن. قال لي:

 

ـ إن أتيتِ لإهانتي فالوقت غير مناسب.

 

ـ ستكون القهوة جاهزة بعد 5 دقائق... وسأكون بانتظاركَ.

 

ـ هل أفهم مِن ذلك أنّكِ آسفة على معاملتكِ لي؟

 

ـ شيء مِن هذا القبيل.

 

وهكذا بدأت قصّة حبّنا، وأوّل قصّة حبّ في ما يخصّني، فأنا لم أثِق كفاية برجل مِن قبل لأعطيه قلبي أو حتى مشاعر ودّية. وبعد سنة تزوّجنا، ولم أندم على أختياري لِماجد.

بالطبع لم أتخلَّ عن نضالي إلى جانب المرأة، ولكنّني أدركتُ أنّ الرجال كلّهم ليسوا سواء، فمنهم مَن يحترم المرآة ويُكرّمها، وهناك مَن يُسيء معاملتها ويُهينها أو حتى يُعنّفها.

إنّ الطريق إلى بناء مناخ ثقة واحترام متبادل ما زال طويلًا، وأشكر ربّي لأنّه أرسل إليّ ماجد ليكون إلى جانبي طوال حملتي الشاقّة.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button