لما لم تدعُني أخت زوجي إلى زفافها؟

...وأخيرًا نجحَت عمليّة التلقيح وحصَلَ الحَمل، وشكرتُ الله لأنّه سمَحَ أن أعرِف معنى الأمومة. عمَّت الفرحة عائلتَينا، وتركتُ لفترة محدودة عمَلي كَي لا أتعَب أو يحصلُ لي أيّ مكروه وأفقد الجنين. فتلك كانت فرصتي الأخيرة للإنجاب، إذ أنّ زوجي كان في البدء رافضًا للفكرة مع أنّه سيكون الأب البيولوجيّ وأنا الأمّ البيولوجيّة، أيّ أنّ لا خطَب في الذي نفعله. إضافة إلى ذلك، قالَ لي الطبيب ألا أُفكِّر بإعادة الكرّة لأنّ حَملي كان بحدّ ذاته عجائبيًّا.

كبُرَ بطني وكنتُ فخورة لأقصى درجة بحجمي الجديد، واشترَيتُ ملابس الحَمل الجميلة التي لَم أعتقِد أنّني سأحتاج إليها يومًا. وفي تلك الفترة، تحدَّدَ موعد زواج دنيا، أخت زوجي. كان جنيني على ما يبدو فأل خَير عليها، فالواقع أنّها لَم تكن صغيرة في السنّ، واعتقَدَ الجميع أنّها لن تجِد عريسًا. ولكثرة فرَحي لها، رحتُ أشتري لنفسي فُستانًا أنيقًا للمُناسبة وكلّ ما يلزَم وأريتُها أمتعتي. لكنّ دنيا نظرَت إليّ بتعجّب وقالَت:

 

ـ وهل تعتقدين فعلاً أنّكِ ستحضرين الزفاف؟

 

ـ لا عليكِ، فأنا والجنين نستطيع حضور الحفل، فلقد صارَ قويًّا كفاية.

 

ـ لَم أكن أتكلّم عن حالتكِ الصحّيّة!

 

ـ لَم أفهَم.

 

ـ لا أُريدُكِ في حفل زفافي.

 

ـ لماذا؟!؟ هل هذه دعابة؟

 

ـ أنا جدّيّة للغاية! إنّه فرَحي ولا أُريدُ أن يلتهي الناس بحَملكِ وبطنكِ الشنيع!

 

ـ الشنيع؟!؟ أنتِ تتكلّمين عن ابن أخيكِ.

 

ـ وإن كان؟ يوم زفافي يدورُ حولي ولن يدورَ حولكِ! إنّه يوم واحد ولن يتكرّر. لا أُريدُكِ معيّ. قولي إنّكِ لا تشعرين أنّكِ قادرة على الذهاب ولن يشكّ أحَد بشيء.

 

ـ لا أُريدُ الكذِب على الناس!

 

ـ ولا تستطيعين حضور زفافي عنوةً! يا لوقاحتكِ!

 

ـ إسمعي يا دنيا، مسألة حَملي باتَت أخبارًا قديمة، وأنا مُتأكِّدة مِن أنّكِ مُضطربة بسبب قرب زواجكِ، لِذا لن أغضب منكِ. ستكونين عروسًا رائعة! ما أستطيع فعله، هو البقاء جالسة طوال الوقت وعدَم التجوّل كثيرًا. ما رأيكِ؟

 

ـ أقولُ لكِ إنّني لا أُريدُكِ في زفافي! ما بكِ لا تفهمين؟!؟

 

ـ هل أخوكِ على علم بقراركِ؟

 

ـ أجل، وهو موافق معي.

 

تلك الجملة الأخيرة أثّرَت بي كثيرًا، فكيف لزوجي أن يوافق على عدَم حضور زفاف أخته فقط لأنّ بطني يُزعجُها؟ مِن المُتأكّد أنّ دنيا تكذب، وأنّ أخاها إمّا ليس على عِلم بشيء أو غير مسرور مِن قرارها. لِذا سألتُه عن الموضوع وهو قال:

 

ـ إسمَعي... لَم نُصدّق أنّ أختي وجدَت رجُلاً أخيرًا، وهي لا تُريدُ تقاسم يوم فرَحها معكِ! ألا تستطيعين فهمها؟ ماذا سيحصلُ لكِ إن بقيتِ في اليوم في البيت؟ لا شيء!

 

ـ لكنّني زوجتكَ ولي مكانة في عائلتكَ! ماذا سيقول الناس؟

 

ـ لن يقولوا شيئًا، فلدَيك عذر وجيه وهو حَملكِ. لا تُثيري المشاكل، أرجوكِ.

 

ركضتُ إلى أهلي وطلبتُ رأيهم، وهم اصطفّوا إلى جانبي طبعًا، فالموضوع لَم يكن منطقيًّا. لِذا قصدتُ حماتي لأعرفَ منها إن كانت هي الأخرى مِن رأي ابنتها وابنها. وهي قالَت لي:

 

ـ لطالما كانت دنيا ذات طبع صعب وتغار مِن الجميع. لا أدري إن كان السبَب قلّة جمالها أو قوامها غير الجذّاب، إلا أنّها كانت تثور ضدّ كلّ شيء وتبدأ بالبكاء عند كلّ صغيرة. فعلتُ جهدي لإعطائها ثقة بنفسها لكن مِن دون جدوى. حليفها الوحيد كان زوجكِ، فهو كان يُجاريها دائمًا ويُدافع عنها. عدَم حضوركِ الزفاف أمر غير مقبول، فأنتِ فرد مِن عائلتنا ونُحبُّكِ كثيرًا. سأرى ما يمكنُني فعله، لا تُبالي.

 

إرتاحَ بالي لدى سماعي كلام حماتي، وبقيتُ أتحضّر للمُناسبة. إلا أنّ زوجي عادَ في أحَد الأيّام إلى البيت غاضبًا لأقصى درجة:

 

ـ كَم أنّكِ ماكِرة! لقد رحتِ إلى أمّي وها هي الآن تفرضُ على دنيا وجودكِ في حفل زفافها!

 

ـ لستُ ماكِرة! أردتُ معرفة رأيها وهي وجدَت أنّ ما تفعله أختكَ أمر سخيف. أنا زوجتُكَ ولي الحقّ بالتواجد معكَ أينما تكون.

 

ـ إنّه يوم واحد! دعي أختي المسكينة تفرَح به!

 

ـ لو قالَت لي أمّكَ إنّ عليّ عدَم الذهاب لقبِلتُ بالأمر، لكنّها تفاجأت ورفضَت تصرّفات دنيا برمّتها. حماتي أذكى منكَ ومِن أختكَ!

 

ـ لَم أعهدكِ هكذا، يا للخَيبة. إسمعي... لن أدعكِ تفسدين علاقتي بأختي الوحيدة!

 

ـ الكلّ ضدّكَ وضدّ دنيا... لا أفهَم موقفكَ على الاطلاق. أنا لَم أعهدكَ هكذا يا عزيزي.

 

ـ دنيا كانت أختي قَبل أن أعرف حتّى أنّكِ موجودة على سطح الأرض!

 

ـ أنا أمّ ابنكَ!

 

ـ ها قد بدأنا! لَم يولَد ذلك الجنين بعد، وها أنتِ تستعملين ورقة "أنا أمّ ابنكَ"!

 

ـ إنّها الحقيقة وعليكَ الاعتياد عليها.

 

سكَتَ زوجي وانتهى الموضوع. مرَّت الأيّام واقترَبَ موعد الزفاف، واعتقدتُ أنّ الموضوع حُلَّ مِن تلقاء نفسه. إلا أنّني اكتشفتُ مذعورة أنّ الفستان الذي اشترَيتُه للزفاف تمّ تمزيقه وتمّ اتلاف حذائي الجميل وحقيبة يدي المُرصعّة بالخرَز. بدأتُ بالصراخ والبكاء لكثرة غضبي. ركَضَ زوجي ليرى ممّا أشكو، ووجدَني حاملة ملابسي المُقطعة وأنظرُ إليه باستنكار وكُره.

صرختُ به:

 

ـ ماذا فعلتَ أيّها الوحش؟!؟ ماذا فعلتَ؟!؟

 

ـ لا شيء! لا شيء على الاطلاق! هل تظنّين أنّني الفاعِل؟!؟

 

ـ ومَن يكون إذًا؟ فلَم يدخل أحدٌ غرفتنا سواكَ!

 

ـ ربّما أحَد الجيران.

 

ـ ماذا؟!؟ تتّهِم الجيران؟ وما الذي يدفعهم لتخريب ملابسي؟ أقسمُ لكَ أنّني سأنتقِم منكَ أيّها الوحش!

 

ـ أنتِ بالفعل مجنونة! هذا الزفاف يؤثِّر عليكِ أكثر مِن اللازم! فلقد صرتِ مهووسة به، ولن أستغرِب إن كنتِ قد مزّقتِ فستانكِ بنفسكِ! لماذا لا تنسين الموضوع وتمكثين في البيت خلال ذلك اليوم، فلقد تحلّين كلّ مشاكلنا هكذا.

 

بدأتُ بالبكاء، إلا أنّني صمّمتُ الذهاب مهما كلّفَ الأمر! لِذا رحتُ في اليوم نفسه إلى الأسواق، واشترَيتُ ملابس أخرى وحذاء وحقيبة يد، ثمّ أخذتُها عند أهلي شارِحة لهم ما حصَلَ، وطالبة منهم إخفاء أمتعَتي الجديدة إلى حين يأتي يوم الزفاف. حاولتُ معهم فَهم ما جرى، وكلّنا إتّفقنا على أنّ لزوجي يدًا بتدمير ملابسي. كنتُ غاضبة منه لأقصى حدّ، ووعدتُ نفسي بأن آخذَ موقفًا صارمًا حياله عند انتهاء الزفاف.

وجاء اليوم المُنتظَر! وحتّى ذلك الحين، كانت علاقتي بزوجي قد وصلَت إلى حدّ بشِع للغاية، إذ أنّنا لَم نعُد نتبادَل الكلام على الاطلاق. لَم يهمَّني الأمر، فكنتُ غاضبة منه لأقصى درجة، إذ أنّه لَم يفهَم أنّ على أخته احترامي وعدَم وضعي جانبًا حين يروقُ لها ذلك. أمّا بالنسبة له، فعليه الوقوف في صفّي وتقوية مكانتي كزوجته وأمّ ولده الذي عانَيتُ الكثير لجَلبه إلى الحياة.

لكن كانت هناك أمور لَم أكن لأعرفها في ذلك الحين، وأشكرُ ربّي أنّه فتَحَ عَينَيّ أخيرًا.

قصَدنا الصالة بجوّ مِن الصمت التام، وكنتُ أضحكُ في سرّي لأنّني نجحتُ في مُقاومة مُمانعة حضوري. كنتُ رائعة الجمال والأناقة، فملابسي الجديدة كانت أجمَل بكثير مِن التي أُتلِفَت وأغلى ثمنًا. للحقيقة، كنتُ أجمَل الحاضرات، والكلّ التفَتَ لدى دخولي وزوجي، ليس بسبب بطني بل لروعتي. عندها همَسَ لي زوجي في أذني: "كانت دنيا على حقّ، إنّكِ تسرقين الانتباه عنها. يا لكِ مِن إنسانة أنانيّة! المسكينة تنتظر هذا اليوم بالذات منذ سنوات طويلة!". لَم أُجِب طبعًا، فآخِر شيء أرَدتُه هو افتعال مشكل وإعطاء دنيا الحقّ بعدَم دعوتي. بل بقيتُ أبتسِم بالرغم مِن امتعاضي مِن الذي كنتُ أعتبرُه انسانًا عاقلاً ومُحبًّا.

جلَسنا إلى طاولتنا، أيّ طاولة العائلة، وجاء الجميع ليُلقي التحيّة عليّ. كنتُ سأُحافظُ على وعدي لدنيا بعدَم التجولّ بين المدعوّين، فأنا ألتزمُ دائمًا بوعودي.

دخلَت العروس وعريسها الصالة وسط التصفيق والزغاريد، وجلَسا إلى طاولتهما الخاصّة ولَم تنظُر دنيا إلى جهّتي بل بدَت لي مُرتاحة كثيرًا. فرِحتُ لها ضمنيًّا، ففي آخِر المطاف هي تصرّفَت معي بداعي القلَق، لأنّها أرادَت أن يكون ذلك اليوم مثاليًّا.

لكنّ زوجي ترَكَ الطاولة ولَم يعُد، فانتابَني القلَق. هل يُعقَل أن يكون غاضبًا منّي لِدرجة أنّه رفَضَ الجلوس إلى جانبي؟ إغتنَمتُ فرصة تواجد العريسَين في حلَبة الرقص لأفتِّش عن زوجي، فجِلتُ في كلّ انحاء الصالة والحمّامات حتّى خطَرَ لي أن أقصدَ الحديقة التي تُحيطُ بالمكان... فوجدتُه!

كان جالسًا مع صبيّة حسناء وهو مُمسك بِيدَها ويقولُ لها شيئًا في أذنها. صرختُ به: "ماذا تفعل؟!؟" وهو قفَزَ مِن مكانه لكثرة ذعره وتبلكَم لسانه. عندها سألتُ الصبيّة ما كان يقولُ لها زوجي وهي أجابَت:

 

- عذرًا سيّدتي، فلَم أكن أعلَم أنّه مُتزوّج... يا إلهي... طيلة تلك المدّة وهو يعِدُني بالزواج ويُعبِّرُ لي عن وفائه لي!

 

ثمّ عادَت إلى الصالة باكية فبقيتُ مع زوجي لوحدنا. سادَ سكوت طويل ورهيب وهو تفادى النظر إليّ، فقلتُ له:

 

ـ ألهذا السبب لَم تكن تريدُني أن آتي اليوم؟

 

ـ أجل... إسمعي... أنا أحبّ تلك الصبيّة إلا أنّني لَم أتواجَد معها حقًّا في أيّ مكان، بل كنّا نتكلّم فقط عبر الهاتف. تعرّفنا على موقع للتعارف، فدعَوتها إلى الزفاف لأراها وأُعرِّفها إلى العائلة.

 

ـ هل أنّ دنيا على عِلم بها؟

 

ـ أجل، ووعدَتني أختي بأنّها ستعمل جهدها لإبعادكِ عن الزفاف. هي التي أعطَتني فكرة تمزيق ملابسكِ.

 

ـ وأهلكَ؟

 

ـ ليسوا على عِلم بشيء بعد... أنا آسِف.

 

ـ لِمَا لَم تقُل لي إنّكَ لَم تعد تُحبُّني؟ وماذا عن جنيننا؟

 

ـ لَم أكن أريدُكِ أن تحمَلي، لأنّني عالِم بأنّني سأرحل يومًا، بل بقيتِ مُصرّة!

 

ـ وكيف تُريدُني أن أتكّهن أنّ زوجي لَم يعُد يريدُني، في حين أنّه يتصرّف معي كالعادة ويقولُ لي كلامًا في الحبّ؟!؟ أنتَ ماكِر كبير... أبقَيتَني معكَ لترى إن كانت تلك الصبيّة مُناسِبة أم لا! ما مُشكلتكَ معي؟!؟ ماذا فعلتُ لكَ لتتوّقّف عن حبّي وتُخطِّط وأختكَ ضدّي؟!؟

 

ـ لا شيء. سئمتُ منكِ فقط.

 

ـ أيّها الوغد!

 

وصفعتُ زوجي بقوّة، ثمّ عدتُ إلى الداخل مُبتسِمة كَي لا يعرفَ أحدٌ بالذي جرى، وكَي لا أُفرِّحَ قلب دنيا. عادَ زوجي إلى الطاولة فهمستُ في أذنه:

 

- لن تعودَ معي إلى البيت، بل إلى أهلكَ. كلّ شيء انتهى بيننا وسنُباشِر بالطلاق على الفور. وإن خطَرَ ببالكَ أخذ ولدَي منّي، فاعلَم أنّني سأكرّس حياتي لتدمير زوجتكَ المُستقبليّة وأولادكما. وإن لَم تُصدّقني، حاول وسترى!

 

تطلّقنا وأنجَبتُ ابني الحبيب الذي ربّيتُه مع أهلي. لَم يسأل عنه أبوه بل ركَضَ يتزوّج تلك الصبيّة بعد أن صالَحَها وأنجَبَ منها أيضًا ولَدًا. لَم يكن يهمُّني الأمر حقًّا، فما كان الأهمّ هو أنّ ابني يحملُ اسم أبيه وحسب، فالباقي كان مِن مهامي. لَم أتزوّج مِن جديد، لأنّ حياتي كما هي بالفعل مُمتازة: لدَيّ ولَد وأهل مُحبّون وأصدقاء وعمَل. هل أنّ زوجي السابق أيضًا سعيد؟ لستُ أدري ولا يهمّني الأمر على الاطلاق.

 

حاورتها بولا جهشان

 
المزيد
back to top button