أجبرَني عصام زوجي على النزول من سيّارته في وسط الطريق. كنّا قد تشاجرنا كالعادة ولكنّها كانت أوّل مرّة يقلّل من إحترامي هكذا. مشيتُ مطوّلاً قبل أن أجد سيّارة أجرة وأعود إلى البيت. بكيتُ طوال الطريق وسألتُ نفسي كيف وصلَت بنا الحال إلى هذا الحدّ. عندما دخلتُ المنزل، كان قد وصلَ وأشعلَ التلفاز. لم ينظر إليّ حتى، فدخلتُ غرفة النوم وأوصدتُ الباب ورائي. من كان ليقول أن ذلك الوحش كان يوماً ما مغرماً بي حتى الجنون وعمِلَ المستحيل ليتزوّجني؟ إتّصلتُ بأمّي وأخبرتُها كيف رماني على الطريق وعمِلت على تهدئتي:
- إنّه زوجكِ... لم يمضِ على زواجكما سنة والكثير من الناس يتشاجرون خلال هذه الفترة... أذكر...
وبدأَت تروي لي قصصها مع أبي. شكرتُها على إستماعها لي وأقفلتُ الخط. ما لم تدركه والدتي هو أنّ عصام كان يخيفني عندما يغضب وينظر إليّ بعيون مليئة بالجنون وكنتُ أخشى أن يأتي يوماً ويفقد صوابه كليّاً. لم يضربني يوماً ولكنّني كنتُ أشعر أن ذلك سيحدث حتماً. صبرتُ على تصرّفاته، لأنّني أحبّه ولأنّني أردتُ إسترجاع ذلك الرجل اللطيف الذي إلتقيتُ به عند أصدقاء لي. وكل ما كنتُ أتمنّاه، هو أن يهدئ قليلاً لنعاود العيش معاً بسلام. كنتُ أشعر أنّ شيئاً ما كان يضايقه ويدفعه على التكلّم معي بإزدراء والتعامل معي بعنف. حاولتُ التحدّث معه مراراً لأعرف سبب تغيّره معي وكل مرّة كان يجيب:
- بمجرّد النظر إليكِ أشعر بأنّني إقترفتُ خطأً كبيراً... خطأ الزواج منكِ... وعندما أدرك أنّكِ ستبقين معي طوال حياتي يمتلئ قلبي بغضب عظيم!
- لماذا لا تطلّقني إذاً؟
- وأدفع لكِ مؤخّركِ أونفقة شهريّة؟ هناك طرق أخرى أقل كلفة...
وكنتُ أرتعب لسماع هذا التهديد المبطّن. الكل كان يقول أنّ له عشيقة ولكنّني لم أكن قادرة على تصوّره مع أخرى حتى أن عرضَت عليّ صديقتي صباح أن تتحرّى عنه من خلال مواقع التواصل الإجتماعي:
- أنا خبيرة في الموضوع... أستطيع العثور على أي شخص ومعرفة تحرّكاته. زوجكِ حتماً على تواصل مع أصدقائه وإن دخل عصام ولو مرّة شبكة الإنترنيت أستطيع الوصول إليه.
قبِلتُ معها فقط لإسكاتها ولكنّني كنتُ متأكّدة أنّ عصام وفيّ لي وأنّ تصرّفاته معي سببها نفسي فأمّه توفّت في مصحّة عقليّة بعد أن أمضَت فيها سنيناً عديدة. مرَّت بضعة أيّام ثمّ عادَت إليّ صديقتي صباح وعلى وجهها بسمة الإنتظار:
- ماذا قلتُ لكِ؟ أنا تحرّية بارعة! لقد وجدتُه! المحتال! قضيتُ ليالٍ بأكملها من دون نوم لأنّه لا يستعمل إسمه الحقيقي بل إسماً مستعاراً ولا ينزل صوراً له... وجدته عن طريق أناس آخرين وإستنتجتُ من أحاديثهم سويّاً أنّه هو. ثمّ دخلتُ صفحته وبعثتُ له طلب صداقة وأسرع بالقبول. وعندها إستطعتُ رؤية صوره وكل ما يمكنه أن يخفيه عنكِ.
- هيّا أخبريني!
- يظهر عصام في معظم صوره مع إمرأة جميلة ويبدوان حميمين جدّاً ومن التعليقات فهمتُ أنّ عدد كبير من الناس على علم بهذه العلاقة.
- الحقير! ولكن هذا لا يفسّر حقده تجاهي وعنفه المجّاني.
- دعيني أكمل... معظم التعليقات على صورهما تقول: "عقبال الفرحة الكبيرة" أيّ يتمنّى الناس لهما إتمام زواجهما.
- ماذا؟؟؟ لم يمرّ سنة على زواجه منّي ويريد إستبدالي بهذه السرعة؟ وهل الزواج نزوة أو مغامرة عابرة ينهيه المرء حين يملّ أو يجد شخصاً آخراً؟ ألهذا لم يكن يريد أن ننجب طفلاً؟ ما العمل الآن؟ قال لي أنّه لا يريد الطلاق... هل تعتقدين أنّه يفكّر بأن يتخلّص منّي بطريقة أخرى؟
- لا أدري... لن يكون الأوّل والأخير... دعيني أشغلّ دماغي العبقري فأنا مختصّة بإيجاد الحلول!
وغابَت مجدّداً وباتَ بالي مشغولاً بخيانة زوجي لي العلنيّة والإحتمال بأن يقتلني لكي يتزوّج من عشيقته. وجاءَني الحل من صديقتي التي هي أيضاً أمضَت وقتها بالتفكير. وصلَت في ذات نهار وهي تصرخ:
- الحلّ كان سهلاً ولكنّنا لم نفكّر به! عصام لا يريد تطليقكِ لأنّه يرفض دفع مؤخّركِ وفهمتُ منكِ أنّه مبلغ كبير.
- أجل... عندما عقدنا الزواج قال لي أّنني أستطيع طلب أيّ مبلغ كان لأنّه متأكّد أنّنا سنبقى سويّاً إلى الأبد وأنا من باب الممازحة دوّنتُ رقماً كبيراً جداً.
- حسناً... ولا يريد أن يدفع نفقة أو أيّ شيء من هذا القبيل... لهذا قد يستعمل أساليب أخرى أقلّ كلفة للتخلّص منكِ...
- هذا صحيح... للأسف...
- الحل بسيط! تنازلي له عن مؤخّركِ ولا تطلبي شيئاً وهكذا ستنفذين بجلدكِ ولن يعود لكِ زوجاً عنيفاً وخطيراً!
- أجل ولكن... كيف سأعيش؟ أنتِ تعلمين أنّ أهلي لا يملكون شيئاً...
- ستجدين عملاً فأنتِ لديكِ إجازة في التربية وألف مدرسة تتمنّى عليكِ... لا تخافي... ولا تنسي أنّ لديكِ صديقة ستساعدكِ على تخطّي محنتكِ... أخاف عليكِ منه... لا تتأخرّي...
كلامها كان منطقيّاً وحتى لو كنتُ سأمرّ بأوقات صعبة، كنتُ سأظلّ على الأقل على قيد الحياة. وأبلغتُ عصام برغبتي بالطلاق وبالتنازل عن كل شيء. وعند سماع هذا هدأ وللحظة رأيتُ فيه الرجل الذي أحبّني. قال لي:
- حسناً... سأعطيكِ الطلاق ويذهب كلّ منّا في طريق... إعلمي فقط أنني لستُ بهذه البشاعة... أدعو لكِ بالتوفيق.
وتطلّقنا وتركتُ البيت وعدتُ إلى أهلي الذين إستقبلوني بأيادي مفتوحة. وبعد فترة قصيرة باشرتُ بالبحث عن عمل لكي أجد المال لكي أعيش بكرامة. ولأنّني إمرأة صالحة وطيّبة وجدتُ بسرعة عملاً في مدرسة ولكن ليس كمعلّمة بل بالقسم الإداري وبدأتُ حياة جديدة. ومرَّت بضعة سنين على هذا النحو حتى أن حصل شيئاً لم أتوقّعه أبداً. كانت قد بدأت السنة الدراسيّة الجديدة وكنتُ أستقبل طلبات تسجيل التلامذة الجدد حين وقعَت عينيّ على إسم أحدهم: وليد عصام ب. هل يعقل أن يكون هذا الولد إبن زوجي السابق؟ نظرتُ إلى تاريخ الولادة وكان عاماً واحداً بعد طلاقنا ولكن ما فاجأني الأكثر هو إسم الأم: صباح ط. أي إسم صديقتي العزيزة التي أبلغَتني عن خيانة زوجي وساعدَتني على الطلاق منه بإقناعي بألّا أطالب بحقّي. أدركتُ في لحظة أنّني وقعتُ ضحيّة لعبة دنيئة حاكتها هذه اللعينة لإبعادي. وإنتظرتُ حتى يأتي يوم التسجيل وأرى الخائنين أمامي. لم يأتي سوى عصام وعندما رآني جالسة وراء مكتب الدخول إصّفر وجهه:
- ماذا تفعلين هنا؟
- أعمل لكي أعيش بعدما جردّتني من كل شيء أيّها الحقير وتزوّجتَ من أعزّ صديقة لي!
- لستُ فخوراً بنفسي ولكن تحصل أحياناً أموراً... ونجد أنفسنا داخل دوّامة لا مخرج لها...
- كفي أعذاراً! كنتَ تسيء معاملتي وتهينني وتهدّدني بالقتل!
- صباح هي التي طلبَت منّي أن أفعل هذا... تعلمين أنني إنسان مسالم ولا أؤذي أحد... قالَت أنّ عليّ إخافتكِ إن كنتُ أريدكِ أن ترحلي... هي أيضاً التي رفضَت أن أدفع لكِ مؤخّركِ...
- وأنتَ أطعتها... يا للمسكين!
- سحرَتني... هي التي جاءت إليّ وتحرّشَت بي... في البدء كانت مجرّد نزوة ثمّ وجدتُ نفسي سجين حبّها... إنّها مخيفة... عندما تريد شيء تعمل كل ما بوسعها للحصول عليه... صدّقيني عندما كنتُ أقسى عليكِ كنتُ أشعر بذنب كبير...
- والآن لديكَ ولداً... لم تكن تريد أولاداً منّي...
- هي التي منعَتني من الإنجاب منكِ... وإلّا تركَتني.
- هل أنتَ سعيد معها الآن؟
- أبداً... بعد الزواج تغيّر كل شيء... أصبحَت إمرأة قاسية وأنانيّة لا يهمّها سوى المال...
- نِلتَ جزاءكَ... إذهب من أمامي الآن... لا أريد رؤية وجهكَ القبيح بعد اليوم... إبحث عن مدرسة أخرى لإبنكّ... هيّا!
ورحلَ عصام. وبعد أن علمتُ سرّ تصرّفه الشنيع معي، شعرتُ بإرتياح كبير لأنّني لطالما ظننتُ أنّني السبب فيما حصل بزواجي وأصبحتُ جاهزة لأكمّل حياتي وأجد زوجاً أفضلاَ وأصدقاء حقيقيّين.
حاورتها بولا جهشان